العدد 432 -

السنة السابعة والثلاثون، محرم 1444هـ ـ آب 2022م

النظام السعودي يتولَّى الغرب ويتبع غير سبيل المؤمنين (تعيين محمد العيسى إمامًا وخطيبًا في عرفة)

أثار قرار تعيين الأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي وعضو هيئة كبار العلماء في السعودية محمد العيسى خطيبًا وإمامًا للحجَّاج هذا العام جدلًا واسعًا، ومن ثم تعالت أصوات المسلمين مطالبةً السلطات السعودية بعزله لأنه «مدخول في دينه وأمانته»، ومطالبة الحجاج بـ»العدول عن الصلاة مع هذا الرجل المفتون إلى الصلاة في مخيماتهم جماعة». على اعتبار أن إمامته للحجيج «تتضمن مفاسد شرعية وواقعية، وفيها مضادة لشرع الله وردٌّ لأحكامه» والتي تتمثل «في أنه لا يتولَّى الإمامة إلا مسلم خالٍ من العيوب القادحة في أصل دينه». ومما ساقوه بيانًا بذكر الأفعال التي قام بها و«تقدح في أصل دينه» وملخصها: تولِّيه للصهاينة، ومحبته لكاهن الهندوس، وصلاته على ضحايا الهولوكوست، وتحريضه على المسلمين في فرنسا، وشراكته لتوني بلير شريك بوش الابن في الحرب على الإسلام، والذي لا تهدأ عداوته للإسلام، وجهره بأن اليهود والنصارى إخوة…

الوعي: الكل في السعودية اليوم، إلا من غضب الله عليه، منصدم من المدى الذي وصلت إليه جرأة النظام السعودي في محادَّة الدين ومعاداته ومخالفته، والتي وصلت مؤخرًا إلى حدِّ تحدي الإسلام والمسلمين في العالم قاطبة بتعيينه محمد العيسى خطيبًا وإمامًا للحجَّاج الوافدين من كل أصقاع العالم… هذا الرجل المعروف بفسقه لما ذكر عنه ولما لم يذكر، ولا يقبله المسلمون، لا في السعودية ولا خارجها. هذا وقد قامت قيامة المسلمين وعلى نطاق واسع على هذا التعيين، معلنين اعتراضهم عليه، داعين إلى «العدول عن الصلاة مع هذا الرجل المفتون إلى الصلاة في مخيماتهم جماعة»، متحدثين عن عيوب عالم السوء هذا، والقادحة بأصل دينه وبأنه «مدخول في دينه وأمانته».

والصواب هو أنه كان عليهم، إلى جانب مهاجمتهم للعيسى وكشف وفضح مواقفه المخزية والمضادة للشرع بشكل سافر، أن يركزوا هجومهم على حكام السعودية الذين اتَّخذوا مثل هذا القرار وأصرُّوا عليه رغم الضجة الواسعة التي شملت العالم الإسلامي كله رافضة مثل هذا النموذج الشاذ في تمثيل المسلمين؛ إذ يعتبر صنيعتهم وبوقهم وداعي شرهم وأحد أذنابهم، ولا يمكن أن تفسَّر مواقفه إلا على أنها مواقف النظام نفسه، فهو يمثل من كلَّفه ولا يمثل المسلمين في شيء، وفسقه من فسق النظام: فهو كلف بأمر ملكي، وهو عضو في هيئة كبار العلماء بتعيينهم له، وهو عين وزيرًا للعدل، وصدر أمر ملكي بتعيينه مستشارًا بالديوان الملكي بمرتبة وزير، كما تقلَّد عددًا من المناصب المهمة؛ منها: نائب لرئيس ديوان المظالم، ورئيس للمجلس الأعلى للقضاء، ورئيس فخريّ لمجلس وزراء العدل، وأمين عام لرابطة العالم الإسلامي، ورئيس للهيئة العالميّة للعلماء المسلمين… وكل هذا كان من النظام السعودي نفسه، فهل يترك رأس الحية ويتم الانشغال بذنبها؟!. نعم، إن حكام السعودية هم من يقفون وراء هذا الرجل فهم أَولى بالمهاجمة، ولا شك أنه في تعيين النظام السعودي للعيسى للخطبة وإصراره عليه رسالة واضحة للغرب ولليهود ولكل أعداء الله أنه موالٍ لهم، وأنه يسير في طريق التحديث الغربي المتهتك المطلوب، ورسالة واضحة للمسلمين أنه يتولى غير سبيل المؤمنين.

ومما يجب لفت النظر إليه في هذا الأمر، هو أنهم بعد كل هذه الضجَّة التي قامت ضدَّ هذا الرجل المشبوه، جعلوه يؤم الحجَّاج من مسلمي العالم قاطبة؛ ومعلوم أن خطبة يوم عرفة في مسجد نمرة وإمامة الصلاة فيه يكون محور أنظار المسلمين في العالم وليس حجاج بيت الله الحرام فحسب؛ ولكننا نقول والحمد والفضل لله وحده إن السحر قد انقلب على الساحر، فقد استفاق المسلمون على كشف هذا الرجل، وعرفوا من يكون، وما موقعه في الخيانة لدين الله… وقرؤوا الكثير عن مثالب الأسرة المالكة في السعودية التي كانت تدَّعي الحكم بالإسلام، والتي كانت من أوائل معاول هدم الخلافة الإسلامية بالتواطؤ والعمالة للإنكليز، والتنازل عن فلسطين منذ بواكير التآمر عليها… وانكشف لهم دور العلماء الذين يسيرون مع النظام دون حيد عن أوامره مهما بلغت في البعد عن أوامر الله، وأقرب مثال على ما نقول هو ما صدر من تهنئة من الرئيس العام لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي الشيخ عبد الرحمن السديس، للعيسى بمناسبة «نيله الثقة الكريمة بتكليفه خطيبًا ليوم عرفة بمسجد نمرة لهذا العام». كما نقلت وسائل الإعلام عنه.

 ولعل من أكبر المغالطات المنتشرة لدى علماء السعودية هو ما يَشيع فيها من أن الحاكم فيها هو ولي أمر المسلمين ويجب طاعته مطلقًا، حتى ولو خالف الشرع في أمور قطعية بحجة أنه أعلم بمصالح المسلمين ورعاية شؤونهم. وهذا الادعاء غير الشرعي والفهم المغلوط للإسلام ولمحاسبة الحاكم ليس من الدين في شيء؛ إذ الطاعة المطلقة لا تكون إلا لله، ولرسوله بوصفه معصومًا مبلغِّا عن الله، وهو أمر لم يعهده المسلمون في زمن الخلافة الراشدة، ولا زمن القرون الأولى، ولا عرفه الفقه الإسلامي على مرِّ تاريخه حتى جاء الحكم السعودي هذا، واستغل المذهب الوهابي ليخالف الدين بما يشاء ومن ثم يستظل بمظلة عدم جواز مخالفته؛ لذلك نقول لا تحسبوا هذا الحدث شرًّا للمسلمين بل هو خير لهم، ومن خيره أن يستفيق علماء بلاد الحجاز إلى واقع الحكم السعودي ويقوموا بعملية التغيير الشرعية، وينضموا إلى غيرهم من المسلمين الذي سبقوهم بها؛ وعليه، فإنه لا بد من وجود فئة من العلماء الأتقياء في السعودية يجدِّدون هذا الفهم لتبدأ بهم عملية التغيير… إن مهمة العالم في معرفة الحق والقيام به والدعوة إليه قد أخذ الله الميثاق عليه. ونقول لهؤلاء العلماء المخلصين إن لكم إخوانًا قد سبقوكم بالدعوة إليه، وعملكم وعملهم واحد وهو إسقاط هذه الأنظمة الطاغوتية وإقامة حكم الله في الأرض مهما واجهكم من قتل واعتقال وتعذيب وتشريد وتشويه سمعة… فحسبكم طريق الرسول طريقًا للتغيير… ولعلها تكون بداية تشكيل عمل تغييري إسلامي مفقود ومفتقد إليه في هاتيك البلاد. التي أراد الله لها أن تكون طاهرة مطهَّرة إلى يوم القيامة، لا قرن شيطان… والله من وراء القصد.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *