العدد 347 -

السنة الثلاثون ذو الحجة 1436هـ – أيلول / ت1 2015م

مُدخلاتُ العملِ السياسيِّ الصحيحِ ومُخرجاتُهُ

بسم الله الرحمن الرحيم

مُدخلاتُ العملِ السياسيِّ الصحيحِ ومُخرجاتُهُ

 

   لا شكَّ أنهُ من المسَلَّمِ به أنَّ العملَ السياسيَّ لاستئنافِ الحياةِ الإسلاميةِ، بإقامةِ دولةِ الخلافةِ الراشدةً الثانيةً على منهاج النبوة، يهدفُ إلى إنهاضِ الأمةِ الإسلاميةِ نهضةً صحيحةً، أي إعادةِ هذه الأمةِ إلى مركزِها الطبيعيِّ بينَ الأمم، مركزِ الصدارةِ وقيادةِ البشريةِ كلِّها قيادةً مبدئيةً تضمنُ لها السعادةَ في الحياةِ الدنيا، والخلودَ في جناتِ النعيمِ يومَ القيامة، وتلكَ غايةٌ ساميةٌ يجبُ أن يحمدَ المسلمونَ اللهَ عليها، أنْ وَكَّلهم بها دونَ غيرِهم من البشر .

   والإسلامُ مبدأٌ عالميٌّ إنسانيٌّ أنزلهُ اللهُ تباركَ وتعالى ليرتفعَ بالإنسانِ من دَركِ الشهوانيةِ البهائِميَّةِ، إلى أوجِ العبوديةِ التي تُقِرُّ بربوبيةِ الخالقِ المدبرِ، ووجوبِ خضوعِ البشرِ جميعاً لنظامِ ربِّ العالمينَ طوعاً أو كَرهاً، قال اللهُ تباركَ وتعالى: (قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ ) ولذلك فلا يُتصورُ شرعاً ولا عقلاً أن تنجزَ الأُمةُ رسالَتَها هذهِ من غيرِ سلطانٍ يجمعُ شتاتَها في كيانٍ سياسيٍّ واحدٍ، يُقيمُ فيهم حكمَ الإسلامِ عقيدةً ومنهاجَ حياة، كما أنَّهُ لا يُتصورُ شرعاً ولا عقلاً أن يعودَ سلطانُ الإسلامِ ودولته بحملٍ عشوائِيٍّ غيرِ ممنهجٍ للدعوةِ الإسلاميةِ، بل لا بُدَّ من تكتلٍ سياسيٍّ يتبنى المبدأَ فكرةً وطريقةً، ويسيرُ وفقَ طريقةٍ شرعيةٍ دونَ حيدٍ قيدَ شعرةٍ عنها، ويتبنى مصالحَ المسلمينَ جميعاً. كما أنه لا يُتصورُ شرعاً ولا عقلاً أيضاً، أنَّ هذا التكتلَ قادرٌ على النهوضِ بالإنسانيةِ وحدهُ بمعزلٍ عن الأمةِ الإسلاميةِ، ومن هنا تتبلورُ لنا حقيقةٌ يجبُ أن لا تغيبَ ساعةً من نهارٍ عن ذهنِ حاملِ الدعوةِ، ألا وهي: إنَّ الأُمةَ الإسلاميةَ هي الوعاءُ الحاضنُ للحزبِ حينَ السيرُ في طريقِ النهوض، ومهما يكن من وقائعَ طرأت على المسلمين، وانحدرت بهم إلى موقعٍ من الانحطاطِ ومستوىً خطيرٍ من التبعيةِ للغربِ الكافرِ، إلا أنَّ هذا كلَّهُ لم يكن يوماً لِيحدُثَ بشكلٍ طبيعيٍّ، بل إنَّ حدوثَهُ مَرَّ ضِمنَ مؤامرةٍ أُحكِمت حلقاتُها، حتى وُلِدَ هذا الواقعُ على إثرِ عمليةٍ قيصريةٍ أنجبتهُ، وبذلك خرجَ المسلمونَ طائعين أو مُكرهين من عقالِ الانقيادِ لمبدئهم، وخضعوا لأنظمةِ المـُــلكِ الجبريِّ خضوعاً بوليسياً جعلَ للكافرِ المستعمرِ عليهم كلَّ سبيل.

   إنَّ دِقَّةَ العملِ السياسيِّ المبدئيِّ توجبُ سَبرَ أغوارِ الواقعِ المفروضِ على الأمةِ الإسلاميةِ بشكلٍ يُبَصِّرُ حملةَ الدعوةِ سبيلَ النهوضِ بالأمةِ، ويجمعُ فيه بين وُجوبِ ثباتِ الحزبِ على الطريقةِ الشرعيةِ دون حيدٍ عنها من جهة، وبينَ لغةِ الخطابِ الرعويِّ للأمةِ الإسلاميةِ من جهةٍ أخرى. والحاصلُ، إنَّ اختراقَ العقباتِ والحُجُبِ التي تقفُ سداً منيعاً أمام وصولِ المبدأِ وصولاً طبيعياً سيادياً إلى سدةِ الحكم، يقتضي المرورَ عبرَ ثلاثةِ محاور:

   المحورُ الأول: الصراعُ الفكريُّ مع المجتمع: صحيحٌ أنَّ الحزبَ قد قطعَ شوطاً عظيماً من الصراعِ الفكريِّ مع مكوناتِ المجتمعاتِ الإسلاميةِ، ذابت نتيجَتَهُ أفكارٌ وتآكلت أخرى، إلا أنَّ هذا لا يعني بحالٍ أنَّ المجتمعاتِ الإسلاميةَ قد خلت من كلِّ المفاهيمِ الباطلةِ والمغلوطة، ولنا أن نتصورَ قرناً منَ الانحطاطِ الفكريِّ وتداعياتِهِ على المسلمين، إنَّ عقوداً من العيشِ تحتَ وطأةِ الفكرِ الدخيلِ علينا أنجبت أجيالاً من الظلاميين يدعونَ إلى ظلماتِ الرأسماليةِ ومن قبلِها الاشتراكيةِ، وهم يَحسبونَ أنهم يحسنونَ صُنعاً، وأرتالاً منَ المضبوعينَ يَهرفونَ بما لا يعرفون، وأحزاباً وتكتلاتٍ من السياسيين ينعقونَ بأفكارِ الكفرِ ومشاريعه، بل وأحزاباً إسلاميةً سقطت هي الأخرى في جحرِ الضبِّ الذي سقط فيه الآخرون، ولما كان الصراعُ الفكريُّ مِن طريقةِ الإسلامِ في إيجادِ الرأيِ العامِّ الحاضنِ لفكرةِ الخلافةِ؛ كان التصادمُ العنيفُ بينَ الحزبِ ومكوناتِ المجتمعِ أمراً لا بُدَّ منه، والذي قد يتخذُ أشكالاً منَ المواجهةِ مع الأمة، منها الماديُّ أحياناً، وأبرزُها الفكريُّ في غالب الأحيان.  وما على حاملِ الدعوةِ حينئذٍ إلا أن يثبُتَ ثباتَ الجبالِ الراسياتِ، متمسِّكاً بفكرتِه وعاضّاً على طريقتهِ، يُظهرُ قوةَ الفكرِ وصلابةَ الموقف، ولا يرعوي لباطلٍ، ولا يستخذي أمامَ دُعاتِهِ، وفي نفسِ الوقتِ يُخاطبُ أُمَّتَه خطابَ الأبِ الحاني والأُمِّ الرؤوم، مستحضراً قولَهُ تعالى: (وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ) وقولَه تعالى: (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ) ومُتأَسياً بخيرِ البريَّةِ وهادي البشريةِ، وهو يُخاطبُ المجتمعَ القرشيَّ الكافرَ بقوةِ الفكرةِ التي أعيت بليغَهُم وأعجزت نبيغَهُم، فما استطالَ عليهم، بل كانَ كما وصفهُ ربُّهُ سبحانه وتعالى: (لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ). ففي الوقتِ الذي كان فيه النبيُّ – صلواتُ ربي وسلامُهُ عليه – لا يتهاونُ في دَحضِ أفكارِ الكفر وتهشيمِ معتقداتِ الجاهليةِ، كان لا يتوانى لحظةً عن طلبِ الهدايةِ لقومِهِ، بأسلوبٍ يجمعُ بينَ الحِلمِ والحزمِ، واللباقةِ والحسم، والصدقِ والعزمِ، يكفرُ بالجاهليةِ ويتبَرَّأُ منها ويدعو اللهَ أن يُعِزهُ بأحدِ العُمَريْنِ في آنٍ، حتى إنَّ ربَّهُ سبحانه وتعالى أَشفقَ عليهِ من شِدةِ إشفاقِهِ على قومه فقال: (فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا ) .

المحورُ الثاني: الكفاحُ السياسيُّ مع الأنظمةِ: إنَّ الكافرَ المستعمرَ يدركُ أكثرَ مما يدركُ كثيرٌ من أبناءِ المسلمين أنَّ عودةَ الإسلامِ وخلافتِهِ يعني ببسيطِ العبارةِ زوالَهُ عن الحلَبةِ الدوليةِ، بل وزوالَ كيانِهِ في عُقرِ دارِهِ،  ولذلك لن يألوَ  الكفارُ جهداً ولن يدَّخروا سبيلاً يئِدون بهما أيَّ ململَةٍ تُومِئُ ولو إيماءً بتغييرِ واقعِ المسلمين؛  لذلك لا بُد أن يستحضرَ حاملُ الدعوةِ هذه الحقيقةَ. لقد شيَّدَ الكافرُ المستعمرُ أنظمةَ الملكِ الجبريِّ على  عَينِهِ، واختارَ حكامَ المسلمين من بعدِ ما اطمأَنَّ إلى كفاءتِهم في ترويضِ شعوبِهم، ونباهَتِهِم في التربُّصِ بالمخلصين، وصلابَتِهم في تثبيتِ كياناتِهِم النَّتنة؛ فكانوا بِحقٍّ حُطَمةً يوردونَ شعوبَهُم المهالِك، وصبياناً سفهاءَ لا يفقهونَ في السياسةِ إلا ما يُملى عليهِم، والكفاحُ السياسيُّ هو: إيجادُ الأجواءِ السياسيَّةِ الممَهِّدةِ لاستلامِ الحُكمِ وإعلانِ قيامِ دولةِ الخلافةِ الراشدةِ الثانيةِ على منهاجِ النبوةِ، وذلك إِما بِتبَني حكامِ المسلمين أو آحادِهِم للفكرة – وهذا ما لم يكن – وإما بكشفِ هؤلاءِ الحكامِ أمامَ شعوبِهِم وفضحِ سياساتِهِم، والتي هي انعكاسٌ لمشاريعِ الكافِرِ المستعمرِ السياسيةِ في بلاد المسلمين، ولقد ظَلَّ  حزبُ التحريرِ منذ نشأتِهِ حارساً أميناً للأمةِ ومصالحِها ولا يزال، لا ينفكُّ ساعةً من نهارٍ ولا ليلٍ يُلاحقُ الوقائِعَ السياسيةَ، يقفُ عليها وِقفةَ الرائِدِ الذي لا يكذبُ أهلَهُ، ويُجَلِّيها على حقيقتها، ويُبَصِّرُ الأمَّةَ بها وبما ستؤولُ إليهِ من نتائِجَ لها ما وراءَها، فمن كشفٍ لعوارِ الناصريةِ، إلى فضحٍ لخوارِ البعثيةِ، ومن هتكٍ لِحُجُبِ الخيانةِ عن منظمةِ التحريرِ الفلَسطينيةِ ، إلى رصدٍ لحقيقةِ ثورةِ الخميني الأميركية، وبين هذه وتلك، آلافٌ من النشراتِ يحملها حملةُ الدعوةِ بسواعِدِهِم المتوضِّئةِ، مُتحدِّينَ بها دُولَ الكفرِ مجتمعةً، مستهترينَ بكلِّ قوى الشرِّ، يتقدَّمُهم تقيُّ الدينِ النبهاني، يتلفعُ بِبُردَتِهِ، يتنقَّلُ بين حواضِرِ الشامِ والعراق، يتوارى عن أعينِ القَتَّاتين، وعلى مثلِ حالِهِ كان  خلفُهُ أبو يوسف، والذي ما غادرَ هذه الدنيا حتى وطَّدَ أركانَ الدعوةِ فوقَ كلِّ أرضٍ وتحتَ كلِّ سماء، واليومَ عطاءُ الخير يقودُ مسيرةَ الخيرِ، لا ينفكُّ ساعةً عن كشفِ المستورِ، ويفضحُ كلَّ مؤامرةٍ حتى قبلَ وقوعِها .

وها هي رأسُ الكفرِ أميركا، بعدَ أن اهتزت مكانَتُها على المسرحِ الدوليِّ، وعلى أيدي المسلمينَ في العراقِ وأفغانستانَ، ها هي اليومَ مُضطرةً لتسوقُ دولاً أوروبيةً وراءَها، وتُوزعُ الأدوارَ على حكامِ المسلمين، ينفقونَ  أموالَهم ويجمعونَ خَيلَهم ورَجِلَهُم يَصدونَ الناسَ عن سبيلِ الله، وسبيلِ العملِ لإقامةِ دولةِ الخلافةِ، (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ) لذلك ينبغي أن يواصلَ حملةُ الدعوةِ كفاحَهُم السياسيَّ لا يفتُرون، وها هي ثوراتُ الأمةِ المباركةِ قد أوجَدَت مناخاً أكثر ملاءمةً للعملِ السياسي، وها هي ثورةُ الشامِ المباركةِ لوحدِها حيَّرت دهاقنةَ السياسةِ، وكشفت ما كان عسيراً علينا كشفُهُ بالأمس، ويوماً بعد يوم، يُبانُ لكلِّ غيورٍ على دينِهِ وأُمتِهِ أنَّ دولةَ الخلافةِ وحدها دونَ سِواها هي الحلُّ الجذريُّ لا لواقِعِ المسلمين وحسب، بل وللبشريةِ كلِّها .

المحورُ الثالثُ: طلبُ النصرةِ من أهلِ القوةِ والمنعة: بعد أن يصلَ المجتمعُ إلى حالةِ الجهوزيةِ لاستلامِ الحكم، أي بعد تحقُّقِ الرأيِ العام العازفِ عن أفكارِ الكفرِ ومفاهيمه، المقبلِ على أفكارِ الإسلامِ ومفاهيمه،  يأتي دورُ أهلِ القوةِ والمنعةِ ليحسموا الموقفَ، ويقلِبوا الطاولةَ في وجوهِ الكفارِ وصنائِعِهِم، إنَّ النُّصرةَ تعني في أبسطِ مدلولاتِها: تَلَقُّفُ ثُلَّةٍ كافيةٍ من أهلِ القوةِ والمنعةِ للفكرةِ المستضعفةِ بعد أن تصعدَ من بينِ حُطامِ الأفكارِ الباطلةِ إلى قمةِ هرمِ العملِ السياسيِّ. يعملون، أي أهل القوةِ والمنعةِ، على إيصالِ الفكرةِ إلى سدةِ الحكمِ، وذلك وفقَ شروطٍ أبرزها:

أ – تبني الإسلامِ كاملاً غيرَ منقوص، بعقيدتِهِ وأحكامِهِ، بفكرتِهِ وطريقتِهِ.

ب – الكفرُ والبراءَةُ من كلِّ الأفكارِ والمشاريعِ السياسيةِ القادمةِ من دولِ الكفر وعلى رأسها أميركا.

ج – السمعُ والطاعةُ في العسرِ واليسرِ والمنشطِ والمكرهِ لخليفةِ المسلمين الأولِ في الزمانِ الثاني.

د – الدقةُ والحرصُ الشديدَيْنِ في التعاطي مع كلياتِ وجزئياتِ أعمالِ النصرة.

ه – الاستعدادُ المسبقُ في بذلِ النفسِ والنفيسِ في سبيلِ إنجاحِ الأمر حتى ولو أدى إلى هلاكِ النفس.

إن النبيَّ – صلواتُ ربي وسلامُه عليه – بعد أن استوفَت الفكرةُ حقَّها في المجتمع، أي بعد أن وصلت الفكرةُ إلى قمةِ هرم العملِ السياسي، حيثُ ظاهرت قريشُ على دينِ الله، وتحجَّرَ المجتمعُ المكيُّ في وجهِ الفكرة، أخذَ عليه الصلاةُ والسلامُ يبحثُ عن قوةٍ ومنعةٍ تحتضنُ الفكرةَ وتحُفُّها، فكان ما كانَ من أعمالِ طلبِ النصرةِ، حتى استقرَّ الأمرُ عندَ الأوسِ والخزرجِ، لِينالوا سابقةً سبقوا بشرفِها كثيرين، يومَ أن قالَ قائلُهم: يا رسولَ اللهِ، اشترط لِربِّكَ ولنفسِكَ ما تشاء، فقال: أشترطُ لِربي أن تعبدوهُ ولا تُشركوا به شيئاً، وأشترطُ لنفسي أن تنصروني وتمنعوني مما تمنعونَ منهُ أولادَكُم ونساءَكُم وأُزَرَكُم، ولكم الجنة .

   نعم حتى تصلَ الفكرةُ إلى سدةِ الحكم ، ينبغي أن تنسجمَ مدخلاتُ العمل السياسيِّ مع مخرجاتِهِ، وكلُّ ذلك يكمنُ في السيرِ الصحيحِ على بصيرةٍ في العمل السياسي، وهذا يعني وجوبَ الالتزامِ بأحكامِ الفكرةِ والطريقةِ في كلِّ مرحلةٍ، إذ إنَّ كلَّ مرحلةٍ تُفضي إلى الأخرى. وبمقدار ما يكونُ النجاحُ في حُسنِ بناءِ جسِمِ الحزبِ وديمومةِ كيانِهِ يكون النجاحُ في تبليغِ الدعوةِ بشكلٍ قويٍّ مؤثِّرٍ. والنجاحُ في الأمريْنِ يُفضي إلى النجاحِ بإذن اللهِ في الوصولِ إلى أهل القوةِ والمنعةِ، وترجمةُ ذلك عملياً: أن يحملَ حاملُ الدعوةِ فكرتَهُ مؤمناً بها، صادقاً في حملها، لا يبتغي مغنماً من أحد، يقتحمُ الأهوالَ ويجتازُ الخطوبَ، مؤمناً بربِّهِ متوكلاً عليه، مُتأسِّياً برسولِه في صبرِهِ وثباتِهِ وحِلمِهِ وأَناتِهِ، مطيعاً لأميرهِ مُنضبِطاً في جِسمِ تَكتُّلِهِ، يسيرُ والخلافةُ تلوحُ أمامهُ، يُحدثُ الناسَ عن فتحِ روما كما لو كانت مفاتيحُها في يدِهِ، ويَقُصُّ عليهم معركةَ دخولِ البيتِ الأبيضِ كما لو كانَ يتبخترُ في فِنائِهِ، ولم يبقَ إلا أن أقول: اللهم استَعملْنا في طاعتِكَ وثَبِّتنا في حملِ دعوتِك. اللهم أكرِمنا بنصرٍ حبَسْتَهُ عن أقوامٍ سبقونا في العلمِ والفضلِ. اللهم إنَّ زرعَ الباطلِ قد نَما وآنَ حصادُهُ، فَيَسِّر له يداً في الحقِّ حاصدة. وآخرُ دعوانا أن الحمدُ للهِ رب العالمين .q

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *