العدد التاسع -

السنة الاولى، العدد التاسع، جمادى الآخرة 1408هـ، الموافق شباط 1988م

الغزو الفكري ضد اللغة العربية (1)

بقلم: أحمد المحمود.

اللغة العربية جزء جوهري لا ينفصل عن الإسلام, فهي لغة القرآن والحديث، وبالتالي لغة الشرع ولاجتهاد, والضعف في فهمها سوف يؤدي إلى الضعف في فهم الإسلام, وبالتالي العجز عن حمله وتأديبه.

وقد أدرك الغرب ذلك, فعمل ولا يزال يعمل على إقصاء اللغة العربية عن الحياة, وأخذ اللهجات العامِّية أو لغات أخرى مكانها.

وقد اتخذت دعوته وسائل وأشكالاً عديدة, وكلها تؤدي إلى الغرض نفسه: إبعاد المسلمين عن اللغة العربية, وبالتالي إبعادهم عن الإسلام.

 

  إنَّ الدعوة إلى القوميّات ومنها القومية العربية التي رعاها الغرب الكافر, وخرَّج لها أتباعه من الإرساليات التبشيرية, كان من أهدافها فصل مسلمي العرب عن مسلمي الترك, وعن مسلمي الهند وغيرهم, وبعد أن تمَّ له دلك بواسطة صنائعه من اليهود (الماسون) والنصارى في بلاد الشام, وبعض المضبوعين بالثقافة الغربية من المسلمين الذين ربَّاهم على يديه, وتوَّج نجاحه بسقوط الخلافة الإسلامية, أراد هذا الغرب الكافر أن يركِّز أهدافه وأن يحافظ على ما حقَّقه, وأن يأمن خطر عودة دولة الخلافة إلى الوجود ثانية, فاستمر في دعوته إلى محاربة المسلمين العرب للغتهم الفصحى. وصوَّر لهم أن في الفصحى عوامل ضعفهم, ودعا إلى نشر العاميّات واللهجات الإقليمية. ودغدغ العواطف القوميّة ليتحقق له هدا التحول. وكان روَّاد هذه الحركة هم المستشرقين, وهم الذين تعلّموا اللغة العربية ودرسوا الدين الإسلامي, فعرفوا ما للّغة من تأثير وأهميّة في فهم الإسلام, فكادوا للمسلمين عن هده الطريق, لأنه متى تأمّن الضعف في فهم اللغة أدى ذلك طبيعياً إلى الضعف في فهم الإسلام, ولأنه إذا تُرك المسلمون العرب ولغتهم فستكون عودة الإسلام والفهم المشرق للإسلام إلى الوجود ثانية, ولأن اتصال المسلمين العرب بقرآنهم صلة من سيأثر سريعاً ويعمل على إعادة ما فُقد, وإقامة ما هدم. كذلك كانت اللغة عند المستشرقين غرضاً يُرمى يعقبه عندهم السهولة في تغيير المفاهيم الصحيحة بمفاهيم غربية تلبس لبوس الإسلام وهو منها براء. وكالعادة في تخطيط الغرب, خرَّج له أتباعه المستجيبين لهذه المكيدة, وصار ينادي بها كذلك عن طريقهم.

 

  المستشرقون يحاربون اللغة الفصحى

 

كان أوّل من حث على التحوّل عن الكتابة باللغة العربية الفصحى إلى الكتابة بالعاميات الإقليمية داخل البلاد العربية المستشرق الألماني الدكتور «ولهلم سبيتا». وكان مديراً لدار الكتب المصرية خلال الثلث الأخير من القرن التاسع عشر في كنف الاحتلال البريطاني. ففي سنة 1880م وضع كتاباً أسماه “قواعد اللغة العربية العامية في مصر”. وفيه يقول: “وبالتزام الكتابة بالعربية الكلاسيكية القديمة (الفصحى), لا يمكن أن ينمو أدب حقيقي ويتطوَّر, لأن الطبقة المتعلّمة القليلة العدد هي وحدها التي يمكن أن يكون الكتاب في متناول يدها. أما بالنسبة إلى جماهير الناس, فالكتاب شيء لا يعرفونه بتاتا…” وحتى لا يثير طرحه الغيورين على دينهم, والذين لن يعجبهم هدا الطرح, فقد قدّم تبريرات ظنّ أنه قد يرضي بها الشعوب الإسلامية عند المسلمين فقال: “فلماذا لا يمكن تغيير هذه الحالة المؤسفة إلى ما هو أحسن؟ ببساطة لأن هناك خوفاًً من تهمة التعدّي على حرمة الدين إذا تركنا لغة القرآن تركاً كلياً”. وقد أجاب عن ذلك: “ولكن لغة القرآن لا يكتب بها الآن في أي قطر, فأينما وجدت لغة عربية مكتوبة فهي اللغة العربية الوسطى أي لغة الدواوين,وحتى ما يدعى بالوحدة بين الشعوب الإسلامية لا يمكن أن يقلقها تبني لغة الحديث العامية, إذ أن لغة الصلاة والطقوس الدينية الأخرى ستظل كما هي في كل مكان”.

فانظر إلى قوله “لغة القرآن” كيف تخفي وراءها مقاصد خبيثة ترمي إلى إبعاد المسلمين عن كتاب الله. وانظر إلى: “وحتى ما يدعي بالوحدة بين الشعوب الإسلامية لا يمكن أن يقلقها تبنّي لغة الحديث العامية” كيف أنهم يعملون ما للغة من إسهام في جمع المسلمين على القرآن, حيث تتوحّد أفكارهم وأعمالهم بطاعة ما جاء فيه. حقاً إنهم يعرفون مادا يصنعون, ولتعرفنّهم في لحن القول.

أما اللورد “دوفرين”. فقد وضع تقريراً عام 1882م دعا فيه إلى هجر العربية الفصحى وإحلال العامية المصرية محلها في مصر, واعتبارها حجر الزاوية في بناء منهج الثقافة والتعليم والتربية. وممّا دسّه: “إن أمل التقدم ضعيف في مصر طالما أن العامّة تتعلم اللغة الفصيحة العربية – لغة القرآن – كما هي في الوقت الحاضر”.  

وتابع الدعوة إلى هذه الفكرة المستشرق الألماني الدكتور “كارل فولرس”، الذي تولّى إدارة دار الكتب المصرية خلفاً للدكتور “ولهلم سبيتا”, ووضع كتاباً سمّاه: “اللهجة العربية الحديثة”, دعا فيه العرب لاستعمال الحروف اللاتينية لدى كتابة العامية.

وحمل أيضاً لواء هذه الدعوة المستشرق الانكليزي “سلدُنولمور” الذي كان قاضياً في المحاكم الأهلية في القاهرة إبان الاحتلال البريطاني. وأصدر سنة 1901م كتاباً سمّاه “العربية المحكية في مصر”. وقد دعا فيه إلى فصل المسلمين عن لغة القرآن الكريم والسنَّة النبوية الشريفة وكنوز الثقافة الإسلامية, وإقامة الحواجز بين المسلمين وبين ماضيهم المجيد, وتفتيت الوحدة اللغوية القائمة بين الشعوب الناطقة بالعربية الفصحى. وقد صّور بأسلوب ماكر أن معارضة الدعوة إلى العامية ستؤدّي إلى خطر أكبر هو انقراض العامية والفصحى معاً وإحلال لغة أجنبية محلها, إذ قال: “ومن الحكمة أن ندع جانباً كل حكم خاطئ وُجّه إلى العامية, وأن نقبلها على أنها اللغة الوحيدة للبلاد على الأقل في الأغراض المدنية التي ليست لها صبغة دينية. وهناك سبب يدعو إلى الخوف هو أنه إذا لم يحدث ذلك وإذا لم نتخذ طريقة مبسطة للكتابة,فأن لغة الحديث ولغة الأدب ستنقرضان وستحل محلها لغة أجنبية نتيجة الاتصال بالأمم الأوروبية “.

كما حمل أيضا لواء هذ الدعوة المستشرق الانكليزي “باول” الذي كان قاضياً في المحاكم الأهلية في مصر,والمستشرق الانكليزي “فيلوت” أستاذ اللغات الشرقية في جامعة “كمبردج” و “كلكتا”. وقد اشترك هذان المستشرقان في وضع كتاب سميّاه “المقتضب في عربية مصر “حاولا أن يضعا فيه  قواعد لتسهيل تعلم اللغة العامية المصرية وأخذا يرددان الشكوى من صعوبة اللغة الفصحى.

أما أخطر من اضطلع بكبر الدعوة إلى إقصاء الفصحى عن ميدان الكتابة والأدب وإحلال العامية الشائعة محلّها, وأكثر هم إلحاحاً وطول نفس المستشرق الانكليزي “وليم ولكوكس” الذي كان مهندساً للري في القاهرة إبّان الاحتلال البريطاني. فقد وفد إلى مصر سنة 1883م. وتولّى الإشراف على تحرير مجلة الأزهر سنة 1893م. وفي هذه السنة ألقى في نادي الأزبكية محاضرة بعنوان: “سورية ومصر وشمال أفريقيا ومالطة تتكلم البونية لا العربية” وقد زعم فيها أن اللغة العامية التي ينطق بها أهل الشام وأهل مصر وليبيا والمغرب وتونس والجزائر ومالطة هي اللغة الكنعانية أو الفينيقية أو البونية السابقة للفتح الإسلامي.

وقد بلغ العداء في نفس هذا المستشرق للفصحى مبلغه. إذ جعل ينظر إليها وكأنها لغة جوفاء لا تحمل أي معنى من المعاني لسامعيها ممن يتحادثون بالعامية, وما هي إلا ألفاظ رنانة فقط, إذ يقول: “من السهل جداً أن نرى هذه البلاد ذلك التأثير المخدّر الذي تحدثه الألفاظ الرنّانة التي لا نفهم منها لفظة واحدة في نفس السامع, إذ سماع مثل تلك الألفاظ يقتل في الذهن كل ابتكار بين أولئك الذين لا يقرأون, كما تقتله أيضاً في نفس الطالب تلك الدروس التي تلقى عليه باللغة الفصحى المصطنعة التي تبلغ الرأس دون القلب. فتمنع من يتسمون بالعلماء في هذه البلاد من التفكير البكر”.

وقد لجأ هذا المستشرق الماكر كغيره من المستشرقين إلى الإغراء بالمكافآت التشجيعية للذين يتبارون بكتابة الآداب والعلوم بالعامية. ولما مني بالفشل بعدم الاستجابة له أعلن إغلاق المجلة التي أسّسها لهذا الغرض بعد أن صدر العدد العاشر منها.

 

طلائع المستجيبين لدعوة العامية

 

وآزر الدعوة إلى العامية وترك الكتابة بالحروف العربية منخدعون ومأجورون ومضبوعون بالثقافية الغربية, وتحمس لها طائفة من رجال الكنيسة.

فكان “لطفي السيد” من أوائل المصريين الذين حملوا لواء الدعوة إلى العامية.

وفي إطار هذه الدعوة, قدمت عشرات من المشروعات, كان أخطرها مشروع قدمه “عبد العزيز فهمي باشا ” يدعو فيه إلى كتابة العربية باللاتينية.

وكذلك دعا “طه حسين” السيئ الذكر إلى شيء أسماه “تطوير اللغة” بتبديل الخط العربي أو إصلاحه, وتهذيب قواعد النحو والصرف. وهذا أسلوب من أساليب التدريج التي توصل إلى تحقيق الهدف الذي دعا إليه المستشرقون.

ثم كان هناك عدد من أدباء لبنان,أولهم سعيد عقل وأنيس فريحه ولويس عوض.

وما نراه في خطابات وكتابات النصارى الآن في لبنان من حرص على اللهجة اللبنانية دليل على مكر الليل والنهار الذي لا يغفلون عنه ضد المسلمين.

 

وسائل المستشرقين في محاربة الفصحى

 

لقد اعتمد الغرب الكافر عبر مستشرقين وأذنابهم على وسائل متعدّدة لمحاربة اللغة العربية الفصحى, وفرض لغته (الفرنسية والإنكليزية) ليفرض عن طريقها ثقافته, وبالتالي مفاهيمه وأفكاره, فيؤدي ذلك إلى صهر الشعوب الإسلامية بثقافته فيسهل بعدها استعماره فكرياً وبالتالي استعماره مادياً.

وقد اتخذت وسائله هذه عدة أشكال وصور منها:

1-                 جعل تعلم لغته إجبارياً في مراحل التعليم المختلفة.

2-                 جعل اعتبار لغته هي اللغة الأولى في بعض البلدان الإسلامية مثل الجزائر، واللغة الثانية إن لم يستطع جعلها الأولى كمرحلة ثانية.

3-                  جعل أسلوب تعلّم اللغة العربية في المدارس والجامعات أسلوباً صعباً ينفر منه أبناء هذه اللغة. وقد تصدّر لتأليف كتب قواعد اللغة العربية بعض النصارى وبعض المسلمين الذين ساروا على نفس الأسلوب.

4-                 حصر الوظائف والأعمال بالذين يتقنون لغة المستعمرين.

5-                 جعل الأدباء ينتجون شعوراً ونثراً عاميّين.

وفد لبس الملبسون على المسلمين بأن كتب العلوم والآداب والقصص والتاريخ والعقود وسائر المعاملات يجب أن تكتب بالعامية، لأن معظم الناس يفهمونها. وبذلك يستطيع المؤلف أن يبتكر ويبدع ولا يعوقه اختيار الألفاظ.

إن كل هم المستشرقين كان المسلم عن كتابه الأول المحكم الآيات لفظاً ومعنى، والسنة النبوية وتدبرهما.

ولكنّهم لم ولن ينالوا مأربهم لجميل وعد الله بحفظ القرآن الكريم، ولن يكون مثلهم إلا كمثل الباسط كفيه إلى الماء ليبلغ فاه وما هو ببالغه. قال تعالى: )وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآَنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ(.

                

رد على مزاعم خصوم الفصحى

 

ومن جيد الردود على مزاعم خصوم الفصحى، ردّ الأستاذ “إبراهيم مصطفى” إذ بيّن أن الفصحى تحتل بحسب صفاتها الذاتية، واستناداً إلى المقارنة بين اللغات أرقى درجة من درجات الكمال التي تحتلّها اللغات المنتشرة في العالم.

ولقد أشار إلى ما قام به علماء اللغات من تقسيم اللغات على تباينها إلى ثلاثة أقسام:

القسم الأول: لغات آحادية المقاطع، وهي خالية من حروف المعاني، وعدد كلماتها أقل من غيرها بكثير، ولا تتغير صيغتها، ولا تدلّ على النوع أو الكيفية أو العدد أو الزمن أو النسب بين الأشياء, ولكن كل ذلك يفهم من تكييف الصوت بهذه المقاطع في الكلام المنطوق. أما في الكلام المكتوب, فيمكن فهمه من مكان الكلمة في الجملة, ومن أمثلة هذا القسم اللغة الصينية, وعدد كلماتها قليل جداً, إلا أن هذه الكلمات تنطق على وجوه صوتية مختلفة للدلالة على المراد, ويتطلّب التمييز بينهما مهارة خاصّة في السمع, وقد يعبّر في هذا القسم من اللغات عن المعنى الواحد بعدد من الكلمات, كأن يعبّر عن معنى الأسرة مثلاً بما يلي: (زوج – زوجة – أولاد).

القسم الثاني: لغات مزجيّة, وهي لغات تعتمد على ضمّ الكلمات بعضها إلى بعض للدلالة فيها على النسب الزمانية والمكانية وغيرها, مع محافظة كل كلمة منها على صيغتها وشكلها ومعناها, فالمعنى الذي يمكن تأديته بكلمة واحدة يحتاج للدلالة عليه في هذا القسم من اللغات إلى سطر طويل, مؤلف من عدة كلمات مرصوصة, ومن أمثلة هذا القسم اللغة اليابانية.

القسم الثالث: لغات اشتقاقية, وهي لغات تكون الدلالة فيها على مختلف النسب المتعلقة بالزمان أو المكان أو العدد أو الكيفية أو النوع أو غيرها, بتغيير صور كلماتها عن طريق التصريف والاشتقاق, مع المحافظة على المادّة الأصلية للكلمة, وللغات هذا القسم حروف معان تربط الألفاظ والتراكيب بعضها ببعض, ومن أمثلة هذا القسم اللغة العربية الفصحى واللغات الأوروبية. ولكن اللغة العربية تحتلّ المرتبة الأولى لأنها تمثل حالة راقية من حالات التقدّم الحضاري في الميدان اللغوي.

إن القسم الأول من هذه اللغات إنما يمثل طوراً بدائياً من أطوار الحضارة اللغوية, ولا ينفي بالتعبير عن كل حاجات الأمم المتقدمة حضارياً ويتبعه القسم الثاني فيمثل طوراً أرقى نسبيا ًمن الطور الأول, وهو مع ذلك لا يفي كل الوفاء بالتعبير عن كل حاجات الأمم المتقدمة حضارياً. وأمّا القسم الثالث, فهو القسم الذي يمثّل أرقى تطور لغوي يفي بالتعبير عن جميع المعاني التي تحتوي عليها الحضاريات الراقية.

ثم أجرى مقارنة بين العربية الفصحى وسائر اللغات الاشتقاقية, فأثبت أن العربية امتازت بخصائص تجعلها من أليق اللغات وأكثرها تلبية لحاجات العلوم. فمن خصائصها الأمور التالية:   

أولاً: سعتها, أي كثرة عدد مفرداتها. فبينما نجد عدد كلمات اللغة الفرنسية نحواً من خمسة وعشرين ألفاً وعدد كلمات اللغة الانكليزية نحواً من مئة ألف, ومعظم هذا العدد اصطلاحات عملية وصناعية, نجد عدد مواد العربية الفصحى نحواً من أربعمائة ألف مادة. وبسبب غنى العربية وسعتها نجد فيها للمعاني الشديدة التقارب كلمات خاصة بكل معنى منها, مهما كانت درجة التفاوت, وبذلك لا يكون محل يكون محلّ للالتباس أو الإبهام اللذين هما آفة العلم والأدب.

ثانياً: توغّلها في ميدان الاشتقاق, متابعة للمعاني المترابطة ببعضها. فللمادة الواحدة مصدر للدلالة على المعنى مجرداً من بالزمن, وأفعال بعضها يدلّ على المعنى مقترناً حدوثه بالزمن الماضي, وبعضها يدل على المعنى مقترنا ًحدوثه بالزمن الحاضر أو المستقبل, وبعضها يدل على المعنى مقترناً بالأمر بفعله. وللمادة أيضاً صيغة تدلّ على الشخص الذي فعل ذلك المعنى أو قام به, وتسمّى اسم الفاعل. وصيغة أخرى تدل على المفعول به وثالثة تدلّ على زمانه, ورابعة تدلّ على مكانه, وخامسة تدل على النسبة, وسادسة على التفضيل, وسابعة على التعجب وثامنة على التصغير, وهكذا وليس في أية لغة من لغات العالم هذا الانطلاق اللغوي المرتبط في ميدان الاشتقاق اللفظي, المناظر والمناسب لترابط المعاني فكرياً

ثالثاً: معظم مشتقاتها تقبل التصريف إلا فيما ندر منها. وهذا يجعلها في طوع أهلها أكثر من غيرها, ويجعلها أيضاً أكثر تلبية لحاجة المتكلمين.

وبهذا نستطيع أن نجعل اللغات العالمية مرتبة من الأدنى إلى الأعلى على الوجه التالي: اللغات آحادية المقاطع, وهي في المرتبة الدنيا, تليها اللغات المزجية, ثم اللغات الأوروبية الفصحى, وهي أرقى اللغات وأمثلها بالعالم. فبهذا التحليل العلمي المتين الذي يدلّ عليه الواقع المحسوس, يتبين كيف يريد الغرب الكافر أن ينحطّ بالمسلمين في ميدان الحضارة اللغوية ليتسنى له فصل المسلمين عن مصادر الإسلام وتجزئة الأمّة الإسلامية, وخاب ثعلب النصيحة الماكر وما أفلح.

يتبع

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *