العدد 407 -

السنة الخامسة والثلاثون، ذو الحجة 1441هـ الموافق آب 2020م

مع القرآن الكريم فائدة عن الربا  (3)  

جاء في كتاب التيسير في أصول التفسير

لمؤلفه: عطاء بن خليل أبو الرشته أمير حزب التحرير

حفظه الله ما يلي:

أما حلّ هذه المشاكل فقد بينها الإسلام بيانًا شافيًا يجعل الإنسان يشعر بالطمأنينة الاقتصادية في جميع مناحي الحياة وينتفع بالثروات انتفاعًا يضمن العيش السليم ورغد العيش دون استعباد العباد أو إفساد البلاد.

فهو نظام من لدن لطيف خبير حكيم عليم، يعلم ما يصلح مخلوقاته وما يسعدهم في الدنيا والآخرة.

أما كيف يعالجها، فهذا بيانه:

  1. لقد حرم الإسلام كنز المال، وكنز المال هو جمعه لغير حاجة، بل يجب تشغيله في مشاريع صناعية أو زراعية أو تجارية أو أي وصف آخر يقره الشرع حتى تبقى الثروة متداوَلة متحركة نشطة في المجتمع ينتفع بدخلها صاحبها والعاملون فيها والفقراء من زكاة وباقي الأصناف، وينتفع المجتمع بعامة من مشاريعها.

وبالتالي فتخزين الثروة لغير حاجة أي كنزها دون تشغيلها في مشاريع هو حرام في الإسلام ( وَٱلَّذِينَ يَكۡنِزُونَ ٱلذَّهَبَ وَٱلۡفِضَّةَ وَلَا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ فَبَشِّرۡهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٖ ٣٤) هذا عن أحوال الأغنياء.

  1. أما من هم في فقر وحاجة:

أ. فقد حثّ الإسلام على إعطاء القرض بدون ربا، وجعل أجر قرض مرتين كصـدقة: «قـرض مرتين يعـدل صدقة مرة»[1] أخرجه البزار عن ابن مسـعـود عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ب. إن كان مدينـًا وقد أعسر فلا يستطيع السداد فقد أوجـب الإسـلام إمهاله (وَإِن كَانَ ذُو عُسۡرَةٖ فَنَظِرَةٌ إِلَىٰ مَيۡسَرَةٖۚ ) وتندب الصدقة عليه بإعفائه من الدين كله أو بعضه ( وَأَن تَصَدَّقُواْ خَيۡرٞ لَّكُمۡ ).

ج. جعل للمدين نصيبًا في بيت المال من الزكاة لسداد دينه (إِنَّمَا ٱلصَّدَقَٰتُ لِلۡفُقَرَآءِ وَٱلۡمَسَٰكِينِ وَٱلۡعَٰمِلِينَ عَلَيۡهَا وَٱلۡمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمۡ وَفِي ٱلرِّقَابِ وَٱلۡغَٰرِمِينَ ).

د. أباح العمل ويسَّر أحكامه وحثَّ عليه وأوجبه على من كان في حاجة ( فَٱمۡشُواْ فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُواْ مِن رِّزۡقِهِۦۖ) الملك/آية15 «ن من الذنوب ما لا يكفرها إلا الهموم في طلب الرزق»[2].

  1. ثم يأتي دور الدولة:

أ. فهي التي تتولى سداد الحاجات الأساسية لجميع أفراد الرعية من مأكل وملبس ومسكن، سواء من دخله الذي يأتيه من عمل، أم من إنفاق من يجب عليه نفقته، أم إن لم يكن هذا ولا ذاك فمن بيت مال المسلمين: «والسلطان ولي من لا ولي له»[3].

ب. ثم هي تتولى الملكية العامة من معادن في باطن الأرض كالذهب والحديد والنحاس والبوتاس والفوسفات وغيرها من معادن صلبة أو سائلة كالبترول أو غازية، وتوصل هذه الأموال لأفراد المسلمين كلهم.

ج. وهي تتولى ملكية الدولة من خراج وجزية وغنائم وغيرها وتعطي منها الفقراء دون الأغنياء ( كَيۡ لَا يَكُونَ دُولَةَۢ بَيۡنَ ٱلۡأَغۡنِيَآءِ مِنكُمۡۚ  ) الحشر/آية7.

د. ثم هي تتولى إقراض أصحاب المشاريع بدون ربا أو هبات للمزارعين كما تمّ في عصر الخلفاء الراشدين فتساعدهم على العيش الطيب الكريم.

هـ. وتتولى الدولة فرض الضرائب على أغنياء المسلمين لسدّ حاجة الفقراء وما أوجبه الله على المسلمين إن لم يكن في بيت المال مال.

وفي الختام نقول:

  • فإذا كان الغني يحرم عليه كنز ماله بل عليه تشغيله في مشاريع هو يتولاها بعمله وعرقه لينتفع بها الناس من حيث العمل فيها والأثر الاقتصادي على المجتمع، وينتفع بزكاتها الفقراء والمساكين وباقي أصنافهم.

  • وإذا كان الفقير تسد حاجاته الأساسية بالعمل أو إنفاق الولي أو نفقة الدولة من بيت المال.

  • وإذا كان المدين يمهل للسداد أو يعفى من دينه بعضه أو كله.

  • وإذا كان يقرض صاحب المشروع دون ربا أو يوهب هبة.

  • ثم إذا كانت الدولة توزع الملكية العامة وهي كثيرة على المسلمين، وتعطي من ملكية الدولة للفقراء دون الأغنياء كي لا تتداول الثروة عند فئة من الأمة – الأغنياء – دون غيرها.

  • ثم إن الإسلام لم يترك سد الحاجة للمغامرة والتوقعات، فقد أوجب فرض ضريبة على أغنياء المسلمين لسد حاجة الفقراء الأساسية والجهاد وكل ما كان واجبًا على المسلمين وبيت المال إن لم يكفِ بيت المال.

أبعد هذا يمكن أن يقال كيف يتصرف بأموال الأغنياء أو تسد حاجة الفقراء إن لم يكن هناك ربا ومرابون يستثمرون أموال الأغنياء بالربا ويقرضون الفقراء بالربا؟

إن المشكلة أن الأنظمة السائدة في عالمنا اليوم خلال هذا القرن العشرين هي أنظمةٌ بشريةٌ رأسماليةٌ أو اشتراكيةٌ قميئةٌ قبيحةٌ سيئةُ السمعة.

أطلقت بعضها – الرأسمالية – العنان للملكية الخاصة ولم تعترف بغيرها وجعلتها تحوز المال بأية وسيلة هابطة رديئة تحطم القيم وتدمر المجتمع، وجعلوا عصب حياتهم الربا فانتفخت بطون أصحاب الشركات وبيوت المال وهيمنت حتى على الحكم ومناحي الحياة واستعبدت البلاد والعباد ممن ساروا في فلكها واستنوا سنتها.

ومنع بعضها – الاشتراكية – الملكية عمومًا وحصرتها في الدولة، فنقلت حفنة الجشعين المنتفخين من الشركات إلى الحكام ورؤساء الأحزاب الحاكمة فامتصُّوا خيرات الناس وعاثوا في الأرض الفساد من خلال هذا النظام الاقتصادي العفن.

فأين هذا من نظام وضعه رب العالمين فردّ الأمور إلى نصابها ووضعها في الموضع الذي يجب أن تكون فيه؟… فالخالق هو سبحانه الذي يعلم ما فيه خير مخلوقاته:

= فكانت الملكية الخاصة.

= وكانت الملكية العامة.

= وكانت ملكية الدولة.

كلها تسير في انتظام حسب أحكام الشرع دون أن تطغى واحدة على أخرى أو تتجاوز حدها، في نظام عادل من حكيم خبير، ينفق فيه المال حلالًا طيبًا:

  • يؤدى منه فرض الله سبحانه.

  • ويؤدى منه فرض نفقة المرء ومن يعول من أهله.

  • ويتصدق به فوق الفرض إحسانًا على الفقراء والمساكين وذوي الحاجة.

  • ويتم ذلك في غير فساد ولا إفساد ( وَٱبۡتَغِ فِيمَآ ءَاتَىٰكَ ٱللَّهُ ٱلدَّارَ ٱلۡأٓخِرَةَۖ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ ٱلدُّنۡيَاۖ وَأَحۡسِن كَمَآ أَحۡسَنَ ٱللَّهُ إِلَيۡكَۖ وَلَا تَبۡغِ ٱلۡفَسَادَ فِي ٱلۡأَرۡضِۖ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُحِبُّ ٱلۡمُفۡسِدِينَ ).

نظام اقتصادي يورث السعادة لبني البشر ويجعل الحياة الدنيا طريقًا حلوةً ممتعةً لنعيم الآخرة، لا جشعٌ فيها ولا ربًا ولا استغلالٌ، بل تكون رغدًا حلالًا طيبًا من العيش، سلامًا وأمنًا من الله ومع الله القوي العزيز، الحكيم الخبير، بطاعته سبحانه وطاعة رسـوله – صلوات الله وسلامه عليه – لا حربًا مع الله ورسوله وولوغًا في الجريمة والفحشاء.

هذا هو الحق وليس بعد الحق إلا الضلال، والحمد لله رب العالمين. 

[1]           تفسير الطبري: 16/25، 17/85، تفسير القرطبي: 3/359

 

[2]           المبسوط للسرخسي: 30/258، كتاب الكسب لمحمد بن الحسن

 

[3]           أحمد: 6/47، 165، الموطأ: 1053

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *