العدد 39 -

السنة الرابعة – ذو الحجة 1410هــ، تموز 1990م

مع القرآن الكريم

بسم الله الرحمن الرحيم

قال تعالى: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنْ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنْ الأَمْوَالِ وَالأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرْ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُهْتَدُونَ) (البقرة: 155 – 157).

وقال تعالى: (لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنْ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ) (آل عمران: 186).

نقرأ في هذه الآيات الكريمة من كتاب الله ونحن نسمع أخبار الزلزال المدمر الذي وقع صبيحة يوم الخميس 21/06/1990 في شمال غرب إيران ودمّر جميع القرى في محافظتي زنجان وجيلان وأتلف المحاصيل الزراعية وقتل حوالي 50 ألفاً وجرح حوالي 200 ألف وترك حوالي نصف مليون من الناس دون مأوى.

إنها مصيبة كبيرة نسأل الله أن يعينهم على تحملها والصبر عليها وأن يعوضهم في الدنيا والآخرة.

وما أكثر المصائب في بلاد المسلمين: زلازل، فيضانات، حروب داخلية، حكام ظلمة، انحباس المطر، الغلاء، تظالم الناس فيما بينهم، تسلّط الأعداء الكفار عليهم… الخ.

المصائب تحل بالناس تبعاً لسنن كونية أودعها الله في الكائنات. وهذه المصائب تصيب الكفار كما تصيب المسلمين. وفي الغالي ليست عقوبة من الله لمن تحل بهم. فقد جاء في الحديث الصحيح «الأنبياء أشد بلوى ثم الصالحون ثم الأمثل فالأمثل». فإذا أصاب المسلمين وصبروا كانت كفارة لذنوبهم وزيادة في حسناتهم.

جاء في تفسير ابن كثير: )(لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ) كقوله تعالى: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنْ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنْ الأَمْوَالِ وَالأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ) إلى آخر الآيتين(. أي لا بد أن يبتلى المؤمن في شيء من ماله أو نفسه أو ولده أو أهله، ويبتلى المؤمن على قدر دينه، فإن كان في دينه صلابة زيد في البلاء.

والآن نسمع كثيراً من الدول الغربية فرحت بهذا المصاب يصيب إيران من أجل أن تعود إيران وترتمي علناً على أقدام دول الغرب طالبة المساعدات. وهم يقدمون بعض المساعدات والشماتة بادية من أفواههم مصداقاً لقوله تعالى: (وَلَتَسْمَعُنَّ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنْ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا).

(وَبَشِّرْ الصَّابِرِينَ) جاء في الحديث الشريف: «عجباً للمؤمن لا يقضي الله له قضاءً إلا كان خيراً له: إن أصابته سرّاء فشكر كان خيراً له، وإن أصابته ضرّاء فصبر كان خيراً له». والصبر ثلاثة أنواع: صبر على ترك الحرام وصبر على فعل الطاعات، وأما الثالث فهو الصبر على المصائب والنوائب. نقل ابن كثير في تفسيره عن الامام زين العابدين عليه السلام: «إذا جمع الله الأولين والآخرين ينادي منادٍ: أين الصابرون ليدخلوا الجنة قبل الحساب؟ قال: فيقوم عنق من الناس فتتلقاهم الملائكة، فيقولون: إلى أين يا بني آدم؟ فيقولون: إلى الجنة. فيقولون: قبل الحساب؟ قالوا: نعم. قالوا: ومن أنتم؟ قالوا: نحن الصابرون. قالوا: وما كان صبركم؟ قالوا: صيرنا على طاعة الله، وصبرنا على معصية الله حتى توفانا الله. قالوا: أنتم كما قلتم، ادخلوا الجنة فنعم أجر العاملين» قال ابن كثير: ويشهد لهذا قوله تعالى: (إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ).

(الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ) روى الإمام أحمد ومسلم عن أم سلمة رضي الله عنها (والنص لمسلم): (قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ما من عبد تصيبه مصيبة فيقول: (إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ) اللهم أجرني في مصيبتي وأخلف لي خيراً منها إلا آجره الله في مصيبته وأخلف له خيراً منها» قالت: فلما توفي أبو سلمة قلت كما أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم  فأخلف الله لي خيراً منه: رسول الله صلى الله عليه وسلم). وروى الإمام أحمد عن فاطمة بنت الحسين عن أبيها الحسين بن علي عليهم السلام عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ما مِنْ مسلم ولا مسلمة يصاب بمصيبة فيذكرها وإن طال عهدها، فيحدث لذلك استرجاعاً إلا جَدّدَ الله له عند ذلك فأعطاه مثل أجرها يوم أصيب».

(أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُهْتَدُونَ) قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه (نِعْمَ العدلان ونِعْمت العلاوة (أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ) فهذان العدلان (وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُهْتَدُونَ) فهذه العلاوة). فالعدلان يكونان على جانبي الدابّة، والعلاوة زيادة في الحمل توضع بين العدلين. فكذلك هؤلاء أعطوا ثوابهم وزيدوا أيضاً □

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *