العدد 28 -

السنة الثالثة – العدد 28 – محرم 1410هـ، الموافق آب 1989م

إعلان حقوق الإنسان

في 14 تموز الماضي أقامت فرنسا احتفالات ضخمة في الذكرى المئوية الثانية للثورة الفرنسية. وفرنسا تدعي أنها أول من وضع وثيقة لحقوق الإنسان بهذه الثورة سنة 1789. رئيسة الحكومة البريطانية تاتشر حضرت الاحتفال، وهاجمت الثورة الفرنسية وادعت أن الإنجليز سبقوا الفرنسيين في إعلان حقوق الإنسان. قالت تاتشر لصحيفة «لوموند» بأن الإنجليز أعلنوا حقوق الإنسان في «الوثيقة العظمى» (Magna Charta) عام 1215م أي قبل الثورة الفرنسية بحوالي 550 سنة. وقالت أن وثيقة أخرى لحقوق الإنسان وضعت في بريطانيا عام 1688م أي قبل مائة سنة من الثورة الفرنسية. وقالت بأن حقوق الإنسان موجودة في فلسفة اليونان القديمة كما هي واردة في كتب الديانتين اليهودية والمسيحية،. وقد هاجمت تاتشر الثورة الفرنسية من خلال الإرهاب الذي رافها، ووصول نابليون الدموي الذي أعقبها والذي أراد أن يبسط سلطته العسكرية على أوروبا لولا أن أوقفته بريطانيا عام 1815م.

لقد كان هجوم تاتشر عنيفاً على الفرنسيين، وقد ردوا عليها بأن استقبلوها بالصفير والاستهزاء.

وقد فنّد بعض المؤرخين الإنجليز أقوال تاتشر ووصفوها بالسطحية. فوثيقة عام 1215م خاصة بحقوق البارونات والنبلاء فقط وليس حقوق الإنسان. ووثيقة عام 1688م خاصة بحقوق المواطن الإنجليزي وليس بحقوق الإنسان. أما عند اليونانيين فلم تكن هناك مدينة إلا وثلاثة أرباع سكانها من العبيد  فأين هي حقوق الإنسان. وحين ذكرت تاتشر الديانة اليهودية والمسيحية لم تذكر الإسلام. وقد سبق لها أن قالت: إن الدستور البريطاني لا يمنع التهجم على الدين الإسلامي كما يمنع التهجم على غيره من الأديان، وذلك حين طولبت بمنع كتاب سلمان رشدي (آيات شيطانية) الذي يتهجم على الإسلام.

الأميركيون يدعون أنهم هم الذين وضعوا حقوق الإنسان عام 1776م. والشيوعيون يدعون أنهم هم الذين وضعوا إعلان حقوق الإنسان من خلال البيان الشيوعي عام 1849م.

والمدقق يجد أن ما أعلنته الثورة الأميركية عام 1776م وسمته بحقوق الإنسان هو حقوق الطبقة الوسطى وليس حقوق الإنسان. وما وضعته الثورة الفرنسية سنة 1789م مشابه لما وضعته الثورة الأميركية وهو حقوق الطبقة الوسطى (البرجوازية). وما وضعه البيان الشيوعي عام 1849م هو حقوق الطبقة العاملة (البروليتاريا).

في حقيقة الأمر لا تشكل الوثائق والإعلانات المذكورة أعلاه حقوقاً لا للنبلاء ولا للمواطن الإنجليزي ولا للطبقة الوسطى ولا لطبقة العمال، بل هكذا يتوهمون.

حقوق الإنسان. أي إنسان، وليس من طبقة معينة أو عرق معين أو لون معني، بيّنها خالق الإنسان. الخلق كلهم عيال الله وهو لا يتحيز لفئة ضد أخرى ]يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ[. «لا فضل لعربي على عجمي ولا لأحمر على أسود إلا بالتقوى. كلكم لآدم وآدم من تراب».

حقوق الإنسان جاء بها رسول الإنسانية محمد بن عبد الله عليه وآله أفضل الصلاة والسلام.

مشكلة الرهائن

من الناحية الشرعية لا يجوز للأفراد أو الأحزاب أن تقوم بعمل الحاكم الذي حصره الشرع بالحاكم. فإذا قصّر الحاكم أو أساء أو انحرف وجب على الناس (أفراداً وأحزاباً) أن يقوّموه أو يعزلوه، ولا يجوز لهم أن يأخذوا جانباً من صلاحياته ما دام هو في الحكم.

ومسألة إعطاء الأمان للأجنبي لدخول البلد (الفيزا أو إذن الدخول) هي من صلاحيات الحاكم، ومسألة الاعتقال والمحاكمة وإيقاع العقوبات هي أيضاً من صلاحيات الحاكم. فلا يجوز للأفراد أو الأحزاب أخذ رهائن أو قتلهم أو معاقبتهم سواء كانوا من أهل البلد أو من الذين دخلوا البلد بإذن الحاكم.

هذا هو الحكم الشرعي سواء وافق العقول والأهواء أو عارضها. والعقل السليم لا يقول بترك الحكم كله بيد الحاكم الكافر أو الفاسق وتتلهى الأمة بأخذ جزء تافه من صلاحياته.

ولننظر في المقابل كيف أن أميركا تنتفض كلها من الرئيس إلى الشعب مروراً بوزارة الدفاع والخارجية والأساطيل ووسائل الإعلام ويقيمون الدنيا كل ذلك لأنهم سمعوا إعلاناً عن شنق شخص أميركي واحد وحتى قبل أن يتأكدوا من صحة هذا الإعلان. وتتحرك هيئة الأمم والنداءات الإنسانية ويتذكرون حقوق الإنسان لأن هذا الشخص هو أميركي أو أوروبي أو يهودي.

أما من تحتجزهم دولة اليهود أو تطردهم أن تقتلهم أو تكسر عظامهم كل يوم تحت سمع العالم وبصره فهؤلاء ليس لهم حقوق الإنسان!.

والأسلحة التي تصنعها دول أوروبا وأميركا وتبيعها بالأثمان الباهظة لتدمر الشعوب بها بعضها، هذا ليس فيه اعتداء على حقوق الإنسان.

إن دول أوروبا وأميركا واليهود لا يحترمون إنساناً ولا حرية إلا إذا كان إنسانهم وحريتهم. أما بالنسبة لغيرهم فهم كذابون دجالون.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *