العدد 318 - 319 - 320 -

السنة الثامنة والعشرون رجب – شعبان – رمضان 1343هـ / أيار – حزيران – تموز 2013م

النصرة طلب أم إنشاء؟

بسم الله الرحمن الرحيم

النصرة  طلب أم إنشاء؟

أ.عبيدة – سوريا

كثر الحديث في الآونة الأخيرة عن مسألة طلب النصرة وخاصة بعد ثورات ما يسمى بالربيع العربي عامة وثورة بلاد الشام خاصة، وصار عامة الأمة بمن فيهم بعض شباب حملة الدعوة يتداولون فكرة مفادها: لماذا تصر الكتلة الأكثر وعياً من ناحية الشرع والسياسة على مسألة طلب النصرة؟ ولماذا لا تقوم الكتلة بإنشاء قوة خاصة بها تحمل على عاتقها إيصالها إلى الحكم ؟ ولماذا لا تقوم بإنشاء كتائب وألوية مسلحة في بلاد الشام لتكون نواة جيش يقيم الخلافة الإسلامية؟ خاصة وأن هذه الكتلة هي الوحيدة المنتشرة في العالم كله، سواء الإسلامي أم غير الإسلامي، وفي القارات الخمس، التي تسير وفق رؤية واحدة وقائد واحد وهي الكتلة الوحيدة في العالم أجمع التي تمتد هذا الامتداد وهي متجانسة فكرياً وشعورياً.

وقبل الجواب على هذه الأسئلة نحب أن نذكر أن مسألة طلب النصرة ليست خياراً لدى هذه الكتلة، وإنما هو حكم شرعي مستنبط بأدلته. وإذا كان هناك حكم شرعي كان لزاماً على كل مسلم الالتزام به ولو خالفه جميع الناس، وكان حراماً عليه الانتقال إلى أي حكم آخر ما دام هذا الحكم من شرع الله ( وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا)    وهذا هو السبب في إصرار الكتلة على طلب النصرة، فهو إصرار على تطبيق الحكم الشرعي ليس غير.

ونسأل أصحاب هذه التساؤلات هل المسلمون ملزمون بسيرة النبي عليه الصلاة والسلام أم أننا لسنا كذلك؟ وهل المسلمون ملزمون بإقامة دولة إسلامية وفق الهدي النبوي أم أننا ملزمون من حياته عليه الصلاة والسلام بآداب الخلاء ونواقض الوضوء ومكارم الأخلاق فقط، أما قضايا الحكم وسياسة الأمة وطريقة الوصول إلى الحكم لسنا ملزمين بها، بل نختار منها ما نشاء حسب الظرف والواقع؟

ولقائل أن يقول عن طريق الوصول إلى الحكم إنه أسلوب من الأساليب التي جعل الله لنا فيها الخيار،  فنقول: مهلاً يا هؤلاء، لا تتجرؤوا على دين الله وتقولوا على الله مالا تعلمون. فإذا كانت مسألة في نواقض الوضوء لا يحق  لأحد أن يقول فيها بغير علم، فكيف بمسألة الطريقة إلى إقامة دولة إسلامية؟ وإذا كان النبي عليه الصلاة والسلام بين لنا كل شيء في أمور ديننا، فهل يعقل أن لا يكون قد بيَّـن لنا طريقة استلام الحكم ؟ ألم يقل عليه الصلاة والسلام تركتكم على المحجة البيضاء ليلها كنهارها: كتاب الله وسنة نبيه؟ أم أن مسألة طريقة إقامة الدولة الإسلامية ليس من المحجة البيضاء، وليست من سنة النبي عليه الصلاة والسلام؟

ونقول لكل مسلم: أما الأدلة على أن طلب النصرة طريقة ملزمين باتباعها وليست أسلوباً نختاره متى نشاء فهو ما يلي:

أولاً: ليس لدينا نموذج شرعي للوصول إلى الحكم سوى ما فعله عليه الصلاة والسلام في مكة؛ لا تجد ذلك لا في أقوال الصحابة ولا في أفعالهم ولا التابعين بل ولا حتى في أي كتاب فقهي؛ أي إنه هو النموذج الشرعي الوحيد بين أيدينا الذي يبين كيفية الوصول إلى الحكم وبالتالي نحن ملزمون به.

ثانياً: هناك دليل  صريح لا لبس فيه على أن طلب النصرة كان بوحي من الله سبحانه، وهذا الدليل هو ما جاء في  سيرة ابن كثير (2/ 163) وفي دلائل النبوة للبيهقي (2/ 297) وفي السيرة لابن حبان (ص: 93) وفي معرفة الصحابة لأبي نعيم الأصبهاني (18/ 274) وفي الاكتفاء بما تضمنه من مغازي رسول الله والثلاثة الخلفاء (1/ 237 المؤلف / أبو الربيع سليمان بن موسى الكلاعي الأندلسي)

عن ابن عباس حدثني علي بن أبي طالب قال: لما أمر الله رسوله أن يعرض نفسه على قبائل العرب خرج و أنا معه و أبو بكر إلى منى… إلخ

وهذا الحديث بالذات قال عنه الكلاعي الأندلسي صاحب كتاب الاكتفاء ما نصه:

«وهو حديث مشهور تركته لشهرته، أي أن المؤلف اكتفى بذكر طرفه لشدة شهرته بين العلماء».

ثالثاً: جاء في تفسير ابن كثير، قال تعالى: ( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقَالُوا رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ لَوْلَا أَخَّرْتَنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآَخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى وَلَا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا )
قَالَ اِبْن أَبِي حَاتِم : حَدَّثَنَا عَلِيّ بْن الْحُسَيْن حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الْعَزِيز عَنْ أَبِي زُرْعَة وَعَلِيّ بْن رمحة قَالَا:  حَدَّثَنَا عَلِيّ بْن الْحَسَن عَنْ الْحُسَيْن بْن وَاقِد عَنْ عَمْرو بْن دِينَار عَنْ عِكْرِمَة عَنْ اِبْن عَبَّاس أَنَّ عَبْد الرَّحْمَن بْن عَوْف وَأَصْحَابه أَتَوْا النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَكَّة فَقَالُوا: يَا نَبِيّ اللَّه، كُنَّا فِي عِزَّة وَنَحْنُ مُشْرِكُونَ فَلَمَّا آمَنَّا صِرْنَا أَذِلَّة قَالَ: «إِنِّي أُمِرْت بِالْعَفْوِ فَلَا تُقَاتِلُوا الْقَوْم» فَلَمَّا حَوَّلَهُ اللَّه إِلَى الْمَدِينَة أَمَرَهُ بِالْقِتَالِ فَكَفُّوا فَأَنْزَلَ اللَّه: ( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ ) الْآيَة. وقد أخرج نحوه النسائي والحاكم في مستدركه والبيهقي في السنن الكبرى.

والشاهد فيه أن هذه المسألة وحي من فوق سماوات سبع، وهي وحي على سبيل الإلزام وليس على سبيل الاختيار.

رابعاً: مداومة النبي عليه الصلاة والسلام على طلب النصرة دون تغيير عنها مع وجود المشقة في طلبها؛ ذلك أن طلب النصرة لو كان أسلوباً لغيَّـره النبي عليه الصلاة والسلام، خاصة وأنه بسببها تعرض للأذى في الطائف، وإلى محاولة المساومة من قبل بني عامر بن صعصعة وبني حنيفة، وإلى عدم قبول بقية القبائل لفكرته مراراً.

ونحن هنا نتساءل: أما كان بإمكانه عليه الصلاة والسلام في المرحلة المكية تشكيل جماعة سرية مهمتها اغتيال من يؤذي المسلمين؛ خاصة وأن المسلمين نالهم من الأذى ما دفع بعضهم إلى موافقة قريش على ما تريد من البوح بالكفر وإلى سب النبي عله الصلاة والسلام؟.

لماذا لم يقم عليه الصلاة والسلام بإنشاء جماعة تغتال سراً من يقف سداً منيعاً أمام الدعوة  مثل أبي لهب وأبي جهل والوليد بن المغيرة وغيرهم؟.

لماذا لم يطلب النبي عليه الصلاة والسلام من أبي ذر الغفاري مثلاً أن يعود إلى قومه داعياً، ومن ثم ينشئ أبو ذر مع من أسلم من قومه جماعة تحمل على عاتقها قطع طريق التجارة على أهل مكة وأخذ أموالهم غنيمة للمسلمين، وبالتالي إنهاك قريش اقتصادياً بينما يكون للمسلمين مال يكفيهم وزيادة؟

ألم يكن عليه الصلاة والسلام تاجراً بارعاً وزوجه خديجة رضي  الله عنها كان لها أموال كبيرة للتجارة؟ ألم يكن أبو بكر  موسراً وعثمان غنياً وعبد الرحمن بن عوف تاجراً ماهراً وصهيب الرومي لديه مال لابأس به؟…  فما دام الحال كذلك، فلماذا لم يقم النبي عليه الصلاة والسلام بتمويل كتيبة من الرجال الأشداء الأقوياء من أمثال عمر بن الخطاب وحمزة والزبير بن العوام وسعد بن أبي وقاص تعلن الحرب على قريش في سبيل إقامة الدولة الإسلامية خاصة وأن المستضعفين والمظلومين كلهم سيقفون مع النبي عليه الصلاة والسلام ضد قريش؟

لماذا استمر النبي عليه الصلاة والسلام بعرض دعوته على القبائل وبطلب النصرة منهم رغم وجود الكثير من الأساليب سواها والتي قدمنا نماذج منها؟ ألا يدل ذلك على أنها طريقة يجب علينا الالتزام بها وليست أسلوباً نختاره متى نشاء ومتى نحب؟

لماذا لم يقم عليه الصلاة والسلام بإنشاء القوة التي تقف في وجه قريش؟ ألم يحاصر النبي عليه الصلاة والسلام وصحابته مع بني هاشم في شعب أبي طالب، فلماذا لم يتحالف النبي عليه الصلاة والسلام وصحابته مع بني هاشم ويعلنها حرباً عسكرية ضد سائر قريش؟

وبعد ؛ نعلم أن الغيرة على الإسلام والمسلمين هي دافع من يقول إنه يجب على الكتلة تغيير طلب النصرة إلى غيره…؟ لكننا نقول لهم إن الغيرة وحدها لا تكفي، بل لابد من ربطها بالشرع، ولابد لمن تأخذه الغيرة على المسلمين أن يضع في حسبانه أن الله سبحانه وتعالى هو أغير منه على شرعه وعلى المسلمين، وتأمل قوله عليه الصلاة والسلام: «إن الله يغار وغيرته أن تؤتى محارمه» وقوله عليه الصلاة والسلام: «أتعجبون من غيرة سعد؟ والله لأنا أغيرُ من سعد، والله أغيرُ مني» فما دام طلب النصرة حكماً شرعياً،  كان غيره من كيفية الوصول إلى الحكم حراماً، وبالتالي لا يجوز انتهاكه أبداً لأن الله حذرنا من أن نقع في حدود الله. قال تعالى: ( تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا )

على أنَّ من تأخذه الغيرة على الشرع وهو غير منضبط بالشرع كالذي لا يعرف السباحة فيرى غريقاً فيلقي بنفسه إلى الماء لينقذه فيغرق معه.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *