العدد 389 -

السنة الثالثة والثلاثون، جمادى الآخرة 1440هـ، شباط/فبراير 2019م

الخلافة الراشدة على منهاج النبوة: هل آن أوانها، وآذن فجرها بالبلج؟!

  الخلافة الراشدة على منهاج النبوة: هل آن أوانها، وآذن فجرها بالبلج؟!

 عادل جميل الغولي- اليمن

في ظل قراءة تاريخ المنطقة العربية، ما يسمى حديثًا بالشرق الأوسط، وتاريخ المسلمين الحديث، نجد أن التاريخ يعيد نفسه ويمشي بنفس النمط مع وجود اختلاف في المقومات لصالح التاريخ الحديث.
فمثلًا، كان العرب في الجاهلية لا قيمة لهم ولا وزن مقارنة بالدول القوية المؤثرة في ذلك الوقت، وهما دولتا الفرس والروم، فقد كانت تلك الإمبراطوريتان مسيطرتين على المنطقة العربية بالتأثير والنفوذ، فكانت إمبراطورية فارس مسيطرة على العراق والبحرين واليمن وأجزاء من شمال شرق الجزيرة، أما إمبراطورية الروم فكانت مسيطرة على الشام ومصر وكل ساحل الشمال الأفريقي إلى المغرب العربي. طبعًا هذه المناطق كانت محتلة مباشرة، وعليها حكام يدينون بالولاء لهاتين الدولتين، أما منطقة وسط شبة الجزيرة العربية التي كانت مهد رسالة إلإسلام كانت مجرد قبائل متفرقة ومتناحرة تتقاتل فيما بينها، وتعيش حياة البداوة، فكانوا رعاة غنم، لا صناعة ولا زراعة لديهم، يتقاتلون على أماكن الرعي والحدود التي حددوها لأماكن سيطرة كل قبيلة من المراعي ومصادر المياه، فلا يوجد لديهم فكرة توحدهم أو قائد يجمعهم على الخير، وكانت هناك مملكتان صغيرتان على حدود الفرس والروم، مملكة الغساسنة تتبع الروم، أما المملكة الأخرى فكانت المناذرة وتتبع الفرس. ولم يكن لهاتين المملكتين أي سيادة خارج ما تسمح به الدولة التابعة لها. وكان سكان شبه الجزيرة العربية، سواء القبائل في وسط الجزيرة أم الغساسنة والمناذرة، لا يقوون على مواجهة سطوة الفرس والروم، لا من الناحية العسكرية، ولا من الناحية السياسية؛ ولكن إرادة الله تعالى فوق كل شيء …وهذا هو أصل الموضوع والجزء المهم فيه…

فقبل أن يبعث الله تعالى آخر الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم، شهدت شبة الجزيرة العربية حروبًا قامت بين هذه القبائل، واستمرت حتى ظهور الإسلام. ومن هذه الحروب، حروب داحس والغبراء بين عبس وذبيان وانتهت بالصلح، وحرب البسوس بين بكر وتغلب وانتصرت فيها تغلب، وحرب الفجار بين حلف قريش كنانة وحلف غطفان وهوازن وانتهت بالصلح، وحرب يوم حليمة بين الغساسنة والمناذرة وانتصر فيها الغساسنة، ومعركة يوم بُعاث وهي آخر معركة وقعت بين الأوس والخزرج قبل الهجرة بخمس سنوات… وغيرها من الحروب، وكان بعض هذه الحروب يستمر سنوات طويلة، وكان الناظر إلى هذه الحروب آنذاك يظنها كارثة حلت على القبائل العربية، لكن إرادة الله تعالى كانت عكس ذلك، فقد سقط في هذه الحروب طواغيت كان لهم تأثير كبير في قبائلهم، وكانت هذه الحروب تستمر وتطول وتأكل الأخضر واليابس بسبب قادة القبائل الذين كان يبلغ فيهم الكبر والطغيان والانتصار للباطل مبلغه، وأراد بها سبحانه إعداد رجال حرب مقاتلين أشداء وقادة سياسيين مبدعين، من بين هؤلاء الحفاة العراة الرعاع ليكونوا رجال هذا النبي ورجال دينه؛ فقد نصر الله تعالى نبيه ودينه بهؤلاء الرجال العظماء، وقد استطاعوا بفضل الله نشر هذا الدين في الأرض، كما استطاعوا القضاء على أقوى إمبراطوريتين في العالم، ومرَّغوا أنفيهما بالتراب، ودخل الكثير منهم الإسلام. وشيدوا أقوى وأعظم دولة في العالم، هي الدولة إلإسلامية.

والناظر إلى ما تمر به الأمة الإسلامية اليوم يرى، وكأن التاريخ يعيد نفسه، مع فارق أن القبائل العربية كانت لا تؤمن بالله، وكانت تعبد الأصنام. أما اليوم، فالناس مسلمون، فبعد أن استطاع الكافر المستعمر القضاء على الدولة الإسلامية، استطاع أيضًا أن يفرقنا إلى دويلات هزيلة، ورسم لها حدودًا، وجعلها تتقاتل فيما بينها، وجعل لكل دويلة علمًا ونشيدًا وجنسية وجواز سفر… وغرس مفاهيم حب الوطن والوطنية والعرقية والمذهبية، وجعل لهذه المفاهيم المنحطة في مناهج التعليم ووسائل الإعلام صفة التقديس في نفوس الناس،  وجعل على رأس كل دويلة حاكمًا عميلًا ليقوم نيابة عنه في نهب الثروات ونشر تعاليم الغرب ومعتقداتهم ووجهة نظره في الحياة، ومسح تعاليم الإسلام من رؤوس أبناء الأمة، وتمكن من تمييع الشباب… وفعلًا وصلوا إلى مبتغاهم، فقد وصل الحال بكثير من شباب الأمة إلى الانحطاط والتفكير في سفاسف الأمور، فتوجَّه الكثير من شباب الأمة إلى متابعة الرياضة والفن وآخر صرعات الموضة، وجعل قدوتهم في هذا الممثلين والممثلات، الساقطين والساقطات، في سينما هوليوود في أميركا، أو بوليوود في الهند، وكان الأصل أن يكون شباب الأمة اليوم كشباب الأمة في الأمس يحملون الإسلام، رسالة هدى ونور، وأن يكون منهم قياديون في الدولة، وعلماء مبدعون في مجال الشريعة، أو العلوم التجريبية في الفلك والرياضيات والكيمياء…

ولكن الحال التي تمر بها الأمة اليوم، وخصوصًا في البلاد التي قامت فيها ثورات على الأنظمة الظالمة، وكان نتاج هذه الثورات سقوط طواغيت أسسوا إمبراطوريات أمنية لحماية أنفسهم من شعوبهم، وأقاموا إمبراطوريات مالية بسبب نهبهم لثروات شعوبهم، ولكن بلمح البصر، سرعان ما انهاروا وسقطوا، ورمى بهم الغرب الكافر في قارعة الطريق، بعدما خرجت عليهم الشعوب تنادي برحيلهم، ولولا التفاف الغرب الكافر على الثورات لوصل المسلمون إلى مبتغاهم الذي نادوا به، وهو العدل. ومَن غيرُ الخلافة يحقق لهم العدل في الأرض،كانت هذه النقطة الأولى التي غيرت من اهتمامات شباب الأمة، فعرف الشباب أنه من السهل إسقاط الحكام والتغيير عليهم. فما يلزمهم إلا تغيير الأفكار، وانتقلت المنطقة إلى صراع مسلح بعد فترة الثورة، وانقسم الشباب إلى قسمين: قسم يتجنب الخوض في الحروب، وقسم شارك في القتال مع إحدى جهتي الصراع.

ومجمل القول إن الأحداث التي تمر بها الأمة اليوم قريبة من الأحداث التي شهدتها المنطقة قبل قيام دولة الإسلام الأولى، فبعد هذه الثورات حلت الفوضى في هذه الأقطار، ووقعت الحروب، فبدت الأحداث وكأنها تهيِّئ لظهور شباب قادرين على تحمل الصعاب والمشقات. وشهدت الكثير من المناطق تردي الخدمات مثل أزمات الكهرباء والنفط والغلاء والحصار والجوع في بعض الأقطار، واعتادت على سماع دوي الانفجارات من الطائرات أو البارجات أو الصواريخ، ولكن هذه الأوضاع  المؤلمة بدت وكأنها تصنع الأمة من جديد في حال ربطتها الأمة بعقيدتها، وهذه الأحداث جعلت الناس يبحثون ويفكرون بحلول جذرية، والأهم من هذا وذاك أن هذه الأحداث قد كشفت للأمة الكثير الكثير من الأقنعة المزيفة من الحكام العملاء أو الشخصيات المضلِّلة من علماء السلطان، أو أبواق الإعلام، أو الجماعات التي تدعي أنها تريد نهضة الإسلام والمسلمين، وإلإسلام منها ومن أعمالها براء، وأحيت فكرة الجهاد بين أوساط الناس، وانكشف للأمة الغربُ الكافر ومنظماتُ الأمم المتحدة، ومبعوثوه الأشرار… والناظر في حالنا اليوم يظن أنها كارثة حلَّت بالأمة؛ ولكنها بتدبير من الله تعالى هي مبشرات خير لإعداد رجال حرب ورجال قيادة، ورجال سياسة لأمة قادرة على الوقوف مع دولتها دولة الخلافة حين إعلانها، فإن الدولة التي نروم لن تقوم إلا برجال أشداء غلاظ على الكفار المستعمرين، رحماء بالمؤمنين. فبعد كل هذه الحروب وسفك الدماء، رغم ما يصيبنا فيها من ألم وحزن، أصبح من السهل أن نربط الأمة بعقيدتها وبدينها وبإسلامها… إننا نرجو من الله تعالى أن تكون ثمرتها عظيمة ومباركة، بأن يقوم رجال أنصار لله، أنصار دولة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة، بواجبهم الشرعي، ألا وهو نصرة هذا الدين، بنصرة العاملين للخلافة، لتقوم الخلافة التي بشرنا بها سيدنا وقائدنا محمد رسول الله صلى الله عليه وعلى وآله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا. قال تعالى: ﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ كُونُوٓاْ أَنصَارَ ٱللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ٱبۡنُ مَرۡيَمَ لِلۡحَوَارِيِّ‍ۧنَ مَنۡ أَنصَارِيٓ إِلَى ٱللَّهِۖ قَالَ ٱلۡحَوَارِيُّونَ نَحۡنُ أَنصَارُ ٱللَّهِۖ فَ‍َٔامَنَت طَّآئِفَةٞ مِّنۢ بَنِيٓ إِسۡرَٰٓءِيلَ وَكَفَرَت طَّآئِفَةٞۖ فَأَيَّدۡنَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ عَلَىٰ عَدُوِّهِمۡ فَأَصۡبَحُواْ ظَٰهِرِينَ ١٤ ﴾.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *