العدد 234-235 -

العددان 234-235 – السنة العشرون، رجب وشعبان 1427هـ، الموافق آب وأيلول 2006م

المانع من النصرة في طريقه إلى الزوال

المانع من النصرة في طريقه إلى الزوال

يرى كثير من الذين يتابعون  ما يجري على الساحة من أحداث أن هذه الهجمة الشرسة على الإسلام والمسلمين بدعوى محاربة الإرهاب لا قِبل للمسلمين بها، وبالتالي فإن الحديث عن إقامة الخلافة الإسلامية حديث الذين يسبحون في الخيال والذين لا يعيشون الواقع، وإنهم واهمون «كباسط كفيه إلى الماء ليبلغ فاه وما هو ببالغه». وتراهم يسوقون لك أن ما يرونه هو رؤية واقعية لمجرى الأحداث.

=================================================================

إن هذه الرؤية هي في مجملها رؤية اليائس ضعيف الإيمان الذي لا يبصر بنور الله. والعجيب أن هؤلاء اليائسين، الذين يريدون تيئيس الأمة في قدرتها على النصر في هذه المعركة وعودتها عزيزة مرهوبة الجانب كما كانت طوال ثلاثة عشر قرناً سابقاً، هم في الأغلب ممن يقدمون أنفسهم للأمة كعلماء ومفكرين يحملون راية الإسلام، فتراهم يقولون: «نحن أيضاً نريد الخلافة مثلكم، ولكن أين نحن والخلافة؟…».

إن أمثال هؤلاء يرون الخلافة بعيدة ونراها قريبة، إنهم ترتعد فرائصهم من أميركا وأزلامها من الحكام العملاء ونحن لا نخاف في الله لومة لائم. إن شاء الله، إنهم قد نفضوا أيديهم من الأمة، ونحن نعمل مع الأمة وبالأمة لنعيد لها مجدها الضائع بإعادة الخلافة الإسلامية التي بشرنا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بعودتها على منهاج النبوة: «…ثم تكون خلافة راشدة على منهاج النبوة»… ولكن أكثرهم لا يفقهون.

لقد قام في الأمة منذ أكثر من خمسين عاماً حزب سياسي مبدؤه الإسلام، وأدرك منذ اللحظة الأولى أن غياب الكيان السياسي الذي يمثل الأمة تمثيلاً حقيقياً «الخلافة» هو السبب الرئيسي في حالة الانحطاط التي أصابت الأمة، وجعلت باقي الأمم تتكالب عليها كما تتكالب الأكلة على قصعتها، فحدد -أي الحزب- الغاية التي يسعى إليها تحديداً دقيقاً واضحاً وهي إعادة الكيان السياسي للوجود مرة أخرى.

ومن ثم نظر في سيرة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فرأى أنه (صلى الله عليه وآله وسلم) قد أنشأ جماعة تؤمن بإقامة المجتمع الإسلامي وبإقامة الدولة الإسلامية، خاض بها صراعاً فكرياً مع عقائد الكفر والأفكار الفاسدة والعادات البالية، وكفاحاً سياسياً مع زعماء الكفر، وأدرك الحزب أن طلب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) للنصرة بعد ذلك لم يكن فعلاً مجرداً من الدلالة الشرعية، إنما هو من أحكام الطريقة التي ينبغي السير فيها حتى يمنّ الله عز وجل علينا بإعادة الخلافة، كما منّ الله سبحانه وتعالى على رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) عندما ساق له ذلك الحي من الأنصار، فآزروه ونصروه وهاجر إليهم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وأقام الدولة الإسلامية الأولى في المدينة المنورة.

هذا الحزب هو حزب التحرير، وهو الحزب الذي يرشح نفسه لنيل شرف إقامة الخلافة الراشدة الثانية إن شاء الله. وبرغم أن للحزب أكثر من خمسين عاماً من العمل الدؤوب في الأمة لاستئناف الحياة الإسلامية مرة ثانية إلا أن الحزب اليوم هو، وبعون الله وحده، أقرب ما يكون لقطف ثمار هذه المسيرة الطويلة من العمل بجد وبإخلاص لإعلاء كلمة الله. وإنه إن كانت نصرة الحزب من أهل القوة في الأمة قد تأخرت، فالمانع اليوم من استجابة أهل النصرة للعمل مع الحزب لإقامة الخلافة قد زال أو هو في طريقه إلى الزوال، وذلك لما يلي:

1- الأمة الإسلامية أصبحت أكثر وعياً على إسلامها

لقد مرت على الأمة الإسلامية فترة من الانحطاط، كانت فيها الأمة غثاء كغثاء السيل، تنساق وراء كل ناعق وكل متشدق يقدم لها أفكاراً ونظريات تخالف وبشكل واضح لا لبس فيه ما تحمله الأمة من عقائد وأفكار، تنساق وراءه وهي تظن أنه يحمل لها الترياق الشافي فإذا هو السم الزعاف. واليوم ها نحن نرى المسلمين يعودون إلى دينهم يتمسكون به، ويعضون عليه بالنواجذ، مفتخرين بدينهم الحق، لافظين أصحاب هذه الأفكار العفنة -كالقومية والوطنية والاشتراكية والديمقراطية- لفظ النواة، وهم ضيوف غير مرحب بهم في الندوات وبرامج الإذاعة والتلفاز. وكثير منهم قد غير جلده مسايرةً للواقع الجديد الذي بدأ يفرض نفسه، فالإسلام هو الذي تتحرك له القلوب والمشاعر، والعالم اليوم «لم يبقَ فيه بيت إلا وفيه ذكر الإسلام». وها نحن نرى أميركا اليوم تحاول امتطاء الحركات الإسلامية المسماة «المعتدلة» لإيصالها إلى الحكم في بلاد المسلمين لتقطع الطريق «واهمة» على الحركات الإسلامية المخلصة.

2- الأمة اليوم تريد الخلافة

عندما سقطت الخلافة سنة 1342هـ – 1924م، لم تتحرك الأمة التحرك الذي كان يجب عليها أن تتحركه إزاء قضية مصيرية يجب أن يتخذ حيالها إجراء الحياة أو الموت، بل أكثر من ذلك وقع عدد كبير من المسلمين في أحابيل الكفار فانساقوا وراء الشريف حسين الذي قاتل الدولة العثمانية، وسعى إلى إسقاطها خدمة للكفار. وسكتوا عن مجرم العصر مصطفى كمال عندما ألغى الخلافة وأعلن الجمهورية، وكان واجباً عليهم وقتئذ حمل السلاح في وجهه. ولم يقف الأمر عند سقوط دولة يجب السعي لإعادتها مرة ثانية، بل حصلت عملية تضليل منظمة قامت بها حفنة من المضبوعين بالغرب وثقافته، جعلت فكرة الخلافة فكرة مشوهة في أذهان المسلمين، حتى وصل الأمر لدرجة أن وجد في الأمة من ينكر أن الإسلام يملك أصلاً نظاماً للحكم، وعندما تأسس حزب التحرير، ونادى بعودة الخلافة، كانت الأمة في وادٍ والحزب في وادٍ آخر، فإذا الأمة اليوم بعد هذا المجهود المضني الذي بذله الحزب، وبعون الله وحده، تدرك معنى أن تكون أمةً واحدةً من دون الناس، وأنه لا حياة لها ولا أمن ولا عزة ولا كرامة بدون أن تعود لها دولتها الخلافة التي كانت الدرع الواقي الذي وقاها من الفرقة والتشرذم، وحفظ لها بيضتها ودفع عنها شر أعدائها مدة ثلاثة عشرة قرناً. أصبحت الأمة اليوم تتوق لليوم الذي يعزها الله فيه براية الخلافة لتتخذ المكانة اللائقة بها والتي اختارها لها رب العالمين ( كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ) [آل عمران 110] والأمة اليوم مستعدة لدفع ثمن عزتها وكرامتها بل هي من الآن تدفع هذا الثمن، في فلسطين والعراق وأفغانستان وأوزبكستان.. فالأمة الإسلامية أمة الجهاد والشهادة والتضحية في سبيل الله، لم يأتِ في التاريخ أمة مثلها في البذل والعطاء والإيثار والتضحية، وهي بعد قيام الدولة إن شاء الله ستكون أكثر بذلاً وعطاءً وإيثاراً.

3- الأمة اليوم تريد الوحدة

لقد حاول شياطين الإنس من حكام هذه الأمة أن يصرفوها عن التطلع للوحدة على أساس الإسلام، ولم يكن أمامهم سوى رفع شعار الوطنية الضيقة. وعلى مدار أكثر من ثمانين عاماً لم يستطع هذا الشعار أن يصرف الأمة عن إدراكها أنها أمة واحدة فرقت بينها اتفاقية سايكس بيكو وظلت شعارات «مصر للمصريين» و«الأردن أولاً» وأمثالهما مجرد شعارات فارغة. ولو لم تكن الأمة مكبلة من قبل حكامها لتحركت لإزالة هذه الحدود التي تفصل بين شعوبها. وهي تنتظر اليوم الذي يتقدم المخلصون فيها لإعادة وحدتها في دولة الخلافة. قال تعالى: ( وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا) [آل عمران 103] وقال (صلى الله عليه وآله وسلم): «من جاءكم وأمركم جميع على رجل واحد يريد أن يشق عصاكم ويفرق جماعتكم فاقتلوه» (مسلم).

4- الأمة اليوم تعرف أعداءها:

مرت فترة على الأمة كانت تنظر للغرب نظرة إكبار واحترام وترى فيه المثل الذي يجب أن تحذوه حتى تنهض وتلحق بركب الحضارة، فأقبلت على ثقافته تنهل منها وعلى مفكريه تتخذهم قدوةً ومثالاً، ولم تكن الأمة وقتها مدركة أنها مخدوعة. أما اليوم فقد ازداد وعي المسلمين على حضارتهم ودينهم وازداد احتقارهم لما سواه، وأدركوا أن الغرب هو عدوهم الحقيقي، أدركوا مدى انحطاط الغرب الفكري وفساده الخلقي. قال تعالى: ( وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ) [محمد 12]. نعم لقد أدركت الأمة عدوها عندما رأت تكالب دول الكفر قاطبة على نهب خيراتها وثرواتها، وعلى قتل وتشريد أبنائها، وعلى احتلال أراضيها… أدركت الأمة عدوها وأدركت خسة وعمالة حكامها الذين أذاقوها لباس الخوف والجوع خدمة لأسيادهم الكفار. ولذلك فإن الأمة اليوم تختلف اختلافاً جذرياً عما كانت عليه منذ أكثر من خمسين عاماً. وها هي تخوض مع عدوها الحقيقي حرباً شرسة على كافة الصعد سواء الفكرية أم العقدية أم العسكرية.

5- أميركا اليوم في مأزق

أميركا هي الغول أو المارد الذي يخشى منه الكثير سواء من الأمة أم من أهل القوة فيها، ويعتبرونها حجر عثرة يقف حائلاً بينها وبين إعلان إقامة الخلافة، وأنها ستقضي على الدولة الإسلامية من اللحظات الأولى وقد كانت تلك الخشية كبيرة جداً في السابق، إلا أنها اليوم بدأت تزول شيئاً فشيئاً بعد أن رأينا أنف أميركا يمرغ في التراب في العراق وأفغانستان. والذي يجب أن يدركه المسلمون والناس قاطبةً أن الأمة الإسلامية حتى اليوم لم تخض معركةً حقيقيةً مع أميركا لا على الصعيد العسكري، ولا حتى على الصعيد الفكري، وأن الحاصل اليوم هو مجرد مناوشات هنا وهناك. وبرغم أنها مجرد مناوشات إلا أن هزيمة أميركا فيها واضحة لمن ألقى السمع وهو شهيد. فالخلافة عندما ستقوم، ستقود المعركة الحقيقية ضد أميركا، وستدرك أميركا وقتها أن كل ما ذاقته خلال السنوات السابقة لم يكن سوى مجرد نزهة. يومها سيكون الصراع مع دولة بحجم دولة الخلافة وليس مع أفراد أو جماعات في الأمة، ستفكر أميركا ألف مرة قبل أن تخوض صراعاً مع دولة الخلافة. لقد كشّرت أميركا عن أنيابها وكشفت عن وجهها القبيح في غوانتانامو وأبو غريب؛ لذلك فإن الأمة اليوم تعرف أن أميركا لم تكن ولن تكون في يوم من الأيام إلا عدوة لها. وإنها أكثر الدول في التاريخ كذباً وتدجيلاً، وأن ما تتشدق به من حقوق الإنسان والديمقراطية والحرية إن هي إلا أقوال فارغة لا تحمل أي مضمون، وهي مجرد خدعة تريد أن تمرر من خلالها مشاريعها الاستعمارية في بلادنا. ولذلك فإن على أهل النصرة قبل غيرهم أن يدركوا أن لنا طاقة بأميركا وجنودها، ولينظروا بأم العين إلى الفلوجة والرمادي… وإلى ما يجري في فلسطين ولبنان ليعرفوا من هي أميركا و(إسرائيل) ومن هم المسلمون… من هم أولياء الشيطان ومن هم أولياء الرحمن، ليتعلموا أن «جندنا هم الغالبون».

6- سقوط الحكام في نظر الأمة

لقد مرت على الأمة الإسلامية فترة انساقت فيها وراء زعامات مضللة فصدقت أكاذيبهم وتضليلاتهم، ولم تدرك الأمة حينذاك أن هؤلاء الحكام أعداء لها ولدينها، وليسوا من جنسها، وأنهم كذابون مخادعون أوصلوا الأمة إلى حالة الضعف والذل والهوان التي هي عليها الآن.

لقد استطاع هؤلاء الطواغيت العملاء الخونة إخفاء حقيقتهم وراء خطبهم الرنانة ومواقفهم الزائفة، لكن الله قيد للأمة هذه الفئة المؤمنة التي عملت على كشف زيفهم وزيف شعاراتهم وأسسهم الفكرية ولم يستطيعوا -الحكام- بكل جبروتهم أن يخنقوا صوت هذه الفئة المؤمنة بربها. واليوم، والحمد لله، لا يوجد في طول البلاد وعرضها هذا الحاكم – الزعيم الذي يستطيع ن يضلل الأمة مرة أخرى. فقد انكشفت عمالتهم بشكل فاقع وباتت رائحتهم تزكم الأنوف، وذلك بأنهم رضوا أن يكونوا في الأذلين طائعين لأسيادهم وأوثانهم التي رضوا أن يعبدوها من دون الله. والأمة تنظر إليهم لترى فيهم أي نخوة وهم يرون دماء الأمة تسيل بأيدي أبناء القردة والخنازير في فلسطين، وبأيدي الصليبيين في العراق وأفغانستان، فلا تراهم إلا صماً بكماً عمياً لا يحركون ساكناً، بل أكثر من ذلك تراهم يشاركون أعداء الأمة في ذبح المسلمين، متكالبين على الصلح مع دولة يهود، مفرطين في مصالح الأمة خدمة لأسيادهم من دول الكفر التي رمت المسلمين عن قوس واحدة.

لذا فإن الأمة قد نبذت هؤلاء خلف ظهرها ولم تلتفت إليهم، وهي تنظر بشوق إلى من يتقدم ليأخذ بيدها ليسقط هؤلاء الحكام ويقيم دولة الإسلام. تنظر بشوق إلى هذا الحزب المبدئي الذي تعطيه قيادتها، ولا حزب مرشح لنيل هذا الشرف سوى حزب التحرير الذي ضرب أروع الأمثلة في الثبات على الحق وعدم الحيد عنه قيد أنملة برغم ما تعرض له طوال خمسين سنة من حملات التشويه والتضليل، وما تعرض له شبابه من اعتقال وتعذيب واستشهاد. ولم يزد الحزب هذا الابتلاء إلا تمسكاً بما هو عليه من الحق، ولم يزد شبابه إلا ثباتاً على ثبات، وعزماً على المضي في هذا الطريق، حتى يأتي الله بالنصر من عنده. ولا شك أن ثقة الأمة في الحزب التي تزداد يوماً بعد يوم سيتبعها إن شاء الله ثقة أهل النصرة بقدرة الحزب على قيادة الأمة إلى طريق النجاة ( وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ @ بِنَصْرِ اللَّهِ) [4-5] وعلى الله قصد السبيل.

شريف عبد الله

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *