العدد 25 -

السنة الثالثة – العدد 25 – شوال 1409هـ، الموافق أيار 1989م

برامج الحركات الإسلامية المعاصرة في توحيد الأمة الإسلامية

عُقدت ندوة فكرية دعت لها «رابطة الشباب المسلم العربي» في أميركا تحت عنوان: برامج الحركات الإسلامية المعاصرة في توحيد الأمة الإسلامية، وقد دُعي لحضور تلك الندوة عدة حركات حضر منها ثلاث حركات فقط. وكان من ضمن الحركات المدعوة ولبّت الدعوة كل من (حركة الإخوان) ومثّلها مصطفى مشهور، و(حزب التحرير) ومثله فؤاد حسين، وحركة (لاتجاه الإسلامي) التي أصبحت حالياً باسم جديد وهو (حركة النهضة) وبعد أن صاغت برنامجاً علمانياً من أجل الاعتراف بها من قبل السلطات، لإشراكها في الانتخابات البرلمانية. ودُعي أمير (جماعة التبليغ) في باكستان وكذلك أميرهم في الكويت فرضوا الحضور لأنهم لا يفضلون الاشتراك في مناقشة بعض الأمور السياسية بصفة خاصة، (هكذا أشار عريف الندوة)، وأضاف أيضاً أن ممثل (الجبهة الإسلامية القومية) بالسودان دعي ولكن استجّدت له ظروف فاعتذر عن الحضور، ثم دُعي (السلفيون) واتصلت الرابطة بقيادتهم وبجمعية إحياء التراث ولكنهم واعتذروا.

في البداية تحدث رئيس الرابطة وقدم المتحدثين بقوله: «أيها الأخوة الكرام لو حاولت أن أقدم الاخوة ممثلي هذه الحركات الإسلامية الثلاث إلى حضراتكم بالطريق التقليدي لما أوفيتهم حقهم، فلعل علامات الشيب في الرؤوس تشفع لي، ولعل ما قضاه الاخوة من عمر الحركة الإسلامية، بعضهم له أكثر من خمسين سنة الآن. يعمل في الحركة الإسلامية، وبضعهم قضى في المعتقلات أكثر من عشرين سنة وبعضهم خرج من المعتقل حديثاً، وجاءوا إليكم وهم يصرون على الطريق ولا يستسهلونه، أصروا على البقاء في بلدانهم لمواجهة الطغيان العاتي هناك، أصروا أن تنبع حركة بين الشعوب الإسلامية لتعود وحدة الأمة من جديد، أصروا على رفع الراية مهما كانت الظروف حتى تعود الخلافة مرة أخرى، ونحن الآن بصدد تطورات جديدة للعمل الإسلامي نحو استشراف المستقبل ونحو توصيد خطى الجهاد الإسلامي حتى تعود أرضنا السليبة مرة أخرى للامة الإسلامية من الأندلس غرباً إلى الولايات الإسلامية المحتلة في الاتحاد السوفييتي شرقاً بمشيئة الله تعالى… وفي الجانب الآخر نري العالم وهو يتقارب ويصبح قرية صغيرة، نرى ريغان وغورباتشيف يتقابلان أربع مرات خلال عامين ونصف العام ليقررا مصير هذا العالم، وأين الأمة الإسلامية من هذا؟».

كلمة مصطفى مشهور

عن برنامج حركة الإخوان في العمل

بدأ كلمته بشكر الرابطة والحاضرين ثم عرض كيفية انطلاق الإمام حسن البنا في تأسيس الحركة حيث قال: «وجد الإمام رضوان الله عليه أن إقامة الدولة الإسلامية واجب ديني منوط بكل المسلمين ولا يعفي منه أحد وقال الإمام إن المسلمين جميعاً آثمون إن لم يعملوا على إقامة دولتهم الإسلامية وخلافتهم، وعلم أن هذا الهدف لا يمكن أن يتحقق فردياً ولا بد من العمل الجماعي المنظم المخطط له لتحقيق هذا الهدف الكلي، وقد يظن البعض أن المطلوب إقامة حكومة إسلامية هنا وأخرى هناك، لا رابط بينها، ولا أساس متين تقوم عليه، فتضرب هذه تلك وهكذا، ولكن الهدف الذي ارتآه أنه ضروري ولا بد من العمل على تحقيقه هو إقامة دولة إسلامية عالمية على رأسها الخلافة الإسلامية، دولة تجمع المسلمين جميعاً في وحدة قوية». ومضى يقول أن الإمام البنا علم أن الأساس الأهم فيما وصلت إليه الأمة الإسلامية هو ضعف الإيمان وانشغال الأمة في أمور الدنيا مما أضعف شوكتهم، لذلك قام بوضع المراحل التي تتمثل في القاعدة الأساس:- (الفرد المسلم والأسرة المسلمة، والمجتمع المسلم، الحكومة المسلمة أو الدولة المسلمة) ووضع الإمام ملامح شخصية الفرد المسلم المطلوب إعداده وذلك بحيث يكون: سليم العقيدة، صحيح العبادة ظاهراً ومَخبراً، متين الخلق، مثقف الفكر، قوي البنية، قادراً على الكسب، منظماً في شؤونه. أما معالم البيت المسلم أو الأسرة المسلمة فهي تلك المؤسسة على التقوى من أول يوم، وبالنسبة لمعالم المجتمع المسلم هو أن يكون مجتمعاً طائعاً لله، مقتنعاً بشريعته كنظام يحل كل مشاكله، أما معالم الحكومة المسلمة والدولة المسلمة فقد وضع لها الإمام النظم واللوائح التي تنظم العمل الجماعي الذي له شروطه ونظمه ولوائحه. ثم إن الإمام «حرص على وحدة العمل الإسلامي والعلاقة الطيبة بين العاملين في حقل الدعوة الإسلامية على اختلاف اهتمامهم حيث كان يقول: نتعاون فيما بيننا ويعذر بعضنا بعضا فيما اختلفنا فيه، ولا يصح أبداً أن يكون الاختلاف في التوجهات والأهداف الجزئية سبباً في تباعد أو شحناء أو غير ذلك، هذا ما تسعى إليه الجماعة وأوصى الإمام البنا: الحب والتفاهم والتعاون».

وأضاف مشهور قائلاً: «إن الإمام لم يقتصر على الوعظ والإرشاد والتربية وإنما أراد أن يحقق الإسلام في مجالات مختلفة:- في الحياة الاجتماعية، والاقتصادية، والتعليم، والطب، والصحافة، وأحيا روح الجهاد بعد أن كان يندرس، وأحيا عالمية الدعوة فالإسلام عالمي وليس إقليمياً، وكان يقول للإخوان: أنتم لستم حزباً سياسياً، ولا جمعية محدودة الأغراض ولكنكم روح جديد يسري في قلب هذه الأمة فيحييها بالقرآن» ثم تكلم عن دور الإمام في إذكاء روح الجهاد في فلسطين ضد اليهود، وأن ذلك الدور هو سبب الكيد له الأمر الذي أدى إلى اعتقال شباب الإخوان، وكان ذلك الجهاد أيضاً هو الدافع لاغتياله رحمه الله.

كلمة فؤاد حسين عن برنامج

حزب التحرير في العمل

واستهل حديثه قائلاً: «لن أتكلم عن أمير حزب التحرير تقي الدين النبهاني رحمه الله ولكن سأتكلم عن حزب التحرير كمدرسة فقد رأى حزب التحرير أن هنالك أسباباً قريبة وبعيدة للهزائم المتكررة التي لحقت بالأمة وأدت إلى سقوط دولتهم في الربع الأول من هذا القرن وقيام دولة اليهود في فلسطين في منتصفه، ورأي الحزب أن هنالك أسباباً عدة لهذا التقهقر والانحطاط الذي لحق بالأمة ومن أهم تلك الأسباب:-

1- الخلل في فهم الإسلام والخلل في تطبيقه.

2- إهمال شأن اللغة العربية لغة القرآن ولغة الاجتهاد.

3- إقفال باب الاجتهاد الأمر الذي أدى ويؤدي إلى عدم معرفة حكم الله في ما استجد من أمور الناس.

4- محاولة التوفيق بين الفلسفات والإسلام بعد الاحتكام بالبلدان المفتوحة.

5- التبشير والاستشراق، والذي تولى دور تشكيك المسلمين في كثير من الأفكار والأحكام حيث شكك في نظام الحكم (الخلافة) وقال عنه دكتاتورية وتهرب المسلمون من الدفاع عنها، وشكك في القضاء والقدر وقال عنه أنه استكانة لحوادث الزمان، وشكك في بعض المشاعر الإسلامية مثل غضب المسلم من أجل هدم الإسلام، وذلك بقصد قتل الحمية لدى المسلمين في الدفاع عن الإسلام، وإيجاد شعور بالخجل لديهم حين الدفاع عنه.

وهذه الأمور جميعها أدت إلى إصابة الأمة بالوهن، فقضي على الدولة الإسلام يوم ماتت الأمة الإسلامية وحتى تتوحد هذه الأمة هل المطلوب هو توحيد الناس، أم توحيد الحكومات، أم توحيد البلاد، أم توحيد كل تلك الأمور؟ الجواب هو أنه يستحيل توحيد تلك الأمور إذا لم يحصل تغيير في الناس، لأن التغيير الأول في زمن سيدنا محمد r هو الذي أوجد الأمة الإسلامية، يوم كانت أفكار وأحكام ومقاييس الإسلام في المدينة المنورة هي الطاغية، فوجدت الأمة الإسلامية، وقامت الدولة الإسلامية على نفس المفاهيم والأحكام والمعالجات التي قامت عليها الأمة، إذا فقدت الأمة هذه المقومات فلا تسمى أمة بل يسمون مسلمين فقط، لذلك لا بد من التغيير وهذه سنة الله في خلقه، قال تعالى: ]إِنَّ اللَّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ[، أي أن يغيروا مفاهيم عقولهم، ويغيروا مشاعرهم، يحبون ما يحب الله ورسوله ويبغضون ما يبغض الله ورسوله، لا تأخذهم عصبية الجاهلية والقومية ولكن تأخذهم حمية الإسلام.

وبما أن بنيان الأمة الإسلامية انهار وانهارت دولته بسبب تشكيك أعدائه في الإسلام وفي صلاحيته للعصر وبسبب إقناع الغرب لمثقفي المسلمين بفصل الدين عن الحياة وعن السياسة وعن الحكم، وقام المثقفون الذين تربوا في الغرب بفرض أفكار الغرب وأنظمته وقوانينه على الدولة الإسلامية العثمانية وغلفوها بفتاوى شيخ الإسلام، فسقطت الدولة وتحكم الكافر المستعمر في مناج التعليم ونشأت بعد ذلك أجيال لا ترى أن الإسلام هو المنقذ بل ترى أنه هو سبب التخلف فلا بد من عزله عن كل شؤون الحياة، وأنه لا علاقة للإسلام بالسياسة ولا بالحكم وأن الدولة يجب أن تكون على منهاج الغرب فأقيمت الحكومات الوطنية والقومية بدساتير وقوانين غربية، ومن هذه النقطة بدأ حزب التحرير: حيث رأى أن الأمة كأمة إسلامية قيد فقدت مقوماتها الإسلامية، فهي لا تجتمع على عقيدة واحدة وإن كانت تؤمن بها، ولم تعد العقيدة الإسلامية هي الجامع الذي يجمع المسلمين، بل أصبح كل عنصر تجمعه قومية معينة، وكل أهل في وطن وطنيته، ولم تعد العقيدة هي الجامع، ولهذا أصبحت مشاعرهم قومية ووطنية وأفكارهم أصبحت غربية، إذن لا سبيل للعلاج إلا بعلاج هذه المسألة وهي أن يعالج المسلمون بإعادة ثقتهم بالإسلام، وأن يعالج الخلل الذي اعترى عقيدتهم من ثلاثة وجوه:- الخلل الأول الذي نجم عن انعدام الأثر العملي للعقيدة في الحياة، واقتصارها على العبادات. والخلل الثاني هو أنه لم تعد العقيدة هي الحافز الذي يبعث الشوق لدى المسلم إلى الآخرة والجنة ونعيمها المقيم، وإلى الخوف من الله والتطلع إلى رضوانه، بل أصبح التطلع إلى المتاع الدنيوي الزائل. والخلل الثالث: هو أن العقيدة لم تعد الرابط الذي يجمع المسلمين جميعاً بأخوة الإسلام بل تجمعهم لدقائق معدودة داخل المسجد وإذا قضيت الصلاة وانتشروا خارج المسجد فإن المصالح هي التي تجمعهم والمصالح هي التي تفرقهم.

هذا الخلل في العقيدة رأى الحزب أنه لا بد من معالجته، ثم لا بد من معالجة مسألة فقدان الثقة بأحكام الإسلام ومعالجاته، وحتى يتم العلاج لا بد من إنشاء الكتلة التي تحمل هذه المسؤولية، وحتى تقوم الكتلة بهذه المسؤولية لا بد من أن تعالج هي ابتداءً لأنها من الأمة، وفيها ما في الأمة من أمراض، واتبع في المعالجة طريق الرسول r في إقامة المجتمع الإسلامي والأمة الإسلامية الواحدة، وذلك بتوحيد أفهام الناس، وتوحيد مشاعرهم، وتوحيد النظام المطبق عليهم، وحتى يتم ذلك التوحيد لا بد من إيجاد الدعاة الذين يتولون المهمة وتثقيفهم بالثقافة الإسلامية، لذلك قام الحزب بالتثقيف، ووضع تلك الثقافة في كتبه، ووضع أصولاً حتى لا يبقى الباب مفتوحاً، وقال أن مصادر التشريع أربعة: القرآن، والسنة، وإجماع الصحابة، والقياس، على أن تكون له علة شرعية، وليس قياساً عقلياً أو قياس مصلحة. بناءً على هذا الضبط وضع الحزب ثقافة وبناءً على هذه الثقافة قام بالمراحل التي تشبه تماماً المراحل التي سلكها رسول الله r، من الدور السري الذي سلكه سيدنا محمد r للعناية الكاملة بإعداد الكتلة، وتدريسهم في حلقات بالعقيدة ابتداءً ثم بعض الأفكار الأساسية التي أصابها التحوير والتغيير، وبعد الاطمئنان إلى أنه اعد هذه الكتلة عقيدة وروحاً وفكراً وثقافة انتقل إلى الدور العلني أي عيش الدعاة مع الأمة من أجل إعادة صياغة فكرها ومشاعرها بالإسلام ومن أجل تجديد ولائها للإسلام عن طريق الاحتكاك اليومي بالناس في أماكن عملهم، وإنزال الأفكار على وقائعها المتجددة والمتعددة، بحيث يقوم الدعاة بعملية التصحيح للناس ف يكل عمل أو قول أو فكر يخلف الإسلام، ويرى الحزب أنه لا قيمة لكثرة أعضائه وإنما القيمة الحقيقة تكمن فيما يمكن أن ينجزوه، وما يستطيعون إنجازه من عملية إعادة توحيد أفكار وأفهام ومشاعر الأمة على الإسلام، فالأمة هي صاحبة الرسالة وهي المخاطبة بأمر الله تعالى: ]وَأَقِيمُوا الصَّلاَةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ[ ]وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا[ ]وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ[. هذا النداء للمسلمين وهم أصحاب الرسالة فيجب أن يفهموها ويعوها، وما لم يعوا هذه الرسالة ويفهموها ويقتنعوا بها فكل جهد يقدمه الحزب لشبابه لا يمكن أن يقنع الناس، هذه عملية التصحيح وهذا هو العلاج.

كلمة راشد الغنوشي

(حركة الاتجاه ـ النهضة)

بدأ كلمته بقوله: «أشكر الرابطة أن هيّأت لي هذه الفرصة للقاء بسفراء الإسلام، سفراء العروبة في هذه الديار، هذا اللقاء مع هذا الجمع الطيب من الشباب… واللقاء بهذه النخبة من قادة الحركة الإسلامية، ألّح وأؤكد على شكر الرابطة أن أقدمت على إجراء الحوار بين هذه النخب من الحركات الإسلامية» وعن برنامج حركة الاتجاه للتوحيد وطريقتها في العمل والذي يقترحه كبرنامج لأي حركة إسلامية «فلا مناص لحركة الإسلام إن أرادت وحدة تقوم على العلم وليست تقوم على المثاليات أن تنطلق من إقليم، أن تنطلق من قاعدة من إقليم معين نظنه أو نقدر أو نسعى إلى أن يفيض على غيره وجيرانه من الخيرات والبركات ويلتقي مع أمثاله في وحدة تتسع شيئاً فشيئاً وتتنامى… نبي الله محمد r كان يبحث عن الإقليم، كان يبحث جاهداً عن إقليم عن أرض ينطلق منها، القرآن الكريم وهو الكتاب الخالد لا يمكن أن يفهم إلا بفهم بيئة العرب وأحوالهم ولغتهم في إسلامهم وجاهليتهم هو الكتاب الخالد لا يمكن أن يفهم إلى من خلال بيئة معينة رغم أنه جاء لكل بيئة، لذلك لم يحدثنا القرآن عن الثمرات التي لا توجد في شبه الجزيرة العربية، حدثنا فقط عن الثمار والحيوانات التي توجد في إقليم معين لأنه أراد أن يرسخ في قلوبنا وعقولنا الفكر العلمي، فكيف بعد ذلك يكتب كتابنا وعلماؤنا فكراً يقولون أنه فكر لا توجد فيه رائحة لأرض معينة ولا لزمان معين، ولا لإقليم معين، كيف تتحد الأمة على هذا؟ لا أدري كيف».

وعن تجربة حركة الاتجاه في تونس وهو (إقليمها) الوحيد الذي عملت فيه قال: «ففي بلد سادة نظام الحزب الواحد بل الزعيم الأوحد، كان من الطبيعي أن تحمل الحركة راية الحرية ومقاومة الاستبداد والانفراد بالسلطة وأن تلتقي على هذا الصعيد بكل دعاة الحرية والديمقراطية، وأن تدافع عن كل مضطهد أياً كان مذهبه ومعتقده، وأن تطالب بالتعددية الحزبية، وأن تقبل الحوار مع الجميع، وأن تطالب بالاعتراف بها كحزب سياسي، وهذا الاهتمام بقضية الحرية، جعل الحركة تلتحم ـ فضلاً عن البعد العقائدي للقضية الفلسطينية والحضاري ـ جعلها شديدة الاهتمام بالقضية الفلسطينية باعتبارها القضية المركزية للحركة الإسلامية، وبقية القضايا الإسلامية كقضية أفغانستان، وكل قضايا الحرية في جنوب أفريقيا وأميركا اللاتينية وسائر البلاد التي يضطهد فيها الإنسان بقطع النظر عن معتقده». ثم يتابع قائلاً: «أنه وإن كانت دعوة الحركة موجهة للناس جميعاً فقيرهم وغنيهم فإنها في حالة الصراع بين المترفين والمستكبرين والمستضعفين تجد نفسها إلى جانب هؤلاء الآخرين ملتحمة معهم مستنّة برسول الله r الذي كان يدعو ربه أن يحييه مسكيناً وأن يمته مسكيناً وأن يحشره في زمرة المساكين إذا صح هذا الأثر، خاصة وأن معظم أبناء الحركة في بلادنا منحدرون من الأوساط الريفية، كان من الطبيعي أن تهتم الحركة بالمسألة النقابية خاصة في القطاعات العمالية منها». ومضى قائلاً: «إن حركة الاتجاه نمت نوعاً من تعاطف الرأي العام المحلي والدولي معها ضد النظام البورقيبي الأمر الذي يجعل مقولة صحيحة، وأن حديث الكفر ملة واحدة، لا يصح سنداً ولا يصح متناً، فهناك إمكانية لأن يتعاطف الناس معنا ولقد حصل للرأي العام داخل البلاد، الرأي العام العلماني داخل البلاد وخارجها تمكنت الحركة من عزل النظام البورقيبي عن حلفائه الطبيعيين من العلمانيين داخل البلاد وخارجها». وعن استشراق الحركة حالياً قال: «تعيش اليوم تونس مرحلة من التحول الصعب نحو حياة ديمقراطية تعددية تشعر الحركة بمسؤوليتها على إنجاح هذه التجربة بسبب رسوخ قيم الحرية في الإسلام وأنها مقصد أساسي من مقاصد دعوته وأن الإسلام لأنه حق فلا يخشى الحرية، تستشرق الحركة في هذه المرحلة الاعتراف بها كحزب سياسي يتقدم ببرامجه على قدم المساواة مع سائر البرامج ليحكم الناس لها أو عليها، ولا يصح القول بأن برنامجنا هو الكتاب والسنة لأن نصوص الكتاب والسنة ينبغي أن تتفاعل مع الواقع المتجدد فتنتج برامج وأنماطاً للمجتمعات المتجددة، وهذا لا يعني أن تلك المجتمعات التي هي اجتهادات متجددة لا يعني أنها مقطوعة الأوصال عن بعضها ولكن لها خصوصية، يكفي أن إماماً كالشافعي ينتقل من بيئة إلى بيئة يجدد في اجتهاداته، ويغير مما كان عليه سابقا».

وختم كلمته قائلاً: «لا أريد أن أحذر إخواني من وحدة مثالية هلامية تقفز فوق خصوصيات الزمان والمكان، إننا نتوحد بقدر ما يفعل كل منا في بيئته، إننا نتوحد ما نتواضع، إننا نتوحد بقدر ما نركز على ما يجمعنا لا على ما يفرقنا، إحياءً لمقولة الإمام الشهيد الشهيرة: نتعاون أو نجتمع فيما اتفقنا عليه ويعذر بعضنا بعضاً فيما اختلفنا فيه».

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *