العدد 375 -

السنة الثانية والثلاثون، ربيع الآخر 1439هـ، كانون الثاني 2018م

الموقف الشرعي من حركات السلام اليهودية، وواجب المسلمين تجاهها (9)

الموقف الشرعي من حركات السلام اليهودية، وواجب المسلمين تجاهها (9)

 

نصل الآن إلى النقطة الأخيرة في هذا الموضوع، وهي: (الموقف الشرعي من مثل هذه الحركات المضلِّلة، وواجب المسلمين تجاهها)، ومن الداعين لها في أوساط المسلمين، وكيف نعمل لخلعها من أوساط المسلمين، وخلع مخاطرها الاجتماعية والسياسية والأخلاقية والأمنية؟!. وقبل أن نذكر الموقف الشرعي وحكم مثل هذه الحركات المضلِّلة المخادعة،يجب أن لا يغيب عن أذهاننا كمسلمين ولو للحظة واحدة أن أساس حياتنا والمسيِّر لأعمالنا، والحَكَم على كل أمر من أمور الحياة، جل أو صغر هي: (عقيدتنا الإسلامية، وما انبثق عنها من أحكام نورانية ربانية)، فليست المصلحة، ولا الأموال، ولا ضغوطات الواقع السياسي، ولا ما تمليه الدول الكافرة على حكامنا هو الحَكَم في حياتنا. والزاوية التي ننظر من خلالها إلى المؤسسات والحركات والجمعيات، أو الميزان الذي نزِن به كل هذه الأشياء والأعمال؛ هو أحكام ديننا الهادي إلى سواء السبيل. فعندما ننظر إلى مثل هذه الحركات وأعمالها فإننا نبدأ أولًا :بزاوية العقيدة وموقف المسلم من الكفار قاطبة، وموقف المسلم من اليهود على وجه الخصوص، والموقف من اليهود المغتصبين لأولى القبلتين وثالث المسجدين على أخص الخصوص…

فما هو الموقف الشرعي من العلاقة ما بين المسلم واليهودي الحربي؟!، ومن هو اليهودي الحربي، ومن هو اليهودي غير الحربي؟!. وقبل أن نجيب عن السؤال؛ في تحديد الموقف الشرعي من العلاقة ما بين اليهودي والمسلم، يجب أن نحدد أولًا: واقع اليهود في فلسطين: ما هو، سواء أكانوا حركات سلام  أم غير ذلك

أما الحكم الشرعي، فهو معروف للقاصي والداني هو أن كل يهودي موجود على أرض فلسطين، وجاء من خلال الانتداب البريطاني، أو بعده، أو قبله ويعطي الولاء للكيان اليهودي المغتصب؛ فإنه يعتبر جزءًا من هذا الكيان، ويأخذ حكمه الشرعي. أما حكم الكيان اليهودي فهو كيان مغتصب، تنطبق عليه أحكام الكافر الحربي الذي يأخذ هذه الصفة بشكل دائم لا ينقطع طالما بقي شبر واحد من أرض فلسطين. فاليهود جميعًا في أرض فلسطين، ممن يعطون الولاء ويعترفون بكيان دولة اليهود (إسرائيل (هم محاربون فعلًا، وتنطبق عليهم أحكام المحارب الفعلي؛ في العلاقات والمعاملات، ولا فرق في ذلك، أي في هذا الحكم بين يهودي في حزب ميرتس، أو (حركة السلام الآن) أوفي غيرها من أحزاب ليكودية، كما يسميها بعض الناس بالمتطرفة. فجميع الأحزاب اليهودية لها حكم واحد، وجميع اليهود في فلسطين، ممن يعيشون تحت مظلة الدولة، ويعترفون بها هم (كفار حربيون) وهذا يعني أن كل يهودي قد دخل أرض فلسطين من بداية الانتداب البريطاني، تحت ظل الاغتصاب، هو محارب فعلي، ولا فرق بين رجل وامرأة، ولا شيخ ولا غير ذلك. والأدلة الشرعية كثيرة على هذا الحكم من كتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام، ومن أقوال فقهاء الأمة. وقد ذكرنا الكثير منها في الحلقات السابقة من هذا البحث، ولا داعي لذكرها مرة أخرى… وننقل بعض الفتاوى التي تحدثت عن حكم اليهود داخل فلسطين من المغتصبين، والتعامل معهم؛ وخاصة في التطبيع والسلام وبيع الأرض…

  • جاء في (الفتوى المقدسية) بتاريخ 3-7-2009م في حرمة بيع الأرض لليهود وفي بيان واقعهم: “وقد علم كل أحد أن اليهود في هذا الزمان قوم محاربون للمسلمين اغتصبوا بلادهم ومقدساتهم ونهبوا خيراتهم، وشردوا أصحاب الأرض من أرضهم بعد أن قتلوا من قتلوا منهم، وتسلطوا على المسلمين في بقعة هي من أقدس بلاد المسلمين، فصار المسلمون وبيت المقدس والمسجد الأقصى وسائر المساجد فيها تحت سلطان هؤلاء اليهود، وهم يخططون ليل نهار لإفراغ هذه البلاد ممن تبقى فيها من أهلها بكافة السبل والحيل، والمكائد والضغوطات… ويسعون بخبث ومكر وإرصاد لهدم المسجد الأقصى، وإقامة هيكلهم المنشود، ولقد بيّن الله تعالى لنا عداوة يهود في القرآن العظيم فقال: ]لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ ٱلنَّاسِ عَدَٰوَةٗ لِّلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱلۡيَهُودَ وَٱلَّذِينَ أَشۡرَكُواْۖ[ [المائدة: 82].

  • وجاء في (الفتوى الأزهرية) سنة 1956م بتحريم الصلح أو السلام مع اليهود ووجوب الجهاد. وهذا جزء من نصها: “أما بعد، فقد اطلعت لجنة الفتوى بالأزهر الشريف على الاستفتاء المقدم إليها عن حكم الشريعة الإسلامية، في إبرام الصلح مع إسرائيل التي اغتصبت فلسطين من أهلها وأخرجتهم من ديارهم وشردتهم نساء وأطفالًا وشيبًا وشبانًا في آفاق الأرض… وتفيد اللجنة أن الصلح مع إسرائيل كما يريده الداعون إليه، لا يجوز شرعًا؛ لما فيه من إقرار الغاصب على الاستمرار في غصبه، والاعتراف بحقية يده على ما اغتصبه، وتمكين المعتدي من البقاء على دعواه”.

  • وفي عام 1989م أصدرت مجموعة من (صفوة علماء العالم الإسلامي)  فتوى بتحريم التنازل عن أي جزء من فلسطين، وفيما يلي نص الفتوى: “الحمد لله الذي أسرى بعبده ليلًا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، والصلاة والسلام على من أُسري به إلى الأرض المباركُ فيها للعالمين، قبلة المسلمين الأولى، وأرض الأنبياء، ومهبط الرسالات، وأرض الجهاد والرباط إلى يوم الدين، وعلى آله الأخيار وصحبه، الذين عطروا بدمائهم الزكية تلك الأرض الطيبة حتى أقاموا بها الإسلام، ورفعوا فيها رايته خفاقة عالية، وطردوا منها أعداءه الذين دنسوا قدسه المبارك والكفر، وعلى الذين ورثوا هذه الديار فحافظوا على ميراث المسلمين ودافعوا عنه بأموالهم وأنفسهم، وبعد: فإن مهمة علماء المسلمين وأهل الرأي فيهم أن يكونوا عصمة للمسلمين، وأن يبصروهم إذا احتارت بهم السبل وادلهمت عليهم الخطوب… ونحن الموقعين على هذه الوثيقة نعلن للمسلمين في هذه الظروف الصعبة أن اليهود هم أشد الناس عداوة للذين آمنوا، اغتصبوا فلسطين، واعتدوا على حرمات المسلمين فيها وشردوا أهلها، ودنسوا مقدساتها، ولن يقر لهم قرار حتى يقضوا على دين المسلمين… ونحن نعلم، بما أخذ الله علينا من عهد وميثاق في بيان الحق، أن الجهاد هو السبيل الوحيد لتحرير فلسطين، وأنه لا يجوز بحال من الأحوال الاعتراف لليهود بشبر من أرض فلسطين، وليس لشخص أو جهة أن تقرَّ اليهود على أرض فلسطين، أو تتنازل لهم عن أي جزء منها، أو تعترف لهم بأي حق فيها… إن هذا الاعتراف خيانة لله والرسول وللأمانة التي وكل إلى المسلمين المحافظة عليها، والله يقول: ]٢٦ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَخُونُواْ ٱللَّهَ وَٱلرَّسُولَ وَتَخُونُوٓاْ أَمَٰنَٰتِكُمۡ وَأَنتُمۡ تَعۡلَمُونَ ٢٧[ [الأنفال: 27]. وأي خيانة أكبر من بيع مقدسات المسلمين، والتنازل عن بلاد المسلمين إلى أعداء الله ورسوله والمؤمنين؟!.

  • ويقول الكاتب (عدنان عدوان) في مجلة (الوحدة الإسلامية) (عدد 172) في حكم التطبيع مع اليهود: “بغضِّ النظر عن الشكل، فإن فحوى التطبيع مع العدو الصهيوني يبقى واحدًا وهو(جعل الوجود اليهودي في فلسطين أمرًا طبيعيًا، وبالتالي فإن أي عمل أو قول أو صمت أو تقاعس؛ يؤدي إلى التعامل مع الوجود اليهودي في فلسطين كأمر طبيعي، يحمل في طياته معنىً تطبيعيًا”.  ويُراد بالتطبيع: (إقامة علاقات طبيعية في الجوانب المختلفة)، فهناك تطبيع سياسيّ، وتطبيع اقتصاديّ، وتطبيع دبلوماسيّ، وغير ذلك… وكل هذه الجوانب مرفوضة ولا تحتاج إلى اجتهاد كبير، فهي واضحة جلية. فالتطبيع مع الظالم ظلم؛ لأنه إقرار له على ظلمه، وهذا منصوص عليه في مواضع كثيرة؛ قال تعالى: ]يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَتَّخِذُواْ عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمۡ أَوۡلِيَآءَ تُلۡقُونَ إِلَيۡهِم بِٱلۡمَوَدَّةِ[ [الممتحنة: من الآية 1]. وقال أيضًا: ] قَالَ رَبِّ بِمَآ أَنۡعَمۡتَ عَلَيَّ فَلَنۡ أَكُونَ ظَهِيرٗا لِّلۡمُجۡرِمِينَ ١٧[ [القصص: 17].

  • ويقول الدكتور (سلمان الصالحي)في كتاب (استراتيجية الاختراق الصهيوني): “وبدأت مرحلة جديدة بعد زيارة السادات للقدس، حيث برز اصطلاح جديد وهو التطبيع، وقد استعمله اليهود كثيرًا على الرغم من المغالطة في المفهوم؛ حيث إن التطبيع (هو عودة العلاقات إلى سابق عهدها)، بينما الأصل في العلاقة مع اليهود هو العداوة كما قال تعالى:] ۞لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ ٱلنَّاسِ عَدَٰوَةٗ لِّلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱلۡيَهُودَ وَٱلَّذِينَ أَشۡرَكُواْۖ[[المائدة: 82] ولا ينكر الساسة اليهود أن التصور الإسرائيلي للسلام مع العرب يدور حول فكرة أساسية هي (تطبيع العلاقات العربية الإسرائيلية) التي هي مرحلة من مراحل السيطرة اليهودية، ولا يمكن تصور أن زيارة السادات للقدس كانت وليدة خاطرة في ذهن الرئيس، بل إن الاتصالات (الإسرائيلية) كانت مستمرة بلا انقطاع مع أكثر من طرف عربي.

  • وحركات السلام هي جزء لا يتجزأ من هذا الكيان الشرير، ويخدم أفرادها في الجيش اليهودي؛ الذي حارب في لبنان وفي غزة، ويقوم بأعمال إجرامية في أرض فلسطين يوميًا. وبناء على كل هذه المعطيات في وصف الواقع لحركات السلام بشكل عام، (وحركة السلام الآن) على وجه الخصوص؛ فإن الحكم الشرعي في هذه الحركات هو: (أنها جزء لا يتجزأ من الكيان اليهودي)، وتأخذ حكمه الشرعي في التعامل معه؛ على اعتبار أنه كيان محارب فعلًا للمسلمين، فهي عدوة لأمة الإسلام. وبناء على ذلك، لا يجوز شرعًا التعامل مع مثل هذه الحركات، أو الدخول معها في برامجها السياسية أو أعمالها الدعائية؛ لأن كل أعمالها تصب في مصلحة الحرب على دين الله وعلى أمة الإسلام؛ حتى لو ظهرت بمظهر السلام، فمشاركتها في أعمالها هي إعلانُ حرب على أمة الإسلام، هذا عدا عن أن مشاركة هذه الحركات هي نوع من أنواع الولاء في الأعمال، ويخشى أن يصل إلى درجة الولاء في عقائدهم ومبادئهم فينطبق على من يفعل ذلك قوله تعالى: ] ۞يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَتَّخِذُواْ ٱلۡيَهُودَ وَٱلنَّصَٰرَىٰٓ أَوۡلِيَآءَۘ بَعۡضُهُمۡ أَوۡلِيَآءُ بَعۡضٖۚ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمۡ فَإِنَّهُۥ مِنۡهُمۡۗ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يَهۡدِي ٱلۡقَوۡمَ ٱلظَّٰلِمِينَ ٥١[ [المائدة: 51]، أي يخشى أن يصل إلى درجة الكفر والعياذ بالله.

وأما ما هو واجب المسلمين تجاهها؛ فيجب أن يكون: أولًا: الرفض المطلق لهذه الحركات كحركات تنتمي إلى الكيان اليهودي المغتصب لمقدسات المسلمين وأرضهم. ثانيًا: يجب أن لا نشارك بأية فعالية من فعاليتهم؛ لأن المشاركة معهم هي تأييد ودعم لبرامجهم السياسية. ثالثًا: أن لا نقبل أية مساعدة مادية أو معنوية عن طريقهم؛ سواء أكان ذلك مساعدات طبية أو تعليمية أو غير ذلك. رابعًا: أما بالنسبة لمن يعمل في صفوفهم من أبناء المسلمين؛ فإنه لا يُتعامل معه في هذا المجال، ولا يشجع على ذلك، بل ينكر عليه هذا الفعل باستمرار، ولا يُتودَّد له، ولا يُتَّخَذ صاحبًا. قال تعالى: ]تَجِدُ قَوۡمٗا يُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِ يُوَآدُّونَ مَنۡ حَآدَّ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ وَلَوۡ كَانُوٓاْ ءَابَآءَهُمۡ أَوۡ أَبۡنَآءَهُمۡ أَوۡ إِخۡوَٰنَهُمۡ أَوۡ عَشِيرَتَهُمۡۚ[ [المجادلة: 22]. وإذا صرح بأن انتماءه لمثل هذه الحركات هو عن إيمان وقناعة بمبادئها ودينها؛ فان ذلك يعتبر ردة عن دين الإسلام، وبالتالي يعامل معاملة المرتد؛ فلا يغسل ولا يكفن ولا يقبر في مقابر المسلمين، وتطلَّق منه زوجته. خامسًا: بالإضافة لذلك يجب على الوجهاء وأهل البلاد من المسلمين أن يتصدوا بكل وسيلة شرعية لمثل هذه الحركات؛ من باب تغيير المنكر الذي أوجب الله عز وجل أن يغير… ولا يكتفى بعدم المشاركة والسكوت على نشاطاتهم وجرائمهم في بلاد المسلمين. قال تعالى: ]وَلۡتَكُن مِّنكُمۡ أُمَّةٞ يَدۡعُونَ إِلَى ٱلۡخَيۡرِ وَيَأۡمُرُونَ بِٱلۡمَعۡرُوفِ وَيَنۡهَوۡنَ عَنِ ٱلۡمُنكَرِۚ وَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُفۡلِحُونَ ١٠٤[ [آل عمران: 104] وقال عليه الصلاة والسلام: «والذي نفسي بيده، لتأمرنَّ بالمعروف ولتنهونَّ عن المنكر، أو ليوشكنَّ اللهُ أن يبعث عليكم عذابًا من عنده، ثم لتدعُنَّه، ولا يستجاب لكم» [رواه الإمام الترمذي].

وقبل أن نختم حديثنا في هذا الموضوع نقول: إن ملة الكفر هي ملة واحدة، مهما تعددت أسماؤها ومسمياتها، وإن هؤلاء الكفار يحاولون تضليل المسلمين باستمرار، بالأقوال والأعمال؛ للإيقاع بهم، وجعلهم يسيرون في ركابهم وخدمة مخططاتهم السياسية، وقد شهد رب العزة جل جلاله بهذه الحقيقة في أكثر من موضع في كتابه العزيز: قال تعالى: ]إِنَّ ٱلۡكَٰفِرِينَ كَانُواْ لَكُمۡ عَدُوّٗا مُّبِينٗا ١٠١[ وقال كذلك ]وَلَا يَزَالُونَ يُقَٰتِلُونَكُمۡ حَتَّىٰ يَرُدُّوكُمۡ عَن دِينِكُمۡ إِنِ ٱسۡتَطَٰعُواْۚ[ [البقرة: 217]. وقال: ]إِن يَثۡقَفُوكُمۡ يَكُونُواْ لَكُمۡ أَعۡدَآءٗ وَيَبۡسُطُوٓاْ إِلَيۡكُمۡ أَيۡدِيَهُمۡ وَأَلۡسِنَتَهُم بِٱلسُّوٓءِ وَوَدُّواْ لَوۡ تَكۡفُرُونَ ٢[ [الممتحنة: 2]. وقد حذرنا رب العزة جل جلاله أن نثق بهؤلاء الكفرة المجرمين، أو نصدق أقوالهم، أو نركن إلى أفعالهم وتصرفاتهم، أو أن نسير معهم في أقوال وأعمال.. قال تعالى: ]١١٢ وَلَا تَرۡكَنُوٓاْ إِلَى ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ ٱلنَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ ٱللَّهِ مِنۡ أَوۡلِيَآءَ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ ١١٣[ [هود: 113]. وقال: ]وَدُّواْ لَوۡ تُدۡهِنُ فَيُدۡهِنُونَ ٩[ [القلم: 9]. وقال: ]يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ ٱتَّقِ ٱللَّهَ وَلَا تُطِعِ ٱلۡكَٰفِرِينَ وَٱلۡمُنَٰفِقِينَۚ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمٗا ١[ [الأحزاب: 1]. واليهود على وجه الخصوص، كما ذكرنا هم أشد الناس عداوة لهذه الأمة الكريمة بشهادة رب العزة جل جلاله: ]۞لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ ٱلنَّاسِ عَدَٰوَةٗ لِّلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱلۡيَهُودَ وَٱلَّذِينَ أَشۡرَكُواْۖ[ [المائدة: 82]

ولا يبقى بعد كل هذا البيان والكشف لطبيعة هذه الحركات لمسلم عذرٌّ في اتباعها أو تصديقها أو الثقة بما تفعل، إلا أن يكون أحد اثنين، الأول: تابع لهذه الحركات وسياساتها، وبالتالي تابع لكيان يهود وعميل له. والثاني: منتفع يريد أن يحقق بعض المصالح الشخصية النفعية بانتمائه لهذه الحركات. وهذا أشد خطرًا على المسلمين من الأول.

أما الدولة الإسلامية عند قيامها، قريبًا إن شاء الله تعالى، فسوف تحاسب حسابًا عسيرًا كل من يسير خلف هذه الحركات الصهيونية أو يروج لها، وستعتبره جزءًا من هذه الحركات، يأخذ حكمها إذا لم يعلن توبته، ويرتجع عن فعله السيئ المنكر قبل فوات الأوان…

نسأله تعالى أن يكرم أمة الإسلام بـ (خلافة راشدة على منهاج النبوة)… وأن يصرف عنها المكر، والكفر، والتضليل، والفتن ما ظهر منها وما بطن… وأن يصرف عنها الوقوع في حبائل الكفار وألاعيبهم السياسية الماكرة…

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين…

الخاتمة…

إن المؤامرات على هذه الأمة لم تتوقف طوال عصور التاريخ المتعاقبة؛ منذ بعثة المصطفى عليه الصلاة والسلام حتى يومنا هذا… ولن تنتهي حتى يرث الله الأرض ومن عليها… وما الحرب المعلنة اليوم، من الصهيونية العالمية والصليبية الحاقدة، إلا حلقات في سلسلة طويلة من هذه المؤامرات الإجرامية…

لكن الأمر المهم الذي نخلص إليه من خلال استعراضنا لهذه القوى الكافرة، ولحربها على أمة الإسلام؛ هو أن هذه الأمة كلما كانت وحدة واحدة – كما أراد لها ربها عز وجل – فإنها تكون مهابة الجانب، لا يطمع فيها طامع، ولا يعتدي عليها معتدٍ، ولا يقترب من حدودها أو ساحتها أي كافر. وقد شهد التاريخ على صدق هذا الأمر؛ فقد حاول اليهود في بداية الدولة الإسلامية (في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم) أن يهدموا هذا الصرح الجديد، وتآمروا عليه؛ إلا أن قوة الدولة، ووحدة المسلمين ردتهم على أعقابهم خائبين خاسرين. وحاولوا كذلك – في فترة ضعف الدولة الإسلامية في آخر عهدها – أن يأخذوا جزءًا من أرض فلسطين، وذلك في عهد السلطان عبد الحميد الثاني فلم يستطيعوا إلى ذلك سبيلًا، وعاد وفد هرتسل خائبًا خاسرًا يجر ثوب الفشل والخسران…

ولم يتمكن هؤلاء اليهود، ولا غيرهم من عباد الصليب أن ينفذوا إلى أطماعهم وغاياتهم إلا عندما تفرقت الأمة، وتشرذمت إلى أكثر من خمسين دويلة. فتمكنت الحركة الصهيونية؛،عن طريق النصارى الحاقدين، من النفاذ إلى قلب العالم الإسلامي، وإلى أعزِّ مقدساته؛ إلى أرض الإسراء والمعراج، وأقاموا فيها حلمهم الذي انتظروه طويلًا…

إن خطر اليهود الكبير ليس في احتلالهم واغتصابهم لأرض فلسطين فحسب. فهذا الأمر سيزول، وقريبًا إن شاء الله تعالى، عندما تعود الأمة إلى سابق عزها ومجدها؛ تمامًا كما عادت من قبل أثناء فترة الغزو الصليبي والمغولي لبلادها. فقد استمرت الأمة الإسلامية في جهاد وقتال مع عُبَّاد الصليب أكثر من مئتي عام متواصلة في بلاد الشام، وأكثر من تسعين عامًا في أرض الإسراء والمعراج؛ حتى مكَّنها الله من تحريره على يد القائد المظفر (الناصر لدين الله صلاح الدين الأيوبي) رحمه الله. ثم على يد المماليك من بعده. ولم تفكر الأمة الإسلامية في يوم من الأيام أن تقيم علاقات ودٍّ ووئام مع هذا المغتصب، رغم  تآمر بعض رؤساء الممالك معه؛ في مصر والشام؛  مثل الحاكم  شاور في  مصر؛ حيث إن الأمة الإسلامية وصمته بالخيانة، وحاربته تمامًا كما حاربت عُبَّاد الصليب…

إن الأمر الخطير هذه الأيام هو إقامة علاقات الوئام والسلام مع هذا الكيان المغتصب، وفتح السفارات، والتنازل عن جزء من أرض الإسراء والمعراج له مقابل ذلك؛ لكن الأمة، بحمد الله، قد عادت وتعود إلى رشدها، وإلى الطريق الصحيح في أخذ الدين؛ وهي ترفض هذا المحتل اليهودي؛ تمامًا كما رفضت الاستعمار الغربي في بدايات القرن الماضي، وعملت على تحرير كل بلاد الإسلام؛ في مصر والشام والمغرب العربي والعراق، وعملت كذلك على إزالة كل العملاء الفكريين والسياسيين الذين زرعهم هذا الاستعمار…

إن الأمة اليوم تعمل جاهدة لإعادة وحدتها؛ في دولة واحدة، ولتحرير المغتصب من أرضها، وخاصة أرض الإسراء والمعراج، ولن ينال اليهود ولا عملاؤهم – في هذه الأرض المباركة المقدسة – إلا الخزي في الحياة الدنيا ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب…

وإن ما يقوم به الكيان اليهودي من التضليل من أجل ترسيخ فكرة السلام، والتطبيع والتعايش السلمي ستكون كالهشيم الذي تذروه الرياح، ولا يقدرون مما عملوا وخططوا ودأبوا على شيء، وسوف تذهب كل مشاريعهم أدراج الرياح؛ لتعود هذه الأرض وشعبها الأصيل إلى أصالته وإلى حاضنته في ظل دولة الإسلام قريبًا بإذن الله. قال تعالى : وَقَدۡ مَكَرُواْ مَكۡرَهُمۡ وَعِندَ ٱللَّهِ مَكۡرُهُمۡ وَإِن كَانَ مَكۡرُهُمۡ لِتَزُولَ مِنۡهُ ٱلۡجِبَالُ ٤٦ فَلَا تَحۡسَبَنَّ ٱللَّهَ مُخۡلِفَ وَعۡدِهِۦ رُسُلَهُۥٓۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٞ ذُو ٱنتِقَامٖ ٤٧[ [إبراهيم: 47]. صدق الله العظيم. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *