العدد 237 -

العدد 237 – السنة الواحدة والعشرون، شوال 1427هـ، الموافق تشرين الثاني 2006 م

المعهد الديمقراطي الأميركي والعمليات القذرة (2)

المعهد الديمقراطي الأميركي والعمليات القذرة (2)

 

نشرت صحيفة أخبار اليوم اليمنية في عدديها (798) و(799) بتاريخ 24 و25/6/2006م مقالاً لكاتبه المهندس ناصر اللهبي، رئيس المكتب الإعلامي لحزب التحرير في اليمن، عن خطر مهام المنظمات الأميركية وأهمها المعهد الديمقراطي الأميركي، وخاصة نشاطه في اليمن، وهذه الحلقة الثانية والأخيرة منه:

هذه مجرد شهادات ونماذج -وشاهدان يقطعان رقبة، فكيف بخمسة شهود منهم- لتدل على الدور التخريبي المشبوه الذي تقوم به المؤسسة الوقفية والمراكز التابعة لها، أما الأفعال الشاهدة على السجل الأسود والتاريخ الأسود لأمثال (روبن مدريد) فلا حصر لها، ولكن سوف أضرب أمثلة نموذجية لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد:

l نيكاراجوا: أنفقت المؤسسة (20$) لكل ناخب سنة (1990م) لدعم مرشح أميركا، وقامت في إطار خطتها لدعم المرشح بدفع أموال كبيرة للصحف للترويج له.

l بلغاريا: عام (1990م) لعبت دوراً في الإطاحة بحكومة منتخبة في بلغاريا وفعلت الشيء نفسه في ألبانيا عام (1991م).

l منغوليا: تزوير الانتخابات في (1996م).

l فنزويلا: محاولة انقلاب على شافيز عام (2002م) ومولت دعوات وعرئض لإجراء استفتاء ضد شافيز عام (2004م) وهو الاستفتاء الذي فاز فيه شافيز رغم أنف أميركا.

l هاييتي: المعهد الأميركي يمول المنظمات المنشقة من أجل الإطاحة بحكومة (برتراند أرستيد) المنتخبة.

l العراق: أنفقت المؤسسة الوقفية ومراكزها (50%) من ميزانيتها لدعم الاحتلال الأميركي، وقامت بتمويل الأحزاب والمنظمات الموالية للاحتلال في الانتخابات والتستر على جميع عمليات التزوير.

l كوبا: قام المعهد الديمقراطي والجمهوري بدفع ملايين الدولارات لتمويل القوى المعارضة للنظام الكوبي.

l أذربيجان: في أغسطس/ آب (2005م) تم رسمياً توجيه الاتهام إلى المؤسسة الوقفية والمراكز التابعة لها بتمويل الضلوع في مؤامرة للإطاحة بالحكومة في أذربيجان. وقد تم توجيه الاتهام إليها بناء على اعترافات أدلى بها قائد لمجموعة شبابية تلقى تمويلات من المعهد الديمقراطي.

l البحرين: تم تمويل العديد من المنظمات والصحافة وبدأ يقوم بأعمال تخريبية في قيم المجتمع فتم طرده وإغلاق مقره إلى الأبد.

l مصر: قضية مركز ابن خلدون ومحاكمة سعد الدين إبراهيم. وتمويل المؤسسة الوقفية.

إذاً ما هو الدور الذي يلعبه المعهد الديمقراطي، وهل هو فعلاً ديمقراطي؟ والحقيقة المرة أن هذا المعهد لا يعنيه في واقع الأمر دعم العملية الديمقراطية. وليس هو موضوع اهتمامه أو تركيزه. وكل ما يريده المعهد هو دعم قوى سياسية بعينها تريد أميركا دعمها لأسباب ومصالح تخصها هي ولا تخص الشعوب، ولهذا لا يتردد المعهد بصفته الاستخباراتية في اتباع أقذر الأساليب والسبل والتي لا علاقة لها بالديمقراطية لا من قريب ولا من بعيد، ويقوم بعملية التستر على تزوير الانتخابات. ويشجع القوى الموالية لأميركا!!

إن الأميركيين يبذلون الأموال مع المحاولات الظاهرة والخفية لابتلاع هذه الأمة والكيد لها. وتنفق أميركا في سبيل ذلك الأموال بسخاء يبلغ حد السفه على المؤتمرات والاجتماعات والندوات والورش، لقد استخدمت أميركا المعهد الديمقراطي، والمعهد بدوره استخدم العديد من الأساليب من صحافة ودعاية ومؤسسات علمية واجتماعية وسياسية وشراء الأقلام والذمم والرجال، وكل ذلك داخل المدن… لهذا فكروا في الخروج -حتى الأرياف ومضارب البدو- وليس أدل على ذلك ما حدث لورشة تدريب (المشايخ) لحل مشكلة الثأر والتي عقدت في حضرموت لمدة (25 يوماً) وخصصت روبن مدريد لمكافحة الثأر (300 ألف دولار) واختارت شيئاً اسمه (البعد الاجتماعي) وهذا يقتضي دراسة ما الذي يحتاجه الريف؟ وما هي المشاكل التي يعاني منها؟ ومن هم أهل الحل والعقد في تلك المناطق الريفية؟ وما هي نفسياتهم؟ وكيف يفكرون؟ وكيف ينظرون إلى الأميركي أو الغربي بشكل عام؟ وكيف ينظرون إلى السلطات التي تحكمهم؟ لهذا لابد من خطط في المدن وخطط أخرى في الأرياف ومناهج اجتماعية لرفع مستوى المعيشة وتغيير أفكار القوم.

المراحل التي يقوم بها المعهد

المرحلة الأولى (مرحلة التعريف): وهو أن يتحسس العامل المؤثر في الجماعة حتى يألفه أصحابها ويألفهم، ولا بد أن تكون هذه المرحلة (مرحلة استرخاء) وأخذ الأمور بمأخذ غير محدد. إذ إن الهدوء والاسترخاء ضروريان لتأسيس العلاقات وتنميتها لأن الإلحاح يسبب الريبة ويثير الشك، ولهذا لابد من التعرف البطيء على قادة المجتمع الذين يعتبرون عناصر فعالة في تكوين الجماعة والتأثير فيهم، وليس من المهم أن يكون هؤلاء القادة من النوع الذي يرغب فيه الأميركي، لكنه لابد من الاعتراف بهم واستغلالهم كلاً بحسب مكانته وتأثيره.

وحتى يحصل ما سبق فلابد من الاتصال المباشر وغير المباشر بالأشخاص المرغوبين والزيارات المتبادلة والاجتماعات المتكررة تحت مسميات عدة (الديمقراطية – الانتخابات – المرأة – حوار الحضارات – البعد الاجتماعي) ولكن هذا لا يمكن، فلابد من عمل إنشائي سريع وناجح لكسب الثقة وتأسيس علاقة طيبة كالورشة والمؤتمر والدورة وإقامة المشاريع، وبعد التعرف على المطلوبين يتم تكليفهم بإنشاء الدراسات والبحوث.

المرحلة الثانية (مرحلة الدراسة والبحث): وهذه تتم عن طريق الجاسوسية بجمع المعلومات والبيانات اللازمة جمعاً منظماً بحيث يتحقق الاستقصاء للحقائق وتنظيمها حتى يستعين بها في رسم خطته وتنفيذ برنامجه. والذي يشرف على إدارة هذا الجهاز، وعلى جمع المعلومات ودقائق الأمور هيئة مرتبطة بالاستخبارات، وليكن اسمها ما يكون وتحت أي غطاء.

طبعاً لا يوجد وسيلة للجاسوسية أضمن وأرخص وآمن من هذه، تجمع المعلومات في هدوء واطمئنان دون أن يثير عملها ريبة أحد، بل قد تتلقى المساعدة الكاملة من الجميع، وفي أحيان من الجهاز الحكومي بدون انتباه أو دراية، ويتيسر لها سبل النجاح تحت مبرر التنمية والديمقراطية والمرأة. فهم جواسيس في ثياب ديمقراطية. وربما أطباء أو مدرسون أو موظفو جمعيات خيرية أو إعلامية، وفي الظاهر إنهم كالأطباء المؤتمنين على كل أسرار المريض الذي لا يخفي منها شيئاً طلباً للشفاء، فإذا هذه الأسرار تستغل في الغدر بالمريض، وإذا هي تدرس لاختيار أنجح الوسائل لقتله، وأمثل السبل لامتصاص ما بقي في عروقه من دم.

المرحلة الثالثة (السيطرة على توجه المجتمع): بعد التعرف والدراسة والبحث يتم وضع خطة لكيفية السيطرة على توجه المجتمع وكيف يتم توجيه الرأي العام، هذا يحدث في اجتماعات وورش عمل ودورات. يتيسر فيها جمع المعلومات الدقيقة من مصادر موثوق بها. كما يمكن معرفة الاتجاهات الفكرية لقادة الرأي والمسؤولين في هذه البلاد. وهذه المؤتمرات الدقيقة من أضمن الوسائل وأرخصها وأوثقها للذين يرسمون الخطط السياسية والحربية. ولمعرفة تلك الاتجاهات لابد من الدراسة عن قرب واختبار مدى قناعتهم، ومدى استعدادهم للتجاوب مع الأهداف الخفية، ويختبرون مواطن القوة والضعف في كل واحد منهم لمعرفة أنجع السبل للتأثير عليهم، هل يكون ذلك بالمال؟ أم بالشهرة؟ أم بالمنصب؟ أم بالجاه؟ ولابد للحاضرين ولو على استحياء أن يجاملوا وجهة نظر الراعي والداعي، ولهذا يمكن أن تحقق الدولارات الأميركية ما لم تحققه الدبلوماسية الإنجليزية والفرنسية ومؤامرات التبشير الظاهرة والخفية مجتمعة!!

المرحلة الرابعة (مرحلة تنفيذ الهدف): بعد أن يتم السيطرة على القوى الفاعلة والمؤثرة في المجتمع تأتي مسألة تنفيذ الهدف المرسوم. وهو المخطط له منذ فترة لكل بلد، من أجل نهب الثروات وامتصاص الخيرات، وهم يريدون أن ينقلوا المجتمع الإسلامي إلى مجتمع الانحراف والشذوذ والأمراض الفتاكة كما في مجتمعاتهم مما يجعل شبابنا منحلين أخلاقياً ويستهلك قواهم وممتلكاتهم في العكوف على الشهوات وإضعافهم عن حمل الأمانات وأداء الواجبات.

لهذا يجدون ضالتهم المنشودة في قوى تنفذ ما يريدون من مؤامرات ومخططات أثبت الواقع فشلها في حل مشاكل الناس في مواطنها الأصلية!!

المعهد واللقاء المشترك

لم تكن دورة الثلاثة أيام هي الأولى أو الأخيرة التي عقدتها (روبن مدريد) لقيادات في اللقاء المشترك خلال الشهر الحالي كما تناقلتها بعض وسائل الإعلام، بل إن أميركا تركز كثيراً في هذه الفترة على ما يسمى بـ(الإسلام المعتدل) ولهذا ومنذ وقت مبكر ركزت السفارة الأميركية على (تجمع الإصلاح) بصفته الإسلامية وله قاعدة عريضة في اليمن، فمن يوم أن تم توديع (أنجيلا ديكي) الملحق السياسي في السفارة الأميركية في صنعاء على عهد السفيرة (باربرا يودين) كما نشرت الصحوة في عددها رقم (682) بتاريخ 22/7/1999م فإن أمين عام الإصلاح استقبل وفد السفارة الأميركية بصنعاء في مقر الأمانة العامة بمناسبة توديع الملحق السياسي بالسفارة مما أثار قلق دوائر سياسية كما نشرته صحيفتي الأيام والشرق الأوسط في حينه، حيث نشرت صحيفة الشرق الأوسط في عددها بتاريخ 20/7/1999م قائلةً: «اعتبرت مصادر مطلعة أن طرح اختلاف تجمع الإصلاح مع الحكومة هو في مواقفها المؤيدة للعراق في غزو الكويت وأن طرح هذه النقطة هو محاولة لاستعطاف أميركا وإزالة أي اعتقاد لديها بأن تجمع الإصلاح كان من أكثر المتحمسين مع الوقوف مع العراق أثناء غزو الكويت».

وظلت اللقاءات بين تجمع الإصلاح والسفارة الأميركية خلال السنوات الماضية مستمرة، وأخذت السفارة دوراً جديداً حيث خرج السفير السابق (إدموند هول) بعد أحداث 11/9 وقام بأعمال ضد زعماء من تجمع الإصلاح كاختطاف الشيخ المؤيد ومرافقه، واختطاف الشيخ عبد السلام الحيلة، وكذلك اتهام الشيخ عبد المجيد الزنداني وجامعة الإيمان بالإرهاب، وقاد عمليات اغتيال أبي علي الحارثي، وقاد عمليات استخباراتية واسعة وجمع الكثير من المعلومات. وفي طريقه لتنفيذ مخططاته وضع حجر أساس لمشاريع في مناطق القبائل!!

ولقد حاول السفير أن يستقطب قادة المجتمع وأقامت ملحقيته الثقافية دورة تدريبية للصحفيين اليمنيين.

إن المعهد الديمقراطي الأميركي يقوم الآن بدور السفارة في ظل العلاقات اليمنية الأميركية التي يشوبها الحذر وعدم الثقة؛ لأن الأميركيين لا أمان ولا عهد لهم فهم يسيرون حسب مصالحهم وحسب، والمشكلة ليست فيهم لأنهم يسعون لتحقيق مصالحهم إنما المشكلة تكمن في أهل اليمن أنفسهم وخاصة الذين يعلمون مسألة الولاء والبراء. فالأصل أن يقطعوا علاقاتهم بالمعهد الديمقراطي وسفارته. وإننا نوجه هذه النصيحة إلى علماء الإصلاح وقادته المخلصين أن يقفوا موقف المؤمنين -أم حبيبة رضي الله عنها- عندما أراد أبوها أبو سفيان الجلوس على الفراش فرفعته بقوة فقال لها: «أرغبت به عني، أم رغبت بي عنه». فقالت: «إنه فراش رسول الله وأنت مشرك نجس». هذا القول هو لأبيها الذي تربطها به رابطة الرحم والقرابة، فكيف بالمعهد الأميركي ذي المهام القذرة الذي لا يربطنا به رابط؟! والله قد حرم علينا موالاة الكافرين، قال تعالى: ( يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ) [الممتحنة 1]، وقال تعالى: ( قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ(118)هَا أَنْتُمْ أُولَاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلَا يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ ) [آل عمران 118-119].

دور السلطات المختصة

إن دور السلطات المختصة هو الوقاية والجُنة للمجتمع. ولهذا لابد أن تتخذ إجراءات بخصوص نشاط المنظمات الأجنبية التي تقوم بأعمال سياسية وبدون معرفة الجهات المختصة. والأصل أن السلطات المختصة تقوم بمقاطعة تلك المنظمات الأجنبية ومنعها من العمل كما حدث في البحرين عندما تم إغلاق المعهد الديمقراطي الأميركي لقيامه بأعمال قذرة. فهل المعهد في اليمن يمارس أنشطة ويفعل ما يشاء بصفة قانونية؟ لكنه في الحقيقة يتصل بمن يشاء، ينظم الندوات والورش التي يشاء، يختار الموضوعات ويحددها هو وبحسب الأجندة التي تخدم مصالحه وأسياده دون رقيب أو حسيب، فالأصل في الدولة أن تنشئ معاهد للتنمية السياسية بديلة عن المعاهد الأجنبية، وتشجع أهل البلد في إنشاء المراكز والمعاهد التي تخدم عقيدتهم ودينهم وبلدهم لكي تتولى تحديد الأولويات التي تريدها، وإن دفاع بعض الليبراليين والمتأمركين عن المعهد لا قيمه له ولا وزن لقولهم: «إنه سيضر بالعلاقات اليمنية الأميركية، وإنه سوف يؤثر على سمعة اليمن»، ولكن في ظل هذه الدول التي ليست لها سيادة على أراضيها وتنفذ قرارات أميركا، فإنها لن تحمي المجتمع من الفيروسات الغربية. فالسيطرة الحقيقية على المجتمع وقطع شريان المنظمات الأجنبية لن يكون إلا في ظل دولة الخلافة الراشدة الثانية القائمة قريباً بإذن الله تعالى. [انتهى]

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *