العدد 422-423 -

السنة السادسة والثلاثون، ربيع الأول-ربيع الثاني/1443هـ الموافق تشرين الأول – تشرين الثاني/2021م

حمل الإسلام بالدعوة والجهاد تعطل بهدم دولة الخلافة وسيعود بإقامتها

 عبد الخالق عبدون علي

 عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير 

 ولاية السودان

بُعث النبي صلى الله عليه وسلم للناس كافَّةً، أحمرِهم وأسودِهم، (وَمَآ أَرۡسَلۡنَٰكَ إِلَّا كَآفَّةٗ لِّلنَّاسِ بَشِيرٗا وَنَذِيرٗا وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَ ٱلنَّاسِ لَا يَعۡلَمُونَ٢٨) وقال سبحانه: (وَمَآ أَرۡسَلۡنَٰكَ إِلَّا رَحۡمَةٗ لِّلۡعَٰلَمِينَ ١٠٧)، وروى الشيخان من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أُعْطِيتُ خَمْسًا لَمْ يُعْطَهُنَّ أَحَدٌ قَبْلِي… وذكر منها: النَّبِيُّ يُبْعَثُ إِلَى قَوْمِهِ خَاصَّةً، وَبُعِثْتُ إِلَى النَّاسِ عَامَّةً». قال الحافظ ابن حجر في الفتح: «وأما قوله: «وَبُعِثْتُ إِلَى النَّاسِ عَامَّةً»، فَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ «وَبُعِثْتُ إِلَى كُلِّ أَحْمَرَ وَأَسْوَدَ» فَقِيلَ الْمُرَادُ بِالْأَحْمَرِ الْعَجَمُ وَبِالْأَسْوَدِ الْعَرَبُ، وَقِيلَ الْأَحْمَرُ الْإِنْسُ وَالْأَسْوَدُ الْجِنُّ، وَعَلَى الْأَوَّلِ التَّنْصِيصُ عَلَى الْإِنْسِ مِنْ بَابِ التَّنْبِيهِ بِالْأَدْنَى عَلَى الْأَعْلَى؛ لِأَنَّهُ مُرْسَلٌ إِلَى الْجَمِيعِ، وَأَصْرَحُ الرِّوَايَاتِ فِي ذَلِكَ وَأَشْمَلُهَا رِوَايَةُ أَبِي هُرَيْرَةَ عِنْدَ مُسْلِمٍ «وَأُرْسِلْتُ إِلَى الْخَلْقِ كَافَّةً». انتهى

فبعد أن أدَّت الغزوات والسرايا دورها في إظهار قوة المسلمين والقضاء على صناديد الكفر، ومنذ أن عقد الرسول صلى الله عليه وسلم صلح الحديبية مع قريش، وما تلا ذلك من إخضاع يهود، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يدَّخر جهدًا لنشر الإسلام، وقد عبّر صلى الله عليه وسلم عن ذلك بإرساله رسائل إلى ملوك وأمراء العالم آنذاك خارج الجزيرة العربية يدعوهم فيها إلى الإسلام، فجاءت هذه الكتب وسيلة دعوية مهمة لإعلام الناس وإبلاغهم بدعوة الإسلام، وقد كان بعضهم يجهلها مثل كسرى، وبعضهم ينتظرها مثل قيصر.

انطلقت مواكب رسل رسول الله صلى الله عليه وسلم تحمل بشائر وأنوار الهداية، من خلال رسائل وخطابات مختومة بختمه صلى الله عليه وسلم، وكانت تلك الرسائل تحمل حرص النبي صلى الله عليه وسلم على إسلام هؤلاء الملوك، وإبلاغ دعوته إليهم. عن أنس رضي الله عنه: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَتَبَ قَبْلَ مَوْتِهِ إِلَى كِسْرَى، وَإِلَى قَيْصَرَ، وَكَتَبَ إِلَى النَّجَاشِيِّ – يَعْنِي الَّذِي مَلَكَ الْحَبَشَةَ بَعْدَ النَّجَاشِيِّ الْمُسْلِمِ – وَإِلَى كُلِّ جَبَّارٍ يَدْعُوهُمْ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ» رواه مسلم.

توجَّه سفراء الرسول صلى الله عليه وسلم بالرسائل إلى النجاشي ملك الحبشة، وإلى المقوقس عظيم القبط في مصر، وإلى كسرى ملك الفرس، وإلى هرقل عظيم الروم، وإلى المنذر بن ساوى ملك البحرين، وغيرهم من ملوك وأمراء. وكان اختيار النبي صلى الله عليه وسلم لسفرائه قائمًا على مواصفات ربَّاهم عليها، فكانوا يتحلَّون بالعلم والفصاحة، والصبر والشجاعة، والحكمة وحسن التصرف، وحسن المظهر.

فقد اختار النبي صلى الله عليه وسلم دحية الكلبي، وأرسله إلى هرقل عظيم الروم. يقول ابن حجر في الإصابة عن دحية: «كان يُضرب به المثل في حسن الصورة». وكان دحية – مع حسن مظهره – فارسًا ماهرًا، وعليمًا بالروم.

وأرسل النبي صلى الله عليه وسلم عبد الله بن حذافة إلى كسرى عظيم الفرس، وكان له دراية بهم وبلغتهم، وكان ابن حذافة مضرب الأمثال في الشجاعة ورباطة الجأش.

وأرسل صلى الله عليه وسلم إلى المقوقس ملك مصر حاطب بن أبي بلتعة، وقد قال فيه ابن حجر في الإصابة: «كان أحد فرسان قريش وشعرائها في الجاهلية»، وكان له علم بالنصرانية، ومقدرة على المحاورة.

 أما عن رسالة النبي صلى الله عليه وسلم لهرقل عظيم الروم: فعن ابن عباس رضي الله عنهما: «أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب إلى قيصر يدعوه إلى الإسلام، وبعث بكتابه إليه دحية الكلبي، وأمره أن يدفعه إلى عظيم بصرى ليدفعه إلى قيصر، فإذا فيه:

«بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد بن عبد الله ورسوله، إلى هرقل عظيم الروم، سلام على من اتَّبع الهدى. أما بعد، فإني أدعوك بدعاية الإسلام، أسلمْ تسلمْ يؤتِكَ الله أجرك مرتين، فإن توليتَ عليك إثم الأريسيِّين، (قُلۡ يَٰٓأَهۡلَ ٱلۡكِتَٰبِ تَعَالَوۡاْ إِلَىٰ كَلِمَةٖ سَوَآءِۢ بَيۡنَنَا وَبَيۡنَكُمۡ أَلَّا نَعۡبُدَ إِلَّا ٱللَّهَ وَلَا نُشۡرِكَ بِهِۦ شَيۡ‍ٔٗا وَلَا يَتَّخِذَ بَعۡضُنَا بَعۡضًا أَرۡبَابٗا مِّن دُونِ ٱللَّهِۚ فَإِن تَوَلَّوۡاْ فَقُولُواْ ٱشۡهَدُواْ بِأَنَّا مُسۡلِمُونَ ٦٤)». وقد تسلَّم هرقل رسالة النبي صلى الله عليه وسلم ودقَّق في الأمر كما في الحديث الطويل المشهور بين أبي سفيان وهرقل، حين سأله عن أحوال النبي صلى الله عليه وسلم، وقال هرقل بعد ذلك لأبي سفيان: «… إن كان ما تقول حقًا فسيملك موضع قدميَّ هاتين، وقد كنت أعلم أنه خارج، ولم أكن أظن أنه منكم، فلو أني أعلم أني أخلص إليه لتجشَّمت لقاءه، ولو كنت عنده لغسلتُ عن قدميه» (البخاري). ومعنى تجشَّمت: تكلَّفت الوصول إليه، وارتكبت المشقة في ذلك. وفي رواية مسلم: «لأحببت لقاءه».

أما كتاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى النجاشي ملك الحبشة، فقد ذكر الواقدي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب إلى النجاشي كتابًا، وأرسله مع عمرو بن أمية الضمري، وفيه: «بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد رسول الله، إلى النجاشي ملك الحبشة، أسلم أنت، فإني أحمد إليك الله، الذي لا إله إلا هو، الملك القدوس، السلام المؤمن، المهيمن، وأشهد أن عيسى ابن مريم، وروح الله، وكلمته ألقاها إلى مريم البَتول، فحملت به، فخلقه من روحه، ونفخه، كما خلق آدم بيده، وإني أدعوك إلى الله وحده لا شريك له، والموالاة على طاعته، وأن تتبعني، وتؤمن بالذي جاءني، فإني رسول الله، وإني أدعوك وجنودك إلى الله عز وجل، وقد بلغت ونصحت، فاقبلوا نصيحتي، والسلام على من اتَّبع الهدى».

أما عن كتاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى المقوقس ملك مصر: فقدذكر الواقدي أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب إلى المقوقس، مع حاطب بن أبي بلتعة: «بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد بن عبد الله إلى المقوقس عظيم القبط، سلام على من اتبع الهدى، أما بعد: فإني أدعوك بدعاية الإسلام، أسلم تسلم، وأسلم يؤتك الله أجرك مرتين، فإن توليت فإن عليك إثم القبط، (قُلۡ يَٰٓأَهۡلَ ٱلۡكِتَٰبِ تَعَالَوۡاْ إِلَىٰ كَلِمَةٖ سَوَآءِۢ بَيۡنَنَا وَبَيۡنَكُمۡ أَلَّا نَعۡبُدَ إِلَّا ٱللَّهَ وَلَا نُشۡرِكَ بِهِۦ شَيۡ‍ٔٗا وَلَا يَتَّخِذَ بَعۡضُنَا بَعۡضًا أَرۡبَابٗا مِّن دُونِ ٱللَّهِۚ فَإِن تَوَلَّوۡاْ فَقُولُواْ ٱشۡهَدُواْ بِأَنَّا مُسۡلِمُونَ ٦٤)».

أما عن كتاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى كسرى ملك فارس، وقد أرسله النبي صلى الله عليه وسلم مع عبد الله بن حذافة رضي الله عنه، فكما ذكر الواقدي، كان فيه: «بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد رسول الله إلى كسرى عظيم فارس، سلام على من اتَّبع الهدى وآمن بالله ورسوله، وشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدًا عبده ورسوله، أدعوك بدعاية الله، فإني أنا رسول الله إلى الناس كافة، لأنذر من كان حيًّا ويحقَّ القول على الكافرين، أسلمْ تسلمْ، فإن أبيتَ فعليك إثم المجوس».

قال الطبري في تاريخه: «وقد اختلف تلقي الملوك لهذه الرسائل، فأما هرقل والنجاشي والمقوقس، فتأدَّبوا وتلطَّفوا في جوابهم، وأكرم النجاشي والمقوقس رسل رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأرسل المقوقس هدايا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. وأما كسرى لما قرئ عليه الكتاب مزَّقه، فعن ابن عباس رضي الله عنهما: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث بكتابه إلى كسرى مع عبد الله بن حذافة السهمي، فأمره أن يدفعه إلى عظيم البحرين، فدفعه عظيم البحرين إلى كسرى، فلما قرأه مزَّقه». قال ابن المسيب: فدعا عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم «أَنْ يُمَزَّقُوا كُلَّ مُمَزَّقٍ» (البخاري).

وقد وقع ما دعا به رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد استولى على عرش كسرى ابنه قباذ الملقب بـشيرويه، وقُتِل كسرى ذليلًا مهانًا، وتمزَّق ملكه بعد وفاته وأصبح لعبة في أيدي أبناء الأسرة الحاكمة، فلم يعش شيرويه إلا ستة أشهر، وتوالى على عرشه في مدة أربع سنوات عشرة ملوك، وهكذا تحقق دعاء النبي صلى الله عليه وسلم.

من خلال هذه الرسائل أظهر الرسول صلى الله عليه وسلم دراية وحكمة في سياسته الخارجية، وأصبحت مثالًا لمن جاء بعده من الخلفاء، كما أظهر صلى الله عليه وسلم قوة وشجاعة فائقتين، فلو كان غير رسول الله صلى الله عليه وسلم لخشي عاقبة ذلك الأمر، لا سيما وأن بعض هذه الكتب قد أرسلت إلى دول كبيرة وملوك أقوياء، كهرقل وكسرى والمقوقس، ولكن حرص الرسول صلى الله عليه وسلم وعزيمته على إبلاغ دعوة الله، وإيمانه المطلق بتأييد الله سبحانه وتعالى له، كل ذلك دفعه لأن يقدم على ما أقدم عليه.

وأظهرت كذلك هذه الرسائل حكمة النبي صلى الله عليه وسلم في الدعوة، ونستطيع أن نرى ذلك من خلال الرجوع إلى ما تضمنته هذه الرسائل؛ حيث كان هرقل والمقوقس ممن يدينان بالنصرانية المحرّفة التي تغلو في المسيح عيسى عليه السلام وترفعه إلى درجة الألوهية، ومن ثم أكَّد النبي صلى الله عليه وسلم على عبودية الناس عمومًا، والرسل خصوصًا لله رب العالمين، فذكر في رسالتيه إليهما قوله تعالى: (قُلۡ يَٰٓأَهۡلَ ٱلۡكِتَٰبِ تَعَالَوۡاْ إِلَىٰ كَلِمَةٖ سَوَآءِۢ بَيۡنَنَا وَبَيۡنَكُمۡ أَلَّا نَعۡبُدَ إِلَّا ٱللَّهَ وَلَا نُشۡرِكَ بِهِۦ شَيۡ‍ٔٗا وَلَا يَتَّخِذَ بَعۡضُنَا بَعۡضًا أَرۡبَابٗا مِّن دُونِ ٱللَّهِۚ فَإِن تَوَلَّوۡاْ فَقُولُواْ ٱشۡهَدُواْ بِأَنَّامُسۡلِمُونَ٦٤) [آل عمران: 64].

وفي جانب الفرس كان كسرى وقومه ممن يعبدون الشمس والنار، فحرص النبي صلى الله عليه وسلم على تصحيح هذا المفهوم من خلال إيراده لحقيقة التوحيد في ثنايا رسالته.

ومن حكمة النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الرسائل: أخذه بوسائل عصره المتاحة للدعوة، فقد اتخذ خاتمًا كتب عليه (محمد رسول الله) تختم به الرسائل، وقبِل صلى الله عليه وسلم الهدايا من الملوك، وتعامل بأعرافهم ما لم تكن إثمًا أو حرامًا. كذلك من حكمته صلى الله عليه وسلم اعتماده لغة المجاملة في مخاطبة الملوك والأمراء، وقد ظهر ذلك في رسالته إلى هرقل عظيم الروم، وبمثلها خاطب كسرى وسائر الملوك.

ولم تحمل رسائله صلى الله عليه وسلم تهديدًا، بل تضمنت في ثناياها طمأنتهم على ملكهم، إن أسلموا أو هادنوا. ففي رسالته إلى المنذر بن الحارث صاحب دمشق جاء فيها كما قال الواقدي: «سلام على من اتبع الهدى وآمن به، وأدعوك إلى أن تؤمن بالله وحده لا شريك له، يبقى ملكك». وفي رسالته إلى المنذر بن ساوى حاكم البحرين، قال له: «أسلم تسلم، وأجعل لك ما تحت يديك». وفي رسالته إلى جيفر وأخيه ملك عمان: «فإنكما إن أقررتما بالإسلام ولَّيتكما».

فآمن بعض الملوك فأنقذ نفسه وقومه من ظلمات الكفر، وكان من هؤلاء المنذر بن ساوى ملك البحرين، وجَيْفر وعبد ابني الجُلُنْدَي صاحبي عمان، وبقي البعض يتخبَّط في ظلمات الكفر، طمعًا في جاهٍ زائل، أو خوفًا من حاشيته وقومه…

 وبهذه الرسائل نقل النبي صلى الله عليه وسلم دعوته إلى ملوك الأرض، وعرَّفهم بالدين الجديد الذي يكفل لأتباعه سعادة الدارين، وفي ذلك دلالة على عالمية الإسلام، تلك العالمية التي أكَّد عليها القرآن في قول الله تعالى: (وَمَآ أَرۡسَلۡنَٰكَ إِلَّا رَحۡمَةٗ لِّلۡعَٰلَمِينَ١٠٧)[الأنبياء: 107].

وواصل خلفاء المسلمين هذه الفتوحات لنشر الدعوة ودخول الناس في دين الله؛ ففي عهد الصديق رضي الله عنه وفي خلافته، لم يكن بالإمكان تثبيت أركان الدولة الإسلامية، بينما الدول المجاورة لها تجعل من حدود الدولة بؤرًا للتشويش، وبثِّ الجواسيس، وتحفيز عمَّالهم على التمرُّد على سلطان الدولة الإسلاميَّة؛ فالحرب الاستباقية على هؤلاء الأعداء المحاربين ستحقِّق تأمين حدود الدولة، مثلما تؤمن نَشر الإسلام كعقيدة ودينٍ ومنهج حياة في بقعة أكبر من الأرض، فيتَّسع نطاق أرض الدولة الإسلاميَّة، ويكبر حجمها، وتقوى شوكتها، وينشط اقتصادها، ويذيع صِيتها، وتصبح محطَّ هيبة تخشاها الدول الأخرى. تحت هذه المسميات جهَّز الخليفة أبو بكر الصدِّيق رضي الله عنه الجيوشَ من أجل أن تسير لفتح الأمصار، وأمَّر أمراءَ الفتوح على الجند، وكان على رأسهم:

1- خالد بن الوليد رضي الله عنه، بعَثه إلى العراق.

2- أبو عبيدة عامر بن الجراح رضي الله عنه، بعثه إلى الشام.

3- عمرو بن العاص، بعثه بالمدد إلى أبي عبيدة رضي الله عنهما.

4- المثنى بن حارثة الشيباني كان مع خالد بن الوليد رضي الله عنهما.

5- عدي بن حاتم الطائي، كان مع خالد بن الوليد رضي الله عنهما.

6- ضرار بن الأزور، كان مع خالد رضي الله عنهما.

7- ضرار بن الخطاب، كان مع خالد رضي الله عنهما.

لقد استطاع هؤلاء القادة الأبطال تحقيق مجموعة من الانتصارات الباهرة في العراق والشَّام، على دولتي الفرس والروم في آنٍ واحد، وقد كانت أهم الوصايا الاستراتيجية في القيادة هي وصيَّة أبي بكر الصديق لعمرو بن العاص رضي الله عنهما؛ فعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، قال: كتب أبو بكر رضي الله عنه إلى عمرو بن العاص: «أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم شاور في أمر الحرب، فعليك به».

وفتحت مُدن كثيرة، فأصبحت تخضع لسلطان الدولة الإسلاميَّة، والمدن التي تم فتحها، هي: في قاطع العراق الذي كان تابعًا لسلطان كسرى (الدولة الفارسية) فتحت المدن الآتية وصارت تحت نفوذ السلطان السياسي للدولة الإسلامية:

* فَرْج الهند، وهي الأبُلَّة، وهي موقع محافظة البصرة اليوم، بانِقيا، باروْسما، ألَّيْس، أمغيشيا، الحيرة وقصورها؛ كالخورنق والسدير، بعض مناطق الأنبار.

وكانت معارك الفتح معاركَ ضاريةً بقيادة خالد بن الوليد رضي الله عنه، بسطت الدولة الإسلامية نفوذها على معظم مناطق العراق في غرب نَهر الفرات، وغنم المسلمون خلالها غنائمَ هائلة، ومن تلك المعارك التاريخية مع الفرس في تلك الحقبة الزمنيَّة معركة كاظمة ووقعة المذار ووقعة الولجة.

وأعطى الفرس وأتباعهم من نصارى العرب الجزية عن يدٍ وهم صاغرون، حتى بلغتِ الأموال التي كسبها المسلمون عشرات الآلاف من الدنانير وملايين الدراهم، وغيرها من الأموال التي كانت تدعم موقف الخزينة المركزية (بيت المال)، ونالوا سبيًا كثيرًا، وقتلوا خلال المعارك عشرات الآلاف من الفرس والنصارى، وعلى رأسهم كبار قادة الفرس، وكان نصرًا مؤزَّرًا للمسلمين.

وفي قاطع الشام التي كانت تحت سلطان دولة الروم؛ فُتحت المدن الآتية: البلقاء، تدمر، القريتين والحوارين (وقيل: هما بلدة واحدة)، بُصرى، ووصلت جيوش المسلمين حدود دمشق وفلسطين.

ولقد خاضت جيوش الدَّولة الإسلامية على عهد أبي بكر رضي الله عنه معاركَ شديدة ضارية ضد دولة الروم على أرض الشام، ولعلَّ أهمها وأشهرها: أجنادين ومرج الصُّفَّر واليرموك، انتصر فيها المسلمون نصرًا عزيزًا مؤزَّرًا، وغنموا الكثير، وقتلوا من علوج الروم ما لا يعدُّ ولا يحصى، وفي مقدمتهم قادتهم وكبراؤهم.

وواصل الفتوحات الخليفة الثاني عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه، فكان عهده عهد الفتح الإسلامي الذهبي، فقد حالف النصر فيه أعلام المسلمين فامتدت دولتهم حتى جاوزت أفغانستان إلى حدود الصين شرقًا، والأناضول وبحر قزوين شمالًا وتونس وما وراءها من أفريقية الشمالية غربًا، وبلاد النوبة جنوبًا وفي سنة أربع عشرة فتحت دمشق ما بين صلح وعنوة وحمص وبعلبك صلحًا، والبصرة والأبلة كلاهما عنوة.

وفي سنة خمس عشرة كانت وقعتا اليرموك والقادسية، وفتحت فيها الأردن كلها عنوة إلا طبريا فإنها فتحت صلحًا، وفي سنة ست عشرة فتحت الأهواز والمدائن، وأقام بها سعد بن أبي وقاص الجمعة في إيوان كسرى، وهي أول جمعة جمعت بالعراق وذلك في صفر، وفيها كانت وقعة جلولاء، وهزم فيها يزدجرد بن كسرى وتقهقر إلى الري وفيها فتحت تكريت وفيها سار عمر ففتح بيت المقدس، وخطب بالجابية خطبته المشهورة، وفيها فتحت قنسرين عنوة، وحلب وأنطاكية ومنبج صلحًا، وسروج عنوة، وفيها فتحت قرقسياء صلحًا. وفي سنة سبع عشرة زاد عمر في المسجد النبوي، وفيها كان القحط بالحجاز وسمي عام الرمادة واستسقى عمر للناس بالعباس رضي الله عنه. وفي سنة ثماني عشرة فتحت جنديسابور صلحًا وحلوان عنوة، وفيها فتحت الرها وسميساط عنوة، وحران ونصيبين وطائفة من الجزيرة عنوة، وقيل صلحًا والموصل.

أما الفتوحات الإسلامية في عهد الخليفة عثمان بن عفان رضي اللّه عنه فقد فتـح المغرب وبلاد النوبة، فقد زحفت جيوش المسلمين في عهد عثمان بن عفان رضي اللّه عنه إلى بلاد النوبة جنوب مصر، وتمكَّنوا من فتحها وضمَّها إلى الدولة الإسلامية، كـما تابع المسلمون فتوحاتهم في بلاد المغرب ونشروا الدعوة الإِسلامية في أنحائها ووصلت جيوشهم إلى سهول تونس، واصطدموا مع قوات الروم فيها وهزموهم، وأصبحت المنطقة كلها من برقة إلى تونس خاضعة للدولة الإِسلامية في عهد عثمان رضي اللّه عنه.

وكذلك الفتوحات الدولة الأموية‏،‏ فقد اتسعت فتوحات الدولة الأموية اتساعًا عظيمًا، منذ عهد معاوية الذي لم تكد تستقر له الأوضاع حتى جهَّز الجيوش وأنشأ الأساطيل، وأرسل قواده إلى أطراف الدولة لتثبيت دعائمها، بعد أن حاول الفرس والروم استغلال فترة الفتنة بينه وبين علي كرم الله وجهه.

وقد أخضعت هذه الجيوش ثورة فارسية هدفت إلى الامتناع عن دفع الجزية‏.‏ ثم توغَّلت جيوشه شرقًا، فعبرت نهر جيحون، وفتحت بخارى وسمرقند وترمذ.‏ ومن الجهة الرومانية، كان الرومان قد أكثروا من الغارات على حدود الدولة الإسلامية في الناحية الشمالية الغربية، فأعدَّ معاوية لهم الجيوش، وانتصر عليهم في مواقع كثيرة.‏

وبأسطوله الذي بلغت عدته ‏‏1700‏‏ سفينة، فتح قبرص ورودس وغيرهما من جزر الروم، كما قام بالمحاولة الأولى لفتح القسطنطينية عاصمة الدولة الرومانية الشرقية سنة 48هـ، فأرسل جيشًا بإمرة ابنه يزيد، وجعل تحت إمرته عددًا من خيرة الصحابة كعبد الله بن عباس وعبد الله بن الزبير وعبد الله بن عمر وأبي أيوب الأنصاري؛ ولكن المحاولة لم تنجح.‏

ومن الشمال الأفريقي ‏(‏تونس والجزائر والمغرب الأقصى)‏ امتدَّ الفتح الإسلامي، فأرسل ‏‏معاوية‏ عقبة بن نافع سنة ‏‏50هـ‏‏ في عشرة آلاف مقاتل، لتثبيت فتحها، وقد عمل عقبة على نشر الإسلام بين البربر ثم بنى مدينة القيروان، وفي عهد ابنه ‏يزيد‏‏ وصل عقبة في اكتساحه للشمال الأفريقي حتى المحيط الأطلسي غربًا، وقال هناك كلمته المأثورة ‏»‏والله، لولا هذا البحر لمضيت في سبيل الله مجاهدًا»‏. وفي الشرق اتجهت جيوش عبد الملك بن مروان – الخليفة الأموي الخامس – إلى التوسع في بلاد ما وراء النهر، وكانت القيادة في هذا الركن للمهلب بن أبي صفرة وليزيد بن عبد الملك‏.‏ وكان من أبرز الفتوحات في عهد الوليد بن عبد الملك فتح بلخ، والصفد، ومرو، وبخارى، وسمرقند، وذلك كله على يدي قتيبة بن مسلم‏.‏

أما محمد بن القاسم الثقفي فقد فتح السند ‏(‏باكستان‏)‏‏.‏ وفتح مسلمة بن عبد الملك فتوحات كثيرة في آسيا الصغرى، منها فتحه لحصن طوالة وحصن عمورية، وهرقلة، وسبيطة، وقمونية، وطرسوس‏‏.‏ كما حاصر القسطنطينية أيام سليمان بن عبد الملك.‏

وفي أوروبا فتح موسى بن نصير الأندلس، وبقيت في حوزة المسلمين ثمانية قرون ‏(‏92-898هـ‏)‏ وكان جزاؤه من بني أمية جزاء سنمار‏،‏ وقد حاول عنبسة بن سحيم الكلبي غزو جنوب فرنسا وفتح سبتماية، وبرغونية، وليون ونجح المسلمون في ذلك نجاحًا مؤقتًا، حتى انتهت هذه المحاولات بعيد موقعة بلاط الشهداء التي قادها عبد الرحمن الغافقي بقليل ثم جاءت بعدها الدولة العثمانية.

إن هذا الدور الذي قامت به دولة الخلافة العثمانية في نشر الإسلام وحمل رايته كان له أثر إيجابي على كافة الأطياف؛ بحيث قامت بتطبيق أحكام الإسلام الذي ينص على نشر هذا الدين في الآفاق مصداقًا لقول الرسول صلى الله عليه وسلم «بَلِّغُوا عَنِّي وَلَوْ آيَةً»، فأخذ السلاطين العثمانيون بمجمل هذه الأحاديث والآيات التي نصَّت على إظهار الحق ونبذ الجهل فباشروا في تطبيقها، ومن هنا صارت الخلافة العثمانية هدفًا لأعداء الإسلام من الصليبيين واليهود، الذين أخذوا يتآمرون عليها، ويكيلون لها الضربات.

ففي بداية الحديث حول فتوحات الدولة العثمانية في أوروبا يجدر بالذكر معرفة أول مرة دخلَ فيها العثمانيون إلى أوروبا، فقد بدأت فتوحات الدولة العثمانية في أوروبا منذ عهد مؤسسها عثمان الأول بن أرطغرل، فقد بدأ منذ أن استلم زعامة العشيرة بعد والده بعقد تحالفات مع الإمارات المجاورة له حتى يتسنَّى له أن يتوجَّه إلى توسيع رقعة أراضيه على حساب الدولة البيزنطية التي كانت في تلك الفترة في حالة ضعف شديد، وهذا ما ساعده على التوسع في ذلك الاتجاه في منطقة غرب الأناضول واستطاع عبور مضيق الدردنيل باتجاه جنوب شرق أوروبا، ففتحَ مدينة قره جه حصار التي تقع جنوب مدينة سُكود وجعلها مقرًا وقاعدة له انطلقَ منها إلى البحر الأسود وإلى بحر مرمرة، وفي العام نفسه الذي توفي فيه عثمان استطاع ابنه أورخان أن يفتح مدينة بورصة القريبة جدًا من بحر مرمرة، وبعدَ مرور أكثر من نصف قرن على قيام الدولة العثمانية استطاعت في عام 1353م في فترة حكم السلطان أورخان بن عثمان الأول أن تعبرَ إلى أوروبا الشرقية لأول مرة في التاريخ، وقد كانت أوَّل سلطة إسلامية تستطيع أن تتخذَ لنفسها مكانًا في البلقان، ومنذُ ذلك الحين بدأت فتوحات الدولة العثمانية في أوروبا بالتهافت والتلاحق. وخلال السنوات التالية استطاعت الدولة العثمانية أن تفتحَ معظم دول منطقة البلقان؛ وبذلك بدأت شوكتُهم تشتدُّ وسطوتهم تطغى حتَّى زرعوا الرهبة في قلوب القادة الأوروبيين الذين هرعوا تارةً لإعلان الولاء للدولة العثمانية، وتارةً لعقد التحالفات وطلب يد العون من الإمارات الأوروبية في غرب أوروبا لمواجهة الخطر العثماني، غيرَ أنَّ كل ذلك لم يجدِ نفعًا في وجه القوة العثمانية الجبارة التي راحت تلتهم الدول من حولها وتتحول إلى إمبراطورية عظيمة توَّجت انتصاراتها في أوروبا الشرقية بفتح مدينة القسطنطينية، فعلى الرغم من المحاولات الكثيرة التي باءت بالفشل في فتح تلك المدينة إلا أنَّها سقطَت في النهاية في أيدي العثمانيين في عام 1453م على يد السلطان محمد بن مراد الثاني الذي لُقِّبَ بمحمد الفاتح، وبعد ما يقارب على 154 سنة على قيام الدولة العثمانية، وسقطت عند ذلك الإمبراطورية البيزنطية بعد أن مرَّ على قيامها أكثر من 11 قرنًا. ولم يتوقف السلطان محمد الفاتح بعد القسطنطينية عن الفتوحات في أوروبا، بل تابع في معاركه وحروبه لفتح أوروبا، فاستطاعت الدولة العثمانية بقيادته إخضاع بلاد الصرب وبلاد المورة التي تقع جنوب اليونان وبلاد البشناق وبلاد الأفلاق وألبانيا، واستطاعت أيضًا هزيمة البندقية وتوحيد بلاد الأناضول بعد أن قضَت على إمارة قرمان وإمبراطورية طرابزون الرومية، وعندما كان محمد الفاتح يهمُّ في فتح إيطاليا توفي قبل تحقيق ذلك عام 1481م، وفي تلك الفترة توقف العثمانيون عن الحروب والتفتوا إلى جهة الشرق. وانشغلَ العثمانيون في جهة الشرق إلى أن استلم الحكم السلطان سليمان القانوني بن سليم عام 1520م، فاتَّجه إلى الغرب لتحقيق طموحات أجداده في فتح أوروبا، ففتحَ مدينة بلغراد عام 1521م، واستولى على جزيرة رودس في العام التالي، وضمَّ المناطق الجنوبية من مملكة المجر إلى دولته مستغلًا الأوضاع المتردية فيها، ثمَّ اشتبكت الجيوش العثمانية مع المجرية في وادي موهاج عام 1526م وانتصر العثمانيون وفتحوا المملكة كلها، ثمَّ توجه الجيش العثماني لقتال مملكة النمسا فهزمَت شرَّ هزيمة، وطاردَ العثمانيون الملك فرديناند ملك النمسا حتى فينّا وحاصرها لفترة من الزمن لكنَّه لم يوفق في فتحها، وفي العام التالي أيضًا فرضَ عليها حصارًا لم يوفق أيضًا في فتحها فعقد صلحًا مع فرديناند، فتوجَّه عند ذلك إلى الشرق بعد توتر العلاقات مع الصفويين، وقد حققَ العثمانيون في عهد سليمان القانوني العديد من الانتصارات على المملكة الإسبانية والبندقية بالإضافة إلى بقية الانتصارات، وقد كانت هذه الفترة هي الفترة الذهبية بالنسبة لفتوحات الدولة العثمانية في أوروبا، وبعد ذلك توقفت الفتوحات حيثُ بدأت الدولة العثمانية بالتأرجح بين الضعف والقوة، ولم تستطع أن تحافظ على المناطق التي كانت معها في أوروبا إلى أن سقطت عام 1923م.

وطوال عهد النبي صلى الله عليه وسلم ومن بعده الخلفاء الراشدين وإلى هدم الدولة العثمانية كانت جيوش المسلمين تجوب الدنيا حاملة هذا الإسلام رسالة هدى لنشره ودخول الناس فيه أفواجًا وحتى يعم الإسلام الدنيا بأكملها لا يترك بيت وبر أو مدر.

فهذا هو عقبة بن نافع يقول: «والله لو كنت أعلم أن وراء هذا البحر أرضًا وأقوامًا لخضته في سبيل الله» نعم كان هذا همهم اقتداء بنبيهم عليه الصلاة والسلام وحرصه على بلوغ الإسلام للناس كافة. لم تكن حروب استعمار لنهب الثروات كما تفعل دول الغرب الكافر اليوم، بل كانت رسالة يريدون إيصالها للناس أجمعين، رسالة هدى وخير للبشرية قاطبة لإخراجهم من ظلمات الكفر إلى نور الإسلام. وبهدم الخلافة العثمانية توقف هذا الخير العميم، توقف حمل الدعوة إلى الناس بالدعوة والجهاد، ولن يعود هذا إلا بقيام دولة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة التي وعدنا الله بها وبشرنا بها رسول الله صلى الله عليه وسلم. والمسؤولية عظيمة في أعناقنا؛ فثلثا سكان العالم لا يعتنقون عقيدة الإسلام بل هم في ضلال مبين في دياجير الكفر. فنسأل الله أن يعيننا على تبليغ دينه إلى الناس كافة وأن تنطلق الجيوش إلى الناس داعية إياهم لخيري الدنيا والآخرة، إنه وليُّ ذلك والقادر عليه. (رَبَّنَا ٱفۡتَحۡ بَيۡنَنَا وَبَيۡنَ قَوۡمِنَا بِٱلۡحَقِّ وَأَنتَ خَيۡرُ ٱلۡفَٰتِحِينَ).

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *