العدد 389 -

السنة الثالثة والثلاثون، جمادى الآخرة 1440هـ، شباط/فبراير 2019م

رياض الجنة: “أفلح إن صدق”

رياض الجنة: “أفلح إن صدق”

 

حديث طلحة بن عُبَيد الله قال: جاء رجلٌ إلى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، من أهل نجد، ثائر الرَّأس، يُسمع دويُّ صوتِه، ولا يُفقه ما يقول، حتى دنا، فإذا هو يَسألُ عن الإسلام، فقال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: “خمسُ صلواتٍ في اليوم واللَّيلة”، فقال: هل عليَّ غيرها؟ قال: “لا، إلاَّ أن تَطوَّع”، قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: “وصيام رمضان”، قال: هل عليَّ غيرُه؟قال: لا، إلاَّ أن تَطوَّع”، قال: قال: وذَكر رسول الله، صلَّى الله عليه وسلَّم، الزكاة، قال: هل عليَّ غيرها؟ قال: “لا، إلاَّ أن تَطوَّع”، قال: فأدبر الرجل وهو يقول: والله لا أَزيد على هذا ولا أنقص، قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: “أَفْلحَ إنْ صَدَق”. أخرجه البخاري.

يستدل بعض الناس بذلك الحديث على أنه مهما فعل الشخص من الموبقات والمعاصي، وكان يصلي ويصوم ويزكي، فله الجنة. والجواب هو: أن الحديث لا دلالة فيه على ما ذكر. فالحديث له روايات متعددة، لا يتم الاستدلال بواحدة من رواياته وإلغاء غيرها من الروايات الصحيحة. وعلينا عند تفسير أي حديث أن نحيط بجميع روايات الحديث علمًا، وأن نرجع لكلام أهل العلم فيه لتسديد الفهم. هذا وقد أورد العلماء هذا الحديث، وأجابوا عنه بما يشفي غليل طالب الحق.

يقول الإمام النووي في شرحه لهذا الحديث: فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ قَالَ: لَا أَزِيدُ عَلَى هَذَا، وَلَيْسَ في هذا الحديث جميع الواجبات، ولا المنهيات الشَّرْعِيَّةِ، وَلَا السُّنَنِ الْمَنْدُوبَاتِ؟ فَالْجَوَابُ أَنَّهُ جَاءَ فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ، فِي آخِرِ هَذَا الْحَدِيثِ زِيَادَةٌ تُوَضِّحُ الْمَقْصُودَ، قَالَ: فَأَخْبَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِشَرَائِعِ الْإِسْلَامِ، فَأَدْبَرَ الرَّجُلُ وَهُوَ يَقُولُ: وَاللَّهِ لَا أَزِيدُ وَلَا أَنْقُصُ مِمَّا فَرَضَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيَّ شَيْئًا. فَعَلَى عُمُومِ قَوْلِهِ بِشَرَائِعِ الْإِسْلَامِ، وَقَوْلِهِ مِمَّا فَرَضَ اللَّهُ عَلَيَّ، يَزُولُ الْإِشْكَالُ فِي الْفَرَائِضِ.

فيتبين بهذا، أنه ليس في الحديث ما يفيد من أن الرجل أفلح مهما فعل من الذنوب والمعاصي، وقد كان سادات الصحابة محافظين على تلك الفرائض، ومع ذلك فقد حذرهم الله تعالى من حبوط أعمالهم بالمعاصي، كمعصية رفع الصوت على الرسول صلى الله عليه وسلم؛ كما قال عز وجل في سورة الحجرات: ﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَرۡفَعُوٓاْ أَصۡوَٰتَكُمۡ فَوۡقَ صَوۡتِ ٱلنَّبِيِّ وَلَا تَجۡهَرُواْ لَهُۥ بِٱلۡقَوۡلِ كَجَهۡرِ بَعۡضِكُمۡ لِبَعۡضٍ أَن تَحۡبَطَ أَعۡمَٰلُكُمۡ وَأَنتُمۡ لَا تَشۡعُرُونَ ٢ [الحجرات:2]، وحتى المبشرون بالجنة كانوا يخافون على أنفسهم من الذنوب والمعاصي، ودخول النار.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *