العدد 407 -

السنة الخامسة والثلاثون، ذو الحجة 1441هـ الموافق آب 2020م

أمريكا تشرف على السقوط، وإقامة الخلافة باتت حقيقة منتظرة عند الغرب

إن قصة استعمار الغرب لهذه الأمة ممتد منذ قرن من الزمن، وهو وإن استطاع أن يحتلها ولكنه لم يستطع أن يثبت احتلاله لها؛ إذ بقي فيها مفروضًا مرفوضًا… ونتيجة لهذا الفرض والرفض عاشت الأمة الإسلامية تلك الأوضاع المأساوية التي نراها، وهي تريد الخروج منها فلا تستطيع، وإنها لتعلم أن طريق خلاصها بدينها ولكنها لا تعرف الوصول إليه، وهي تفتش عن الذي يحمل لها الترياق والبلسم الشافي من طريقة رسولها صلى الله عليه وسلم… وهو موجود بينها.

وإن الغرب ليدرك هذه الحقيقة التي تخيفه كثيرًا، ويعمل على منعها بكل مكر وقوة وإجرام، ويستعمل لمنعها كل أساليب الاستعمار الوحشية… ومع ذلك لم يستطع أن يحسم الصراع لصالحه طيلة هذا القرن، بل جاءت النتائج ضده، مع أنه كان وما يزال يمتلك كل الأدوات التي تمكنه من ذلك (الحكام العملاء، والجيوش المعدة لحماية الحكام من شعوبهم، والعلماء المأجورين، والأحزاب العلمانية والإعلام التابع …) واستخدامهم جميعًا لمصلحته؛ إلا أن الأمة كانت تزداد إصرارًا على التغيير، ولا تجد مناصًا عنه، ولقد سقط كل من كان معها من أدوات في هذا الصراع… ولقد أدرك ذلك الغرب، وأدرك فشله في منع المسلمين من أن يعملوا على الانفصال عنه والتحرر من إساره، وأدرك أن المسألة هي مسألة وقت، هو يعترف أنه لن يستطيع أكثر من تأخير وقت طرده من المنطقة.

بيد أن اعتراف الغرب بهذه الحقيقة لم تجعله يستسلم لها، فهو دائم التفتيش عما يحول دون ذلك، وكلنا يرى كيف يتنقل في حربه من خطة إلى خطة علَّه يجد ثغرة ينفذ منها (احتلال العراق وأفغانستان، خطة تقسيم المنطقة من جديد على أسس طائفية ومذهبية وعرقية، مواجهة الثورات، إثارة النعرات المذهبية، اختراع الحرب على الإرهاب، محاربة الإسلام السياسي (الإسلامويين) اختراع داعش، ولعبة أردوغان… والأمر عنده مفتوح) ومن أساليبه القذرة والهابطة التي نرى أنه بات يستعملها دونما شعور بأدنى مسحة من الإنسانية، وهو أسلوب يعبر عن يأسه من إمكانية نجاح مساعيه القذرة في حربه ضد الإسلام ومنع عودة دولة الخلافة، هو اعتماده على أسلوب: الإنهاك، والتآكل البطيء الذي يستنزف كل قدرات العدو (بلاد المسلمين)، والذي يؤدي إلى الخراب المتدرج للمدن وتحويل الناس إلى أعداء لبعضهم، وجعلهم نازحين ومهجرين وبلادهم مهدمة مدمرة بأيديهم؛ وهذا الأسلوب بعيد عن الحسم العسكري ضد العدو، أي ضد بلاد المسلمين، أو تدمير القدرات العسكرية، بل يهدف إلى زعزعة الاستقرار وخلق الدولة الفاشلة في حروب داخلية أهلية مذهبية يتحكمون بها، وتتم بخطوات بطيئة وباستخدام مواطني دولة العدو، والتي تجعله يستيقظ وهو مشلول عاجز عن تلبية حاجاته الأساسية، والتي تجعله خاضعًا لإرادته مرتميًا في أحضانه متسولًا لمساعداته، هذا الكلام ليس تحليلًا وإنما هو من محاضرة ألقاها البروفسور «ماكس مانوارينغ) خبير الاستراتيجية العسكرية في معهد الدراسات التابع لكلية الحرب الأمريكية. والتي ألقاها في (إسرائيل) بحضور كبار الضباط من حلف الناتو والضباط (الإسرائيليين). وهذا ما نرى أنه مطبق فعلًا في بلاد المسلمين من أفغانستان إلى العراق إلى سوريا وليبيا واليمن، والحبل على الجرَّار.

وإننا إذ ننقل هذه الصورة المشؤومة من حالة الصراع الدامي بين الإسلام وأعدائه الغربيين، وعلى رأسهم أمريكا وحليفتها (إسرائيل)، ومحاولاتهم الدائبة لمنعه من أن يأخذ دوره في الحياة من جديد؛ إلا أنه ترافقه صورة أخرى مغايرة تمامًا لما يريده الغرب. فإنه بما يقوم به من إجرام وصل إلى الحد الذي ذكرناه آنفًا، يعري بيده حضارته ويظهر توحشها وعدم إنسانيتها، وفسادها، وأنها لم تجلب إلى العالم، منذ قيامها، إلا الحروب والمآسي والدمار والاستعمار ومص دماء الشعوب ونهب خيراتها، وكانت الحربان العالميتان هما من أولى ثمرات شجرتها الخبيثة، هاتان الحربان اللتان طالتا بالدرجة الأولى شعوبهما، وهذه الحضارة الآن في أسوأ صور توحشها… هذه الحضارة بات الوقت يعمل لغير صالحها ما يشير أنها تسير نحو التآكل والانهيار، ولعلَّ الأحداث العرقية التي أعقبت مقتل المواطن الأمريكي فلويد وامتدادها إلى أوروبا؛ لاشتراكها مع أمريكا بالحضارة نفسها، لتدل على أن هناك قنابل داخلية مزروعة في جنبات هذه الحضارة وتكشف كيف أن تاريخ هذه الحضارة قائم على الاستعمار والاسترقاق وإبادة الشعوب منذ مطلعها، وخير سبيل لها هو الزوال.

جدير بالذكر هنا أن الغرب في خضم محاربته للمسلمين في دينهم وزرعه للمآسي في بلادهم، بلدًا بعد بلد، جعل المسلمين يشعرون أنهم أمة واحدة، عربهم وعجمهم، وأن حربهم في دينهم حرب واحدة، ما جعلهم جميعًا يتوحدون في النظرة، ويتطلعون إلى العيش من جديد في ظل دولة الخلافة الراشدة، ويستذكرون عدل الخلفاء وبسط العيش في ظلها، وحياة الطاعة لله، فتحنو نفوسهم إليها من جديد وتهفو قلوبهم لإعادة أمجادها، والعيش كأسلافهم في أجواء الدعوة والجهاد ونشر الإسلام… ومن ثم تطالعهم أحكام الله تعالى في فرضية العمل للتغيير بإقامة الخلافة من الكتاب والسنة وإجماع الصحابة، والتي نقلت كتب الفقه إجماع علماء المسلمين عليها، فيعرفون أن العمل لإقامتها فرض وليس خيارًا… هذا ما يجعل المسلمين يتحملون كل شدة عليهم ويمضون قدمًا نحو إقامتها والتحمل والصبر في سبيل ذلك، فلولا أنه موجود لدى المسلمين ما هو أكبر وأقوى من الظلم والقهر والذل والفقر… وهو الإيمان بالله والعمل لنصرة الإسلام، لما استطاعوا الصمود بهذا الشكل الأسطوري ضد كيد الغرب ومكره.

 وهنا نصل إلى معادلة ندية: إسلام يتقدم ليأخذ دوره من جديد على مسرح الحياة، وغرب يتأخر وينكشف ويهوي ويسير نحو الذبول، وهذا ليس كلامنا فقط بل هو كلام الكثير من مفكريهم ممن يتوقعون هذا المصير للحضارة الرأسمالية. وهؤلاء على ما نقرأ قسمان: قسم يرى بأن حضارة الغرب قد فشلت وآن أوان رحيلها، ولكن لا يتكلمون ببديل، وقسم يرى أنها كذلك وأن الإسلام هو البديل الحاضر، ويرون أن المسألة مسألة وقت، وهذا ما جعلنا نقول أن الوقت هو عامل مهم، وليس هو في مصلحة الحضارة الرأسمالية البائدة.

والتساؤل الذي يطرح نفسه هنا هو: هل عملية التغيير الكوني الذي ينتظره العالم اليوم، هي عملية محسوبة مدركة الخطوات، وموعدها معلوم، أم أنها غير ذلك؟. وهل عملية التغيير الكوني التي يتحدث العالم عنها تقتضي أولًا قيام دولة إسلامية، وهذه الدولة هي التي تقضي على دول الغرب الرأسمالي وتسقطه، أم غير ذلك؟…

والجواب عن التساؤل الأول هو أننا كمسلمين يجب أن نعمل للتغيير كفرض شرعي من الله لإقامة الحكم بما أنزل الله بإقامة الخلافة التي هي تقيم الدين وكل ما يتطلبه من الحفاظ عليه وتطبيقه ونشره… أن نعمل جادين مصرين ثابتين صابرين محتسبين الأجرَ والنصرَ عند الله وحده… لإعلاء كلمة الله، أن نعمل ملتزمين في سبيل ذلك بطريقة الرسول صلى الله عليه وسلم حتى نصل إلى تحقيق ذلك. وذلك كما تقوم أمريكا والغرب بشكل مادي بحت وبإصرار على سيطرتهم على العالم، فلا نقول إن هذا الدين حق ونقعد منتظرين من الله أن يغير أحوالنا، وندعوه بذلك مع كل صلاة، بل إن الله سبحانه هو الذي أمرنا أن نعمل لإقامة دولة إسلامية تمامًا كما أقامها الرسول صلى الله عليه وسلم في المدينة، فالإيمان بالله يقتضي إفراده بالطاعة أي بالحاكمية، والإيمان بأن الله وحده هو الهادي والمعين والناصر، ونجعل هذا الإيمان هو أساس عملية التغيير. ومع العمل هذا ندعو الله مخلصين له الدين بالنصر موقنين بالإجابة. إذًا فالتغيير عملية محسوبة الخطوات، ومدركة الأعمال. أما عن موعده فإنه بيد الله وحده، لا يعلمه إلا هو، وليس في مقدور المسلم البتَّ به إلا على سبيل التقريب، وهذا ما نراه اليوم، فإننا ندرك أن الأمة بلغت فيها دعوة ربها لإقامة دولة إسلامية مبلغًا كبيرًا، وأنها صارت قريبة من النصر والظهور، وهذا ما بات الغرب يحس به ويعمل جادًا على إبعاده كما ذكرنا في ثنايا هذه الكلمة، وعدم معرفة ذلك من قبل المسلمين هو ذاته لم يكن معروفًا للرسول صلى الله عليه وسلم قبل قيام دولته: متى تكون، وأين تكون. وحتى الغرب نفسه الذي يرصد عملية التغيير لدى الأمة ويعمل على ملاحقتها من بلد إلى بلد، فقد صرح بعض مسؤوليه أنهم كلما ضربوا الصحوة في بلد ما وظنوا أنهم قد انتهوا منها فاجأتهم في بلد آخر وبوجه آخر. إذًا إن المسلمين اليوم هم على موعد مع الخلافة، ويقولون متى هو قل عسى أن يكون قريبًا.

أما الجواب عن التساؤل الثاني فهو أن الغرب ودوله، وعلى رأسهم أمريكا قد يشهدون حدوث أزمات وظروف قد تؤدي إلى حدوث فوضى وحروب غير متوقعة في وجههم. فأمريكا تخوض حروبًا على كل الجبهات لكي تحافظ على مركزها، تخوض حربها مع الإسلام والمسلمين، وتخشى من منافسة الصين لها ما يجعل العلاقات متوترة بينهما، وقد تدخل في حرب باردة معها لتصل بعدها إلى حرب ساخنة مباشرة معها أو بالواسطة، وأمريكا تعمل على منع الاتحاد الأوروبي من الاتحاد فعلًا، وتشكيل قوة سياسية وعسكرية واقتصادية فيما بينها، وأمريكا عندها مشاكلها المالية التي لا تحلها بعِلمية وصحة نظام بل ببلطجة طبع الدولار من غير حسيب، وربط الاقتصاد العالمي بالدولار، وعندها مشاكلها الداخلية من التمييز العنصري، إلى تفكير كثير من الولايات بالاستقلال عن الفيدرالية… فالواقع الذي تعيش فيه أمريكا لا يمنع من حدوث أمر ما يجعل أمريكا أمام وضع أكبر من قدرتها على الصمود في وجهه. والأمثلة على ذلك كثيرة وقريبة، فوباء كورونا  الذي لم تنتهِ مفاعيله حتى الآن بل هي تزداد، أثبت عجز أمريكا عن مواجهته، وهدد مركزها الدولي لمصلحة الصين، ومقتل فلويد أحيا العنصرية من جديد في قلب أمريكا وأوروبا، وأصبح المواطنون الأمريكيون ذوو الأصول الآسيوية بالإضافة إلى السود الأمريكيين ذوي الأصول الأفريقية مهددين من قبل العنصريين البيض، وها ينذر بأقبح العواقب وبانقسام داخلي خطير.

من هنا ليس مستبعدًا أن تحدث أحداث عالمية كبيرة تؤدي إلى اختلال التركيبات السياسية الدولية الراهنة وتفتح أبواب صراعات جديدة لم تكن بالحسبان، والناظر إلى الواقع الآن لا يرى الأمر هذا مستبعدًا، والناظر إلى الماضي يرى أن له شواهد لم يستطع المسلمون تفسيرها إلا بعد حين، وذلك مثل حرب بعاث التي حصلت في المدينة بين الأوس والخزرج، وذهبت بصناديدها، واستلام الزعماء الشباب للقيادة فيها، وكان لذلك أثره الإيجابي في قيام دولة الإسلام الأولى فيها، ومثل ذلك حدوث طاعون جوستنيان وامتداده إلى بلاد سوريا وفلسطين والعراق ومصر حتى قضت على نسبة كبيرة من سكان المنطقة التي كان يتصارع فيها الروم والفرس، وذهبت بأعداد كبيرة من أجنادهم وهذا كان قبل ولادة الرسول صلى الله عليه وسلم بثلاثين سنة، وكان له أثره في ضعف قوة كل من الإمبراطوريتين، وكان له أثره بالتالي بالقضاء على قوتهما من قبل دولة الإسلام بعد قيام دولته.

فما يجري الآن لا يستطيع أحد منا أن يفيض فيه، ولكن يعرف أن لله فيما يجري إرادة، ونسأله تعالى أن يهيئ لنا كما هيَّأ لرسوله النصر وصنع له مقدماته.

 فما نعلمه، وبات يعلمه العالم، أن الغرب وعلى رأسه أمريكا مشرف على السقوط، ولا مانع أن يحدث له ابتداء ما يشغله كليًا عن غيره، وقد تحتدم حروبه الباردة حتى تدخله في حروب ساخنة تشغله عن المسلمين، كما حدث لأمريكا في حربها على الإسلام تحت مسمى الحرب على الإرهاب؛ إذ انشغلت عن الصين حتى وصلت الصين إلى مكانة خطيرة في المنافسة معها، وهي الآن تريد أن تفتح معها الملفات الساخنة التي لا يعرف أحد أين يمكن أن تصل. من هنا نقول إنه لا يمكن لأحد أن يتنبأ كيف ستتم عملية التغيير الكوني التي نتكلم عنها وإننا لنرجو الله أن يكون هذا القرن هو قرن إقامة دولة الخلافة كما كان القرن الذي سبقه هو قرن هدم الخلافة.

وفي كل الأحوال، سواء أقامت الدولة الإسلامية ابتداء وواجهت الدول القائمة، أم قامت ظروف وأوضاع أدت إلى فرط الواقع الدولي الآن فستخوض الدولة الإسلامية حروبًا طاحنة، سواء أكانت عسكرية، أم فكرية. ولكن من المؤكد أن الغلبة ستكون للخلافة بإذن الله، فالذي يقيمها هو الذي يحميها فقد بشرنا الصادق المصدوق سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم بأن الخلافة الراشدة ستقوم في آخر الزمان  بقوله: «ثم تكون خلافة على منهاج النبوة»

 وأن الحكم بالإسلام سيعمُّ مشارق الأرض ومغاربها، فقد أخرج مسلم عَنْ ثَوْبَانَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللهَ زَوَى لِي الأَرْضَ، فَرَأَيْتُ مَشَارِقَهَا وَمَغَارِبَهَا، وَإِنَّ أُمَّتِي سَيَبْلُغُ مُلْكُهَا مَا زُوِيَ لِي مِنْهَا…»  وأن روما ستفتح، وفلسطين ستتحرر وفي ذلك أحاديث كثيرة وهي كلها تنبئ بظهور الدين… وإن غدًا لناظره قريب.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *