العدد 424 -

السنة السادسة والثلاثون، جمادى الأولى 1443هـ الموافق كانون الأول 2021م

طرق التصدّي لأساليب الاستعمار في الاحتواء والتبعية

حمد طبيب – بيت المقدس

لقد تحدثنا في موضوع سابق عن طرق وأساليب الكفار في إيقاع أبناء المسلمين جماعات وأفرادًا ودولًا في حبائل التبعية والعمالة والولاء السياسي؛ وذلك ليسهل عليهم السيطرة على بلادنا وثرواتنا ومقدراتنا، ولتبقى أرض المسلمين وسماؤهم وبحارهم مسرحًا ومراحًا لقواتهم العسكرية وبوارجهم وحاملات طائراتهم العملاقة. وقد ذكرنا أساليب عدة يتّبعها هذا المستعمر المجرم للسيطرة على بلاد المسلمين في كسب ولاء بعض جماعاتهم وأفرادهم. وفي هذا الموضوع سنتحدث عن الأساليب المعاكسة المضادَّة لهذا المستعمر؛ في التصدّي والتحدّي والوقوف في وجهه، وذلك من باب الإرشاد والنصح لأبناء أمة الإسلام؛ خاصة وأننا نعيش هذه الأيام معركةً حامية الوطيس مع هذا المستعمر؛ في اتِّباع أساليب ماكرة خبيثة للإيقاع بأبناء المسلمين في حبائله ومؤامراته؛ وذلك لضرب العمل الإسلامي للتغيير، وإعادة الحكم بما أنزل الله، ومحاولة إجهاضه.

وقبل أن نذكر أساليب التحدي والتصدي لأساليب الاستعمار، نريد أن نقف على بعض الحقائق كمقدمة لهذا الموضوع.

الحقيقة الأولى: الكفر كله بكافة ملله ونحله ودوله وأحزابه وأفراده، عدوٌ لأمة الإسلام؛ يخطط باستمرار للقضاء عليها، ويبذل جهده بكافة الأساليب والوسائل والطرق من أجل هذه الغاية الإجرامية الشريرة. وقد شهد رب العزة جل جلاله في أكثر من آية قرآنية على هذه الحقيقة، وأثبتت أحداث التاريخ منذ عهد المصطفى عليه الصلاة والسلام حتى يومنا هذا صدق هذا الإخبار الإلهي السامي، قال الحق تعالى: (إِنَّ ٱلۡكَٰفِرِينَ كَانُواْ لَكُمۡ عَدُوّٗا مُّبِينٗا)[النساء: 101] وقال: (قَدۡ بَدَتِ ٱلۡبَغۡضَآءُ مِنۡ أَفۡوَٰهِهِمۡ وَمَا تُخۡفِي صُدُورُهُمۡ أَكۡبَرُۚ قَدۡ بَيَّنَّا لَكُمُ ٱلۡأٓيَٰتِۖ إِن كُنتُمۡ تَعۡقِلُونَ) [آل عمران: 118]. وقال: (وَدَّ كَثِيرٞ مِّنۡ أَهۡلِ ٱلۡكِتَٰبِ لَوۡ يَرُدُّونَكُم مِّنۢ بَعۡدِ إِيمَٰنِكُمۡ كُفَّارًا حَسَدٗا مِّنۡ عِندِ أَنفُسِهِم مِّنۢ بَعۡدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ ٱلۡحَقُّۖ ) [البقرة: 109]. وأما حقائق التاريخ فهي كثيرة ومتعددة، وبدأت منذ بعثة الرسول عليه الصلاة والسلام، واستمرت حتى هدم الخلافة سنة 1924م وما زالت حتى يومنا هذا. فقد حاول كفار مكة في بداية الدعوة قبل قيام الدولة الإسلامية، وحاول اليهود والمشركون داخل المدينة وحولها بعد قيام الدولة، حاولوا قتل الرسول عليه الصلاة والسلام أكثر من مرة، لولا أن الله عز وجل عصمه من الناس. وحاولوا كذلك القضاء على الدولة الوليدة في المدينة المنورة في معركة بدر وفي أحد والخندق وغيرها من الوقائع، ثم كانت محاولات فارس والروم بعد ذلك.

الحقيقة الثانية: بعد فشل الحرب العسكرية والفكرية الصريحة على أمة الإسلام وعلى دين الإسلام، صار الكفار يبدّلون جلودهم في إظهار العداوة، ويبتكرون الأساليب الجديدة لضرب الإسلام والمسلمين. وأخطر أنواع هذه الحرب؛ هي التضليلية وسياسات الاحتواء والتبعية السياسية. وهذا الأمر وإن كان يبتكر أساليب جديدة حسب الواقع والأحداث وطبيعة الصراع؛ إلا أنه نشأ مع بداية الدعوة في مكة المكرمة؛ حيث حاول كفار مكة استمالة الرسول عليه الصلاة والسلام عبر محاولات ماكرة من أجل طمس هويته والتنازل عن فكره الجديد، والرضا بعرَضٍ من الدنيا؛ في منصب أو مال أو سلطان. فقد ذكر ابن هشام في السيرة قال: اجتمع نفر من زعامة مكة مع الرسول عليه الصلاة والسلام عند الكعبة فقالوا له: «يا محمد، إن كنت إنما جئتَ بهذا الحديث تطلب به مالًا، جمعنا لك من أموالنا حتى تكون أكثرنا مالًا. وإن كنتَ إنما تطلب به الشرف فينا، فنحن نسوّدك علينا (نجعلك سيدنا وزعيمنا)، وإن كنت تريد به ملكًا ملّكناك علينا، وإن كان هذا الذي يأتيك رئيَّا تراه قد غلب عليك – وكانوا يسمون التابع من الجن رئيَّا – فربما كان ذلك، بذلنا لك أموالنا في طلب الطب لك حتى نبرئك منه، أو نعذر فيك، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَا بِي مَا تَقُولُونَ، مَا جِئْتُ بِمَا جِئْتُكُمْ بِهِ أَطْلُبُ أَمْوَالَكُمْ، وَلَا الشَّرَفَ فِيكُمْ، وَلَا الْمُلْكَ عَلَيْكُمْ، وَلَكِنَّ اللَّهَ بَعَثَنِي إلَيْكُمْ رَسُولًا، وَأَنْزَلَ عَلَيَّ كِتَابًا، وَأَمَرَنِي أَنْ أَكُونَ لَكُمْ بَشِيرًا وَنَذِيرًا، فَبَلَّغْتُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي، وَنَصَحْتُ لَكُمْ، فَإِنْ تَقْبَلُوا مِنِّي مَا جِئْتُكُمْ بِهِ، فَهُوَ حَظُّكُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَإِنَّ تَرُدُّوهُ عَلَيَّ أَصْبِرْ لِأَمْرِ اللَّهِ حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ». وهذه المحاولات في الإيقاع والإسقاط لا تنتهي ولا تقف عند حد؛ فهي مستمرة حتى يرث الله الأرض ومن عليها. قال تعالى: (وَدَّ كَثِيرٞ مِّنۡ أَهۡلِ ٱلۡكِتَٰبِ لَوۡ يَرُدُّونَكُم مِّنۢ بَعۡدِ إِيمَٰنِكُمۡ كُفَّارًا حَسَدٗا مِّنۡ عِندِ أَنفُسِهِم مِّنۢ بَعۡدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ ٱلۡحَقُّۖ فَٱعۡفُواْ وَٱصۡفَحُواْ حَتَّىٰ يَأۡتِيَ ٱللَّهُ بِأَمۡرِهِۦٓۗ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٞ ١٠٩) [البقرة: 109].

الحقيقة الثالثة: ازدادت الحرب التضليلية ومحاولات حرف المسار والاحتواء على بلاد المسلمين وعلى أبناء المسلمين، وصار الغرب يؤسس مراكز خاصة من أجل هذه الغاية الماكرة؛ بحيث يقيّم الأمور، ويعمل دراسات متجددة في كل فترة من خلال هذه المراكز؛ وذلك بعد مرحلة صعود الإسلام السياسي في بلاد المسلمين، والتفاف أبناء المسلمين بقوة حول هذا الأمر، لتخليص بلادهم وإنقاذها من الواقع المتردي الذي أوصلهم إليه عملاء الاستعمار من الحكام. وكذلك ازداد التفاف المسلمين حول فكرة الإسلام بعد ظهور عوار رأسمالية الغرب الاقتصادية، وظهور عوار ديمقراطيتهم وحرياتهم. وزاد الغرب حرصًا على احتواء المسلمين بعد التفاف المسلمين حول الجماعات العاملة للتغيير في بلاد المسلمين، وظهور عوار الحكام الموالين لهذا الغرب في تلك البلاد؛ فصار الكفار يتبنون حتى (فكرة الدولة الإسلامية)؛ بشكل مضلِّل ومحرَّف؛ كما حصل في إيران وباكستان وتركيا والسودان، وفكرة إنشاء جماعات جهادية تحت سيطرة الاستعمار كما حصل في العراق والشام وأفغانستان… وغيرها من المناطق في العالم. وهذا الأمر ربما يستمرّ حتى بعد قيام دولة إسلامية مخلصة في البلاد الإسلامية؛ كمشروع لمحاولة وأدها عن طريق المحيط لهذه الدولة.

هذه بعض الأمور كان لا بد من إلقاء الضوء عليها قبل بيان الأساليب والطرق في التصدي لسياسات الاحتواء والتبعية في بلاد المسلمين. أما طرق التصدي والتحدي للكافر المستعمر في محاولاته للاحتواء وحرف المسار، فإننا نوجزها ضمن الأمور التالية:

1- الفهم والوعي وبعد النظر والإحاطة: ونقصد بهذه الأمور، الفهم للإسلام عقيدةً وأحكامًا؛ لأنه هو القاعدة القوية والجدار الصلب وصمَّام الأمان الأول لأي فرد من أبناء أمة الإسلام، أو الجماعات أو حتى الدولة الإسلامية عند قيامها. فالله تعالى، ورسوله عليه الصلاة والسلام، وصحابته من بعده قد أرشدوا إلى ضرورة الوعي والإحاطة والفهم النيِّر الصحيح. فالله سبحانه أرشدنا في آيات كثيرة إلى ضرورة الفهم والإحاطة فيما يعترض المسلمين من أمور. قال تعالى: (وَإِذَا جَآءَهُمۡ أَمۡرٞ مِّنَ ٱلۡأَمۡنِ أَوِ ٱلۡخَوۡفِ أَذَاعُواْ بِهِۦۖ وَلَوۡ رَدُّوهُ إِلَى ٱلرَّسُولِ وَإِلَىٰٓ أُوْلِي ٱلۡأَمۡرِ مِنۡهُمۡ لَعَلِمَهُ ٱلَّذِينَ يَسۡتَنۢبِطُونَهُۥ مِنۡهُمۡۗ وَلَوۡلَا فَضۡلُ ٱللَّهِ عَلَيۡكُمۡ وَرَحۡمَتُهُۥ لَٱتَّبَعۡتُمُ ٱلشَّيۡطَٰنَ إِلَّا قَلِيلٗا ٨٣) [النساء: 83]. فهذه الآية وإن كانت تتحدث عن فئة معينة؛ هي فئة النفاق؛ إلا أن فيها إرشادًا لباقي المسلمين، وهو الوقوف على الأمور بشكل صحيح، قبل أي تصرف وعدم الانجرار العاطفي بسرعة، خاصة أن الكفار يتلوّنون ويغيِّرون جلودهم للإيقاع بالمسلمين، وحرف مسارهم. والأصل أن ترَدّ الأحداث والوقائع إلى حكم الله ورسوله عن طريق أهل الفهم والوعي والإحاطة. ومن الفهم كذلك معرفة ما يخطط له الكفار بشكل دائم، وأنهم لا يريدون خيرًا بأمة الإسلام أفرادًا وجماعات، قال تعالى: (إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يُنفِقُونَ أَمۡوَٰلَهُمۡ لِيَصُدُّواْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِۚ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيۡهِمۡ حَسۡرَةٗ ثُمَّ يُغۡلَبُونَۗ وَٱلَّذِينَ كَفَرُوٓاْ إِلَىٰ جَهَنَّمَ يُحۡشَرُونَ ٣٦) [الأنفال: 36]. ومن الإحاطة معرفة ما يجري حول المسلمين من أحداث ومؤامرات وأساليب ماكرة. وهذا ما تحدثت عنه بدايات سورة الروم؛ حيث أخبرت المسلمين في بداية الدعوة عن حدث بعيد عن دائرتهم، وهم في أشد الظروف مضايقة وتعذيبًا وتضييقًا. ومع ذلك لم يهمل الإسلام هذا الجانب من الأخبار والبشارة الربانية. قال تعالى: (الٓمٓ ١ غُلِبَتِ ٱلرُّومُ ٢ فِيٓ أَدۡنَى ٱلۡأَرۡضِ وَهُم مِّنۢ بَعۡدِ غَلَبِهِمۡ سَيَغۡلِبُونَ ٣ فِي بِضۡعِ سِنِينَۗ لِلَّهِ ٱلۡأَمۡرُ مِن قَبۡلُ وَمِنۢ بَعۡدُۚ وَيَوۡمَئِذٖ يَفۡرَحُ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ ٤ بِنَصۡرِ ٱللَّهِۚ يَنصُرُ مَن يَشَآءُۖ وَهُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلرَّحِيمُ ٥ وَعۡدَ ٱللَّهِۖ لَا يُخۡلِفُ ٱللَّهُ وَعۡدَهُۥ وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَ ٱلنَّاسِ لَا يَعۡلَمُونَ ٦) [الروم: 1-6]. وقد راهن أبو بكر رضي الله عنه الكفار في حدث بعيد عن ديار المسلمين، وأراد أن يثبت لهم الوعي والإحاطة لدى المسلمين في فهم الوقائع والأحداث من خلال دين الإسلام. وفعلًا ربح أبو بكر الرهان في المرة الثانية، وأثبت للكفار بعد النظر والإحاطة على الأحداث عند المسلمين!!. والرسول عليه الصلاة والسلام علمنا كيف نتعامل مع الأمور بفهم ووعي وإدراك وإحاطة؛ فقال عليه الصلاة والسلام في وصف المسلم وموقفه تجاه الأمور وحذره وإحاطته: «لَا يُلْدَغُ الْمُؤْمِنُ مِنْ جُحْرٍ وَاحِدٍ مَرَّتَيْنِ» متفق عليه، وكان عمر رضي الله عنه يقول: «لست بالخب، ولا الخب يخدعني»؛ والخب هنا المخادع المراوغ. وقد كان عليه الصلاة والسلام وأصحابه من بعده يفهمون الواقع فهمًا صحيحًا، ويعونه وعيًا جيدًا، ويجمعون الحقائق عن الكفار؛ فقد جمع الرسول عليه الصلاة والسلام معلومات دقيقة عن تحركات جيش الكفار قبل غزوة بدر الكبرى؛ حيث أرسل بسبس بن عمرو الجهنيّ، وعديّ بن أبي الزغباء الجهنيّ ليأتياه بخبر القوم، وتحركاتهم العسكرية. وأرسل من يجمع المعلومات في مخيم الكفار في غزوة الأحزاب فقال: «أَلَا بِرَجُلٍ يَأْتِيَنَا بِخَبَرِ الْقَوْمِ جَعَلَهُ اللهُ مَعِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟»، ثم أمر حذيفة رضي الله عنه لهذه المهمة. وأرسل عليه الصلاة والسلام الصحابي زيد بن ثابت رضي الله عنه؛ يتعلم لغة اليهود ليعرف أخبارهم، ويقرأ رسائلهم، قال رضي الله عنه: «أَمَرَنِي رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم أَنْ أَتَعَلّمَ لَهُ كَلِمَاتٍ مِنْ كِتَابِ يَهُودَ، وَقالَ إِنّي وَالله مَا آمَنُ يَهُودَ عَلَى كِتَابِي، قالَ: فَمَا مَرّ بي نِصْفُ شَهْرٍ حَتّى تَعَلّمْتُهُ». وكان خلفاؤه كذلك على قدر من المعرفة والإحاطة والمتابعة لتحركات الجيوش؛ في الشام وفي العراق وبلاد فارس وفي فتح القدس حيث كانوا على منهج رسولهم في الفهم والإحاطة والمعرفة.

2- الحذر من الكفار بشكل عام، وعدم طاعتهم في أي أمر، حتى لو أمروا بمعروف، ونهوا عن منكر، وعدم الانضمام لمؤسساتهم الدولية أو الإقليمية، حتى وإن ادَّعت الأهداف النبيلة والغايات السامية ما دامت هذه المؤسسات تحت قيادته وسلطانه. وأيضًا عدم مشاركتهم في أي حرب؛ حتى وإن كانت ضد دولة عدوة للمسلمين، من دولة معاهدة أو مسالمة من الكفار. فالله سبحانه وتعالى يقول: (يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِن تُطِيعُواْ فَرِيقٗا مِّنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ يَرُدُّوكُم بَعۡدَ إِيمَٰنِكُمۡ كَٰفِرِينَ ١٠٠) [آل عمران: 100]. فعصبة الأمم هي مؤسسة أنشئت لضرب الدولة الإسلامية، وجمعت فيها دول عدة لهذه الغاية سنة 1919م بعد الحرب العالمية الأولى، وامتدَّ الأمر إلى هيئة الأمم المتحدة ومؤسساتها الدولية، التي أنشئت بعد الحرب العالمية الثانية سنة 1945م. فالأصل هو عدم مشاركة هذه المؤسسات حتى وإن دعت إلى معروف ونهت عن منكر؛ لأن هذا الأمر يكون مغلّفًا بغايات خبيثة ماكرة؛ تهدف إلى ضرب الإسلام والمسلمين ومشاريعهم في التغيير. وقد شاركت تركيا بعض الدول الأوروبية في الحرب العالمية الأولى، فسخَّرتها هذه الدول في غايات لا تخدم المسلمين أبدًا، وكانت سببًا في تحطيمها عسكريَّا، ووقوعها تحت رحمة الكفار ثم تفككها وانهيارها.

وقد ضرب لنا الحق تعالى مثلًا واضحًا في قصة مسجد الضرار؛ حيث أراد المنافقون ومن وراءهم من الكفار، ضرب المسلمين في عقر دارهم؛ وذلك عن طريق عمل خير هو بناء مسجد! فكان العمل الظاهر فيه الخير، ولكنه مبطَّن بعمل شرير، هو الحرب على المؤمنين وقتلهم. قال تعالى: (وَٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ مَسۡجِدٗا ضِرَارٗا وَكُفۡرٗا وَتَفۡرِيقَۢا بَيۡنَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ وَإِرۡصَادٗا لِّمَنۡ حَارَبَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ مِن قَبۡلُۚ وَلَيَحۡلِفُنَّ إِنۡ أَرَدۡنَآ إِلَّا ٱلۡحُسۡنَىٰۖ وَٱللَّهُ يَشۡهَدُ إِنَّهُمۡ لَكَٰذِبُونَ ١٠٧ لَا تَقُمۡ فِيهِ أَبَدٗاۚ لَّمَسۡجِدٌ أُسِّسَ عَلَى ٱلتَّقۡوَىٰ مِنۡ أَوَّلِ يَوۡمٍ أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِۚ فِيهِ رِجَالٞ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُواْۚ وَٱللَّهُ يُحِبُّ ٱلۡمُطَّهِّرِينَ ١٠٨) [التوبة: 107-108].

3- الوقوف في وجه الكفار ومحاولاتهم لبسط سلطانهم على بلاد المسلمين من خلال المساعدات المادية أو العسكرية والحماية، وما شابه ذلك من أعمال ظاهرها فيه الخير، وباطنها فيه الشر والمكيدة والحرب. فالله عز وجل شهد بأن كل درهم ينفقه الكفار في بلاد المسلمين هو للقضاء عليهم وضربهم في دينهم، قال تعالى: (إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يُنفِقُونَ أَمۡوَٰلَهُمۡ لِيَصُدُّواْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِۚ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيۡهِمۡ حَسۡرَةٗ ثُمَّ يُغۡلَبُونَۗ وَٱلَّذِينَ كَفَرُوٓاْ إِلَىٰ جَهَنَّمَ يُحۡشَرُونَ ٣٦) [الأنفال: 36]. وقد كان عليه الصلاة والسلام يدعو الله عز وجل فيقول: «اللَّهُمَّ، لَا تَجْعَلْ لِفَاجِرٍ وَلَا لِفَاسِقٍ عِنْدِي يَدًا وَلَا نِعْمَةً، فَإِنِّي وَجَدْتُ فِيمَا أَوْحَيْتَهُ إِلَيَّ (لَّا تَجِدُ قَوۡمٗا يُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِ يُوَآدُّونَ مَنۡ حَآدَّ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ)». وأخذ القروض أو المساعدات من الكفار يجعل لهم طاعة علينا، وشروطًا يشترطونها، والله سبحانه نهى عن طاعتهم، ونهى أن يكون لهم سلطان من الطاعة أو غيرها علينا، قال تعالى: (وَلَن يَجۡعَلَ ٱللَّهُ لِلۡكَٰفِرِينَ عَلَى ٱلۡمُؤۡمِنِينَ سَبِيلًا) [النساء: 141].

4- التصدِّي لمحاولات الكفار في تقصدها للجماعات الإسلامية لإشراكها في الحكم؛ لتكون جزءًا من الفساد الموجود، وتدافع عنه. وهذا الأمر هو من أخطر سياسات الاحتواء. والأصل عدم طاعة هؤلاء الكفار في شراكاتهم ولا حكوماتهم في البلاد الإسلامية؛ فالله عز وجل أمرنا فقال: (وَلَا تَرۡكَنُوٓاْ إِلَى ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ ٱلنَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ ٱللَّهِ مِنۡ أَوۡلِيَآءَ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ١١٣) [هود: 113]. وقد نجح الكفار نجاحًا كبيرًا في حرف وتضليل الثورة في مصر؛ عن طريق مسرحية مشاركة الإخوان المسلمين في الحكم، وكانت مؤامرة لم يدرك القائمون على الأمر أخطارها. ونجحوا كذلك في إشراك حركة النهضة في الحكم في تونس، ومن ثم العمل على إجهاض أهداف الثورة العليا في التغيير وإزالة الفساد، فصارت مشاركة للفساد من الوجوه القديمة بدل إزالتها. واستطاع الكفار ترسيخ الفساد من بعض الأمور كالحريات وفساد الأخلاق.

5- توعية المسلمين على حقيقة الدولة الإسلامية؛ حتى يصبح هذا الأمر واضحًا عند عامة المسلمين، وأوساطهم السياسية، ومراكز القوى والتأثير في الأمة؛ لأنه كما ذكرنا، فإن الاستعمار يحاول تضليل المسلمين، وحرفهم عن هدفهم السامي الصحيح. ومن هذا التضليل (فكرة الدولة الإسلامية)؛ إما بالكذب الصريح بأن بعض البلاد هي دول إسلامية مثل السودان وباكستان وتركيا، ومنه أيضًا الكذب بأن بعض التنظيمات العسكرية هي دولة إسلامية؛ كما حصل في دولة العراق والشام، ومنه كذلك فكرة التدرج في تطبيق الإسلام، ومنه أيضًا ما ذكره بعض المشايخ من أن فكرة الدولة الواحدة ليست واردة، وليست شرعية، ولم تطبق في التاريخ الإسلامي، وإنما هي دول إقليمية!؛ لذلك يجب توعية المسلمين على هذه الحقيقة بشكل جيد لئلّا يُخدع المسلمون بها، وكي لا يقعوا فريسة التضليل الفكري والسياسي.

6- بث روح الأمل في نفوس الأمة وتذكيرها بماضيها باستمرار، وترسيخ الوصف القرآني لها، وأحاديث المصطفى عليه الصلاة والسلام؛ حتى لا تنهار أمام محاولات الكفار، وحتى تبقى واقفة على أقدامها لا تلين أمام ضرباتهم. نذكرها بقول المولى عز وجل: (كُنتُمۡ خَيۡرَ أُمَّةٍ أُخۡرِجَتۡ لِلنَّاسِ تَأۡمُرُونَ بِٱلۡمَعۡرُوفِ وَتَنۡهَوۡنَ عَنِ ٱلۡمُنكَرِ وَتُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِۗ وَلَوۡ ءَامَنَ أَهۡلُ ٱلۡكِتَٰبِ لَكَانَ خَيۡرٗا لَّهُمۚ مِّنۡهُمُ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ وَأَكۡثَرُهُمُ ٱلۡفَٰسِقُونَ ١١٠) [آل عمران: 110]، وحديث المصطفى عليه الصلاة والسلام: «بَشِّرْ هَذِهِ الْأُمَّةَ بِالسَّنَاءِ وَالرِّفْعَةِ، وَالدِّينِ وَالنَّصْرِ وَالتَّمْكِينِ فِي الْأَرْضِ، فَمَنْ عَمِلَ مِنْهُمْ عَمَلَ الْآخِرَةِ لِلدُّنْيَا لَمْ يَكُنْ لَهُ فِي الْآخِرَةِ نَصِيبٌ» رواه الإمام أحمد، وبأنها ستفتح الأرض مشارقها ومغاربها، ومنها روما مهد الفاتيكان. فنذكرها بقوله عليه الصلاة والسلام: «إِنَّ اللَّهَ زَوَى لِي الْأَرْضَ فَرَأَيْتُ مَشَارِقَهَا وَمَغَارِبَهَا، وَإِنَّ أُمَّتِي سَيَبْلُغُ مُلْكُهَا مَا زُوِيَ لِي مِنْهَا، وَأُعْطِيتُ الْكَنْزَيْنِ الْأَحْمَرَ وَالْأَبْيَضَ». رواه الإمام مسلم، وقوله عليه الصلاة والسلام عندما سئل عن فتح روما والقسطنطينية؛ كُنَّا عِنْدَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ فَسُئِلَ: أَيُّ الْمَدِينَتَيْنِ تُفْتَحُ أَوَّلًا: قُسْطَنْطِينِيَّةُ أَوْ رُومِيَّةُ؟ قَالَ: فَدَعَا بِصُنْدُوقٍ طُهْمٍ – وَالطُّهْمُ الْخَلَقُ – فَأَخْرَجَ مِنْهَا كِتَابًا فَنَظَرَ فِيهِ، ثُمَّ قَالَ: كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَكْتُبُ مَا قَالَ: فَسُئِلَ أَيُّ الْمَدِينَتَيْنِ تُفْتَحُ أَوَّلًا: الْقُسْطَنْطِينِيَّةُ أَوِ الرُّومِيَّةِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَدِينَةُ هِرَقْلَ تُفْتَحُ أَوَّلًا – يَعْنِي الْقُسْطَنْطِينِيَّةَ». فالضربات التي حصلت وما زالت تحصل بين ظهراني الأمة قاسية وكبيرة، ويهدف الكفار من خلالها تحطيم آمال الأمة وحيويتها وانطلاقها نحو أهدافها السامية. وقد فعل الكفر أفعالًا كبيرة من القتل والدمار؛ كان الهدف منها بث روح اليأس وبالتالي الارتماء في مخططاته والرضا بحلوله للعالم الإسلامي، فقد حاول تحطيم الأمة بعد ما حصل من هزيمة اليهود للجيوش الستة سنة 1967م. وحاول كذلك تحطيم معنويات المسلمين بعد حرب العراق وأفغانستان. ويحاول اليوم تحطيم معنويات المسلمين في عمل دؤوب من أجل قبول المجاهدين الأفغان بشروط الدول الكافرة، وهيئة الأمم المتحدة، وإن شاء الله يبوء بالفشل. إن بثَّ روح الأمل يكون عن طريق كشف المؤامرات أولًا، وبأن وراءها عملاء الاستعمار، وليس وراءها أناس مخلصون، وبأن هذه الهزائم ليست حقيقية وإنما هي ضمن مؤامرات الكفار وعملائهم.

7- بث فكرة العمل الجماعي في الأمة، وأن سبيل الخلاص هو بالتفافها حول المخلصين من أبنائها، لا الالتفاف حول عملاء الاستعمار، ولا حول الأحزاب السياسية المشاركة في الحكم أو العميلة للحكام.

فيجب باستمرار بث روح العمل الجماعي خلف المخلصين من أبناء الأمة. والمخلصون هم من يحملون مشروعها بصدق وإخلاص ودقة دون تحريف ولا تخريف، ودون أخذ شيء من الغرب ولا من سياساتهم الهابطة. فنذّكر المسلمين بحديث المصطفى عليه الصلاة والسلام: «مَا مِنْ ثَلَاثَةٍ فِي قَرْيَةٍ وَلَا بَدْوٍ لَا تُقَامُ فِيهِمُ الصَّلَاةُ إِلَّا قَدْ اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ، فَعَلَيْكُمْ بِالْجَمَاعَةِ، فَإِنَّمَا يَأْكُلُ الذِّئْبُ الْقَاصِيَةَ» رواه النسائي. ونذكرهم أيضًا بأن الله عز وجل مع الجماعة. ونوجِّه المسلمين كذلك بأن يقيسوا الأمور بدينهم وشريعتهم؛ فنذكرهم بقوله عليه الصلاة والسلام: «إِنِّي قَدْ تَرَكْتُ فِيكُمْ مَا إِنِ اعْتَصَمْتُمْ بِهِ فَلَنْ تَضِلُّوا أَبَدًا، كِتَابَ اللَّهِ وَسُنَّةَ نَبِيِّهِ» رواه الحاكم.

هذه أهم الطرق والأساليب في التصدي لمحاولات الكفار في سياسة الاحتواء لإجهاض العمل الإسلامي، وجعل بلاد المسلمين مزرعة لهم في حلِّهم وترحالهم، ودعم اقتصادهم؛ سواء أكان ذلك عن طريق نهب الثروات، أم عن طريق فتح الأسواق، أم غير ذلك.

 وفي الختام نقول بأن هذه الأمة هي أمة القرآن؛ الذي يحذرنا في كل آية من آياته من الكفر والكافرين، ويذكرنا بتاريخهم وأفعالهم مع الأنبياء؛ منذ عهد آدم عليه السلام حتى عهد المصطفى عليه الصلاة والسلام، وهي أمة الجهاد والاستشهاد والبذل والعطاء والتحدي والتصدي، فلا تعطي دنية لكافر أبدًا، وهي موعودة بالنصر والتمكين في الأرض والظهور على الدين كله ولو كره الكافرون. وموعودة بفتح الأرض، مشارقها ومغاربها بما فيها روما عقر دار الغرب في أوروبا. فنسأله تعالى أن يقوي شوكة هذه الأمة في وجه الاستعمار وأدواته؛ سواء أكان في سياسات الاحتواء أم الحرب الصريحة. ونسأله تعالى أن يضمَّنا عما قريب تحت ظل الخلافة الراشدة على منهاج النبوة. اللهم آمين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *