العدد 390-391-392 -

السنة الثالثة والثلاثون -رجب – شعبان – رمضان – 1440هـ – آذار – نيسان- أيار 2019م

في الذكرى الثامنة والتسعين لهدم الخلافة العلماء هم بيضة القبان في التغيير وإقامة الخلافة الثانية على منهاج النبوة

في الذكرى الثامنة والتسعين لهدم الخلافة

العلماء

هم بيضة القبان في التغيير وإقامة الخلافة الثانية على منهاج النبوة

يوسف مصعب

الحمد لله الذي جعل في كل زمان بقايا من أهل العلم، يدعون مَنْ ضلَّ إلى الهدى، ويصبرون منهم على الأذى، يُحيون بكتاب الله الموتى، ويُبصِّرون بنور الله تعالى أهل العمى، وصلاة وسلام على صاحب الدعوة الأولى والدولة الأولى محمد بن عبد الله رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعلى المهاجرين والأنصار والصحابة أجمعين، ومن تبعهم من العلماء الربانيين وبعد:

إنَّ علماء الأمة هم ورثة الأنبياء، وقُرَّة عين الأولياء، رفعهم الله بالعلم، وزينهم بالحِلْم، بهم يُعرف الحلالُ من الحرام، والحق من الباطل، والضار من النافع، والحسن من القبيح، هم حراس الشَّريعة وحُماة العقيدة، يَنفون عن دين الله تحريفَ الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الضَّالين، فكم من طالبِ علمٍ علموه، وتائهٍ عن صراط الرُّشد أرشدوه، وحائرٍ عن سبيل الله بصَّروه ودلّوه، وكم من طاغية ألزموه النزول عند الحق، وكم من متجبر وقفوا في وجهه حتى قصمه الله، وكم من شر حل بالمسلمين فكانوا مفاتيح للخير، وكم من بلاء نزل بساحة المؤمنين فكانوا الدواء الذي يخفف الجراح ويصف الدواء، فكانوا حقًا كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ مَثَلَ الْعُلَمَاءِ فِى الأَرْضِ كَمَثَلِ النُّجُومِ فِى السَّمَاءِ يُهْتَدَى بِهَا فِى ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْر، فَإِذَا انْطَمَسَتِ النُّجُومُ أَوْشَكَ أَنْ تَضِلَّ الهُدَاةُ» (رواه أحمد).

وفي حديث أبي الدرداء رضي الله عنه قال: سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: «مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَطْلُبُ فِيهِ عِلْمًا سَلَكَ اللهُ بِهِ طَرِيقًا مِنْ طُرُقِ الجَنَّةِ، وَإِنَّ المَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا رِضًا لِطَالِبِ العِلْمِ، وَإِنَّ العَالِمَ لَيَسْتَغْفِرُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ وَالحِيتَانُ فِي جَوْفِ المَاءِ، وَإِنَّ فَضْلَ العَالِمِ عَلَى العَابِدِ كَفَضْلِ القَمَرِ لَيْلَةَ البَدْرِ عَلَى سَائِرِ الكَوَاكِبِ، وَإِنَّ العُلَمَاءَ وَرَثَةُ الأَنْبِيَاءِ، وَإِنَّ الأَنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دِينَارًا وَلَا دِرْهَمًا، إِنَّمَا وَرَّثُوا العِلْمَ، فَمَنْ أَخَذَهُ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ» (رواه أبو داود (٣٦٤١)، والترمذي (٢٦٨٢)، وصحَّحه الألباني في «صحيح أبي داود» (٣٦٤١).)

ويكفي في بيان شرف العلماء وعِظم مسؤوليتهم وأهمية دورهم ما وصفهم الله به في مواضع من كتابه بالخشية والرفعة والأمر بالرجوع إليهم، وما خصهم به النبي صلى الله عليه وسلم من كونهم “ورثة الأنبياء”، فحيثما وقعت الفتن، واختلطت الأمور، وادلهمت الخطوب، وأصبح الحليم حيرانًا، واحتاج الناس إلى المصلح والقائد، ولم يجدوا أنبياء الله ورسله؛ قصدوا ورثتهم الذين يقولون بقولهم ويدلُّون على هديهم، وليست تلك المنزلة لغيرهم، وإن سُئلتَ عن السبب فـ(قُلۡ هَلۡ يَسۡتَوِي ٱلَّذِينَ يَعۡلَمُونَ وَٱلَّذِينَ لَا يَعۡلَمُونَۗ).

ويكفيهم شرفًا وفضلًا اقترانُهم باسم المولى سبحانه واسم ملائكته في قوله: (شَهِدَ ٱللَّهُ أَنَّهُۥ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ وَٱلۡمَلَٰٓئِكَةُ وَأُوْلُواْ ٱلۡعِلۡمِ قَآئِمَۢا بِٱلۡقِسۡطِۚ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ ).

قال القرطبي رحمه الله: «هذه الآية دليلٌ على فَضْل العِلْم وشرف العُلماء، فإنَّه لو كان أحدٌ أشرف منَ العلماء، لقرنهم الله باسمه، واسم ملائكته».

وقد رفع الله تعالى شأْنَ العلم وأهله، فشرفهم وكرمهم، ورفع منزلتهم، فقال سبحانه وتعالى: (يَرۡفَعِ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مِنكُمۡ وَٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡعِلۡمَ دَرَجَٰتٖۚ)، وقال عليه الصلاة والسلام: «فَضْلُ الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ كَفَضْلِي عَلَى أَدْنَاكُمْ. إِنَّ اللهَ وَمَلَائِكَتَهُ وَأَهْلَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرَضِينَ حَتَّى النَّمْلَةَ فِي جُحْرِهَا وَحَتَّى الْحُوتَ لَيُصَلُّونَ عَلَى مُعَلِّمِ النَّاسِ الْخَيْرَ» (رواه الترمذي).

قال ابن القَيِّم: «قد أخبر سبحانه في كتابه بِرَفْع الدَّرجات في أربعة مواضع، ثم قال بعد أن عددها: فعادت رفعة الدَّرجات كلها إلى العلم والجهاد اللَّذَين بهما قِوامُ الدين».

إن «ورثة الأنبياء» من العلماء هم الذين يرثونهم علمًا وعملًا، ويقتدون بهم في السرِّ والعلن، ويلتزمون منهجهم في السراء والضراء، ولا يكونون كمَنْ (مَن يَعۡبُدُ ٱللَّهَ عَلَىٰ حَرۡفٖۖ)، أو كمن (أَخۡلَدَ إِلَى ٱلۡأَرۡضِ وَٱتَّبَعَ هَوَىٰهُۚ).

والعلم الذي هو سبب التشريف وعلة التكريم قد يكون سببًا لشقاء الدنيا والآخرة، وموجبًا للذم والمهانة عند الله وعند الناس إذا لم يقترن به من العمل ما ينفع صاحبه وأمته وقت الحاجة إليه، بل قد يكون صاحبه من أول مَنْ تسعَّر بهم النار، وسيكون حاله كحال أولئك الذين وصفهم رب العزة في كتابه بقوله: (وَٱتۡلُ عَلَيۡهِمۡ نَبَأَ ٱلَّذِيٓ ءَاتَيۡنَٰهُ ءَايَٰتِنَا فَٱنسَلَخَ مِنۡهَا فَأَتۡبَعَهُ ٱلشَّيۡطَٰنُ فَكَانَ مِنَ ٱلۡغَاوِينَ ١٧٥ وَلَوۡ شِئۡنَالَرَفَعۡنَٰهُ بِهَا وَلَٰكِنَّهُۥٓ أَخۡلَدَ إِلَى ٱلۡأَرۡضِ وَٱتَّبَعَ هَوَىٰهُۚ فَمَثَلُهُۥ كَمَثَلِ ٱلۡكَلۡبِ إِن تَحۡمِلۡ عَلَيۡهِ يَلۡهَثۡ أَوۡ تَتۡرُكۡهُ يَلۡهَثۚ ذَّٰلِكَ مَثَلُ ٱلۡقَوۡمِ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِ‍َٔايَٰتِنَاۚ فَٱقۡصُصِ ٱلۡقَصَصَ لَعَلَّهُمۡ يَتَفَكَّرُونَ)

ولقد أدرك العلماء عبر تاريخ الأمة الممتد من عهد النبوة إلى عهد الخلافة العثمانية، أنهم منارات الهدى التي تهدي إلى الحق، فهم من قرأ قول الله سبحانه: (ٱلَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَٰلَٰتِ ٱللَّهِ وَيَخۡشَوۡنَهُۥ وَلَا يَخۡشَوۡنَ أَحَدًا إِلَّا ٱللَّهَۗ) وهم من سطّروا لنا مواقف المحاسبة وقول الحق والصدع به مهما كانت الصعاب، فمنهم الأمام أحمد بن حنبل الذي ضرب أروع الأمثلة في محاسبة الحكام حتى قال مقولته المشهورة التي تكتب بمداد من نور (إذا أجاب العالم تقية والجاهل يجهل فمتى يتبين الحق؟!)، ومنهم العز بن عبد السلام بائع الملوك، ومنهم سعيد بن جبير ومنهم أبو حازم التابعي الجليل وغيرهم كثير.

ولعلَّ أهم صفات العلماء الربانيين الذي يُنتظر منهم أن يقودوا الأمة – ولا سيما عند الاختلاف والاضطراب – هي صفة «الخشية»، والتي جعلها الله من أخصِّ صفاتهم كما في قوله تعالى: (إِنَّمَا يَخۡشَى ٱللَّهَ مِنۡ عِبَادِهِ ٱلۡعُلَمَٰٓؤُاْۗ)، ولذلك قال الإمام أحمد لابنه عبد الله لما سأله عن معروف: «هل معه من العلم شيء؟ قال: معه رأس العلم: الخشية» الآداب الشرعية لابن مفلح 2/235-236.

ومردُّ ذلك أن أهل الخشية من العلماء هم الذين يقولون ويفعلون ما أداه إليه اجتهادهم، دون مداهنةٍ لأحد أو خوف من أحد، ومن غير أن يتطلعوا لعرضٍ زائلٍ مهما بلغ، فإن مقتضى خشية الله في قلوبهم أن لا يلتفتوا إلى أهوائهم ولا أهواء غيرهم من الخاصة أو العامة.

ومتى ما كانت مواقف العالم كذلك كانت أقرب إلى الصدق والثبات، وأحرى أن تطمئن لها النفوس وتجتمع عليها القلوب.

بيد أن علماء السلاطين الذين رضوا وتابعوا حكام دول الضرار قد بلغوا مبلغًا لم يشهده تاريخ الأمة من قبل، فترى منهم أئمة يعتلون المنابر ويخطبون ود الحاكم الفاسق والخائن لله ولرسوله وللمؤمنين بسخط الله وغضبه، وآخرون يضفون الشرعية الكاذبة على كل جريمة أو خيانة أو تقصير لحكام السوء في بلاد المسلمين، حتى بات للقتل والتعذيب والإخفاء القسري وتدمير المنازل فوق رؤوس ساكنيها وإشاعة الرذيلة بين المسلمين وموالاة الكفار وغيرها من الجرائم التي يرتكبها الحكام وأعوانهم، بات لهذه الموبقات فتاوى جاهزة تضعها في سياق شرعي وتخرجها مخرجًا يخدع السذج والبسطاء في جرأة على الله ورسوله ودينه والمؤمنين!

وإن على علماء السلاطين هؤلاء – وقبل فوات الأوان – أن يقلعوا عن موالاتهم للأنظمة الطاغوتية، وعن الإساءة للعلم الشرعي، وأن لا يكونوا دعامة التضليل التي يستخدمها الفجار من الحكام لتبييض صحائفهم السوداء، ولا أقل من أن يعلنوا براءتهم على رؤوس الأشهاد مما ضللوا به الأمة من قبلُ، وألبسوا عليها أمر دينها، ووالوا فيه أعداءها، فعروة الإسلام هي العروة الوثقى وعرى السلاطين أوهى من بيت العنكبوت، والأمة لن تغفر لهم خطيئتهم يوم يأذن الله بالنصر والفرج والتمكين.

إنه بقدر أهمية العلماء الربانيين وحاجة الأمة إليهم يتبين خطر غياب دورهم أو تغييبه، فإن الثغرة العظيمة التي هم عليها لا يسدُّها غيرهم، إنه يجب على العلماء أن يتقدموا لسدِّ الثغرة، فإنهم متى ما تأخروا تقدم غيرهم ممن ليس أهلًا لسدِّ الثغرات، ولا بدَّ للناس من قادةٍ يرشدونهم ويوجِّهونهم «حَتَّى إِذَا لَمْ يُبْقِ عَالِمًا اتَّخَذَ النَّاسُ رُؤُوسًا جُهَّالًا، فَسُئِلُوا فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ؛ فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا» جزء من حديث صحيح رواه البخاري في كتاب العلم. فلا يليق بمن أخذ الله عليهم الميثاق أن يبينوا الإسلام للناس وللحكام ولا يكتمونه، لا يليق بهم ولا يجوز في حقهم أن يتراجعوا إلى الصفوف الخلفية أو ينسحبوا مؤثرين السلامة على المواجهة، فهم الذين عليهم توعية الأمة ونصحها ودفعها لأخذ دورها في الحياة، وهم الذين يجب أن يكونوا في مقدمة محاسبة الحكام والتغيير عليهم، وهم من يجب أن يكونوا في قيادة الناس وفي مقدمة العاملين لإقامة الخلافة والحكم بما أنزل الله عملاً بقوله تعالى: (وَإِذۡ أَخَذَ ٱللَّهُ مِيثَٰقَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ لَتُبَيِّنُنَّهُۥ لِلنَّاسِ وَلَا تَكۡتُمُونَهُۥ فَنَبَذُوهُ وَرَآءَ ظُهُورِهِمۡ وَٱشۡتَرَوۡاْ بِهِۦ ثَمَنٗا قَلِيلٗاۖ فَبِئۡسَ مَا يَشۡتَرُونَ).

وتوعد الله الذين يكتمون منهم ما أنزل لقاء شيء من الحياة الدنيا فقال: (إِنَّ ٱلَّذِينَ يَكۡتُمُونَ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ مِنَ ٱلۡكِتَٰبِ وَيَشۡتَرُونَ بِهِۦ ثَمَنٗا قَلِيلًا أُوْلَٰٓئِكَ مَا يَأۡكُلُونَ فِي بُطُونِهِمۡ إِلَّا ٱلنَّارَ ).

إن الواجب الشرعي على علماء المسلمين أن يعلنوا بشكل واضح لا لبس فيه أن المطلوب شرعًا من المسلمين اليوم هو إسقاط الأنظمة الطاغوتية العميلة كونها قبل كل شيء أنظمة لا تحكم بالإسلام، وهي حرب على المسلمين سلم لأعدائهم.

إن الواجب الشرعي على علماء المسلمين أن يبينوا أن طريقة التغيير يجب أن تكون بحسب طريقة الرسول صلى الله عليه وسلم وأن يكون التغيير نظيفًا يحققه المسلمون كل المسلمين، علماؤهم ووجهاؤهم وعامتهم وأهل القوة فيهم، بأيديهم لا بأيدي أعدائهم؛ فهم من يملكون قوى التغيير الحقيقية والفعلية.

إن الواجب الشرعي على علماء المسلمين أن يبينوا لأهل القوة في العالم الإسلامي أن عليهم واجبين شرعيين هما: حماية أهلهم من مكر الكفار وعدوانهم، ونصرة دينهم من أجل إقامة دولة الخلافة كما فعل أنصار الله ورسوله في المدينة المنورة.

إن الواجب على علماء المسلمين أن يدركوا مسؤوليتهم العظيمة في توعية المسلمين على مخاطر الهجوم على الإسلام وعلى مشروعهم لإقامة الخلافة، وأن يباشروا العمل من فورهم مع العاملين المخلصين لاستعادة سلطان المسلمين وإقامة حكم الإسلام.

إن من واجبهم أن يكونوا في جماعة تنكر على الحكام قولًا وعملًا، وأن يشكلوا مع الأمة قوة فاعلة للتغيير «ولتَأْخُذُنَّ عَلَى يَدِ الظَّالِمِ، ولَتَأْطرُنَّهُ عَلَى الْحَقِّ أَطْرًا، ولَتَقْصُرُنَّهُ عَلَى الْحَقِّ قَصْرًا».

إن الواجب الشرعي على علماء المسلمين أن يبينوا أن المطالبة بالدولة المدنية أو العلمانية اللادينية هي دعوة باطلة لأن أنظمتها أنظمة كفر يحرم أخذها أو تطبيقها أو الدعوة إليها.

إن الواجب الشرعي على علماء المسلمين أن يبينوا حرمة التدخل الأجنبي في بلاد المسلمين سواء أكان من أميركا ودول أوروبا، أم من روسيا والصين، والتي تجاهر بالعداء للمسلمين، فكل هؤلاء مجمعون على معاداة الإسلام ومحاربته، والحيلولة دون عودة الحكم بالإسلام.

إن الواجب الشرعي على علماء المسلمين أن يبينوا حرمة المطالبة بتدخل مجلس الأمن الدولي والأمم المتحدة وكل المؤسسات والمنظمات الاستعمارية في قضايا المسلمين وشؤونهم الداخلية؛ لأن قوانينها قوانين كفر، وأهدافها مربوطة بأهداف الدول الكبرى وعلى رأسها أميركا.

هذا وإن على علماء المسلمين، إذا أرادوا أن يكونوا ربانيين، أن يعلنوا أن حالة المسلمين في جميع بلادهم واحدة، وبالتالي فإن الحل الشرعي لها واحد، وأن الأنظمة الطاغوتية التي تحكم المسلمين بغير ما أنزل الله، وتستجلب العدو اللئيم لقتلهم واستئصالهم، يجب إسقاطها وإقامة دولة الإسلام مكانها.

فالعلماء الربانيون هم الذين يقولون للظالمين ظلمتم وللمفسدين أفسدتم، هم الذين يقومون للحق وبالحق لا يخافون في الله لومة لائم، الذين لا يهابون سلطانًا جائرًا أو حاكمًا جبارًا لأنهم آمنوا بقول رسولهم ونبيهم سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم الذي رواه الحسين بن علي رضي الله عنهما: «مَنْ رَأَى سُلْطَانًا جَائِرًا، مُسْتَحِلًا لِحُرَمِ اللهِ، نَاكِثًا لِعَهْدِ اللهِ، مُخَالِفًا لِسُنَّةِ رَسُولِ اللهِ، يَعْمَلُ فِي عِبَادِ اللهِ بِالإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ، فَلَمْ يُغَيِّرْ عَلَيْهِ بِفِعْلٍ وَلَا قَوْلٍ، كَانَ حَقًّا عَلَى اللهِ أَنْ يُدْخِلَهُ مُدْخَلَهُ» رواه الطبراني في التاريخ وابن الأثير في الكامل وغيرهما. هم الذين لا يسكتون عن حق وجب إذاعته، ولا يكتمون حكمًا شرعيًا في قضية أو مشكلة سواء تعلقت بشؤون العامة أو الخاصة؛ لأنهم آمنوا بقوله تعالى: (إِنَّ ٱلَّذِينَ يَكۡتُمُونَ مَآ أَنزَلۡنَا مِنَ ٱلۡبَيِّنَٰتِ وَٱلۡهُدَىٰ مِنۢ بَعۡدِ مَا بَيَّنَّٰهُ لِلنَّاسِ فِي ٱلۡكِتَٰبِ أُوْلَٰٓئِكَ يَلۡعَنُهُمُ ٱللَّهُ وَيَلۡعَنُهُمُ ٱللَّٰعِنُونَ).

إن الأمة اليوم تعيش مخاضًا عسيرًا، والكافر وأعوانه يحيطون بها من كل جانب، وإن العلماء يتحملون قسطًا كبيرًا من الظلم الواقع بها، لتقاعسهم – إلا من رحم ربي – منذ زمن بعيد عن القيام بواجبهم في النصح لله ورسوله وكتابه، وقد تركوا الأمة تتيه بين ظلمات الأنظمة الوضعية وخزعبلات الحكام وألاعيبهم دون أن يكون لهم كلمة الفصل في توجيه الأمة الوجهة التي تنقذها من بين مخالب أعدائها حتى تعود سيرتها الأولى، قوية عزيزة يهابها العدو ويحترمها الصديق، لقد كان عليهم أن يسيروا على خطا من سبقهم من العلماء النجباء الذين سطر التاريخ مواقفهم بمداد من العظمة والفخر والتقدير، وذلك كموقفهم في تحريك المسلمين لجهاد التتار ورد اعتبار المسلمين بعد سقوط الخلافة العباسية في بغداد، ولقد كان للعالم الكبير ابن تيمية دورًا متميزًا في شحذ الهمم وتحريك الجيوش بقيادة الظاهر بيبرس الذي أنزل هزيمة كبيرة بالتتار بعد سنة ونصف من سقوط الخلافة. كما كان للعلماء دور بارز في تحريك المسلمين لفتح القسطنطينية وبيان حديث الرسول صلى الله عليه وسلم في منزلة من يفتح القسطنطينية «وَلَنِعْمَ الأَمِيرُ أَمِيرُهَا، وَلَنِعْمَ الْجَيْشُ ذَلِكَ الْجَيْشُ» ولقد حاول سلاطين آل عثمان فتحها مراراً وتكراراً لينالوا شرفاً عظيماً بشر به الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، وكان آخر هؤلاء السلطان مراد الثاني الذي حاصرها (54) يومًا ولم يتمكن من فتحها، وكان العالم الكبير آق شمس الدين (محمد حمزة) هو شيخ السلطان محمد الفاتح ومعلمه، وكان يبث فيه البطولة وحب الجهاد ويخبره أنه سيكون فاتح القسطنطينية، فكان لهذه الكلمات ولهذا التوجيه أثر عظيم في نفسية الفاتح حتى قام لهذا الأمر العظيم، وقد تم ذلك بالفعل عام 1453م.

إن في الأمة اليوم والحمد لله علماء أتقياء أنقياء، علماء عاملين مخلصين، أخذوا على عاتقهم إنقاذ أمتهم مما تعانيه والسير بها نحو المكانة التي تستحق، عبر العمل الجاد لإقامة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة، وهم في سبيل ذلك يلاحقون ويسجنون ويقتلون وينفون في الأرض، ولكنهم يصبرون على الأذى ويحتسبون الأجر، حتى يأذن الله بنصر قريب يعز به الإسلام وأهله ويذل الشرك والنفاق وأهله، لذا كان على الأمة أن تميز بين علمائها وبين أدعياء العلم فيها، وأن تميز بين من يسعى لنهضتها ورفعتها ومن يسعى لتكريس الذلة والمهانة والتبعية فيها.

أيها الأفاضل من العلماء في بلاد المسلمين كافة:

لقد آن الأوان لأن تقولوا كلمة الحق بعد طول سكوت، وأن تعملوا على إقامة دولة الخلافة الراشدة الثانية الموعودة فتنالوا شرف إقامتها من جديد، فاجعلوا لأنفسكم حظًا ونصيبًا في هذه اللحظة الحاسمة من تاريخ الأمة، فمن لهذه المهمات العظيمة إن لم تكونوا لها؟! ومن ينقذ الأمة ويمد لها يد العون إن جعلتم أيديكم وراء ظهوركم وشبكتم بين أصابعكم معلنين العجز والتخاذل والنكوص؟! من يجمع الأمة على كلمة سواء؟! من يحيطها بالنصح ويدفع عنها كل متربص خوان؟؟ من يقيل عثراتها ويأخذ بيدها، إن لم تكونوا أنتم فمن؟! وإنه والله لشرف عظيم وثواب جزيل، ووعد من الله بالنصر والتمكين وإظهار الدين ينتظركم، وأنتم له أهل بإذن الله، قال تعالى: (وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مِنكُمۡ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ لَيَسۡتَخۡلِفَنَّهُمۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ كَمَا ٱسۡتَخۡلَفَ ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمۡ دِينَهُمُ ٱلَّذِي ٱرۡتَضَىٰ لَهُمۡ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّنۢ بَعۡدِ خَوۡفِهِمۡ أَمۡنٗاۚ يَعۡبُدُونَنِي لَا يُشۡرِكُونَ بِي شَيۡ‍ٔٗاۚ وَمَن كَفَرَ بَعۡدَ ذَٰلِكَ فَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡفَٰسِقُونَ ).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *