العدد الثامن -

السنة الأولى، العدد الثامن، جمادى الأولى 1408هـ، الموافق كانون الثاني 1988م

الكتاب: الإسلام والحضارة الغربيّة

* المؤلّف: الدكتور محمد محمد حسين.

* الناشر: مؤسسة الرسالة /1975/ بيروت ـ 280 صفحة من الحجم الكبير.

يتألف الكتاب من مقدّمة وتسعة فصول. في المقدمة، يناقش المؤلف الكلمات الثلاث التي يتكون منها اسم الكتاب: الإسلام، والحضارة، والتغريب ويتناولها بالشرح والتوضيح.

يركز الكاتب في الفصل الأول على أن الصراع الفكري هو أخطر الصراعات التي يعيشها العالم الإسلامي، لأن الظروف السياسية والاقتصادية كثيرة التقلُّب وسريعة التبدّل، أمّا التغيير الفكري والحضاري، فهو بطيء في سريانه وفي تفاعله، ولكنه في الوقت نفسه طويل المدى في تأثره. فالتغير السياسي أو الاقتصادي قد يحدث فجأة بين عشية وضحاها، بسبب ضغوط اقتصادية أو حربية أو نفسيّة لهذا أو لذاك من الأسباب، وفي هذه أو تلك من الصور والأساليب الظاهرة أو الخفية. وبمقدار ما هو سريع في التغيّر والتقلّب، فهو سريع أيضاً في زوال آثاره، بحيث تبدو الأمور حين تزول أسباب هذا التغيّر وكأنه لم يكن. أما الصراع أو التفاعل الفكري والحضاري، فهو لا يتمّ بهذه السرعة…“.

“إن التغيّر الفكري والحضاري إذا تمّ عميق الجذور وصعب العلاج، بقدر ما هو بطئ التفاعل والتحوّل. وذلك لأنه لا يهجم على النفس دفعة واحدة، ولكنها تتشرّبه آناً بعد آن، ويسري فيها بطيئاً سريان الغذاء في الأبدان”.

الغزو الفكري

ويشرح المؤلف ظروف تأثر العالم الإسلامي بالحضارة الغربية، وانبهار بعض المسلمين في نهاية القرن الثامن عشر بالنهضة الصناعية التي توصّل إليها الغرب. فالأمم بنظر المؤلف مؤثرة في فترات قوّتها بينما تتأثر في فترات ضعفها، “… لذلك أفاد المسلمون من هذا الصراع (الفكري والحضاري) حين كانوا أمّة قوية قاهرة في صدر الإسلام، بينما خسروا في الصراع المعاصر الذي نقلوا فيه ما نقلوا وقلّدوا ما قلّدوا من موقع الضعف، متوهمين أن كل ما عند غيرهم من الغُزاة الأقوياء خيرٌ مما عندهم“.

وبعد عرض صغير لمراحل نقل الحضارة الغربية إلى العالم الإسلامي في أواخر القرن الثامن عشر وأوائل القرن التاسع عشر، يتطرّق المؤلف إلى البعثات التي أرسلت إلى المجتمعات الأوروبية، والتي تأثر أفرادها بالحضارة الغربية فعادوا ينشرون الأفكار التي حملوها معهم من الغرب، ويعملون على الترويج لها ومن هؤلاء رفاعة الطهطاوي وخير الدين التونسي. ويقوم المؤلف بعرض بعض آراء وأفكار الطهطاوي والتونسي لأهمية هذين الشخصين ودورهما في جلب البذور الغربية إلى التربة الإسلامية.

أفكار جديدة

يقول الدكتور محمد حسين: “للمرة الأولى في البيئة الإسلامية نجد كلاماً عن “الوطن” و”الوطنية”، و”حب الوطن” بالمعنى القومي الحديث، والذي يقوم على التعصّب لمساحة محدودة من الأرض يراد اتخاذُها وحدة وجودية، يرتبط تاريخُها القديم بتاريخها المعاصر، ليكوّنا وحدة متكاملة، ذات شخصية مستقلة تميّزها عن غيرها من بلاد المسلمين وغير المسلمين. وللمرة الأولى نجد اهتماماً بالتاريخ القديم يوجّه لتدعيم هذا المفهوم الوطني الجديد. وللمرّة الأولى كذلك، نجد عند كل من الطهطاوي وخير الدين كلاماً عن الحريّة بوصفها الأساس في نهضة أيّة أمة وفي تقدّمها، ولأول مرة نجد دعوة إلى وضع مدوّنة فقهية واضحة محدودة، في صورة مواد قانونية على نمط المدوّنات القانونية الأوروبية. ولأول مرة تُنقل إلى المسلمين النظريات الثورية، ولأول مرة نرى عرضاً للنظم الاقتصادية الغربية التي تقوم على المصارف والشركات… ونرى بعد ذلك كلاماً كثيراً عن المرأة ولا شك أنه من وحي الحياة الاجتماعية والأوروبية، مثل تعليم الفتيات، ومنع تعدد الزوجات، وتحديد الطلاق، واختلاف الجنسين“.

وكنموذج عن هذه الأفكار الوافدة، يوجز المؤلف أفكاراً من كتاب الطهطاوي “تخليص الإبريز في تلخيص باريز”، والذي كتبه أثناء إقامة في فرنسا، ومن كتابات خير الدين التونسي.

تربية الأجيال

في الفصل الثاني ينتقل المؤلف للحديث عن “التغريب”، وظروف طبع العالم الإسلامي بأفكار الغرب. ويعرض للمناهج التي اتبعها الغرب في غزوه الثقافي للعالم الإسلامي، ويلخصها بثلاث وسائل: الأولى تربية جيل من المسلمين وتنشئتهم تنشئة خاصة تقرّبهم من الغرب ومثال على ذلك إنشاء “كلية فكتوريا” لتربية جيل من أبناء الحكام والزعماء والوجهاء في محيط إنجليزي، ليكونوا من بعد أدوات للمستعمر الغربي في إدارة شؤون المسلمين، وفي نشر الحضارة الغربية.

الوسيلة الثانية هي العمل على تطوير الإسلام نفسه وإعادة تفسيره، بحيث يبدو متفقاً مع الحضارة الغربية أو قريباً منها وغير متعارض معها على الأقل، بدل أن يبدو عدواً أو معارضاً لقيمها وأساليبها.

والوسيلة الثالثة تعتمد على تعارض العرب من الشاميين الذين كانوا لا يشاركون المسلمين الولاء للحكم الإسلامي ـ آنذاك، وهي الدعوة العلمانية الغربية.

دعاة للتغريب

ويدعو الدكتور حسين إلى إعادة النظر في تقويم الرجال، “لأنّ كثيراً ممّن نعتبرهم دعائم النهضة الحديثة لم يصبحوا كذلك في أوهام الناس إلا بسبب الدعايات المغرضة… والواقع أن كثيراً من هؤلاء الرجال قد أحيطوا بالأسباب التي تبني لهم مجداً وذكراً بين الناس. ولم يكن الغرض من ذلك خدمتهم، ولكن الغرض منه كان ولا يزال خدمة المذاهب والآراء التي نادوا بها والتي وافقت أهداف الاستعمار ومصالحه“.

ويدعو المؤلف إلى الانتباه لخطورة الدعوة لتطوير الإسلام، “ورأينا صدى ذلك فيما كتبه الطهطاوي وخير الدين التونسي… ثم أن الدعوة أصبحت من بعدُ على يد محمد عبده ومدرسته، ولا سيّما رشيد رضا…”.

قطبان تاريخيان

ويخصص الدكتور محمد محمد حسين الفصل الثالث لجمال الدين الأفغاني ومحمد عبده وأفكارهما. يقول: “الاهتمام بالأفغاني ومحمد عبده وأفكارهما. يقول: “الاهتمام بالأفغاني ومحمد عبده يستند إلى اعتبارين: أولهما هو أن الصورة الشائعة المعروفة عنهما بين الناس تخالف حقيقتهما. وهذه الصورة الشائعة تستمد وجودها وقوتها من الدعاية الدائبة التي لا تفتُر، والتي تسهر عليها قوى ومؤسسات قادرة ذات نفوذ. ولذلك كان الكشف عن حقيقتهما محتاجاً إلى مجهود كبير، وإلى مزيد من الدأب يقابل دأب الدعاية المبذولة في تدعيم مكانتهما، وثاني هذين الاعتبارين هو أن جلاء حقيقة الرجلين يتبعه جلاء حقيقة كثير من الأوهام التي تأصلت في نفوس الناس تبعاً لاستقراء شهرتهما فيها، فكشفُ الستر عنهما هو في الوقت نفسه كشف للستر عن أباطيل كثيرة ترتبط بهما، وتستمد قوتها وبريقها الخدّاع من شهرتهما ومن ارتباطها بهما“. ويبيّن الوجه الآخر للأفغاني وتلميذه محمد عبده مستنداً إلى براهين دامغة لا تترك مجالاً للشك بعمالتها للاستعمار.

ولا يسعنا إلا أن ندعو القراء، الكرام إلى قراءة هذا البحث من، الكتاب، لأننا مهما حاولنا تلخيصه، فإننا لن نفيه حقّه.

يلي ذلك حديث عن التغريب في دراسات المستشرقين، ففي الفصل الرابع حديث عن الشرق الأدنى ـ مجتمعه وثقافته، وفي الخامس عن الثقافة الإسلامية والحياة المعاصرة، وفي الفصل السادس يتحدث عن الإسلام في العصر الحديث. فينقل دراسات المستشرقين، مستشهداً بكتاباتهم عن عمليات التغريب في العالم الإسلامي.

آثار التغريب

أما في الفصول الثلاثة الأخيرة، فيتحدث المؤلف عن بعض آثار التغريب في العالم الإسلامي ففي الفصل السابع حديث عن الإسلام والعالمية. يقول المؤلف: “العالمية في الاصطلاح الحديث مذهبٌ يدعو إلى البحث عن الحقيقة الواحدة التي تكمن وراء المظاهر المتعدّدة في الخلافات المذهبية المتباينة. ويزعم أصحاب الدعوة إليها والقائمون عليها أن ذلك هو السبيل إلى جمع الناس على مذهب واحد تزول معه خلافاتهم الدينية والعنصرية لإحلال السلام في العالم محل الخلاف“. كما يوضح المؤلف الإسلام وموقفه من القومية وخصوصاً القومية العربية والأدب العربي، فينقض كلّ هذه الأفكار مستنداً إلى أدلة تنسف هذه الأفكار من جذورها، وتظهر فسادها على ضوء الكتاب والسنة.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *