العدد 413 -

السنة الخامسة والثلاثون – جمادى الثانية 1442هـ – كانون الثاني 2021م

ترك الغضب

حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ رضي الله عنه أنه وفد على النبي صلى الله عليه وآله وسلم الأشج فأناخ راحلته، ثم عقلها، وطرح عنه ثوبين كانا عليه، وأخرج من العيبة ثوبين حسنين فلبسهما؛ وذلك بعين رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يرى ما يصنع، ثم أقبل يمشي إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقال له عليه الصلاة والسلام:

«يَا أَشَجُّ إِنَّ فِيكَ خُلُقَيْنِ يُحِبُّهُمَا اللَّهُ: الْحِلْمُ وَالتُّؤَدَةُ» قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَشَيْءٌ جُبِلْتُ عَلَيْهِ أَمْ شَيْءٌ حَدِيثٌ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وآله وسلم: «بلْ شَيْءٌ جُبِلْتَ عَلَيْهِ». قال: الحمد لله الذي جبلني على ما يحب الله ورسوله.

روى البخاري في صحيحه مِن حَدِيثِ ابنِ عَبَّاسٍ رضي اللهُ عنهما أَنَّ عُيَينَةَ بنَ حِصنٍ استَأذَنَ عَلَى عُمَرَ، فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهِ قَالَ: هِيْ يَا ابْنَ الْخَطَّابِ، فَوَاللهِ مَا تُعْطِينَا الْجَزْلَ، وَلَا تَحْكُمُ بَيْنَنَا بِالْعَدْلِ، فَغَضِبَ عُمَرُ حَتَّى هَمَّ أَنْ يُوقِعَ بِهِ، فَقَالَ لَهُ الْحُرُّ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنَّ اللهَ تَعَالَى قَالَ لِنَبِيِّهِ صلى اللهُ عليه وسلم: (خُذِ ٱلۡعَفۡوَ وَأۡمُرۡ بِٱلۡعُرۡفِ وَأَعۡرِضۡ عَنِ ٱلۡجَٰهِلِينَ) [الأعراف: 199]، وَإِنَّ هَذَا مِنَ الْجَاهِلِينَ، وَاللهِ مَا جَاوَزَهَا عُمَرُ حِينَ تَلَاهَا عَلَيْهِ، وَكَانَ وَقَّافًا عِنْدَ كِتَابِ اللهِ.

كتب عمر بن عبد العزيز إلى عامله: «لا تعاقب عند غضبك، وإذا غضبت على رجل فاحبسه، فإذا سكن غضبك فأخرجه فعاقبه على قدر ذنبه، ولا تجاوز خمسة عشر سوطًا».

قال ابن عباس رضي الله عنهما في قول الله تعالى: (وَلَا تَسۡتَوِي ٱلۡحَسَنَةُ وَلَا ٱلسَّيِّئَةُۚ ٱدۡفَعۡ بِٱلَّتِي هِيَ أَحۡسَنُ فَإِذَا ٱلَّذِي بَيۡنَكَ وَبَيۡنَهُۥ عَدَٰوَةٞ كَأَنَّهُۥ وَلِيٌّ حَمِيمٞ) [فصلت: 34]: «الصبر عند الغضب والعفو عند الإساءة، فإذا فعلوا ذلك عصمهم الله وخضع لهم عدوهم». ذكره البخاري.

رُوي أن رجلًا سبَّ أبا بكر رضي الله عنه، فقال أبو بكر: ما ستر الله عنك أكثر.

قال ابن القيِّم رحمه الله: «دخل الناس النار من ثلاثة أبواب، باب شبهة أورثت شكًّا في دين الله، وباب شهوة أورثت تقديم الهوى على طاعته ومرضاته، وباب غضب أورث العدوان على خلقه».

رُوي عن الحسن البصري أنه قال: من علامات المسلم: قوة في دين، وحزم في لين، وإيمان في يقين، وعلم في حلم، وكيس في رفق، وإعطاء في حق، وقصد في غنى، وتحمُّل في فاقة، وإحسان في قدرة، وصبر في شدة، ولا يغلبه الغضب ولا تجمع به الحمية، ولا تغلبه شهوة، ولا تفضحه بطنة، ولا يسخفه حرصه، ولا تقتصر به نيته، فينصر المظلوم، ويرحم الضعيف، ولا يبخل، ولا يبذر، ولا يسرف، ولا يقتر، يغفر إذا ظلم، ويعفو عن الجاهل، نفسه منه في عناء، والناس منه في رخاء.

روي عن سلمان أنه قال لما شتمه رجل: «إن خفَّت موازيني فأنا شر مما تقول، وإن ثقلت موازيني لم يضرني ما تقول».

– رُوي أن امرأة قالت لمالك بن دينار: يا مُراءِ، فقال: ما عرفني غيرك.

رُوي عن الأحنف بن قيس أنه قال: ما عاداني أحد قط إلا أخذت في أمره بإحدى ثلاث: إن كان أعلى مني عرفت له قدره، وإن كان دوني رفعت قدري عنه، وإن كان نظيري تفضَّلت عليه.

قال الحسن البصري رحمه الله: « أربع من كن فيه عصمه الله من الشيطان: من ملك نفسه عند الرغبة والرهبة والشهوة والغضب».

كان لأبي الدرداء رضي الله عنه مولى يرعى له الغنم، فجاءه وقد كسر رجل شاة من شياهه، فقال: من كسرها؟ قال: أنا، فعلته عمداً لأغيظك فتضربني فتأثم، فقال: لأغيظن من حملك على إغاظتي، أي الشيطان، فأعتقه.

قيل لابن المبارك: اجمع لنا حسن الخلق في كلمة، قال: «ترك الغضب».

قال عطاء بن أبي رباح: «ما أبكى العلماء بكاءَ آخرِ العمر، من غضبة يغضبها أحدهم فَتُهَدِّمُ عمر خمسين سنة، أو ستين سنة، أو سبعين سنة».

قالت فاطمة رضي الله عنها عن زوجها علي بن أبي طالب رضي الله عنه: «كان بيني وبينه شيء، فغاضبني، فخرج» ذكره البخاري.

عن علي بن الحسين رضي الله عنهما أنه سبَّه رجل، فرمى إليه بخميصة كانت عليه، وأمر له بألف درهم، فقال بعضهم: جمع له خمس خصال محمودة: الحلم وإسقاط الأذى، وتخليص الرجل مما يبعده من الله عز وجل، وحمله على الندم، والتوبة.

كان عند ميمون بن مهران ضيف، فاستعجل على جاريته بالعشاء، فجاءت مسرعة ومعها قصعة مملوءة، فعثرت وأراقتها على رأس سيدها ميمون، فقال: يا جارية أحرقتني، قالت: يا معلم الخير، ومؤدب الناس، ارجع إلى ما قال الله تعالى، قال: وما قال الله تعالى؟ قالت: قال: (وَٱلۡكَٰظِمِينَ ٱلۡغَيۡظَ) [آل عمران: 134] قال: قد كظمتُ غيظي، قالت: (وَٱلۡعَافِينَ عَنِ ٱلنَّاسِۗ ) [آل عمران: 134] قال: قد عفوت عنك، قالت: زِد؛ فإن الله تعالى يقول: (وَٱللَّهُ يُحِبُّ ٱلۡمُحۡسِنِينَ) [آل عمران: 134] قال: أنت حرَّة لوجه الله تعالى.  

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *