العدد 421 -

السنة السادسة والثلاثون، صفر 1443هـ ، أيلول 2021م

حكم الرموز والأعلام في الاسلام (2)

م. ناصر وحان اللهبي- اليمن

لتصحيح المفاهيم، وإثبات المفهوم الذي يجب أن يتعامل به المسلمون هو قوله تعالى:(ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمۡ قَالُوٓاْ إِنَّمَا ٱلۡبَيۡعُ مِثۡلُ ٱلرِّبَوٰاْۗ وَأَحَلَّ ٱللَّهُ ٱلۡبَيۡعَ وَحَرَّمَ ٱلرِّبَوٰاْۚ ﴾ [البقرة: 275] وقد نهى الله عزَّ وجلَّ عن تحريف الكلام، وهو تغيير ألفاظه لتتغير معانيه لدي السامع، وكذلك تغيير مفهومه، قال تعالى: (أَفَتَطۡمَعُونَ أَن يُؤۡمِنُواْ لَكُمۡ وَقَدۡ كَانَ فَرِيقٞ مِّنۡهُمۡ يَسۡمَعُونَ كَلَٰمَ ٱللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُۥ مِنۢ بَعۡدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمۡ يَعۡلَمُونَ ٧٥).

وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن أخنع اسم عند الله عز وجل رجل تسمى ملك الأملاك» متفق عليه، قال سفيان بن عيينة «ملك الأملاك» مثل شاهنشاه. وحرَّم الإسلام ألفاظًا ونهى عنها كمخاطبة الفاسق ونحوه بسيدي؛ لأن صفات السيد غير صفات الفاسق، وكل اسم له صفاته، وليس السيد بالحسب والنسب، بل بالعمل والصفة. وعن بريدة رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تقولوا للمنافق سيد، فإنه إن يكُ سيدًا؛ فقد أسخطتم ربكم عزَّ وجلَّ» رواه أبو داود بإسناد صحيح.

وعن زيد بن خالد رضي الله عنه قال: صلَّى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الصبح بالحديبية في إثر سماء (مطر)كانت من الليل، فلما انصرف أقبل على الناس، فقال: «هل تدرون ماذا قال ربكم؟» قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: «أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر، فأما من قال مطرنا بفضل الله ورحمته فذلك مؤمن بي كافر بالكوكب. وأما من قال: مُطرنا بنَوء كذا وكذا فذلك كافر بي مؤمن بالكوكب» متفق عليه.

وفي ضبط الألفاظ فيما روته عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا يقولنَّ أحدُكم خبثت نفسي؛ ولكن ليقل: لَقستْ نفسي» متفق عليه. قال العلماء: معنى خبثت :غثت، وهو معنى لقست؛ ولكن كره لفظ «الخبث».

وفي ضبط الكلام وتحديد مفهومه ما رواه أبي ذر رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :»من دعا رجلًا بالكفر، أو قال: عدو الله وليس كذلك؛ إلا حار عليه» متفق عليه.

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال :قال رسول صلى الله عليه وسلم:»لا تسمُّوا العنب الكرم، فان الكرم المسلم» متفق عليه .وهذا لفظ مسلم. وفي رواية: «فإنما الكرم قلب المؤمن». وفي رواية للبخاري ومسلم: «يقولون الكرم، انما الكرم قلب المؤمن».

إن الإسلام أعطى للكلمة أهمية عظيمة، ورتَّب على أساسها مثوبة أو عقوبة، وكذا رتَّب عليها أحكامًا لا بد من القيام بها؛ وإلا بطل الحكم أو العقد أو المعاملة، فمن لَفَظَ الطلاق فقد طُلقت زوجته، وهل طلقها واحدة أو اثنتين أو ثلاث؟ كل له حكمه. وكذا من لَفَظَ لفظة الظهار (أنتِ عليَّ كظهر أمي) فقد وجب عليه كفارة حتى تحلَّ له زوجته. وإن قذف زوجته كان بينهما حكم اللعان كما في سورة النور، ويفرق بينهما القاضي إلى الأبد. وفي العقود إذا لَفَظَ لفظ الإيجاب والقبول كقوله: زوجتك أو شاركتك… إلخ فقد وجب العقد، ولا يفسخ العقد الشرعي إلا سبب شرعي؛ لهذا حرم الإسلام  تحريف الكلام عن مواضعه. قال تعالى: (وَإِذۡ قُلۡنَا ٱدۡخُلُواْ هَٰذِهِ ٱلۡقَرۡيَةَ فَكُلُواْ مِنۡهَا حَيۡثُ شِئۡتُمۡ رَغَدٗا وَٱدۡخُلُواْ ٱلۡبَابَ سُجَّدٗا وَقُولُواْ حِطَّةٞ نَّغۡفِرۡ لَكُمۡ خَطَٰيَٰكُمۡۚ وَسَنَزِيدُ ٱلۡمُحۡسِنِينَ ٥٨ فَبَدَّلَ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ قَوۡلًا غَيۡرَ ٱلَّذِي قِيلَ لَهُمۡ فَأَنزَلۡنَا عَلَى ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ رِجۡزٗا مِّنَ ٱلسَّمَآءِ بِمَا كَانُواْ يَفۡسُقُونَ ٥٩) [البقرة: 58-59]. .وقال تعالى: (وَإِذۡ قِيلَ لَهُمُ ٱسۡكُنُواْ هَٰذِهِ ٱلۡقَرۡيَةَ وَكُلُواْ مِنۡهَا حَيۡثُ شِئۡتُمۡ وَقُولُواْ حِطَّةٞ وَٱدۡخُلُواْ ٱلۡبَابَ سُجَّدٗا نَّغۡفِرۡ لَكُمۡ خَطِيٓـَٰٔتِكُمۡۚ سَنَزِيدُ ٱلۡمُحۡسِنِينَ ١٦١ فَبَدَّلَ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنۡهُمۡ قَوۡلًا غَيۡرَ ٱلَّذِي قِيلَ لَهُمۡ فَأَرۡسَلۡنَا عَلَيۡهِمۡ رِجۡزٗا مِّنَ ٱلسَّمَآءِ بِمَا كَانُواْ يَظۡلِمُونَ ١٦٢) [الأعراف: 161-162]فالأمر جلل، والعذاب واقع بالمسلمين إن هم قبلوا تغيير الألفاظ والمفاهيم والأفكار، كما أنزل الله العذاب على بني إسرائيل بسبب التغيير والتبديل، فقال تعالى: (فَبَدَّلَ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ قَوۡلًا غَيۡرَ ٱلَّذِي قِيلَ لَهُمۡ فَأَنزَلۡنَا عَلَى ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ رِجۡزٗا مِّنَ ٱلسَّمَآءِ بِمَا كَانُواْ يَفۡسُقُونَ٥٩ ) [البقرة: 59]. وقال تعالى: (فَبَدَّلَ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنۡهُمۡ قَوۡلًا غَيۡرَ ٱلَّذِي قِيلَ لَهُمۡ فَأَرۡسَلۡنَا عَلَيۡهِمۡ رِجۡزٗا مِّنَ ٱلسَّمَآءِ بِمَا كَانُواْ يَظۡلِمُونَ ١٦٢). [الأعراف: 162]. وسمَّى الله هذا العمل بالفسق والظلم، وأنزل عليهم الرجز، وطبعًا هذه الأقوال مخالفة للعقيدة والأحكام الشرعية، والأمر الذي أمر الله به، وما أصاب المسلمين اليوم بسبب التغيير والتبديل الكثير من أنواع العذاب، ولن يرفع عنهم حتى يرجعوا إلى التقيد بنصوص دينهم ويأخذوها كما أنزل الله ، وكما أراد الله تعالى، لا كما أرادت أهواءهم.

فعن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا يقل أحدكم: عبدي أو أمتي، كلكم عباد الله، ونساؤكم إماء الله، ولكن ليقل: غلامي وجاريتي وفتايَ وفتاتي» متفق عليه. وعن طريق الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:»لا يقولن أحدكم عبدي فكلكم عبيد الله؛ ولكن ليقل: فتايَ. ولا يقل العبد ربي؛ ولكن ليقل: سيدي» رواه مسلم.

وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا يقولنَّ أحدُكم اِسقِ ربك، أو أطعم ربك، وضِّئ ربك. ولا يقل أحدكم: ربي، وليقل: سيدي ومولايَ. ولا يقل أحدكم: عبدي، أمتي، وليقل: فتاي، فتاتي، غلامي» متفق عليه.

فالألفاظ ومعانيها ضبطها الإسلام بحيث لا يتبادر إلى الذهن معاني أخرى مخالفة لمفاهيم العقيدة أو الأحكام الشرعية. فالعبودية والربوبية حقيقتها لله تعالى؛ لأن الرب هو المالك القائم بالشيء، ولا تكون إلا لله تعالى. ولا نهي في قول المملوك: سيدي لقوله صلى الله عليه وسلم «ليقل سيدي»؛ لأن لفظة السيد غير مختصة بالله تعالى اختصاص الرب، ولا مستعملة فيه كاستعمالها، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن ابني هذا سيد» و «قوموا إلى سيدكم»، يعني سعد بن معاذ. وفي الحديث الآخر: «اسمعوا ما يقول سيدكم» يعني سعد بن عبادة. فليس في قول العبد: سيدي إشكال ولا لبس؛ لأنه يستعمله غير العبد والأمة، ولا بأس أيضًا بقول العبد لسيده: مولايَ، فإن المولى وقع على ستة عشر معنى توضح في موضوعها وبيانها، منها الناصر والمالك.

ويكره للسيد أن يقول لمملوكه: عبدي وأمتي، بل يقول: غلامي وجاريتي، وفتايَ وفتاتي؛ لأن حقيقة العبودية إنما يستحقها الله تعالى، ولأن فيها تعظيمًا بما لا يليق بالمخلوق استعماله لنفسه، وقد بيَّن النبي صلى الله عليه وسلم العلة في ذلك فقال: «كلكم عبيد الله» فنهى عن التطاول في الألفاظ كما نهى عن التطاول في الأفعال. وأما غلامي وجاريتي وفتايَ وفتاتي فليست دالة على الملك كدلالة عبدي، مع أنها تطلق على الحر والمملوك، وإنما هي للاختصاص. قال الله تعالى:

(وَقَالَ نِسۡوَةٞ فِي ٱلۡمَدِينَةِ ٱمۡرَأَتُ ٱلۡعَزِيزِ تُرَٰوِدُ فَتَىٰهَا عَن نَّفۡسِهِۦۖ قَدۡ شَغَفَهَا حُبًّاۖ إِنَّا لَنَرَىٰهَا فِي ضَلَٰلٖ مُّبِينٖ ٣٠) [يوسف: 30]. وقال تعالى: ( وَإِذۡ قَالَ مُوسَىٰ لِفَتَىٰهُ لَآ أَبۡرَحُ حَتَّىٰٓ أَبۡلُغَ مَجۡمَعَ ٱلۡبَحۡرَيۡنِ أَوۡ أَمۡضِيَ حُقُبٗا ٦٠) [الكهف: 60]. وقال تعالى: (وَقَالَ لِفِتۡيَٰنِهِ ٱجۡعَلُواْ بِضَٰعَتَهُمۡ فِي رِحَالِهِمۡ لَعَلَّهُمۡ يَعۡرِفُونَهَآ إِذَا ٱنقَلَبُوٓاْ إِلَىٰٓ أَهۡلِهِمۡ لَعَلَّهُمۡ يَرۡجِعُونَ ٦٢) [يوسف: 62]. وقال تعالى: (وَمَن لَّمۡ يَسۡتَطِعۡ مِنكُمۡ طَوۡلًا أَن يَنكِحَ ٱلۡمُحۡصَنَٰتِ ٱلۡمُؤۡمِنَٰتِ فَمِن مَّا مَلَكَتۡ أَيۡمَٰنُكُم مِّن فَتَيَٰتِكُمُ ٱلۡمُؤۡمِنَٰتِۚ) [النساء: 25].

قال العلماء: مقصود الأحاديث شيئان: أحدهما نهي المملوك أن يقول لسيده: ربي؛ لأن الربوبية إنما حقيقتها لله تعالى؛ لأن الرب هو المالك أو القائم بالشيء، ولا توجد حقيقة هذا إلا في الله تعالى. فإن قيل: فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في أشراط الساعة: «أن تلد الأمة ربتها أو ربها» فالجواب من وجهين: أحدهما أن الحديث الثاني لبيان الجواز، وأن النهي في الأول للأدب وكراهة التنزيه، لا التحريم. والثاني أن المراد النهي عن الإكثار من استعمال هذه اللفظة واتخاذها عادة شائعة، ولم ينهَ عن إطلاقها في نادر من الأحوال. واختار القاضي هذا الجواب. والظاهر أن المراد بالنهي من استعمله على جهة التعاظم والارتفاع، لا للوصف والتعريف.

ولما كانت المصطلحات كثيرة لا تعد ولا تحصى ومستمرة في الحياة كان لابد من إيجاد قاعدة ثابتة، يبنى عليها كل اصطلاح، أو كان لا بد من ميزان يوازَن كل اصطلاح جديد عليه.

نقول: إن كل لفظ يحمل اصطلاحًا موجودًا معناه في الإسلام، فلا مانع شرعًا من جواز استعماله بذكره أو بالدعوة إليه، أما إذا كان الاصطلاح يخالف معناه ما في الإسلام من معانٍ فلا يجوز ذكره على سبيل الدعوة إليه، وإن قُيِّد بوصف إسلامي له؛ لأنه تعبير وضع بالأصل لفكر معين، أو لنظام خاص عرف به أصحابه وحملته.

يقول الأستاذ المبارك، عميد كلية الشريعة بجامعة دمشق، في مجلة حضارة الإسلام، العدد 6، ص: 90،  سنة 1962م: «إن لكل فقيه أن يصطلح على استعمال الألفاظ التي يراها للمعنى الصحيح المتفق عليه ولا مشاحة في الاصطلاح ابتداء، ولكن هناك مشاحة في أخذ المصطلحات التي تخالف مفاهيم الإسلام».

ويقول الشيخ الشهيد، عبدالعزيز البدري، في كتابه (حكم الإسلام في الاشتراكية) ص: 126: «أقول المعنى الصحيح المتفق عليه الذي يعبر عنه بلفظ معين يكون اصطلاحًا لذلك المعنى، فإذا أراد فقيه أن يستعمل اصطلاحًا معينًا فيجب أن يكون المعاني التي يريدها مطابقة تمام الانطباق لمعنى ذلك الاصطلاح، وعند ذلك لا مشاحة في الاصطلاح». ويتابع القول: «أما إذا أراد فقيه معاني خاصة، فلا يجوز له أن يستعمل اصطلاحًا له معنى متفق عليه وهو يناقض ما أراد من المعاني؛ لذا فلكل اصطلاح معنى متفق عليه، وهنا تكون المشاحة في استعمال الاصطلاح».

ويقول القاضي العلامة تقي الدين النبهاني في كتاب (نظام الإسلام): « إن الألفاظ الأجنبية التي لها معانٍ اصطلاحية، إن كان اصطلاحها يخالف اصطلاح المسلمين لا يجوز استعمالها، مثل كلمة العدالة الاجتماعية؛ فإنها تعني نظامًا معينًا يتلخص في ضمان التعليم والتطبيب للفقراء، وضمان حقوق العمال والموظفين؛ فإن هذا الاصطلاح يخالف اصطلاح المسلمين؛ لان العدل عند المسلمين هو ضد الظلم، وأما ضمان التعليم والتطبيب فهو لجميع الناس أغنياء وفقراء، وضمان حقوق المحتاج والضعيف حق لجميع الناس الذين يحملون التابعية الإسلامية، سواء أكانوا موظفين أم لم يكونوا، أو كانوا عمالًا أم مزارعين أم غيرهم. أما إن كانت الكلمة تعني اصطلاحًا موجودًا معناه عند المسلمين فيجوز استعمالها، مثل كلمة ضريبة، فإنها تعني المال الذي يؤخذ من الناس لإدارة الدولة، ويوجد لدى المسلمين مال تأخذه الدولة لإدارة المسلمين، وكذلك كلمتي دستور وقانون، فيجوز أخذهما فإنها تعني تبني الدولة لأحكام معينة تعلنها للناس، وتلزمهم العمل بها، وإن كان هناك فرق بين الدستور الإسلامي والدستور العلماني، فدستور الإسلام يتبناه رئيس الدولة بقوة الدليل من الكتاب والسنة المطهرة، والدستور العلماني يتبناه الشعب. فالسيادة للشعب، والشعب مصدر السلطات، وفي الدستور الإسلامي الحاكمية لله والسيادة لشرعه والسلطان للأمة».

الأصلُ في المعانِي الشرعيَّةِ هو استعمالُ لسانِ الشرعِ في العبارةِ عنها، وعدمِ الخروجِ عنه. يقولُ ابن تيمية: «والتعبيرُ عن حقائقِ الإيمانِ بعباراتِ القرآنِ، أولَى مِنَ التعبيرِ عنْهَا بغيرهَا؛ فإنَّ ألفاظَ القرآنِ يجبُ الإيمانُ بها، وهي تنزيلٌ من حكيمٍ حميدٍ، والأمةُ متفقَةٌ عليها، ويجبُ الإقرارُ بمضمونِهَا قبلَ أن تُفْهَمَ، وفيها من الحِكَمِ والمعانِي ما لا تنقضِي عجائِبُهُ، والألفاظُ المحدثَةُ فيها إجمالٌ واشتباهٌ ونزاعٌ ، ثمَّ قد يُجعلُ اللفظُ حجةً بمجردِهِ، وليسَ هو قولُ الرسولِ الصادقِ المصدوقِ، وقد يُضطربُ في معناهُ، وهذا أمرٌ يعرفُهُ من جرَّبَهُ من كلامِ الناسِ. فالاعتصامُ بحبلِ اللهِ يكونُ بالاعتصامِ بالقرآنِ والإسلامِ… ومتَى ذُكِرَتْ ألفاظُ القرآنِ والحديثِ، وبُيِّنَ معناهَا بيانًا شافيًا، فإنَّهَا تنتظمُ جميعَ ما يقولُهُ الناسُ من المعاني الصحيحةِ، وفيهَا زياداتٌ عظيمةٌ لا تُوجدُ في كلامِ الناسِ ، وهي محفوظةٌ مما دخلَ في كلامِ الناسِ من الباطلِ». (النبوات: 2/878).

 ويقولُ ابن تيمية أيضًا: «الألفاظُ التي تنازعَ فيها مَنِ ابْتدعَهَا مِنَ المتأخرينَ، مثلُ لفظِ «الجسمِ» و«الجوهرِ» و«المتحيِّزُ» و«الجهةُ» ونحوُ ذلكَ؛ فلا تُطلقُ نفيًا ولا إثباتًا حتَّى يُنظرَ في مقصودِ قائلِهَا، فإنْ كانَ قد أرادَ بالنفيِ والإثباتِ معنًى صحيحًا موافقًا لِـمَا أخبرَ به الرسولُ، صُوِّبَ المعنَى الذي قصدَهُ بلفظِهِ، ولكنْ ينبغِي أنْ يُعَبَّرَ عنهُ بألفاظِ النصوصِ، لَا يُعدلُ إلَى هذه الألفاظِ المبتدَعَةِ المجملَةِ إلَّا عندَ الحاجةِ، مَعَ قرائنَ تبيِّنُ المرادَ بها والحاجةُ، مثل أنْ يكونَ الخطابُ مع من لا يتمُّ المقصودُ معه إنْ لم يخاطَبْ بها، وأمَّا إن أُرِيدَ بها معنًى باطلٌ، نُفيَ ذلك المعنَى، وإن جُمعَ بينَ حقٍّ وباطلٍ، أُثْبِتَ الحقُّ وأُبطلَ الباطلُ» (منهاجُ السُّنَّةِ: 2/554).

يقول الإمام الفخر الرازي في تفسير قوله تعالى: (هُوَ سَمَّىٰكُمُ ٱلۡمُسۡلِمِينَ) يدل على إثبات الأسماء الشرعية، وأنها من قبل الله تعالى؛ لأنها لو كانت لغة لما أضيفت إلى الله تعالى على وجه الخصوص. (التفسير الكبير للإمام الفخر الرازي – المجلد الثامن – تفسير سورة الحج – دار إحياء التراث العربي- بيروت – لبنان).

ومن أهم أمثلة ذلك وصف (المهاجرين والأنصار) فهي أوصاف شرعية صحيحة؛ لكن لـمَّا استُعملت في سياق عصبية لغير الحق، سمَّاها النبي دعوى الجاهلية! كما في صحيح مسلم عن جابر قال: (كنا مع النبي -صلى الله عليه وسلم- في غزاة، فكسع رجلٌ من المهاجرين رجلاً من الأنصار، فقال الأنصاري «يا للأنصار»، وقال المهاجري «يا للمهاجرين». فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- «ما بال دعوى الجاهلية». قالوا يا رسول الله، كسع رجل من المهاجرين رجلًا من الأنصار. فقال صلى الله عليه وسلم «دعوها فإنها منتنة») صحيح مسلم. فإذا كان هذا في وصف شرعي صحيح سماهم القرآن به كما قال تعالى (وَٱلسَّٰبِقُونَ ٱلۡأَوَّلُونَ مِنَ ٱلۡمُهَٰجِرِينَ وَٱلۡأَنصَارِ ) [التوبة: 100] وقال تعالى: ( لَّقَد تَّابَ ٱللَّهُ عَلَى ٱلنَّبِيِّ وَٱلۡمُهَٰجِرِينَ وَٱلۡأَنصَارِ) [التوبة: 117]. ومع ذلك لـمَّا صار راية عصبية لغير الحق سمَّاه النبيُّ (دعوى الجاهلية) ! فكيف بالله عليكم في راية (الإنسانية) وراية (الوطنية) التي يراد تذويب الحواجز العقدية فيها، ومساواة المسلم بالكافر، ومساواة المسلم بالعلماني، في كافة الحقوق، ومنها حق الدعوة والنشر، فالمسلم والكافر، كلهم لهم الحق في نشر ما يشاؤون، فأي مساواة بين الحق والباطل أفظع من هذا؟!

ولهذا ما ورد من مصطلحات مخالفة للإسلام كالوطنية، والقومية، والديمقراطية، والمدنية، والجمهورية، والاتحادية، والاقتصاد الحر، والحريات، والحقوق غير الشرعية، كحرية التملك، وحرية الرأي، وحرية الاعتقاد، والحرية الشخصية، وغيرها الكثير من المفاهيم الغربية لا يجوز أخذها، ولا تطبيقها، ولا تنفيذها، ولا الدعوة إليها، ومن قام بتطبيقها أو إجبار الناس على تنفيذها فهو آثم إثمًا عظيمًا، ومتكبر ومتجبر على الله تعالى وشرعه، ويجب ردعه وأمره بالمعروف ونهيه عن المنكر، والتغيير عليه بالقول والعمل، وإن هذه المصطلحات والمفاهيم لن تزيدنا إلا معيشة ضنكًا وفقرًا وتعاسة!!؛ ولهذا فمصطلح (الوطنية) الذي يعطي الحقوق والواجبات لفئة من الناس، ويعين الولاء والبراء بناء على تلك العصبية الوطنية، ويميز البشر بناء على مكان المولد، وليس على أساس الصفات، ويمجد الكيانات المرسومة من الاستعمار، ويجعل الأرض هي الحاكمة وليس العقيدة؛ فلا يجوز أخذه أو تطبيقه أو الدعوة إليه.

فمدلول ومضمون ومفهوم اصطلاح (الوطنية) هو ارتباط الإنسان بالإنسان على أساس الوطن (الكيان السياسي المصنوع من الاستعمار) وهذا الوطن المرسوم ببول الكلاب هو أساس العلاقة بين الناس، وعليه فإن الوطنية هي أساس الأخوة والتكتلات والأحزاب، وأساس الشخصية والثقافة والعمل والفكر والدافع والعصبية، وأساس ما يسمونه بالدولة الوطنية، وهذا المصطلح مخالف لمفاهيم الإسلام ومعانيه، وكذلك الأعلام والرايات والرموز التي تخالف قاعدة الاصطلاح في الاسلام كالأعلام الوطنية لا يجوز تبنيها أو رفعها أو تقديسها أو القتال تحت رايتها. (هَٰذَا بَلَٰغٞ لِّلنَّاسِ وَلِيُنذَرُواْ بِهِۦ وَلِيَعۡلَمُوٓاْ أَنَّمَا هُوَ إِلَٰهٞ وَٰحِدٞ وَلِيَذَّكَّرَ أُوْلُواْ ٱلۡأَلۡبَٰبِ ٥٢) [ابراهيم: 52].

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *