العدد 389 -

السنة الثالثة والثلاثون، جمادى الآخرة 1440هـ، شباط/فبراير 2019م

كذبة شقاء الأمة بالسياسة

كذبة شقاء الأمة بالسياسة

 عبدالرحمن العامري – اليمن

يتبع الغرب أساليبه الماكرة والخبيثة للحيلولة دون عودة الإسلام، والتي كانت دولته، لعدة قرون، سيدة الدول، وأمته خير الأمم، وسيعود كذلك، بإذن الله تعالى، كما كان، رغم تآمر الغرب المتآمرين ومكر دول الكفر أجمعين، ورغم المزالق والعقبات التي يضعونها وعملاءهم لقطع الطريق، أو حرف العاملين للوصول إلى إقامة الدين بإعادة خلافة الخير الإسلامية، منقذة العالم من وحشية الرأسمالية الأنانية. نعم، ستعود بإذن الله، طالما أن هناك رجالًا مخلصين باعوا دنياهم بالآخرة، واتبعوا طريقة الاجتهاد الشرعية في فهم أحكامه الشرعية ومعالجاته، وسلكوا طريقة الرسول صلى الله عليه وسلم في إقامة دولة الإسلام، فصارعوا أفكار الكفر الباطلة ببيان فسادها وعدم صلاحيتها، وعرض البديل الأصيل عنها، ألا وهو فكر الإسلام العظيم، والعمل على نشره في الأمة، وقاموا بالكفاح السياسي لأذناب الغرب الكافر المستعمر من الحكام العملاء له، ومن ثم هم يطلبون الاستعانة بأهل القوة لحماية هذا الفكر ورجاله وإيصاله لسدة الحكم… هذا وقد هاجم الغرب الحاقد بشكل فظيع هذه الأفكار كونها هي التي توجد الدولة، وشكلت هاجسًا لديه يؤرقه كونها تهدد حضارته، وبإمكانها اجتثاثها من جذورها. فكما أزيلت دولة الإسلام بأفكار الكفر ابتداء، تعود بإذن الله في مقدمة الأمم بأفكار الإسلام الحق.

ومما يعيد الإسلام ودولته أمور منها:

  إيجاد رأي عام منبثق عن وعي عام بأن الإسلام فيه معالجات لجميع شؤون الحياة، في الاقتصاد والحكم والمعاملات والقضاء والتعليم والصحة والجيش والزراعة والصناعة والتجارة والحرب والسلم… وأنه تجب إقامة دولته لتحكيمه في الحياة.

  خوضُ الصراع الفكري والكفاح السياسي بالعمل على هدم الأفكار والقوانين والعلاقات القائمة بين الحاكم والمحكوم، والقائمة على أساس الفكر الرأسمالي العقيم، وبيان فساد هذه الأفكار وآثارها المدمرة على البشرية، حتى وعلى أصحابها على وجه الخصوص، وكشف واقع الأنظمة وارتباطها بالخارج، وكذلك كشف واقع الأحزاب والتيارات العلمانية وغير العلمانية؛ وذلك للوقوف في وجه مشاريع الغرب وأذنابه من الحكام وإفشال تحقيقها ومرورها على الأمة، وإظهار عظمة أحكام الإسلام ودورها في إنهاض الأمة.

هذا وقد عمد الغرب وأبواقه من الحكام والعلماء والأحزاب العلمانية، كل من جهته، إلى العمل على ضرب        ذلك:

1- بالطعن بالإسلام من خلال ضرب الأحاديث والتشكيك فيها، وتفسير القرآن بغير ما تحتمل معانيه، وإيجاد قواعد ليست من الإسلام في شيء، كالضرورات تبيح المحضورات مع أن الأصل فيها الاضطرار وليس الضرورة، والغاية تبرر الوسيلة، وحيثما تكن المصلحة فثم شرع الله، وشيء أحسن من لا شيء… وغيرها من القواعد غير الشرعية التي توسعوا فيها ليُلغوا الإسلام بها. وهذا الأمر استعمله الكفار منذ بداية الدعوة، وما زالوا يستعملونه حتى يومنا هذا، وعلى سبيل المثال وجد من يقول من قبل بالأخذ من القرآن فقط وعدم أخذ أحاديث رسول الله، وهم من سموا بالقرآنيين، وهذه الدعوة يجددها كفار اليوم كما اختلقها كفار الأمس. فالطعن ما زال قائمًا، وتقريبًا لم يتغير. وكذلك نادوا من قبل، وتحت حجة أن الدين مرن، بتطوير الدين ومسايرته للواقع، وهم ينادون اليوم بتجديد الخطاب الديني والاستفادة من كل جديد مفيد، بحجة أن الحكمة ضالة المؤمن، أنى وجدها أخذها…

2- بضرب فكرة السياسة، وذلك من خلال إيجاد أحزاب سياسية إسلامية مدعومة من قوى إقليمية، وهذه الأخيرة مدعومة من الغرب، وتنافُس هذه الأحزاب على السلطة والمصالح، والضحك على الأمة بشعارات بهدف الوصول لتلك المصالح، ثم عندما تصل لا تحقق هذه الأحزاب للأمة نهضة ولا نفعًا. بل هي تحقق مصالحها الذاتية، وتساوم على مبدئها فتخالفه وتخالف شعاراتها التي استهوت بها القلوب ابتداء؛ ما أدى إلى رفض الأمة لها، وجعلها عرضة للاتهام من قبل المسلمين، والتشنيع عليها وعلى الإسلام من قبل غير المسلمين. وهذا كله يقع ضمن خطة الغرب بأن يتسرب للأمة فكرة اعتزال السياسة وفصلها عن الحياة، وهذا يتوافق مع ما يطرحه الغرب من علمانية، وجعل الدين في الجامع بعيدًا عن الحياة وعن السياسة، ولا دخل له فيها. والذي أدى إلى فشل هذه الأحزاب والجماعات عوامل عدة منها:

افتقار هذه الأحزاب لبرنامج ومشروع نهضوي وحضاري ينقذ الأمة وينتشلها مما هي فيه من بلاء؛ فلم يكن لديها برنامجًا في فكر صالح قابل للتطبيق والمعالجة الصحيحة العملية.

التعصب في الآراء المطروحة لدى الجماعات سواء بدليل أوبدون دليل، رغم أنه تعصب في الظنيات وليس في القطعيات.

تأثرها بمقولة الغرب من أن حضارته ومدنيته وتطوره كان من جراء البعد عن السياسة وفصل الدين عن الحياة (العلمانية) وتضليل المسلمين بالقول إن الغرب كان متخلفًا، وفي الوقت الذي فصل فيه الدين عن الحياة وعن السياسة عرف طريق النهضة، وبات متطورًا ومتحضرًا ومتقدمًا.

هذه بعض من العوامل التي عمل الغرب على انحطاط الأمة من خلالها عبر أنظمة عميلة وأحزاب علمانية وثقافة مشوَّهة. وغسل أدمغة الناس بدفع الناس لأن ينظروا إلى أن السياسة دجل ونجاسة، وأن الدين أطهر من أن يتدخل فيها… إن السياسة هي فعلًا دجل ونجاسة عندما يكون الصراع على المصالح وتحقيق المنافع الذاتية والأنانية هو منطلقها وديدنها، كما عند الغرب؛ فلا يأتي منها إلا الصراعات والأزمات والحروب… أما السياسة بالمفهوم الأسلامي فلها وجه مشرق آخر لا يمكن أن يقاس بهذا الوجه الرأسمالي البغيض.

إن السياسية في الإسلام تؤدي إلى هداية الناس وإعمار الأرض لا إلى تدميرها كما هو الحال في المفهوم الغربي. والواقع أكبر شاهد على ذلك. والسياسة في الإسلام مرتبطة قبل كل شيء بالعقيدة الإسلامية لجهة العمل ترسيخها بين المسلمين ونشرها بين العالمين؛ فهي مرتبطة بتطبيق الإسلام في الداخل والدعوة إليه في الخارج؛ إذ هي تقوم على رعاية شؤون الناس بالحق وبالعدل. فأصل الكلمة عندنا في الإسلام هي من ساس ويسوس الوارد في الحديث الشريف: كانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء، كلّما هلك نبي خلفه نبي، وإنه لا نبي بعدي، وستكون خلفاء فتكثر، قالوا: فما تأمرنا؟ قال: فُوا ببيعة الأول فالأول، وأعطوهم حقهم، فإن الله سائلهم عما استرعاهم” رواه مسلم. وكلمة تسوس هنا بمعنى ترعى وتقوم على شؤون الناس بأمر الله الذي يجتمع فيه الخير كله. من هنا يمكن القول بأن ما ذكروه عن أن السياسة دجل فهو قول حق بحق أهله، وأن ما يضعه الإسلام لمعنى السياسة هو قول حق بحق المسلمين. قال تعالى: ﴿قُلۡ كُلّٞ يَعۡمَلُ عَلَىٰ شَاكِلَتِهِۦ فَرَبُّكُمۡ أَعۡلَمُ بِمَنۡ هُوَ أَهۡدَىٰ سَبِيلٗا ٨٤﴾.

هذا وقد كان رسولنا صلى الله عليه وسلم هو السياسي الأول بهذا المفهوم، والسيرة حبلى بالمواقف العظيمة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وتعامله مع الكفار وكشفه لخططهم، وتبنيه لمصالح أمة الإسلام، حتى العقيدة في الإسلام علمنا الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم  كيف نأخذها أخذًا سياسيًا حين دعانا لأن نسيِّر كل حياتنا بها، فلم تكن أفكارها أفلاطونية بل كانت عملية، بل جعلها الإسلام هي أساس الأعمال. فالعقيدة هي التي تدفع المسلمين للاهتمام بشؤون العالم وهدايته والقيام بأمره بحسب الأحكام الشرعية، وهذا أعلى درجات الشعور بالمسؤولية عن العالم، وفكرها ممتد يطال هذه الحياة، وما قبلها، وما بعدها، فكانت هنا السياسة بهذا المفهوم تقوم على رعاية البشرية كلها، وفعلًا هي كذلك؛ إذ إن الأحكام الشرعية التي جاء بها الإسلام هي أحكام إنسانية، هي للإنسان بوصفه إنسانًا، وبغض النظر عن عرقه أو جنسه، أو لونه… وهذا المفهوم النبيل للسياسة في الإسلام يعمل الغرب على تشويهه واستبداله بقمامته. فإذا كانت العقيدة هي مبتدأ فهم السياسة في الإسلام، فما هو خبرها؟

إنه رعاية شؤون الناس بالأحكام الشرعية حتى تتأمن لهم الحقوق، ويتحقق فيهم العدل، ونقول الناس، وليس فقط المسلمين، لأن الدولة الإسلامية حين ترعى شؤون رعيتها بالإسلام، لا تقتصر رعايتها على المسلمين فحسب، بل تتعداها لتشمل كل الرعايا على اختلاف مللهم ونحلهم، فيطالهم من خيرها في الدنيا على السواء؛ لذلك كانت الدولة الإسلامية بأعمالها السياسية، هي الوجه الأبرز في تطبيق الإسلام ونشره، وكل هذا من السياسة.

هذا وقد أعطى الرسول صلى الله عليه وسلم في مكة والمدينة صورة جلية كيف أن الإسلام دين رعاية كما هو دين هداية. ففي مكة، توجه الرسول في دعوته نحو إقامة دولة تقيم حكم الله في الأرض وهذا عمل سياسي، فقد توجه للملأ من قريش وهم سادتها وأصحاب الأمر فيها، أي سياسيوها وقال لهم: “كلمة تعطونيها تحكمون بها العرب وتدين لكم بها العجم”؟؟؟ وهم حاربوه لأنهم يرون أنما يريد أن ينتزع السلطة منهم، وهو صبر على دعوته لهؤلاء السادة حتى إذا يئس منهم توجه إلى الملأ من القبائل يطلب منهم القوة والمنعة ونصرته حتى يقيم أمر الله ويقيم دولته، وهذا ما فهمه من كان يدعوهم الرسول صلى الله عليه وسلم لنصرة دعوته كما حدث مع وفد بني صعصعة حين عرض ﷺ نفسه عليهم ودعاهم إلى أن يمنعوه حتى يبلغ رسالة ربه، فقال له رجل منهم: أرأيت إن نحن بايعناك على أمرك، ثم أظفرك الله على من خالفك، أيكون لنا الأمر من بعدك؟ فقال: الأمر إلى الله يضعه حيث يشاء، فقال له: أنقاتل العرب دونك، فإذا أظفرك الله كان الأمر لغيرنا؟ لا حاجة لنا بأمرك وأبوا عليه… وهذا ما كان ختام مسكه بإقامة الدولة الإسلامية الأولى في المدينة عن طريق نصرة بعض من زعمائها له صلى الله عليه وسلم، وبالتالي تكريس قيادته على رأس هذه الدولة، وقيامه برعاية شؤون المسلمين بما كان ينزل عليه من آيات الأحكام. وكذلك كان الأمر في المدينة؛ حيث لا يمكن تصور أن الرسول كان لا يتدخل في السياسة، بل كانت كل أعماله سياسية، فقد كان يعمل على تبليغ وتطبيق ونشر أحكام الإسلام المختلفة من عبادات وأخلاق ومعاملات، وجهاد، وسائر أحكام الإسلام بشكل فيه الرعاية والاهتمام بشؤون الرعية كلهم. ألم يخض الرسول الغزوات، ويحقق الانتصارات، ويحكم البلاد المفتوحة بالإسلام؟ ألم يعين الولاة والقضاة، ويقول عن أبي بكر وعمر أنهما وزيراه في الأرض؟ ألم يستقبل السفراء، ويعين على الأراضي الخراصين؟.. إن السياسة هي من صميم الإسلام، وهي تأخذ قوتها من قوة العقيدة وصحة الأحكام الشرعية في معالجة مشاكل الإنسان، وقد كانت سببًا لجلب السعادة للأمة وللبشرية، وكان تاريخ الدولة الإسلامية مشرقًا لدرجة جعل الأعداء قبل أهلها يمدحونها…

من هذا الواقع يظهر كذب من يقول إن سبب شقاء الأمة هي السياسة، نعم هي السياسة عندما تكون قائمة على الرأسمالية الجشعة الظالمة المتوحشة، أما عندما تكون قائمة على أخلاقيات الإسلام فإنها هي الوحيدة التي تجعل المسلم يعيش فيها بكرامته، وتؤمن له حقوقه، وهذا ما يجب أن يعي عليه المسلم ويعمل من أجله، بأن يقيم دولة الخلافة التي تمارس السياسة على أرفع مستوى. ولعمر الحق، إن هذا ما تحتاج إليه البشرية جمعاء، بعد أن اكتوت جميع شعوبها بشرور الرأسمالية التي لا يمكن حصرها.

وهنا لا بد من كلمة أخيرة وهي أن شعوب الغرب نفسها تكتوي بنير الرأسمالية، ولو وعت هذه الشعوب أن السياسة عندهم يديرها حفنة من الرأسماليين الجشعين لانقلبت عليهم، ولو وعت هذه الشعوب ما في الإسلام من قيم رفيعة لأقبلت عليه، وهذا ما يتوقع في قادم الأيام، عندما يرون بأم أعينهم كيف أن الإسلام جاء ليخرج العباد من جور الرأسمالية إلى عدل الإسلام… وإن غدًا لناظره قريب.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *