العدد 395 -

السنة الرابعة والثلاثون، ذو الحجة 1440هـ – آب 2019م

مؤتمرات الخيانة الدولية والإقليمية المتعددة لتصفية القضية الفلسطينية

مؤتمرات الخيانة الدولية والإقليمية المتعددة لتصفية القضية الفلسطينية

جرت محاولات سلام دولية وعربية لقضية فلسطين في العقود السابقة، فعقدت مؤتمرات، وأعلن عن اتفاقيات ومبادرات (كانت كلها محاولات جلَّلتها خيانات حكام المسلمين) وخلصت إلى قرارات، دولية وإقليمية، عملت على تقزيم هذه القضية حتى الوصول إلى تصفيتها… ولكن الأمة الإسلامية هي أمة أصيلة، وخاصة أهل فلسطين المباركة؛ إذ اعتبر المسلمون جميعًا أن هذه القضية قضيتهم، وأنها قضية عقائدية، وحكم الشرع فيها أن تسترد كاملة، وتضم إلى بلاد المسلمين، وهي أرض منفعتها لأهلها ولكن رقبتها لجميع المسلمين، فلا يملك أحد أن يتصرف بما لا يملك، ولا بما يخالف شرع الله؛ لذلك رفض المسلمون ويرفضون كل ما تمخضت وتتمخض عنه تلك المحاولات البائسة، واعتبروها ويعتبرونها بحكم المعدوم، أي كأن قراراتها غير موجودة، وهم يعتبرون أن الحكام هم العائق الأكبر الذي يمنع من القضاء على يهود واسترداد الأرض منهم… وفي المقابل اعتبر حكام يهود أن عداءهم الحقيقي ليس مع هؤلاء الحكام، فهم يعرفون مدى خياناتهم لشعوبهم ولدينهم ولقضاياهم، وأنهم هم حراس حدودها الذين يمنعون المسلمين من قتالها والقضاء عليها، بل إن عداءها هو مع المسلمين جميعهم (عربهم وعجمهم)، كأمة إسلامية واحدة، وهذا ما صرح به نتنياهو في 21/11/2019م في كلمة ألقاها في «الكنيست» بمناسبة الذكرى الأربعين لزيارة الرئيس المصري البائد محمد أنور السادات لـ (إسرائيل) «إن العقبة الكبرى أمام توسيع السلام لا تعود إلى قادة الدول حولنا، وإنما إلى الرأي العام السائد في الشارع العربي، والذي تعرض خلال سنوات طويلة لغسل دماغ تمثل بعرض صورة خاطئة ومنحازة عن دولة إسرائيل».

وهذه لمحة سريعة عن هذه المحاولات:

 o قرار مجلس الأمن الدولي رقم 242 لعام 1967م:

بدأت أولى هذه المفاوضات عقب قرار مجلس الأمن الدولي رقم 242 لعام 1967م؛ حيث دعا القرار إلى «انسحاب القوات المسلحة الإسرائيلية من الأراضي التي احتلتها في النزاع الأخير» و «احترام سيادة أي دولة في المنطقة والاعتراف بها وسلامة أراضيها واستقلالها السياسي وحقها في العيش بسلام في ظل حدود آمنة ومعترف بها بعيدًا عن أي تهديدات أو تصرفات باستخدام القوة». وهذا القرار كان تجسيدًا لمبدأ «الأرض مقابل السلام»، وهذا المبدأ يعني أن تعيد (إسرائيل) الأراضي المحتلة عام 67 مقابل حصولها على السلام من قبل الدول المحيطة بها، وكان هذا يعد إنجازًا لـ(إسرائيل) فهو يمهد الطريق نحو الاعتراف بالأراضي التي احتلتها قبل الـ 67 أنها ليست أراضٍ تابعة لفلسطين، وكذلك يشكل اعترافًا بالكيان (الإسرائيلي). وكان القرار مبهمًا حيث بالنص الإنكليزي كان ينص على الانسحاب من أراضٍ احتلت عام 67 فاستخدمها اليهود ذريعة ليقولوا أن المقصود هو الانسحاب من بعض الأراضي وليس جميع الأراضي… ثم إن القرار لم يكن بمنزلة أمر يجب تنفيذه وإنما في إطار التوصيات… طبعًا مبدأ الأرض مقابل السلام لم يعد له قيمة اليوم؛ إذ إن (إسرائيل) لا تواجه أي تهديدات أمنية من الدول المحيطة بها لكي تطالب بمنحها السلام، بل على العكس (إسرائيل) هي التي توجه التهديدات للدول المحيطة… وسيأتي تفصيل هذا الأمر لاحقًا.

o اتفاقيات كامب ديفيد 1978م:

في أكتوبر 1973م، حصلت حرب شنتها مصر على (إسرائيل) وكانت مسرحية، وسميت بحرب تحريك وليست حرب تحرير، أي كان الهدف منها تحريك مفاوضات السلام، التي يرفض اليهود أيًّا منها، ورغم أنها مسرحية ولكن بناء على بعض التقارير التي كُشف عنها عام 2010م، فإن (إسرائيل) كانت تعيش حالة من الهلع والرعب والتخبط، حتى قال في حينها وزير الدفاع (الإسرائيلي)، إن العرب عندهم القدرة على تهديد (إسرائيل) لدرجة الفناء. هذا الجو هيَّأ الأرضية عند اليهود لقبول المفاوضات، واستغل الرئيس الأميركي جيمي كارتر، هذا الوضع، ودعا الرئيس السادات ورئيس الوزراء الإسرائيلي بيغن لإجراء مباحثات سلام في المنتجع الرئاسي بكامب ديفيد، بالقرب من العاصمة واشنطن. وقد نتج عن هذه المباحثات اتفاقان، الأول هو إطار السلام في الشرق الأوسط، نص على ضرورة إبرام معاهدة سلام بين مصر و(إسرائيل)، ودعا إلى إبرام معاهدات أخرى بين (إسرائيل) وجيرانها. وفي هذه الاتفاقية تم ذكر إنشاء سلطة حكم ذاتي في فلسطين دون أن يكون هناك أي طرف يمثل الجانب الفلسطيني. الاتفاق الثاني هو «إطار كامب ديفيد لمعاهدة السلام بين مصر وإسرائيل». وجاء هذا الاتفاق في عام 1979م بعد انسحاب (إسرائيل) من سيناء. مثَّل الاتفاق أول اعتراف من طرف بلد عربي كبير، وهو مصر، بـ (إسرائيل) بصفتها دولة لها الحق في الوجود.

o مؤتمر مدريد 1991م:

كان مؤتمر مدريد، الذي رعته الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي السابق، يهدف إلى استلهام المعاهدة بين مصر و(إسرائيل) من خلال تشجيع البلدان العربية الأخرى على توقيع اتفاقيات سلام مع (إسرائيل)، فقد تم تشجيع كل من الأردن ولبنان وسوريا، إضافة إلى (إسرائيل) ومصر. شارك الفلسطينيون هذه المرة في هذا المؤتمر من خلال وفد مشترك مع الأردن، وأدى المؤتمر في نهاية المطاف إلى إبرام معاهدة سلام بين الأردن و(إسرائيل) في عام 1994م. أما بالنسبة إلى الوفد الفلسطيني، فإنه توجه نحو محادثات سرية انتهت إلى إبرام اتفاقية أوسلو.

o اتفاقية أوسلو 1993م:

حاولت مفاوضات أوسلو معالجة العنصر الغائب عن المحادثات السابقة، وهو إجراء مباحثات مباشرة بين (الإسرائيليين) والفلسطينيين الذين مثلتهم منظمة التحرير الفلسطينية هذه المرة. جرت المفاوضات في سرية تامة تحت رعاية النرويج، ووُقِّع الاتفاق الذي توصل إليه الطرفان في البيت الأبيض يوم 13 سبتمبر/أيلول 1993م في حضور الرئيس الأميركي، بيل كلينتون. وتصافح كل من الزعيم الفلسطييني ياسر عرفات، ورئيس الوزراء (الإسرائيلي) إسحاق رابين. نص اتفاق أوسلو على انسحاب القوات (الإسرائيلية) على مراحل من الضفة الغربية وغزة، وإنشاء «سلطة حكم ذاتي فلسطينية مؤقتة» لمرحلة انتقالية تستغرق خمس سنوات على أن تُتوج بتسوية. لم يرد في نص الاتفاق ذكر إقامة دولة فلسطينية بوضوح، ولكن كان هناك معنى ضمني يعني إنشاء دولة فلسطينية في المستقبل إلى جانب (إسرائيل). عمليًا أوسلو كانت مدخلًا لإيجاد سلطة تحت حكم يهود، بصلاحيات تقل عن صلاحية البلديات، فلا تستطيع السلطة إبرام شيء إن لم ترضَ دولة يهود به.

o كامب ديفيد 2000م:

هذه المفاوضات كانت في الحقيقة محاولة لتنفيذ اتفاقية أوسلو، بالإضافة إلى تكريس سيطرة اليهود على القدس، واستخدم لفظ القدس القديمة، وهي جزء من مدينة القدس يشكل أقل من 1% من مساحة القدس الكاملة، وحتى هذه القدس القديمة يقسمها اليهود إلى أربعة أحياء هي: الحي المسيحي، والحي الأرمني، والحي اليهودي، والحي الإسلامي. عرضت (إسرائيل) الانسحاب من قطاع غزة والتنازل عن أجزاء واسعة من الضفة الغربية، إضافة إلى منح أراضٍ إضافية من صحراء النقب إلى الفلسطينيين على أن تحتفظ بالمستوطنات الرئيسية ومعظم أجزاء القدس الشرقية.

o طابا 2001م:

استمر كلينتون في محاولات تحقيق اتفاق حقيقي مع (إسرائيل) وبالرغم من أنه كان على أبواب مغادرة البيت الأبيض، إلا أنه سارع في إطلاق محادثات إضافية في واشنطن والقاهرة ثم في طابا (مصر) لاحقًا. كانت هذه المفاوضات أشبه بدردشات نتج عنها تكريس احتلال يهود للقسم الغربي من القدس، ولم يشارك في هذه المفاوضات أي جهات رفيعة المستوى من الجانب (الإسرائيلي) أو الفلسطيني.

o مبادرة السلام السعودية 2002م:

مبادرة السلام السعودية كانت التمهيد للاعتراف الكامل بكيان يهود. فكما ذكرنا في البداية، كانت المفاوضات مبنية على قاعدة الأرض مقابل السلام، بمعنى تعيد (إسرائيل) الأراضي فتمنحها الدول (الإسلامية) والعربية السلام… في مبادرة السلام السعودية أصبحت المفاوضات عبارة عن الأرض مقابل الاعتراف… حيث تنص مبادرة السلام السعودية على ضرورة انسحاب (إسرائيل) إلى حدود عام 67، والسماح بإقامة دولة فلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة، وإيجاد «حل عادل» لقضية اللاجئين. وفي المقابل، تعترف الدول العربية بحق (إسرائيل) في الوجود. وأعادت قمة عربية أخرى عقدت في الرياض في 2007م التأكيد على مبادرة السلام السعودية.

o خارطة الطريق 2003م:

خارطة الطريق هي خطة سلام أعدتها لجنة رباعية تضم الولايات المتحدة وروسيا والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة. ولا تضع الخطة تفاصيل بشأن تسوية نهائية للنزاع (الإسرائيلي) الفلسطيني؛ لكنها تقترح الطرق الكفيلة بحل المشكلة وكيفية مقاربتها. قبل خارطة الطريق، صدر بيان في حزيران 2002م عن الرئيس الأميركي آنذاك جورج دبليو بوش، دعا فيه إلى إقامة دولة فلسطينية، ويعد هذا البيان الأول من نوعه حيث صدر عن رئيس أميركي. واقترح البيان جدولًا زمنيًا متدرجًا يقوم على إقامة الأمن قبل التوصل إلى تسوية نهائية. لم يتم تطبيق أيٍّ من بنود الجدول الزمني في خارطة الطريق؛ لأن أميركا كانت قد انشغلت في جبهتي العراق وأفغانستان، وتم تأجيل خارطة الطريق.

o اتفاق جنيف 2003م:

أبرز ما في هذا الاتفاق هو تنازل الجانب الفلسطيني عن «حق العودة» في مقابل الحصول على معظم أجزاء الضفة الغربية. في هذا الاتفاق برز مبدأ جديد سمي بتبادل الأراضي، بحيث تمنح (إسرائيل) الفلسطينيين أراضٍ في داخل (إسرائيل) في مقابل احتفاظها بأخرى في الضفة الغربية. وكذلك، نص الاتفاق على منح الفلسطينيين حق إقامة عاصمة دولتهم المرتقبة في القدس الشرقية على أن يحتفظ (الإسرائيليون) بالسيادة على الحائط الغربي من المدينة القديمة.

o أنابوليس 2007م:

عقد الرئيس الأميركي بوش في الولاية الثانية من رئاسته مؤتمرًا في القاعدة البحرية أنابوليس بماريلاند في محاولة لاستئناف عملية السلام بين الفلسطينيين و(الإسرائيليين). شارك رئيس الوزراء (الإسرائيلي) إيهود أولمرت ورئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس في المحادثات، إلى جانب مسؤولين من اللجنة الرباعية التي أعدت خارطة الطريق، وممثلين عن بلدان عربية عديدة منها المملكة العربية السعودية وسوريا. أما سوريا فبررت قبول حضور المؤتمر بأن أميركا وافقت على إدراج بند حول الجولان ضمن جدول الأعمال، مع العلم أن أميركا كانت تصر دائمًا على مبدأ تلازم المسارات، أي أن الحل يجب أن يشمل جميع دول الطوق في الوقت نفسه. أما السعودية فبررت ذلك بأنها لا تخالف الإجماع العربي، مع أنها في الحقيقة كانت عرابة الاعتراف بـ (إسرائيل) والتطبيع عندما دفعت المبادرة العربية للسلام في بيروت عام 2002م. وكان مؤتمر أنابوليس حفلة تطبيع عربي رسمي مع (إسرائيل)، وتم إخراجه كمؤتمر علاقات عامة، هدف إلى تهيئة الأجواء للمفاوضات التي تليه. وأرادت أميركا من خلاله التخفيف من وقع مأزقها في مستنقع العراق وأفغانستان. وفي عام 2013م، أدخلت جامعة الدول العربية تعديلًا على شروط مبادرة السلام العربية التي طرحت عام 2002م، بما يسمح بتبادل الأراضي بين (الإسرائيليين) والفلسطينيين. وبهذا تكون المعادلة قد أصبحت: بعض من الأرض مقابل الاعتراف. وفي هذه الفترة تحاول أميركا-ترامب، ليس عرض بل فرض محاولة جديدة، ليس للسلام بل للاستسلام العلني من أهل فلسطين ليهود، وتصفية قضيتهم نهائياً عبر ما يسمونه بـ «صفقة القرن». وظنهم هذا الذي يظنونه سيرديهم إن شاء الله ويجعلهم خاسرين. إنها كلمة واحدة: إن فلسطين هي أرض إسلامية، لم يستحوذ عليها يهود إلا بعد سقوط دولة الخلافة زمن العثمانيين، ولن يقضي على هذا الكيان المصطنع، بعون الله، إلا دولة الخلافة القادمة التي بشرنا بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن طريق القضاء عليها لا بد أن يمر أولًا عبر طريق إسقاط هذه الأنظمة الخائنة لله ولرسوله وللمؤمنين، وإن ذلك لكائن بإذن الله مصداقًا لحديث الرسول صلى الله عليه وسلم. «تكون النبوة فيكم ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة، فتكون ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون ملكاً عاضاً، فيكون ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها، ثم يكون ملكاً جبرياً، فتكون ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة» ثم سكت. (رواه أحمد) ومصداقًا لقوله J كذلك: «تقاتلكم اليهود فتسلطون عليهم ثم يقول الحجر يا مسلم هذا يهودي ورائي فاقتله» (رواه البخاري). وإن الواقع الذي يعيش فيه المسلمون اليوم من حكم جبري يبدو أنه في نهايته، ومن تطلع المسلمين إلى الخلافة ومن تشوقهم للقضاء على يهود لينبئ أن ذلك كائن وقريبًا بإذن الله تعالى، ]وَيَوۡمَئِذٖ يَفۡرَحُ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ ٤ بِنَصۡرِ ٱللَّهِۚ يَنصُرُ مَن يَشَآءُۖ وَهُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلرَّحِيمُ ٥ [.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *