العدد 337 -

السنة التاسعة والعشرون صفر 1436هـ – كانون الأول 2014 م

الشرق الأوسط: من ثورة عارمة ضد القهر والفساد والاستبداد إلى حملة دولية ضد “الإرهاب”

بسم الله الرحمن الرحيم

الشرق الأوسط: من ثورة عارمة ضد القهر والفساد والاستبداد إلى حملة دولية ضد “الإرهاب”

_______________

حـــــــســــــــــــن الـــحــــــــســـــــــن

_____________

مبررات الحلف الأمريكي وأبعاده

أعلنت أمريكا في سبتمبر٢٠١٤ عن تشكيل حلف دولي لمحاربة “الإرهاب” في منطقة الشرق الأوسط، متخذة من ممارسات تنظيم “الدولة الإسلامية” عنوانا أبرز للإرهاب المفترض الذي يشكل تهديداً مباشراً للأمن والسلم العالمي، مؤكدة على أنه ليس الوحيد على اللائحة، منبهة أن حملتها هذه ستطول سنوات عديدة قد تصل إلى٣٠سنة! كما أعلن وزير الخارجية الأمريكي جون كيري: «إن الأمر لا يتوقف عند القضاء على تنظيم الدولة على نحو ما يصر البعض التصريح به،وليقل كل ما يرغب به، فهذا لن يغير من كونها في الواقع حرباً شاملة على الإرهاب، تتجاوز تنظيم الدولة!».

هكذا نجد أن حملة أمريكا تتجاوز تنظيماً بعينه بدلالة التصريحات السابقة وبدلالة ضمها رسمياً عدداً من الجماعات الإسلامية المسلحة إلى لائحتها السوداء إضافة لتنظيم الدولة، كجبهة النصرة، أحرار الشام، جيش الراشدين، جماعة خراسان … الخ، بل ومباشرة قصف هؤلاء وتدمير معسكراتهم ومقراتهم.

ولتأكيد جديتها وحزمها وخطورة الأمر أرسلت أمريكا طواقم متعاقبة من خبرائها العسكريين إلى المنطقة لمتابعة الأمور عن كثب بل وللتحكم المباشر في العمليات العسكرية الجارية. حتى إن رئيس هيئة الأركان الجنرال مارتن ديمبسي وخلافاً لما هو سائد من تصريحات للإدارة الأمريكية أشار إلى أن أمريكا مستعدة لإرسال جنودها للقتال إذا اضطر الأمر، حيث إن القصف الجوي غير كاف بمفرده في تغيير الموازين العسكرية على الأرض. كما كرر المسؤولون الأمريكان بأن هذه الحملة ستمتد لفترة طويلة زماناً وتتسع مكاناً بحسب الحاجة والأهداف.

هل تغيّر أميركا المسار وتعيد الماكينة العسكرية للمنطقة؟

إن هذه الإجراءات الآنفة الذكر تشير إلى أن الأمر جد خطير بالنسبة لأمريكا، حيث إن سياسة التدخل العسكري المباشر تتعارض مع استراتيجية إدارة أوباما التي قامت منذ أن استلمت السلطة بالتخلي عنها والتعويل بدل ذلك على عملائها في المنطقة، وكانت توصية لجنة بيكر هاملتون صريحة بهذا الاتجاه، حيث طلبت وضع جدول للانسحاب الأمريكي من العراق والاعتماد على النظام الإيراني والسوري للمساهمة في إنجاح العملية السياسية فيه، ما يعني أن الذي يدفع بأمريكا إلى اعتماد سياسة التدخل المباشر هو أنها ترى أن التحرك الجاري في المنطقة يشكل تهديداً جدياً لنفوذها ومصالحها. وهذا أمر لا يمكن لها أن تقبل به البتة. فهذه المنطقة هي قلب العالم، وهي المصدر الرئيس لموارد الطاقة الحيوية من نفط وغاز وغيرهما، وهي مهد رسالة الإسلام وينبوعه، مع ما يعنيه ذلك كله من تهديد لمصالحها في حال اهتزاز نفوذها فيها فضلاً عن انعتاق المنطقة من التبعية لها!

لذلك أكد أوباما مرة تلو أخرى أن أمريكا لا تقبل أن يحدث فراغ سياسي في المنطقة، وأنها  لن تترك منطقة الشرق الأوسط بحال، وأنها الوحيدة القادرة على سد الفراغ الذي يمكن أن ينشأ فيها جراء الأحداث الجارية.  بهذا يمكن توقع عودة أمريكا للتدخل العسكري المباشر الذي جاء جراء عجز عملائها عن الإمساك بزمام الأمور بمفردهم، مما كان يمكن أن يحدث الفراغ الذي تخشاه، والذي يمكن أن تملأه حينها جهة أو أكثر من المناوئين لها. بهذا تحمي أمريكا بتدخلها المباشر عملاءها، كما أنها تصبح في موضع أقوى لإكمال مخططاتها.

هكذا اضطرت أمريكا أن تتدخل إلى جانب عملائها في سوريا وإيران والعراق علناً، بعد أن كانت تدعمهم سراً أو عبر وسطاء. فقد أخفق العراق ولبنان وإيران وكل المليشيات المرتبطة بهم من تمكين نظام بشار الأسد، فضلاً عن فشلهم في سحق ثورة الشام أو فرض الاستسلام عليها، وبات الرهان الأمريكي على الزمن رهاناً خاسراً، حيث تم استنزاف النظام وأعوانه على أرض الشام، ولا تريد أمريكا أن تترك الأمر لتطورات مفاجئة، لذلك دخلت لاعباً رئيسياً مباشراً للسيطرة والتحكم في ساحة الصراع.

كما صارت أمريكا في عجلة من أمرها لعقد اتفاق مع إيران بخصوص ملفها النووي لرفع الحصار عنها ولتبرير التعاون العلني معها في “حل أزمات” المنطقة بشكل رسمي بعد أن كان التواطؤ مشهوداً بينهما في أفغانستان والعراق وسوريا ولبنان واليمن.  بل إن أمريكا تعاملت معها بشكل مفضوح  ومستفز في العراق، حيث تدير أمريكا الحرب الجوية فيما يهندس قاسم سليماني رئيس فيلق القدس الإيراني الحرب البرية في الحرب المزعومة على “الإرهاب”.

المعادلة الجديدة – القديمة (الحرب على الإرهاب)

إن أمريكا دولة رأسمالية استعمارية جشعة تؤمن بفرض مصالحها بالقوة والإكراه، ولا تبالي حين تتهدد مصالحها بضرب القوانين والأعراف الدولية والقيم الأخلاقية والإنسانية عرض الحائط؛ لهذا فإنها لم تبالِ بتشريد ملايين السوريين ودفع النظام لسحقهم بكل وسيلة ممكنة طوال أربع سنوات، بل فرضت حظر التمويل والتسليح على مناوئي النظام يوم لم يكن هناك شيء اسمه «تطرف» أو «إرهاب» من أي شكل أو نوع سوى إرهاب النظام وتطرفه في ارتكاب جرائمه البشعة بالأسلحة الكيماوية والبراميل المتفجرة وصورايخ السكود وغيرها على الملأ. وهي لم تتوقف يوماً عن إمداد (إسرائيل) بأسلحة التدمير التي تصب حممها على أهل فلسطين والجوار منذ ٦٦ عاماً.

إن أمريكا تتصدى لأية محاولة جادة لتغيير الأوضاع بما يضر مصالحها بشكل عام، وهي أكثر صرامة في ضرورة التصدي لعملية التغيير إذا كان البديل إسلامياً، حيث إن البديل الإسلامي ينشد إقامة خلافة إسلامية تتجاوز الحدود المصطنعة، ولا تعترف بقوانين أمريكا ولا معاييرها ولا قيمها الرأسمالية المتوحشة، ما يعني أن دولة الخلافة ستشكل بديلاً وتهديداً لها بما تمثله من كيان سياسي مستقل عنها وعن أمثالها وجامع للأمة، ويمتاز ببسط طريقة عيش خاصة تفرض نمطاً مختلفاً عن بيئة الغرب وتصوراته حول مختلف أشكال الحياة الإنسانية.

لقد أدركت أمريكا أن التحرك الجاري في المنطقة يهدد نفوذها بشكل مباشر؛ لذلك سعت بكل ما أمكنها إلى احتوائه والانقلاب عليه وحرف مساره ما استطاعت إلى ذلك سبيلاً، بل وسعت بشكل واضح إلى نقل الصراع في المنطقة من صعيد إلى صعيد آخر لا علاقة له به. فقد تجلى الحراك في المنطقة ابتداء بظاهرة شعوب مسحوقة ثائرة بوجه أنظمة سياسية بشعة، ومع نجاح أول حراك في تونس في خلع بن علي، انتقل الحراك من بقعة إلى أخرى بسرعة مذهلة، وأدى إلى إيجاد حاضنة جماهيرية واسعة ودافعة للتغيير، وإلى رأي عام عالمي داعم بقوة للحراك، ما وضع أمريكا بحالة حرج واضحة، فأي تغيير في المنطقة في هذا السياق لن يكون لصالحها، فالشعوب تبغضها، كما أن عملاءها مستنزفون ومهددون!؛ من هنا قامت أمريكا باستحضار شبح الإرهاب مجدداً على الصعيد العالمي متذرعة بممارسات تنظيم الدولة الذي يذبح ويسبي ويصلب من غير رأفة ولا رحمة باسم الخلافة الإسلامية وإحياء شعائر الإسلام، فباشرت باستحضار خبرائها العسكريين إلى المنطقة وشرعت في بناء قاعدة عسكرية دائمة في كردستان العراق وأطبق أسطولها الجوي الحربي على سماء العراق والشام، كل ذلك بمظلة «إنسانية» ولحماية الأمن والسلم الدوليين من «وحش إرهاب» تنظيم الدولة المنفلت من أي عقال! كما استفاد الغرب عموماً من ممارسات هذا التنظيم للتصديق على روايته المشوهة والممجوجة عن دموية الخلافة ومعاداتها للقيم الإنسانية ورفضها للآخر، ما يمنح تلك الدول غطاء واسعاً لسياساتها البشعة أمام الرأي العام الغربي.

لهذا كان أضعف الإيمان بيان أحكام الشرع بشأن نظام الحكم في الإسلام بياناً شافياً لا لبس فيه للنأي به عن الممارسات الشوهاء التي تتم باسم الخلافة، ولتفويت الفرصة على كل مبغض للإسلام طاعن فيه، كما لا بد من فضح أمريكا وحلفائها وكشف مؤامراتهم الدنيئة للهيمنة على بلادنا، فهذه كلها دول استعمارية بغيضة، تتطلع لنهب العالم من حولها وسحقه بلا رحمة، ولن تترد بحال في خلق الذرائع المناسبة لتحقيق مصالحها ولو على حساب شعوب بأكملها. q

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *