العدد 16 -

السنة الثانية – العدد الرابع – محرم 1409هـ، الموافق أيلول 1988م

وحدة الأمة على الإسلام

قال الله تعالى: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ * وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ * يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ * وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنْ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ * وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنْكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ * وَلاَ تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمْ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ * وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ * تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعالَمِينَ * وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الأُمُورُ * كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمْ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمْ الْفَاسِقُونَ * لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلاَّ أَذًى وَإِنْ يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمْ الأَدْبَارَ ثُمَّ لاَ يُنْصَرُونَ * ضُرِبَتْ عَلَيْهِمْ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلاَّ بِحَبْلٍ مِنْ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنْ النَّاسِ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنْ اللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمْ الْمَسْكَنَةُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ الأَنبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ)

[آل عمران ـ الآيات 100 ـ 112].

مناسبة النزول

أخرج الغرباني وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: كانت الأوس والخزرج في الجاهلية بينهم شر، فبينما هم جلوس ذكروا ما بينهم حتى غضبوا، وقام بعضهم إلى بعض بالسلاح، فنزلت (وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ) الآية والآيتان بعدها(1).

وأخرج ابن اسحق وأبو الشيخ عن زيد بن أسلم قال: مر شاس بن قيس وكان يهودياً على نفر من الأوس والخزرج يتحدثون، فغاظه ما رأى من تآلفهم بعد العداوة، فأمر شاباً معه من يهود أن يجلس بينهم فيذكرهم بيوم بُعاث ففعل، فتنازعوا وتفاخروا، حتى وثب رجلان: أوس بن قيظي من الأوس وجبار بن صخر من الخزرج فتقاولا، وغضب الفريقان وتواثبوا للقتال، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم  فجاء حتى وعظهم وقال لهم: «يا معشر المسلمين الله الله، أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهُركم بعدَ إذْ هداكم الله إلى الإسلام وأكرمكم به وقطع عنكم أمر الجاهلية واستنقذكم به من الكفر وألّف به بينكم، ترجعون إلى ما كنتم عليه كفاراً؟». فعرف القوم أنها نزعة من الشيطان وكيد من عدوهم لهم، فألقوا السلاح من أيديهم وبكوا، وعانق الرجال بعضهم بعضاً، ثم انصرفوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم  سامعين مطيعين قد أطفأ الله عنهم كيد عدو الله شاس. وأنزل الله في شأن شاس وما صنع (قُلْ يَاأَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا تَعْمَلُونَ * قُلْ يَاأَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ تَبْغُونَهَا عِوَجًا وَأَنْتُمْ شُهَدَاءُ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ). [الآيتان 98 ـ 99]، وأنزل الله في أوس وجبار ومن كان معهما (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا) والآيات التي تليها(2).

الاعتصام بحبل الله

يخاطب الله تعالى المؤمنين محذراً لهم عن طاعة اليهود والنصارى، مبيناً لهم أن تكل الطاعة تفضي إلى أن يردوهم بعد إيمانهم كافرين.

والاستفهام في قوله: (وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ) الآية للإنكار، أي من أين يأتيكم ذلك ولديكم ما يمنع منه ويقطع أثره، وهو تلاوة آيات الله عليكم، وكون رسول الله صلى الله عليه وسلم  بين أظهركم؟ ثم أرشدهم إلى الاعتصام بالله ليحصل لهم بذلك الهداية إلى الصراط المستقيم الذي هو الإسلام.

وقال الزجاج: الخطاب يجوز أن يكون لجميع الأمة، لأن آثاره وعلامته والقرآن الذي أوتيه فينا، وكأن رسول الله صلى الله عليه وسلم  فينا وإن لم نشاهده(3).

ثم يأمر الله تعالى المؤمنين بتقواه حقاً، أي كما يحق أن يتّقى، (وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) أي تمسكوا بالإسلام وعضوا عليه بالنواجذ.

ويدعو الله المسلمين إلى الاعتصام بحبله، أي التمسك بدين الله وكتابه جميعاً، وأن لا يتفرقوا عنه ولا يختلفوا في الدين. ويذكرهم الله بفضله في تأليفه بين قلوبهم، وهدايتهم إلى الإسلام، وإنقاذهم من الكفر(4).

الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

رجح الجمهور أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من فروض الكفايات. قال القرطبي: الآية تدل على أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرض على الكفاية وقد عينهم الله سبحانه بقوله: (الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ) الآية، وليس كل الناس مكنوا(5).

قال الشوكاني: وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أعظم واجبات الشريعة المطهرة، واصل عظيم من أصولها، وركن مشيد من أركانها، وبه يكمل نظامها ويرتفع سنامها.

وفي الآية دلالة على وجوب قيام كتلة للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومحاسبة الحكام.

وفي الآية التالي نهي عن التفرق والاختلاف، والاختلاف هنا يختص بالمسائل الأصولية أي في العقيدة، وأما المسائل الفرعية الاجتهادية فالاختلاف فيها جائز.

ثم يخبر الله تعالى فضل هذه الأمة على الناس، ويبين أنها خير أمة أخرجت للناس، ويبين سبب ذلك بأنه أمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر، وأنهم إذا تركوا ذلك الأمر زال عنهم الفضل. ولهذا قال مجاهد: إنهم خير أمة على الشرائط المذكورة في الآية(6).

صفة اليهود

يبين الله تعالى حال اليهود بقوله: (مِنْهُمْ الْمُؤْمِنُونَ) وهم الذين آمنوا برسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإنهم آمنوا بما أنزل عليه وما أنزل من قبله، (وَأَكْثَرُهُمْ الْفَاسِقُونَ) أي الخارجون عن طريق الحق المتمردون في باطلهم، المكذبون لرسول الله صلى الله عليه وسلم  ولما جاء به.

(لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلأَّ أَذًى) هذا وعد من الله لرسوله وللمؤمنين أن اليهود لا يغلبونهم وأنهم منصورون عليهم. أي أن اليهود لن يضروكم البتة لكن يؤذونكم. ثم بين ما نفاه من الضرر، فقال سبحانه: (وَإِنْ يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمْ الأَدْبَارَ) أي ينهزمون ولا يقدرون على مقاومتكم(7).

ثم يبين الله حال اليهود، بأنهم قد لزمهم الذل والهوان أينما وجدوا، إلا إذا اعتصموا بذمة الله وذمة المسلمين، قال ابن عباس: بعهد من الله وعهد من الناس(8). ويذكر تعالى أنهم باؤوا مستوجبين للغضب الشديد من الله. كما لزمتهم الفاقة والخشوع والمسكنة.

ويبين الله سبب ذلك لكونهم كانوا يجحدون بآيات الله ويقتلون الأنبياء ظلماً وطغياناً، وبسبب تمردهم وعصيانهم أوامر الله تعالى.

كلمة حول فلسطين

إننا نتوجه بهذه الآيات إلى المسلمين في فلسطين وسائر البلاد الإسلامية، فمنذ أسبوعين هللت منظمة التحرير الفلسطينية لإعلان الأردن فصل الضفة الغربية قانونياً وإدارياً، وذلك بعد أن لمس أن الجميع في الضفة باتوا يريدون الانفصال عن الأردن، ويؤيدون إقامة دولة مستقلة وإنشاء كيان جديد في جسم الأمة الإسلامية. هذا ما يريدون أن يفاوضوا اليهود على أساسه ويريدون استغلال الانتفاضة لحمل إسرائيل على الموافقة على مطالبهم.

إن الظرف الآن، أي احتلال اليهود لفلسطين يستوجب التقاء الجميع ـ جميع المسلمين في فلسطين والأردن وسوريا ولبنان والأقرب فالأقرب على العمل لتحرير فلسطين عسكرياً من رجس اليهود. والله تعالى ينهى عن الفُرقة، ويأمر بالوحدة على طاعة الله والاعتصام بهديه تعالى.

فالحذر الحذر من الفُرقة، وعلى الجميع العمل بطاعة الله وإقامة شرعه وطرد اليهود من فلسطين.

(1) أسباب النزول للسيوطي ص 66.

(2) فتح القدير للشوكاني 1/368.

(3) نفس المرجع السابق 1/367.

(4) صفوة التفاسير للصابوني 1/219.

(5) تفسير القرطبي 4/165.

(6) فتح القدير للشوكاني 1/369.

(7) نفس المصدر السابق.

(8) مختصر ابن كثير 1/311.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *