العدد 425 -

السنة السادسة والثلاثون، جمادى الثاني 1443هـ الموافق كانون الثاني 2022م

استعادة سلطان الأمة بإسقاط الأنظمة واقامة الخلافة (2) (لأنظمة العلمانية والسلطان المصطنع)

المهندس :ناصر وحان اللهبي – اليمن

منذ أكثر من مائة عام والأمة ترزح تحت حكم الطواغيت الذين صنعهم الكافر المستعمر على عينه، والذين يحكمون الأمة بالكفر والضلال والظلم والفجور والطغيان، إن سلطان هذه الأنظمة ليس شرعيًّا، وليس له الصفة الشرعية المبنية على قاعدة «السيادة للشرع والسلطان للأمة»، فهو سلطان مصطنع، ولأن تولية الحاكم ليحكم بالعلمانية والليبرالية هو من الحكم بالكفر.

 ومن الأساليب الماكرة لتولية الرويبضات وايجاد السلطان المصطنع:

1- تولية الكافر المستعمر حكام الجور الذين يحكمون بلاد المسلمين لتحقيق أهدافه ومؤامراته ومخططاته الإجرامية منذ مائة عام…

2- المحافظة على هؤلاء الحكام ودعمهم بالمال والسلاح والموقف، بالرغم من أخذهم للحكم بصور مزيفة، بالانقلاب أو بتوريث الحكم، أو بالانتخابات المزوَّرة…

3- القيام بانتخابات ديمقراطية تعطي الحاكم سلطانًا قائمًا على أساس باطل هو حكم الشعب بدل حكم الله تعالى، وتكون شروط المرشحين مخالفة للإسلام من الفسق وعدم توفر العدالة، وتتبنى برامجهم الحكم بالكفر…

4- من خلال السلطان المصطنع، فرض المستعمر أفكاره التشريعية من دساتير علمانية وقوانين وضعية، وفرض سياسة اقتصادية تجعل اقتصاد البلاد مربوطًا باقتصاده القائم على اقتصاد السوق الحر ومرهونًا بالاتفاقات والمعاهدات والقروض الربوية، وفرض سياسته الثقافية بتدريسها في الجامعات والمعاهد وجعلها نبراسًا في الحقوق والتشريعات القضائية، وجعل البلاد مفتوحة للمنظمات والمؤتمرات والدراسات ومراكز الدراسات والأبحاث الغربية…

وحدد سياسة الحاكم الذي وضعه على رقاب المسلمين بالآتي:

1- أن يحكم الحاكم بأفكار المستعمر وتشريعاته ويسير على سياساته، وإلا تمت إزالة العميل من الحكم بالغزو (العراق) أو الانقلاب (مصر) أو القتال (اليمن) أو غيرها من الأساليب.

2- منع الأمة من الأخذ بأسباب النهضة، وجعلها متخلفة متأخرة في جميع المجالات، وضعيفة من ناحية القوة والتطور والتكنولوجيا.

3- إلزام الحكام بالرجوع إليه في جميع السياسات والأعمال والخطط والبرامج، سواء السياسية أم الاقتصادية أم العسكرية أم الزراعية أم الصناعية، والخدمية والصحية والسياسة التعليمية…إلخ.

4- تسليم ثروات البلاد ومقدراتها وإمكاناتها إلى المستعمر باسم الشريك الاستراتيجي أو الاتفاقات والعقود، ورهن البلاد والعباد بالربا والمساعدات والقروض والمنظمات.

5- قيام العميل بشن حروب بالوكالة لتنفيذ مخططاته ومؤامرته خارج البلاد التي يحكمها العميل كما حصل بتحريك آل سعود على اليمن وسوريا والعراق، أو تحريك إيران في سوريا والعراق واليمن ولبنان، وتحريك دويلة الإمارات إلى جنوب اليمن من قبل بريطانيا، أو تحريك تركيا وعميلهم أردوغان إلى سوريا والعراق وليبيا.

6- المحافظة على أمن وسلامة كيان يهود على أرض فلسطين المباركة، ودفع الحكام العملاء لتطبيع العلاقات معه، ومنع الأمة من الجهاد لتحرير الأرض المقدسة، وإلهاء الأمة بالشعارات والمناسبات (يوم القدس) حتى يتم صرف الأمة عن الجهاد تطهير أرض فلسطين من دنس ورجس الصهاينة الغاصبين.

أساليب ماكرة لمنع عودة سلطان المسلمين :

لقد حاولت الأمة إعادة سلطانها بعدة طرق وأساليب، ولكنها كانت في كل مرة تفشل لأسباب منها:

أولًا: إدراك الكافر المستعمر لخطورة عودة السلطان للأمة، وبالتالي العمل على إفشاله عن طريق العملاء الذين رفعوا شعار الإسلام ظاهرًا والعلمانية باطنًا، وعملوا على دغدغة مشاعر المسلمين بإطلاق شعارات وحروبًا كلامية وإعلامية كاذبة معهم كما هو حاصل بين (أمريكا وإيران) أو (أمريكا وتركيا) أو (أمريكا وجماعة الحوثي) فهذه الجماعة تطلق على سبيل المثال شعار (الموت لأمريكا)، وأمريكا تدعمها بتصنيفها ضمن قائمة (الجماعات الإرهابية) ما يقوي الجماعة بالتحشيد الشعبي لها في جبهات القتال، وخروج المسيرات والوقفات وتحريك الإعلام والخطابات، بحجة أن أمريكا أعلنت العداء لها جهارًا نهارًا، وهذه أحد أساليب خطف السلطان من الأمة!!…

ثانيًا: اختراق الثورات وسرقتها وحرف اتجاهها وركوب موجة التغيير كما حصل في ثورات سنة 2011م، ومن ثم التخطيط لإدخال البلاد في دوامة العنف والتدمير الممنهج، تحت ما عرف بالثورات المضادة…

ثالثًا: الحرب على جماعات التغيير الفكري والسياسي المخلصة والواعية، بشن حملات التشويه والتعتيم الإعلامي والمنع والحظر وتخويف الناس منهم، ثم الاعتقال والتعذيب حتى الوصول إلى الاغتيال…

رابعًا: ربط الأحزاب والجماعات والفصائل المنادية بالتغيير بدول الكفر ومخابراتها عن طريق مندوبين دائمين في الخارج، أو قيادات عميلة في الداخل، أو عن طريق غرف عمليات تقدم لهم الأموال لأجل جذب ضعاف النفوس لهم…

خامسًا: إلهاء الأمة بصراعات عبثية، والزج بأبنائها في اقتتال طائفي ليموتوا في سبيل غايات وأهداف لا تخدم سوى أعداء الإسلام…

سادسًا: تثبيت العملاء عن طريق الدعم الخارجي والقوة الداخلية والإعلام.

سابعًا: السيطرة على مكامن القوة، ومنع أهل النصرة والقوة من نصرة جماعات التغيير الحقيقي.

ثامنًا: إيهام المسلمين أن السلطان بيدهم، وأن صناديق الاقتراع الديمقراطية هي من ترجع إليهم سلطانهم…

الخلافة الراشدة واعادة سلطان الأمة :

إن إسقاط تلك الأنظمة المصطنعة وإعادة سلطان الأمة من أوجب الواجبات الشرعية؛ ولكن هذا الواجب يجب أن تنبري لتحقيقه جماعة ذات غاية ومنهاج قويم متبنى من الوحي المنزل على محمد صلى الله عليه وسلم، وطريقة صحيحة لإرجاع السلطان المسلوب، والحق المغصوب، والحكم المفقود، ومتمثلة في قيادة مخلصة وواعية ونزيهة، ويكون الفكر والعمل من أجل غاية استئناف الحياة الإسلامية، والحكم بما أنزل الله عن طريق إقامة دولة الخلافة التي بها يتحقق سلطان الأمة، وما يهمنا هنا هو الضوابط والأحكام التي تعطي الأمة سلطانها؛ بحيث نؤسس لمنهاج تسير عليه الأمة، ولا تعود إلى الانتكاسة من جديد، وإليكم الضوابط الشرعية التي تبناها حزب التحرير كرائد لا يكذب أهله، وكعمل منظَّم وممنهَج ومقعَّد على العقيدة الإسلامية والأحكام الشرعية المنبثقة من هذه العقيدة، ولن تعطى الأمة حقوقها كاملة غير منقوصة إلا بتطبيق الإسلام تطبيقًا كاملًا شاملًا جميع مناحي الحياة كنموذج فذ في العالم.

 

أولًا: الأمة هي التي تنصب الخليفة:

إن السلطان كما أسلفنا أعطاه الإسلام للأمة، وفي هذا يقول الشيخ تقي الدين النبهاني (رحمه الله): «إن الشارع قد جعل السلطان للأمة، وجعل نصب الخليفة للمسلمين عامة، ولم يجعله لفئة دون فئة، ولا لجماعة دون جماعة، فالبيعة فرض على المسلمين عامة، روى الإمام مسلم عن عبدالله بن عمر قال: قال صلى الله عليه وسلم: «… ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية»؛ ولذلك ليس أهل الحل والعقد هم أصحاب الحق في نصب الخليفة دون باقي المسلمين، وكذلك ليس أصحاب الحق أشخاصًا معينين، وإنما هو الحق لجميع المسلمين دون استثناء أحد، حتى الفجار والمنافقين، ما داموا مسلمين بالغين؛ لأن النصوص جاءت عامة، ولم يرد ما يخصصها». ويضيف: «إن اجتمع عدة ممن توفرت فيهم صفات الخليفة، فالخليفة من انعقدت له البيعة من الأكثر، والمخالف باغٍ»، ويقول (رحمه الله): «يجب تمكين جميع المسلمين من مباشرة حقهم في نصب الخليفة، بغض النظر عما إذا استعملوا هذا الحق أم لم يستعملوه، يجب أن يكون في قدرة كل مسلم التمكن من القيام بنصب الخليفة بتمكينه من ذلك تمكينًا تامًّا؛ لأن الفرض الذي فرضه الله هو أن يجري نصب الخليفة من المسلمين برضاهم، لا أن يجريه جميع المسلمين… ولا يشترط عدد معين فيمن يقومون بنصب الخليفة، بل أي عدد بايع الخليفة، وتحقق في هذه البيعة رضا المسلمين بسكوتهم، أو بإقبالهم على طاعته بناء على بيعته، أو بأي شيء يدل على رضاهم. يكون الخليفة المنصوب خليفة للمسلمين جميعًا، ويكون هو الخليفة شرعًا، ولو قام بنصبه خمسة أشخاص، إذ يتحقق فيهم الجمع في إجراء نصب الخليفة، ويتحقق الرضا بالسكوت والمبادرة إلى الطاعة… أما إذا لم يتحقق رضا جميع المسلمين، فإنه لا يتم نصب الخليفة إلا إذا قام بنصبه جماعة يتحقق في نصبهم له رضا جمهرة المسلمين، أي أكثريتهم، مهما كان عدد هذه الجماعة… وعلى ذلك فليس بيعة أهل الحل والعقد هي التي يجري فيها نصب الخليفة، وليس وجود بيعتهم شرطًا لجعل نصب الخليفة نصبًا شرعيًّا، بل بيعة أهل الحل والعقد أمارة من الأمارات الدالة على تحقق رضا المسلمين بهذه البيعة؛ لأن أهل الحل والعقد كانوا يُعتبرون الممثلين للمسلمين، وكل أمارة تدل على تحقق رضا المسلمين ببيعة خليفة يتم بها نصب الخليفة، ويكون نصبه بها نصبًا شرعيًّا. وعلى ذلك فالحكم الشرعي هو أن يقوم بنصب الخليفة جمع يتحقق في نصبهم له رضا المسلمين، بأي أمارة من أمارات التحقق، سواء أكان ذلك بكون المبايعين أكثر أهل الحل والعقد، أم بكونهم أكثر الممثلين للمسلمين، أم كان بسكوت المسلمين عن بيعتهم له، أم بمسارعتهم بالطاعة بناء على هذه البيعة… وليس من الحكم الشرعي كونهم أهل الحل والعقد، ولا كونهم خمسة أو خمسمائة أو أكثر أو أقل، أو كونهم من أهل العاصمة، أو أهل الأقاليم، بل الحكم الشرعي كون بيعتهم يتحقق فيها الرضا من قبل جمهرة المسلمين، بأية أمارة من الأمارات، مع تمكينهم من إبداء رأيهم تمكينًا تامًّا».

ثانيًا: الخليفة نائب عن الأمة:

وفي هذا يقول حزب التحرير على لسان مؤسسه الشيخ تقي الدين النبهاني: «الخليفة هو الذي ينوب عن الأمة في الحكم والسلطان، وفي تنفيذ أحكام الشرع. ذلك أن الإسلام قد جعل الحكم والسلطان للأمة، تنيب فيه من يقوم به نيابة عنها. وقد أوجب الله عليها تنفيذ أحكام الشرع جميعها. وبما أن الخليفة إنما ينصبه المسلمون، لذلك كان واقعه أنه نائب عن الأمة في الحكم والسلطان، وفي تنفيذ أحكام الشرع؛ لذلك فانه لا يكون خليفة إلا إذا بايعته الأمة، فبيعتها له بالخلافة جعلته نائبًا عنها، وانعقاد الخلافة له بهذه البيعة أعطاه السلطان، وأوجب على الأمة طاعته. ولا يكون من يلي أمر المسلمين خليفة إلا إذا بايعه أهل الحل والعقد في الأمة بيعة انعقاد شرعية، بالرضى والاختيار، وكان جامعًا لشروط انعقاد الخلافة».

ثالثًا: اشتراط رضا الأمة في انعقاد الخلافة:

وفي هذا المجال يقول الشيخ تقي الدين: «الخلافة عقد مراضاة واختيار؛ لأنها بيعة بالطاعة لمن له حق الطاعة من ولاية الأمر، فلا بد فيها من رضا من يبايع ليتولاها، ورضا المبايعين له… وكذلك لا يجوز أخذ البيعة من الناس بالإجبار والإكراه؛ لأنه حينئذ لا يصح اعتبار العقد فيها صحيحًا لمنافاة الإجبار لها؛ لأنها عقد مراضاة واختيار، لا يدخله إكراه ولا إجبار، كأي عقد من العقود… ومن هنا يتبين أنه لا يكون أحد خليفة إلا إذا ولَّاه المسلمون». ويؤكد أن «الخلافة عقد مراضاة واختيار، فلا يجبر أحد على قبولها، ولا يجبر أحد على اختيار من يتولاها» ويقول:« لا يكون أحد خليفة إلا إذا ولاه المسلمون، ولا يملك أحد صلاحيات الخلافة إلا إذا تم عقدها له على الوجه الشرعي كأي عقد من العقود في الإسلام».

رابعًا: رفض الاستخلاف والعهد:

وفي هذا المجال يقول حزب التحرير في عدد من كتبه: «لا تنعقد الخلافة بالاستخلاف، أي بالعهد؛ لأنها عقد بين المسلمين والخليفة، فيشترط في انعقادها بيعة من المسلمين، وقبول من الشخص الذي بايعوه. والاستخلاف أو العهد لا يتأتى أن يحصل فيه ذلك، فلا تنعقد به خلافة. وعلى ذلك فاستخلاف خليفة لخليفة آخر يأتي بعده لا يحصل فيه عقد الخلافة؛ لأنه لا يملك حق عقدها، ولأن الخلافة للمسلمين لا للخليفة. فالمسلمون يعقدونها لمن يشاؤون، فاستخلاف الخليفة غيره، أي عهده بالخلافة لغيره، لا يصح؛ لأنه إعطاء لما لا يملك، وإعطاء ما لا يملك لا يجوز شرعًا.. وعقده فضولي لا يصح.. وأما ما روي أن أبا بكر استخلف عمر، وأن عمر استخلف الستة، وأن الصحابة سكتوا، ولم ينكروا ذلك، فكان سكوتهم إجماعًا، فإن ذلك لا يدل على جواز الاستخلاف؛ وذلك لأن أبا بكر لم  يستخلف خليفة، وإنما استشار المسلمين فيمن يكون خليفة لهم، فرشح عليًا وعمر. إن  المسلمين خلال ثلاثة أشهر في حياة أبي بكر اختاروا عمر بأكثريتهم، ثم بعد وفاة أبي بكر جاء الناس وبايعوا عمر، وحينئذ انعقدت الخلافة لعمر، أما قبل البيعة فلم يكن خليفة، ولم تنعقد الخلافة له، لا بترشيح أبي بكر ولا باختيار المسلمين له، وإنما انعقدت حين بايعوه، وقبل الخلافة». ويضيف:« إن نظام ولاية العهد يعتبر منكرًا في النظام الإسلامي، ومخالفًا له كل المخالفة؛ وذلك لأن السلطان هو للأمة وليس للخليفة. وإذا كان الخليفة إنما ينوب عن الأمة في السلطان مع بقائه لها، فكيف يجوز له أن يمنحه لغيره؟ وما فعله أبو بكر لعمر، لم يكن ولاية عهد، بل كان انتخابًا من الأمة في حياة الخليفة، ثم حصلت له البيعة بعد موته… بخلاف ما فعله معاوية من تولية ابنه يزيد، فإنه يخالف نظام الإسلام».

   ويقول: «من الجدير ذكره أن العهد بالخلافة للابن لم يكن هو الذي يجعل الابن خليفة بعد أبيه، بل إنه كان ينصب ببيعة جديدة تؤخذ من الناس، انعقادًا وطاعة، بعد وفاة الخليفة السابق. غير أنه كان يساء تطبيق البيعة أحيانًا، فبدل أخذها بالرضا والاختيار تؤخذ بالإكراه، إلا أن البيعة في جميع الأحوال كانت هي الطريقة لنصب الخليفة طيلة عصور الدولة الإسلامية، فتنعقد الخلافة له بالبيعة وليس بالوراثة أو ولاية العهد».

ويشرح ذلك مفصلًا في موضع آخر، فيقول:« أبو بكر استشار المسلمين في بيعة عمر بعد أن ثقل المرض على أبي بكر، وظن أنه ميت، جمع الناس فقال: «إنه قد نزل بي ما قد ترَون، ولا أظنني إلا ميتًا لما بي، وقد أطلق الله أيمانكم من بيعتي، وحلَّ عنكم عقدتي، وردَّ عليكم أمركم، فأمِّروا عليكم من أحببتم، فإنكم إن أمَّرتم في حياة مني كان أجدر أن لا تختلفوا بعدي» غير أن الناس لم يتفقوا على من يخلف أبا بكر، فرجعوا إليه فقالوا: رأينا يا خليفة رسول الله رأيك، قال: فلعلكم تختلفون، قالوا: لا، قال فعليكم عهد الله على الرضا؟ قالوا: نعم، قال: أمهلوني حتى أنظر لله ولدينه ولعباده.

وعاود أبو بكر استشارة كبار الصحابة، وكانت استشارته لهم سرية.. وبعد أن استقرَّ رأيه على عمر، استشار الناس استشارة علنية، إذ أشرف على الناس من بيته، وخاطبهم قائلًا: أترضون بمن استخلف عليكم؟ فإني واللهِ ما ألوتُ من جهد الرأي، ولا وليت ذا قرابة، فقالوا: نعم، فتابع قائلًا: وإني قد استعملت عليكم عمر بن الخطاب، فاسمعوا له وأطيعوا، فأجاب الناس: سمعنا وأطعنا…وأقبل الناس على بيعة عمر إقبالًا تامًّا.. فكانت بيعة عمر بن الخطاب في المسجد من المسلمين هي البيعة التي انعقدت له بها الخلافة، وبها وجبت له الطاعة عليهم. وأما عهد أبي بكر إليه فلم يعدُ كونه ترشيحًا له بالخلافة، وحصرًا للترشيح لها فيه، ولم تنعقد له به خلافة، ولم تجب له به طاعة»، إنما كان ترشيحًا كأحد أفراد المسلمين، والمسلمون عليهم البيعة له.

والجدير ذكره في هذا المقال ما ذكره الأستاذ أحمد القصص مخاطبًا أحمد الكاتب:«إن وجوب طاعة الحاكم الظالم لا تعني، فيما نتبناه، أن تشاركه في معصيته، أو أن تنفذ المعصية التي أمر بها. وإنما يعني أن تبقى مطيعًا له في سائر أوامره الموافقة للشرع. كما أن طاعته لا تعني السكوت عن محاسبته وأمره ونهيه، وإنما يبقى ذلك واجبًا، وقد سماه الرسول صلى الله عليه وآله وسلم جهادًا ووصف قتيله بسيد الشهداء. وبالتالي فإن ذلك لا يتعارض مع أمر الله تعالى بالعدل.

 قد ورد في كتبنا أن لكل فرد من أفراد الرعية التظلم لدى محكمة المظالم على الخليفة إن رأى منه ظلمًا، وفي هذه الحال فإن الخليفة لا سلطان له على محكمة المظالم. وقد ورد أيضًا أن الحاكم إن بلغ في ظلمه حد الفسق، فإن محكمة المظالم التي لا سلطان له عليها في هذه الحال أيضًا، تحكم بعزله.

إن القول بعدم طاعة الحاكم الظالم مطلقًا، يؤدي إلى استمرار الفوضى والتمرد في الدولة الإسلامية؛ لأن تحديد الظلم ليس أمرًا ميسورًا لكل الناس، وليس محل اتفاق بين جميعهم. وإن أخذنا بعين الاعتبار أن الحكام هم من البشر غير المعصومين، فإنه يتوقع بين آونة وأخرى أن يقع منهم خطأ أو ظلم. وتخيَّل الواقع لو أننا أتحنا لكل فرد من الرعية إعلان التمرد والعصيان عند أول خطأ أو ظلم. وما أعرفه أنك من الذين رفضوا «نظرية» وجوب أن يكون الحاكم «معصومًا». وللمناسبة، فإنه حتى الأنظمة الديمقراطية التي تردد ذكرها في كتاباتك، لا تعطي الناس الحق بأن يخالفوا القوانين والمراسيم والقرارات الرسمية أو الحق بالتمرد والخروج بالسلاح على الحاكم، إن هو خالف القوانين أو ارتكب ظلمًا».

إن الحزب لا يعمل على إعادة الخلافة بشكلها الاستبدادي الذي حصل منذ بداية العهد الأموي. وإنما يعمل على إعادة الخلافة كما شرعها الإسلام، وكانت حياة الرسول صلى الله عليه وسلم في المدينة تطبيقًا عمليًا لها والتزمها بعده الخلفاء الراشدون، وهي ليست ظاهرة تاريخية، وإنما هي أحكام شرعية دلت عليها الأدلة الشرعية.

وأشار إلى إدراك الحزب لواقع الاستبداد بالسلطة واغتصابها منذ بداية العهد الأموي وإدراك خطورتها الكبيرة، وعرض الحلول والضمانات للحؤول دون عودتها. وقال: «إن خلافنا الأساسي معك ليس في تفاصيل نظام الحكم، وإن كان هذا الخلاف موجودًا. إنما الخلاف الحقيقي في منهج التفكير؛ إذ يبحث الحزب في الأدلة الشرعية ليأخذ منها الأحكام المتعلقة بنظام الحكم وسائر أنظمة الحياة والمجتمع والدولة.

إن اغتصاب السلطة والاستبداد بها كانت من أهم عوامل تراجع الدولة الإسلامية وانحطاط الأمة، وقد لحظها الحزب ضمن إساءات تطبيق الإسلام. إلا أن عوامل الانحطاط في الأمة أوسع بكثير من أن تختصر في هذا الجانب. فالأمم تتخذ هويتها من ثقافتها وأفكارها وأنظمتها التي تطبقها، فإن هي بدلت هذه المكوِّنات فقد بدلت هويتها. وإنك بتلمّسك عوامل النهوض للأمة من الغرب تكون قد طلبت الداء للشفاء عوضًا عن الدواء. فالديمقراطية كانت من مكونات نهوض المجتمع الغربي بوصفه مجتمعًا يقوم على عقيدة فصل الدين عن الحياة، وبالتالي فإن كونها من عوامل نهوض الغرب لا يعني البتة أن تكون من عوامل نهوض الأمة الإسلامية؛ ذلك أنه لا يمكن أن تتوافق مع العقيدة الإسلامية التي تنبني عليها أفكارها  وتنبثق منها أنظمة خاصة بها. فأنت حين تقتبس نظامًا ساهم في نهوض مجتمع ذي هوية معينة، إلى مجتمع يراد تكوينه بهويته الخاصة المختلفة، تكون كمن ينقل دمًا من جسد إلى جسد آخر مغاير له في فئة الدم، فيقتله بدل أن يمدّه بالقوة والعافية».

 

خامسًا: رفض الانقلاب العسكري :

ونتيجة لإيمان حزب التحرير بأن السلطان للأمة وضرورة انتخاب الإمام طوعًا بإرادتها، فقد رفض الاعتراف بشرعية حكومة المتسلط، أو القادم عبر الانقلابات العسكرية، وقال: «إذا قام متسلط واستولى على الحكم بالقوة فإنه لا يصبح بذلك خليفة، ولو أعلن نفسه خليفة للمسلمين؛ لأنه لم تنعقد له خلافة من قبل المسلمين، ولو أخذ البيعة على الناس بالإكراه والإجبار لا يصبح خليفة ولو بويع؛ لأن البيعة والإجبار لا تعتبر ولا تنعقد بها الخلافة؛ لأنها عقد مراضاة واختيار لا يتم بالإكراه والإجبار، فلا تنعقد إلا بالبيعة عن رضا واختيار، إلا أن هذا المتسلط إذا استطاع أن يقنع الناس بأن مصلحة المسلمين في بيعته، وأن إقامة أحكام الشرع تحتم بيعته، وقنعوا بذلك ورضوا، ثم بايعوه عن رضا واختيار، فإنه يصبح خليفة منذ اللحظة التي بويع فيها عن رضا واختيار، ولو كان أخذ السلطان ابتداء بالتسلط والقوة، فالشرط هو حصول البيعة، وأن يكون حصولها عن رضا واختيار، سواء كان من حصلت له البيعة هو الحاكم والسلطان، أو لم يكن».

ويضيف: «إذا لم يكن للمسلمين دولة خلافة ولا خليفة، وتطبق عليهم أنظمة الكفر وأحكامه –  كما هو الحال اليوم فقام المسلمون، أو جماعة منهم، أو أصحاب القوة والمنعة فيهم، في قطر أو أكثر من أقطار المسلمين، فاستولوا على السلطة في ذلك القطر، وأزالوا الحاكم الذي يحكمهم بأنظمة الكفر وأحكامه، بغية استئناف الحياة الإسلامية، والعودة إلى الحكم بما أنزل الله، فيجوز لمن قاموا بالاستيلاء على السلطة أن يرشحوا شخصًا من المسلمين المؤهلين ليتولى الحكم والسلطان، والجامعين لشروط انعقاد الخلافة، وأن يجمعوا أهل الحل والعقد في ذلك القطر أو أكثرهم، وأن يطلبوا منهم أن يبايعوا هذا الشخص الذي رشحوه ليكون خليفة، فيقوم أهل الحل والعقد بمبايعته بالرضا والاختيار، على كتاب الله وسنة رسوله، فتنعقد له الخلافة بهذه البيعة، ثم يبايعه المسلمون في ذلك القطر مبايعة عامة، مبايعة طاعة ورضا، ومن ثم يباشر فورًا بوضع الإسلام كاملًا موضع التطبيق والتنفيذ، دون تأخير. وبذلك تعود دولة الخلافة إلى الحياة، ويعود تطبيق أحكام الإسلام وأنظمته إلى الوجود، وتتحول الدار في ذلك القطر إلى دار الإسلام».

وقد رفض الحزب بشدة الاستيلاء على السلطة بالقوة، وسمى ذلك اغتصابًا، وقال:» إن عقد الخلافة عقد مراضاة واختيار كسائر العقود لا يتم إلا بين عاقدين أحدهما: الأمة، والثاني: الحاكم أو الخليفة، فهو عقد حكم، فإذا فقد فيه أحد العاقدين بطل العقد كليًا، فكان كأي عقد من العقود الباطلة،   ويعتبر الحاكم حينئذ مغتصبًا للحكم، كأي مغتصب، ويطبق في حقه حكم الغاصب».

وتساءل حزب التحرير عن الموقف من الغاصب المتسلط من غير بيعة من المسلمين ولا اختيار منهم وحكم بالإسلام ، فهل يجب الخروج عليه؟ ثم نقل آراء بعض العلماء الذين أوصوا بالصبر وطاعة الحاكم الظالم؛ ولكنه أخذ عليهم الجمع في البحث بين عدة مسائل، كالبحث في الحاكم الظالم وفي أئمة الجور وفي السلطان المتغلب، على اعتبار أن كل ذلك مسألة واحدة هي منازعة السلطان، وقالوا بوجوب طاعتهم وعدم الخروج عليهم، واستدلوا بالأحاديث الواردة في طاعة الحاكم ولو ظلم مثل حديث حذيفة «تسمع وتطيع للأمير وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك فاسمع وأطع» (مسلم). في مقابل من استدل بعمومات من الكتاب والسنة في وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فقالوا هذه الأحاديث أخص من تلك العمومات مطلقًا، أي أنها خصصت العام فتصرف لغير الحاكم، ويستثنى منها الحاكم» وقالوا: «إن السلطان مستثنى من حكم الغاصب؛ لأن أدلة حكم الغاصب عامة، وجاءت أدلة طاعة الحاكم خاصة، فهي مخصصة لذلك العموم، أي مستثناة من ذلك العموم فلا يطبق حكم الغاصب في حق السلطان، بدليل أن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول في حديث حذيفة بن اليمان: «يكون بعدي أئمة لا يهتدون بهداي ولا يستنون بسنتي، وسيقوم فيهم رجال قلوبهم قلوب الشياطين في جثمان إنس. قال: قلت: كيف أصنع يا رسول الله إن أدركت ذلك؟ قال: تسمع وتطع للأمير وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك فاسمع وأطع». (مسلم) فهذا مخصص لعموم أدلة الغصب بل لعموم أدلة كل الأحكام، يستثنى منها الحاكم، فلا يخرج عليه لاغتصاب السلطة، فلا يطبق في حقه حكم الغاصب. بدليل ما نقله الشوكاني ، قال:« وحكى ابن المنذر عن الشافعي أنه قال: من أريد ماله  أو حريمه أو نفسه فله المقاتلة، وليس عليه عقل، ولا دية، ولا كفارة، قال ابن المنذر: والذي عليه أهل العلم أن للرجل أن يدفع عما ذكر إذا أريد ظلمًا بغير تفصيل، إلا أن كل من يحفظ عنه من علماء الحديث كالمجمعين على استثناء السلطان للآثار الواردة بالأمر بالصبر على جوره وترك القيام عليه». انتهى. فهذا يدل على أنهم يستثنون الحاكم حتى لو كانت المسألة من باب الغصب.

  ورغم اعتراف حزب التحرير بتلك الأحاديث، وإيمانه بتخصيصها للعموم الوارد في الكتاب والسنة، إلا أنه فرق بين ارتكاب الحاكم للظلم في أثناء حكمه، وبين اغتصاب السلطة من البداية، وقال: «إن الأدلة الخاصة التي تستثني الحاكم إنما هي في حق الحاكم، إذا كان حاكمًا؛ ولكن مغتصب السلطة حين ارتكب جريمته لم يكن حاكمًا، بل كان شخصًا عاديًّا من الناس، فاغتصبها وهو ليس بحاكم، وبعد اغتصابها صار حاكمًا، فلا تنطبق عليه الأحاديث؛ لأن الجريمة قد ارتكبت من قبله وهو ليس بحاكم؛ ولذلك لا تنطبق عليه أحاديث الأمر بالصبر على أئمة الجور، وينطبق عليه حكم الغاصب، ولا يدخل في الاستثناء؛ ولهذا فانه يطبق في حقه مغتصب السلطة من الأمة بالقوة حكم الغاصب، ولا كلام».

  وتمسك حزب التحرير بوجوب رد الغاصب ما غصبه لصاحبه وتغليظ العقوبة عليه، وبجواز مقاتلته لرده عن أخذ المغصوب، ولاسترجاعه منه قتالًا بالسيف، ولو أدى لقتله، واستدل على ذلك بما روي عن السائب بن يزيد، عن أبيه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يأخذن أحدكم متاع صاحبه جادًّا ولا لاعبًا، وإذا وجد أحدكم عصا صاحبه فليرددها عليه» رواه أحمد. وعن الحسن عن سمرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «على اليد ما أخذت حتى تؤديه» رواه ابن ماجة. وأما الدليل على مقاتلة الغاصب بالسيف لمنعه من الغصب ولاسترداد المغصوب ما رواه مسلم وأحمد عن أبي هريرة قال: «جاء رجل الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، أرأيت إن جاء رجل يريد أخذ مالي؟ قال: فلا تعطِه مالك؟ قال: أرأيت إن قاتلني؟ قال: قاتله، قال: أرأيت إن قتلني؟ قال: فأنت شهيد، قال: أرأيت إن قتلته؟ قال: هو في النار» رواه مسلم. وفي رواية: «يا رسول الله أرأيت إن عدي على مالي، قال: فانشد بالله، قال فإن أبوا علي، قال: فانشد بالله، قال: فإن أبوا علي؟ قال: فانشد بالله. قال فإن أبوا علي، قال: فقاتل، فإن قتلت ففي الجنة، وإن قتلت ففي النار» رواه النسائي. ففي هذا الحديث طلب جازم بمقاتلة الغاصب، أي غاصب، بدلالة قوله صلى الله عليه وسلم «فإن قتلت ففي الجنة، وإن قتلت ففي النار»، وهي وإن صرفت عن الوجوب بمقاتلة غاصب المال لوجود قرينة مانعة من الوجوب، وهي أن لمالك المال أن يسامح الغاصب بماله، إلا أنها باقية على الوجوب بمقاتلة غاصب السلطة بقرينة مقاتلة الصحابة ليزيد».

  وقال: «هذا هو حكم الغاصب، وهذه أدلته وهذا هو حكم من يأخذ السلطة بالقوة من غير أن تعطيه إياها الأمة، فكل من يقدم على اغتصاب السلطة وأخذها بالقوة من غير أن تعطيه إياها الأمة، وهو السلطان المتغلب، إذا لم تبايعه بالرضا والاختيار فحكمه أن يقاتل بالسيف، حتى يمنع من اغتصاب السلطة، وحتى تسترد منه وتعاد للأمة».

  واستشهد بموقف الصحابة من جريمة اغتصاب السلطة لأول مرة في الإسلام، تلك الجريمة التي ارتكبها معاوية لابنه يزيد، وارتكبها يزيد حين تسلم الحكم بالفعل… وأخذ السلطة والبيعة بالقوة. وذلك حين ثار كبار الصحابة على السلطان المتغلب، ولم يسكتوا عليه، بل نازعوه وقاوموه وخلعوه كما فعل عبد الله بن الزبير والحسين بن علي وأهل المدينة الذين لم يكتفوا بالإنكار والامتناع عن البيعة، كما حصل منهم تجاه معاوية، بل شهروا بوجهه السيف وأعلنوا عليه القتال.

ولفت الحزب هنا إلى موقف الصحابة من معاوية؛ حيث لم يقاتلوه على اغتصاب السلطة بل اكتفوا بالإنكار والمقاومة؛ لأن معاوية كان حاكمًا وتولى أخذ البيعة ليزيد وهو حاكم، أي ارتكب هذا العمل وهو حاكم، والحاكم مستثنى من عموم أدلة الغصب بالأحاديث الواردة في طاعته، مثل حديث حذيفة «تسمع وتطيع، وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك فاسمع وأطع» والحاكم الشرعي لا يحل قتاله مهما عمل، إلا في حالة واحدة، إذا أظهر الكفر البواح؛ لأن هذه الحالة جاء بها النص، وما عداها لا يجوز، لأحاديث الطاعة والصبر على جور الأئمة؛ ولذلك لم يقاتله الصحابة واكتفوا بالإنكار بالقول. أما لو ارتكب هذه الفعلة النكراء ولم يكن حاكمًا فإنه يقاتل بالسيف أي السلاح.

سادسًا: انتخاب مجلس الأمة :

وهو صيغة متطورة عن (أهل الحل والعقد) يرى حزب التحرير أنهم يجب أن يأتوا عن طريق الانتخاب وليس التعيين، ويعطيهم دورًا أكبر مما كان لهم في التاريخ الإسلامي، أي دورًا إلزاميًا وليس استشاريًّا فقط، ولو أن الحزب يفصل في الأمور فيعطي الحق لمجلس الأمة أن يفرض رأيه في بعض الأحيان، ويعطي الخليفة الحق في فرض رأيه في أمور معينة.

وحول انتخاب مجلس الأمة، يقول الحزب في مشروع الدستور الذي يتبناه للمسلمين: «ينتخب أعضاء مجلس الأمة انتخابًا. ولكل من يحمل التابعية إذا كان بالغًا عاقلًا الحق في أن يكون عضوًا في مجلس الأمة، رجلًا كان أو امرأة، مسلمًا كان أو غير مسلم، إلا أن عضوية غير المسلم قاصرة على إظهار الشكوى من ظلم الحكام أو من إساءة تطبيق الإسلام». ويقول في موضع آخر: «ينتخب أعضاء مجلس الأمة انتخابًا، ولا يعيَّنون تعيينًا؛ وذلك أنهم وكلاء في الرأي عن الناس، والوكيل إنما يختاره موكله، ولا يفرض الوكيل على الموكل مطلقًا، ولأن أعضاء مجلس الأمة ممثلون للناس أفرادًا وجماعات في الرأي، ومعرفة الممثل في البقعة الواسعة، والقوم غير المعروفين، لا تتأتى إلا لمن يختاره ممثلًا له… وعلى ذلك فإنه يستنبط من كون أعضاء مجلس الأمة وكلاء في الرأي، ومن كون العلة التي وجد من أجلها مجلس الأمة هي التمثيل للأفراد والجماعات في الرأي والمحاسبة».

  وحول إلزامية مجلس الأمة يقول:«الشورى والمشورة هي أخذ الرأي مطلقًا، وهي غير ملزمة في التشريع، والتعريف والأمور الفكرية ككشف الحقائق، وفي الأمور الفنية والعلمية، وتكون ملزمة عند استشارة الخليفة في كل ما هو من الأمور العملية والأعمال التي لا تحتاج إلى بحث وإنعام نظر. والمسائل التي تكون فيها الشورى ملزمة عند استشارة الخليفة يؤخذ فيها برأي الأكثرية بغض النظر عن كونه صوابًا أو خطأً، أما ما عداها مما يدخل تحت الشورى فيتحرى فيها عن الصواب بغض النظر عن الأكثرية أو الأقلية».

  ويؤكد: «أن مجلس الأمة يتكون من أشخاص يمثلون المسلمين في الرأي، ليرجع إليهم الخليفة لاستشارتهم في الأمور، وهم ينوبون عن الأمة في محاسبة الحكام… وأن الشورى حق لجميع المسلمين على الخليفة، فلهم عليه أن يرجع إليهم في أمور لاستشارتهم فيها… وكما أن للمسلمين حق الشورى على الخليفة، فإنه يجب عليهم محاسبة الحكام على أعمالهم وتصرفاتهم، والله سبحانه وتعالى فرض على المسلمين محاسبة الحكام، وأمرهم أمرًا جازمًا بمحاسبتهم والتغيير عليهم إذا هضموا حقوق الرعية، أو قصروا بواجباتهم نحوها، أو أهملوا شأنًا من شؤونها، أو خالفوا أحكام الإسلام، أو حكموا بغير ما أنزل الله».

وبناء على ذلك يرى حزب التحرير أن  مجلس الأمة له الصلاحيات التالية:

     أ – استشارة الخليفة له وإشارته على الخليفة في الأعمال والأمور العملية المتعلقة برعاية الشؤون في السياسة الداخلية، مما لا تحتاج إلى بحث فكري عميق، وإنعام نظر…

 ب-  محاسبة الخليفة على جميع الأعمال التي تحصل بالفعل في الدولة…

 ج – إظهار عدم الرضا عن المعاونين والولاة والعمال، ويكون رأي أكثرية المجلس في ذلك ملزمًا، وعلى الخليفة عزلهم في الحال…

  د – انتخاب الخليفة، وذلك عبر حصر المرشحين للخلافة من الذين قررت محكمة المظالم توفر شروط الانعقاد فيهم. ويقول في المادة 33 من الدستور: «إن طريقة نصب الخليفة هي:

أ‌-  يجري الأعضاء المسلمون في مجلس الأمة حصر المرشحين لهذا المنصب وتعلن أسماؤهم، ثم يطلب من المسلمين انتخاب واحد منهم.

ب‌- تعلن نتيجة الانتخاب ويعرف المسلمون من نال أكثر أصوات المنتخبين».

سابعًا: حق تكوين الأحزاب للمحاسبة:

إن الأحزاب في الإسلام قائمة على أساس العقيدة الاسلامية والأحكام الشرعية، وقد قام حزب التحرير استجابة لأمر الله تعالى: (وَلۡتَكُن مِّنكُمۡ أُمَّةٞ يَدۡعُونَ إِلَى ٱلۡخَيۡرِ وَيَأۡمُرُونَ بِٱلۡمَعۡرُوفِ وَيَنۡهَوۡنَ عَنِ ٱلۡمُنكَرِۚ وَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُفۡلِحُونَ ١٠٤ ) [آل عمران: 104]، ويؤكد حزب التحرير على «حق المسلمين في إقامة أحزاب سياسية لمحاسبة الحكام أو الوصول للحكم عن طريق الأمة على شرط أن يكون أساسها العقيدة الإسلامية، وأن تكون الأحكام التي تتبناها أحكامًا شرعية، ولا يحتاج إنشاء الحزب لأي ترخيص».

 ويقول: «لما كان الحاكم عرضة لأن تجافيه التقوى، كان لا بد من وسيلة مادية تجبره على التنفيذ، أو تقصيه عن الحكم، وتقيم مكانه الحاكم الذي يطبق الإسلام ويحمل دعوته، وهذه الوسيلة العملية هي الأمة؛ ولذلك كان من واجب الأمة الإسلامية إذا رأت حاكمًا جائرًا مستحلًّا لحرم الله، ناكثًا لعهد الله، مخالفًا لسنة رسول الله، عاملًا في عباد الله بالإثم والعدوان، أن تغيِّر عليه بالقول أو الفعل أو تغيره.

وتحتاج الأمة إلى تكتل صحيح على أساس الإسلام. وهذا التكتل هو الحزب المبدئي الذي يقوم على أساس الإسلام، غاية وفكرة وطريقة، والطريقة تقوم على ثلاث: (إيجاد الكتلة المؤمنة المخلصة الواعية، الصراع الفكري والكفاح السياسي وطلب النصرة من أهل القوة، استلام الحكم وإقامة دولة الخلافة). ومتى ما قام الحزب وقاد الأمة صار هو الرقيب على الدولة؛ لأنه الأمة أو ممثل الأمة. وهو الذي يقودها ويجعلها تقوم بواجبها، وهو مناقشة الدولة ومحاسبتها، والتغيير عليها بالقول أو الفعل، أو تغييرها إذا خيف على الإسلام منها.

ويتعسَّر على الأمة أن تناقش أو تحاسب الدولة دون أن يكون لها حزب يتولَّى مركز قيادة الأمة تجاه الدولة لوجود صعوبات جمة أمامها، لا يذللها إلا وجود قيادة موحدة تتمثل في تكتل، لا في فرد أو أفراد. ومن هنا كان لزامًا أن يقوم في الأمة حزب سياسي مبدئي. وإذًا، فان الضمانة الحقيقية لتطبيق الإسلام وحمل دعوته وإحسان تطبيقه هي الحزب السياسي الإسلامي».

ثامنًا: وحدة الدولة الإسلامية:

  وفي هذا المجال يقول حزب التحرير: «إن الدولة الإسلامية استمرت في الحكم دولة واحدة ووحدة واحدة، لم تتجزأ ولم تكن دولًا، وإنما كانت محاولات للوصول إلى الحكم رغبة في تنفيذ فهم معين للإسلام في شؤون الحكم، ثم انتهت وظلت الخلافة واحدة وظلت الدولة الإسلامية وحدة واحدة». ويضيف: «لقد كان تعدد فهم الإسلام وعدم تبني الخليفة أحكامًا معينة في نظام الحكم… أثر في تمكين بعض الحكام من الخلفاء والولاة من توجيه الحكم وجهة تؤثر في وحدة الدولة وفي قوتها؛ ولكن ذلك لم يؤثر في وجودها، فقد كانت الولاية العامة للولاة وإعطاؤهم صلاحيات واسعة نيابة عن الخليفة سببًا في تحرك أحاسيس السيادة فيهم، فصاروا شبه مستقلين في الولاية، واكتفوا ببيعة الخليفة والدعاء له من على المنابر وضرب النقد باسمه وما شابه ذلك من الأمور الشكلية. وبقي أمر الحكم في أيديهم مما جعل هذه الولايات شبه دول مستقلة، مثل الحمدانيين والسلجوقيين وغيرهم، إلا أن الولاية العامة لم تؤثر في وحدة الدولة باعتبارها ولاية عامة… ومهما بلغت قوة الوالي لم يكن يجرؤ على عدم الاعتراف بالخليفة، ولم تكن الدولة الإسلامية في يوم من الأيام اتحاد ولايات، حتى في أشد عهود استقلال الولاة، وإنما كانت دولة واحدة لها خليفة واحد، هو وحده صاحب الصلاحية في كل ناحية من نواحي الدولة في المركز، وفي الولايات، والمدن والقرى والدساكر على السواء».

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *