العدد 382 -

السنة الثالثة والثلاثون، ذو القعدة 1439هـ ، الموافق تموز 2018م

مؤامرات الغرب وخيانات الحكام: خطورة الدور التركي (2)

مؤامرات الغرب وخيانات الحكام: خطورة الدور التركي (2)

﴿يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ

حمد طبيب – بيت المقدس

  • نريد أن نقف قليلًا عند الدور التركي لخطورته على المسلمين وبلادهم، ولما يقوم به من دور تضليلي كبير؛ لصرف الأمة عن مشروعها الحضاري (الخلافة) خدمةً لمشاريع الكفار الاستعمارية. وقبل أن نذكر السياسات التضليلية؛ التي قام بها النظام التركي في خدمة المشروع الأميركي في بلاد المسلمين، لا بد أن نذكر بعض الحقائق التي يجهلها كثير من الناس عن النظام التركي، ومن هذه الحقائق:

  أولًا: عضوية تركيا  في حلف الأطلسي (الصليبي الأميركي)؛ حيث قامت بأعمال مشينة في مناصرة حلف الأطلسي في أفغانستان، عندما تسلمت تركيا قيادة هذه القوات مكان فرنسا سنة 2009م، وسهلت كذلك الأعمال الإجرامية التي مارسها حلف الأطلسي على أرض الشام من خلال استخدامه للقواعد العسكرية والمطارات على أرض تركيا.. فقد صرح الأمين العام لحلف الناتو (جنز) في 9- 10- 2014م فقال: “أقدِّر دور تركيا في أفغانستان وكوسوفا، ودورها المستقبلي في تدريب ومساعدة، وتقديم المشورة للقوات الأفغانية، وأتطلع لاستمرار تعاونها من أجل بقاء الناتو بوصفه الركن الأساسي في حفظ أمننا”.

ثانيًا: تركيا تقيم علاقات دبلوماسية، وتجارية وأمنية مع الكيان اليهودي منذ سنوات. والسفارة اليهودية موجودة في أنقرة، وتنادي تركيا بتوسيع دائرة العلاقات مع اليهود؛ لتشمل الدول المحيطة.  فقد صرح وزير الاستخبارات (الإسرائيلي) (يسرائيل كاتس) في صحيفة (معاريف) العبرية 13-12-2017م فقال: “إن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يلعب مع إسرائيل بمصطلح (فرينمي) أي الصديق العدو… فأردوغان يهاجمنا كثيرًا ونحن نعي ذلك، ولا يعني أننا لا نرد عليه، ولكن هجومه علينا لا يمنعه من جعل حجم التجارة عبر حيفا نحو 25 في المائة من تجارة تركيا إلى الخليج” وتابع: “التجارة التركية معنا بمبالغ كبيرة وخيالية، لم تتأثر بذلك، بل على العكس، وشركات الطيران التركية أكبر شركات النقل الجوي من وإلى إسرائيل، وحجم التبادل التجاري ونقل البضائع عبر حيفا ازداد كثيرًا حتى قبل عودة العلاقات بعد أزمة مرمرة”.

ثالثًا: تنادي تركيا منذ سنوات باللحاق بالاتحاد الأوروبي الصليبي، وتتذلل من أجل هذه الغاية، وكان من تذللها وإهدارها لكرامة المسلمين في تركيا – من أجل هذه الغاية الوضيعة –  أن وافقت على مشروع الحرب على الإرهاب الذي تبنته أميركا؛ (أي على الإسلام)؛ حيث حصل (أردغان رئيس تركيا) في كانون الثاني من عام 2004م على جائزة الشجاعة؛ التي يمنحها المؤتمر اليهودي الأميركي، وهو أحد أشهر التنظيمات اليهودية الأميركية، وهي جائزة تُمنح في غالبية الأوقات إلى سياسيين يهود، أو شخصيات عامة بسبب شجاعته في التصدي للإرهاب… كذلك تعمل تركيا من أجل اللحاق بالاتحاد الأوروبي على إطلاق الحريات داخل تركيا؛ بما فيها دور البغاء والخمور واللباس، وقانون حرية الشواذ جنسيًا داخل تركيا، والموافقة على قانون الحريات والديمقراطيات؛ بما فيها حرية الدين حتى للمسلمين… فقد ذكرت صحيفة (زمان التركية) 22- ديسمبر/كانون أول 2017م “إن المحكمة الدستورية أصدرت قرارًا، بعدم جواز فرض عقوبة على المثليين الذين يقفون في الشوارع والطرقات لانتظار الزبائن في الشارع، ولم يعترض إلا عضو واحد. وأوضحت المحكمة في قرارها أن غرامة المثلية من قبل الشرطة تتعارض مع المادة رقم 37 من القانون رقم 5326، مشيرة إلى أن فعل الانتظار هنا لم يضايق أحدًا”.

رابعًا: أما موضوع  تطبيق الإسلام؛ فإن رئيس تركيا ورئيس وزرائها قد صرحوا – في أكثر من مناسبة – أنهم يتبعون النظام الديمقراطي العلماني، ولا يريدون تطبيق الإسلام داخل تركيا. فالنظم الثلاثة الرئيسية داخل تركيا هي حسب النظام الغربي (وهي الاقتصاد، والاجتماع، والسياسة الداخلية والخارجية)، فقد صرح (أردوغان) في الكلمة التي ألقاها أمام قيادة الأكاديميات الحربية التركية في 19/3/2015م، فقال: “إن تركيا ظلت دولة قانون ديمقراطية اجتماعية وعلمانية، وبالرغم من كل الصعاب التي تعرضت لها في الماضي فأنا أقول: إن تركيا لا يمكن أن تتوقف عن مواصلة نضالها في مجالي الديمقراطية وحقوق الإنسان… وتركيا لن تتراجع عن العلمانية التي تضمن حرية العقيدة لمواطنيها…”

لقد قامت أميركا بتسخير تركيا، وما زالت، بأدوار حساسة، لا يستطيع أي حاكم في المنطقة الإسلامية القيام بها. والسبب هو تلبس هذا النظام العلماني، كذبًا وزورًا وبهتانًا، بالإسلام وخدمة المسلمين. ومن هذه الأدوار:

1- ما قامت به تركيا من المساعدة في تأسيس ودعم تنظيم دولة العراق والشام (عسكريًا وماديًا). فقد فضحت الشمس فحمة الدجى؛ في موضوع تأسيس هذا التنظيم؛ حيث صرح أكثر من مسؤول أميركي، وغير أميركي أن الذي أسس دولة العراق والشام هي أميركا… تمامًا كما أسست من قبل الجماعات المجاهدة في أرض أفغانستان، ضد الغزو الروسي آنذاك. أما الذي رعى هذا المشروع الاستعماري التضليلي فهي تركيا، تمامًا كما رعت باكستان إنشاء جماعات الجهاد الأفغاني ضد روسيا… ولا يخفى على أي متابع للأمور كيف كانت تركيا تسمح بدخول المعدات والسيارات والسلاح الثقيل والخفيف إلى داخل سوريا. ولا يخفى كذلك كيف أسست المراكز داخل تركيا لإجراء صفقات السلاح والبترول وتمرير المقاتلين. كل ذلك كان تحت سمع وبصر السياسيين، ورجال الدولة وأجهزتها العسكرية والمخابرات!!.. هذا داخل سوريا، أما داخل العراق فالمؤامرة كانت أوضح بكثير؛ حيث تخلت أرتال الجيش العراقي عن أسلحتها داخل الموصل، وما حولهما ليستولي عليها تنظيم الدولة… وكيف أفرغت الأرض دون قتال حتى حدود مناطق الأكراد في الشمال. ونفس الجيش هو الذي استعاد تلك المناطق بعد معارك طاحنة؛ أزهقت الآلاف من أبناء المسلمين في تلك المحرقة الرهيبة؛ داخل الموصل. وقد كانت المؤامرة واضحة في العمل على تشويه صورة الإسلام أولًا، وفي العمل على تيئيس المسلمين من النصر على أعداء الله ومخططاتهم، وترسيخ فكرة أن إقامة الدولة الإسلامية هي فكرة مستحيلة في ظل هذه الظروف الدولية والإقليمية. ففي تقرير نشره موقع (بي بي سي) بتاريخ 1-9-2014م، تحت عنوان: (من يدعم تنظيم الدولة الإسلامية؟) جاء فيه: “لقد انتهجت تركيا سياسة أثارت تساؤلات كبيرة، بشأن الحدود التي تدفقت عبرها الأسلحة والأموال إلى سوريا، بدعم قطري وسعودي. إن من بين أكثر الاتهامات التي سمعتها من أولئك الذين يحاربون تنظيم الدولة الإسلامية في العراق وسوريا؛ أن قطر وتركيا والسعودية هي الدول الوحيدة المسؤولة عن وجود هذا التنظيم”.

وفي تقرير لمحطة (العربية) بتاريخ 11- 8 – 2016م ــــ أثناء الدعاية الانتخابية الأميركية ــــ تحت عنوان (ترامب يتهم أوباما وكلينتون بتأسيس داعش) جاء فيه: “في تجمع انتخابي (في فورت لودرديل) في ولاية فلوريدا – جنوب شرق – اتهم الملياردير( ترامب) أولًا أوباما بأنه زرع  الفوضى  في الشرق الأوسط، ثم قال إن تنظيم داعش يكرم الرئيس أوباما، وأضاف: إنه مؤسس داعش في العراق وسوريا. وكرر: إنه المؤسس، أسس الدولة الإسلامية في العراق وسوريا… إن الشريكة في التأسيس هي هذه المحتالة هيلاري كلينتون”.

2- ما يجري على أرض الشام؛ من الإمساك بمعظم قادة الثوار عن طريق المال والسلاح، والزج بهم في طريق الخيانة والعمالة، لخدمة المشروع الأميركي لتقسيم الشام، وتثبيت النظام العميل داخل أرض الشام. وهي اليوم تسخّرها لإنجاز المراحل الأخيرة من هذا المشروع؛ عن طريق المؤتمرات الخيانية التي ترعاها تركيا وأميركا. فقد ذكرت صحيفة بوابة الشرق الإلكترونية 30-1-208 تصريحًا لوزير الخارجية التركي (مولود جاويش أوغلو) قال فيه: “إن المعارضة السورية طلبت من تركيا أن تقوم بتمثيلها في مؤتمر الحوار الوطني المنعقد في مدينة سوتشي الروسية”.

3- مساعدة الغرب والروس في تنفيذ المخططات العسكرية والسياسية على أرض الشام؛ وذلك عن طريق تقديم التسهيلات داخل الأراضي التركية؛ كاستخدام الممرات المائية، أو المطارات العسكرية، أو بالمشاركة العسكرية الفعلية كما فعل في عملية درع الفرات وغصن الزيتون؛ حيث كانت عملية درع الفرات مقدمة لتسهيل دخول قوات النظام إلى حلب، وغصن الزيتون لتسهيل الحرب على مدينة إدلب التي تحصَّن بها معظم الثوار بعد إعادة احتلال حلب. فقد ذكر موقع (روسيا اليوم) 23-1- 2018م: “أن نحو 25 ألف مسلح من “الجيش السوري الحر” يشاركون في العملية العسكرية التركية في منطقة عفرين” وهؤلاء تم سحبهم من الميدان حتى يتم تسهيل دخول مدينة إدلب؛ كما جرى بنفس الطريقة في حلب.

4- تحريف الدين الإسلامي عن طريق علمنة الدين؛ ليكون هذا النموذج نموذجًا واقعيًا يحتذى به في العالم الإسلامي؛ حيث يُركز على نواحٍ معينة في رفع المستوى الاقتصادي، مع بقاء الدولة في دائرة العلمانية (فصل الدين عن الدولة). وقد بدأت الدول الغربية بالفعل تروِّج لمثل هذه النماذج حتى تبعد المسلمين عن أسباب النهضة الصحيحة. فقد ذكرت (صحيفة العرب القطرية) 7- أغسطس 2013م تصريحًا للرئيس أردغان  عندما زار مصر في عهد الرئيس (محمد مرسي) قال فيه: “آمل أن يكون النظام الجديد في مصر علمانيًّا”، وقال أردوغان في مقابلة مع التلفزيون المصري: إنه رغم كونه مسلمًا، فإنّ الدولة التي يتزعمها هي علمانية، وعلى مصر تبني دستور علماني، وتابع أنّ النموذج التركي يظهر أنّ العلمانية ليست عدوّ الدين”.

 5- الدور التركي في تصفية القضية الفلسطينية؛ ليكون ذلك مقدمة لإدخال الكيان اليهودي؛ ضمن منظومة المنطقة كلها؛ وهي ما تطلق عليها أميركا (بالشرق الأوسط الجديد)، وقبول هذا الكيان الغريب عن الأمة ودينها، وإقامة علاقات الود والوئام معه دون تحفظ، والانفتاح في العلاقات والمعاملات جميعًا. وهذا الدور هو من أخطر الأدوار في خدمة مشاريع الكفار. وتركيا تلعب فيه الدور الرئيس؛ حيث تقوم بحملة دولية؛ لتثبيت الحل عن طريق الأمم المتحدة، وجمع الأطراف داخل فلسطين؛ ليقبلوا بما تمليه الأمم المتحدة، وتخطط له أميركا وكيان يهود؛ في تصفية قضية فلسطين، وذلك تحت غطاء كاذب اسمه (الشرعة الدولية).    فقد ذكرت صحيفة (الخليج الجديد) الإلكترونية 3-12-2017م تصريحًا للرئيس التركي (أردوغان): أكد فيه على “ضرورة إقامة دولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدس الشرقية”.

هذا ما تقوم به تركيا من أدوار خطيرة ضد قضايا المسلمين، وما تمهد له من مشروع إدخال الشعب التركي في منظومة الكفار (الاتحاد الأوروبي)

إن هذا الدور التآمري الحالي الذي يقوم به حكام تركيا ربما يتطور مستقبلًا لإعلان دولة إسلامية ديمقراطية علمانية (خالية من كل معاني الإسلام الحقيقي) تكون مثالًا يحتذى به في العالم الإسلامي؛ وذلك لصرف المسلمين عن العمل الإسلامي الصحيح. وقد يواكبه أعمال موازية في بلاد أخرى في العالم الإسلامي، تتبع نفس النهج ونفس الطريقة في تبني مشروع (الإسلام الديمقراطي العلماني) على النمط الغربي، وذلك في دول مثل تونس ومصر والجزائر وغيرها من دول. ومعلوم أن هذا المشروع تريد أميركا من ورائه وأد مشروع العمل لإقامة الخلافة الجاد الذي تريد الأمة أن تحكم به، ويريد أردوغان إقامة سلطنة زائفة له تحقق له طموحه القاتل في الزعامة، لا تمت إلى الإسلام بصلة.

  • هذه بعض الأمثلة مما يقوم بها الغرب بالفعل عن طريقه مباشرةً، وعن طريق عملائه. وهذا ما يخطط له مستقبلًا للإسلام وأهله؛ للقضاء على مشروعهم الحضاري، وللحيلولة دون عودتهم مرة أخرى في دولة وسلطان… فهل سيتمكن الكفار (على رأسهم الصليبية والصهيونية) من الوقوف في وجه عودة الإسلام الصحيح. وهل ستثمر مشاريعهم وأعمالهم هذه؛ كما يخططون وكما ينظرون؟!

قبل أن نجيب عن هذا السؤال نقول:

أولًا: إن هذا الدين هو دين الله عز وجل، وإن الدعاة إلى الله العاملين لإعادته إلى الحياة مرة أخرى؛ هم أولياء الله عز وجل، والله تعالى قد تكفَّل بحفظ هذا الدين أولًا، رغم محاولات الكفار لطمسه عن وجه الأرض، وتكفل أيضًا بنصرة دينه وتمكينه في الأرض، وتكفل كذلك بنصر حملة الدعوة لإعادة هذا الدين في دولة وسلطان، رغم شدة المؤامرات والمكر من قبل الكفار، يقول الحق تبارك وتعالى: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾ [الحجر: 9] وحفظ هذا الدين يكون بحفظه تلاوةً ومعنىً، وبحفظ من يسعون لتطبيق هذا القرآن، وليس بحفظ القرآن المكتوب فقط، ويقول جلَّ من قائل: ﴿إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ﴾ [غافر:51] ويقول عليه الصلاة والسلام: “إن الله زوى لي الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها، وإن أمتي سيبلغ ملكها ما زوي لي منها، وأعطيت الكنزين: الأحمر والأبيض….” [رواه الإمام مسلم] وقال عليه الصلاة والسلام: “لا تزال طائفة من أمتي على الدين ظاهرين، لعدوهم قاهرين، لا يضرهم من خالفهم إلا ما أصابهم من لأواء، حتى يأتيهم أمر الله. وهم كذلك”، قالوا: يا رسول الله، وأين هم؟ قال: “ببيت المقدس، وأكناف بيت المقدس) [أخرجه الإمام أحمد في مسنده].

ثانيًا: إذا نظرنا في الواقع المشاهد المحسوس، فإننا نرى أن هناك أمورًا عديدة قد استجدت في الساحة الدولية، وفي بلاد المسلمين؛ فقد ازداد تمسك هذه الأمة بدينها حتى أصبح رأيًا عامًا في معظم بلاد المسلمين؛ وخاصة بعد انكشاف الحكام، وانكشاف الأغطية المزورة التي تستروا بها سنوات طويلة؛ مثل الوطنية والقومية العربية، وانكشاف عمالاتهم الصريحة وانفضاحها على الأشهاد بتخلِّيهم عن قضية فلسطين والأقصى، وتخلِّيهم عن الشام يقتل أهلها الروسُ والأميركانُ، وتبذيرهم لأموال المسلمين بالمليارات، والمسلمون يتضورون جوعًا!… ورفضت الشعوب المبادئ الهابطة الرأسمالية والاشتراكية، وصارت تمقتها؛ وخاصة بعد الانهيارات الاقتصادية والأزمات النفسية والأخلاقية التي حصلت في بلاد الغرب، وصارت المظاهرات تسير بالملايين في أرقى عواصم الغرب ترفض المبدأ الرأسمالي…

ثالثًا: لقد حاول الكفار محاولات عديدة أن يقضوا على هذا النور الإلهي، وحاولوا استئصال المؤمنين عن وجه الأرض؛ لكن محاولاتهم كانت في كل مرة ترتد إلى نحورهم، ويهزمهم الله عز وجل؛  فحاولوا في عهد الإسلام الأول قتل الرسول عليه الصلاة والسلام، وحاولوا القضاء على المسلمين في مكة المكرمة، وحاصروا المسلمين في المدينة المنورة، وحاول اليهود التآمر على المسلمين والتحالف مع قريش. إلا أن الدعوة في كل مرة كانت تقف في وجوههم، وتعود أقوى مما كانت، وتمضي في طريقها. ثم حاول عبَّاد الصليب، وحاول عباد الأوثان من المغول، ثم حاول دعاة الرأسمالية في أوروبا عن طريق هدم صرح الإسلام، واستعمار بلاد المسلمين؛ لكن هذه المحاولات وتلك لم تتمكن من القضاء على هذه الأمة وإنهائها، والقضاء على دينهم، وهذا مصداقًا لقوله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ﴾ [الحج: 38]. وهكذا فإن الله عز وجل يحفظ دينه في هذا الزمان، ويدافع عن أوليائه، وعن حملة دينه لإعادته إلى واقع الحياة مرة أخرى، قال تعالى: ﴿وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ﴾ [القصص: 5]

  • إن مؤامرات الغرب هذه الأيام وخيانات الحكام معهم لن تزيد هذه الأمة إلا تمسكًا بدينها، وثباتًا على درب الحق، وخاصة في ظل هذه الانهيارات الكبيرة في صلب النظام الرأسمالي المطبق في بلاد المسلمين، وفي ظل انكشاف عمالات الحكام بأبشع وأرذل صور يشهدها التاريخ، وفي ظل رفض الشعوب لهذه الزمرة المارقة الساقطة من هؤلاء الحكام، وفي ظل فشلهم عسكريًا واقتصاديًا وسياسيًا في إدارة ورعاية شعوبهم.

إن الإسلام ليرتقي هذه الأيام كل ساعة ويشتد عوده، وتقوى شوكته، وتزداد رغبة الأمة وشوقها  بعودته يومًا بعد يوم، رغم كل محاولات الكفار ومؤامراتهم، ورغم خيانات أعوان الكفار وأذنابهم. وإن الأمة اليوم تقف على باب الخلافة؛ تنتظر الإذن من الله عز وجل؛ بفتح باب النصر والنصرة.  فقد حملت الأمة من كثرة النكبات والضربات المتتابعة، حملت في بطنها حزبًا مخلصًا يعمل ليلًا ونهارًا لإعادة هذا الدين مرة أخرى إلى واقع الحياة. وإن الكفر كله لن يستطيع القضاء على هذا الحزب ومشروعه الحضاري إلا إذا قتل الأمة جميعًا عن بكرة أبيها، وقتل المولود في بطنها، وهذا لا يكون ولن يكون بإذن الله تعالى.

إنه لم يبقَ أمام الأمة – بحمد الله تعالى – إلا عقبة واحدة بعد أن تذلَّلت كل العقبات؛ هذه العقبة هي التخلص من هؤلاء الحراس النواطير من الحكام أعوان الاستعمار. ولن يستطيع هؤلاء العملاء الوقوف في وجه الأمة طويلًا؛ وخاصة إن الضربات فوق رؤوسهم شديدة وقوية، وسوف يقعون أرضًا عما قريب، بإذن الله؛ لتدوسهم الأمة بنعالها وتدوس أعوانهم، وسترتفع راية لا اله إلا الله محمد رسول الله خفاقة فوق بلاد الإسلام بعد طول غياب؛ وعندها تفرح أمة الإسلام بهذا النصر العظيم، ويحرر المسجد الأقصى المبارك وما حوله من أرض مقدسة طاهرة، وتنطلق هذه الأمة من جديد لتتبوأ مقعدها ومكانها، خير أمة أخرجت للناس على وجه الأرض. وأول أمة في الأمم كما كان سابقًا عزها ومجدها؛ لتحمل هذه الأمانة العظيمة إلى كل أقطار الأرض مرة أخرى، ولترفع راية الإسلام فوق روما بإذن الله عز وجل؛ ليصدق بذلك قوله عز وجل: ﴿هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَىٰ وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ [التوبة: 33] وقوله عليه الصلاة والسلام :”ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار، ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر إلا أدخله الله هذا الدين بعز عزيز أو بذل ذليل، عزًا يعز الله به الإسلام، وذلًا يذل الله به الكفر” [رواه الإمام أحمد].

نسـأله تبارك وتعالى أن يكون ذلك قريبًا. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *