العدد 16 -

السنة الثانية – العدد الرابع – محرم 1409هـ، الموافق أيلول 1988م

خيار السلام

في مؤتمر القمة العربي الثاني الذي انعقد في الإسكندرية في 11/09/64، أنشئت منظمة التحرير الفلسطينية، واعتُمِدت ممثلة للشعب الفلسطيني في تحمل المسؤوليات القومية لتحرير فلسطين على الصعيدين الدولي والعربي… وأنشئ جيش التحرير الفلسطيني.

وقال بعضهم حينذاك إن هذه المنظمة أنشئت من أجل تصفية القضية الفلسطينية، وأن قرار إنشائها كان إعلاناً من جانب الدول العربية بتخليها عن مسؤولية تحرير فلسطين عسكرياً، واعتماداً للخيار السلمي ـ علناً.

وضحك البعض منا، وغضب البعض الآخر، وسخرنا من هذا القول: منظمة أنشئت لتحرير فلسطين، واسمها مشتق من «التحرير»، وتقولون تصفية القضية، وحل سلمي!

واليوم تخلت منظمة التحرير عن الخيار العسكري الذي كانت تدعيه، وعن العمل لتحرير كامل الأرض الفلسطينية، وتحولت إلى كيان سياسي يلهث وراء الخيار السياسي والمفاوضات مع اليهود. وقامت المنافسة بين المنظمة والأردن على من يمثل الفلسطينيين في مفاوضات السلام، وذلك بدل أن يلتقي الجميع على العمل لتحرير فلسطين حتى آخر شبر منها.

وكأن الجميع يئسوا من طرد اليهود، وربما عُمل على بث اليأس، وأضحى كل منا يفكر في قراره نفسه أن «إسرائيل» أمر وقاع، وأن قوى الشرق والغرب تؤيد وجودها، وأن عندما قنابل ذرية، فقلنا ما عسانا نفعل؟

ولذلك رضينا!

رضينا بالتخلي عن أرض فلسطين، ورضينا بإلقاء السلاح، ورضينا بالخيار السلمي، ورضينا ببعض أرض فلسطين، ولم ترض «إسرائيل»!

واليوم أعلن الأردن فك ارتباطه مع الضفة، وفرحت المنظمة لإبراز «الهوية الفلسطينية». وتحول البحث من فلسطين وتحريرها، إلى قضية الرواتب والجوازات والخدمات في الضفة.

سبحان الله، بلاد المسلمين محتلة، والمسلمون في فلسطين يسامون سوء العذاب، ويناشدون الأمة الإسلامية بالنهوض دفاعاً عن الأقصى، ونحن نبحث في الهوية والجوازات وحكومة المنفى!

وكأننا لم يكفنا أن تتفتت بلاد المسلمين إلى عشرات الكيانات المصطنعة، فأدرنا تقسيم البلاد إلى ضفة شرقية وغربية، قبل التحرير وحتى قبل المفاوضة.

نُصفق لحكومة المنفى، وهم يقولون إنها انتصار كبير لصالح القضية، ولصالح الهوية، وخطوة على طريق التحرير، وأية خطوة!

إنها في المنفي، وذلك يعني أنها بعيدة عن فلسطين.

وهذه المنظمة سوف تضع السلاح نهائياً، وتركب على ظهر ثورة الحجارة، وتنصرف إلى أعمال المفاوضة والاستجداء والاستعطاف.

ليس هكذا تستعاد الأرض، وليس هكذا تسترجع الحقوق.

لا بد من توحيد صفوف الأمة، ومحاربة إسرائيل والقضاء عليها وطرد اليهود منها، وحينذاك نبحث في الهوية والجوازات والخدمات.

وربما لا يتم ذلك إلا بعد تحرير أنفسنا من تبعية هؤلاء الزعماء، ومن الأهواء والتخاذل واليأس والاستسلام…

وربما لا نرى شبراً واحداً من أرض فلسطين قبل هدم الكيانات، وتوحيد البلاد، والحكم بالإسلام، لأن المشكلة تكمن ها هنا. وما لم تُقم دولة الإسلام، فسنظل نستجدي ونستعطف ولا يأبه لنا أحد.

وحينذاك فقط ينهزم اليهود بإذن الله، ويتحقق وعد الله.

هيثم بكر     

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *