العدد 374 -

السنة الثانية والثلاثون، ربيع الأول 1439هـ، كانون الأول 2017

حدائق ذات بهجة: (وكَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإذْنِ اللَّهِ)

(وكَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإذْنِ اللَّهِ)

 

في معركة (ملاذ كرد) سنة (463هـ)؛ خرج ملك الروم رومانوس في جمع كبير من الروم والروس والكرج والفرنجة وغيرهم من الشعوب النصرانية، حتى قُدِّر ذلك الجمع بثلاثمائة ألف جندي، أعدَّهم الإمبراطور لملاقاة السلطان السلجوقي ألب أرسلان، الذي ما إن علم باقتراب الروم ومن معهم حتى استعد للأمر واحتسب نفسه ومن معه، وكان في قلة من أصحابه لا تقارن بعدد الروم وأتباعه، قيل: إنهم قرابة خمسة عشر ألفًا، ولم يكن لديه وقت لاستدعاء مدد من المناطق التابعة له، وقال قولته المشهورة: “أنا أحتسب عند الله نفسي، إن سعدت بالشهادة ففي حواصل الطيور الخضر أصبح وأُمسي، ومن حواصل النسور الغبر رَمسي، وإن نصرت فما أسعدني وأنا أُمسي، ويومي خير من أَمسي”، وهجم بمن معه على مقدمة الأعداء، وكان فيها عشرون ألفًا معظمهم من الروس، فأحرز المسلمون عليهم انتصارًا عظيمًا، وتمكنوا من أسر معظم قوادهم. وكان السلطان قد أرسل من قبله وفدًا إلى إمبراطور الروم وعرض عليه المصالحة، ولكنه تكبَّر وطغى ولم يقبل العرض وقال: “هيهات، لا هدنة ولا رجوع إلا بعد أن أفعل ببلاد الإسلام مثل ما فُعل ببلاد الروم”، وجاء في رواية: “لا هدنة إلا ببذل الرِّي”، وهي بلاد شاسعة تحت إمرة المسلمين، فحمى السلطان وشاط، فقال إمامه أبو نصر محمد بن عبد الملك البخاري الحنفي: “إنك تقاتل عن دين وعد الله بنصره وإظهاره على سائر الأديان، وأرجو أن يكون الله قد كتب باسمك هذا الفتح، فالقهم يوم الجمعة في الساعة التي يكون الخطباء على المنابر، فإنهم يدعون للمجاهدين”. واجتمع الجيشان يوم الخميس الخامس والعشرين من ذي القعدة سنة (463هـ)، فلما كان وقت الصلاة من يوم الجمعة صلى السلطان بالعسكر، ودعا الله تعالى وابتهل وبكى وتضرَّع، وقال لهم: “نحن مع القوم تحت الناقص، وأريد أن أطرح نفسي عليهم في هذه الساعة التي يدعى فيها لنا وللمسلمين على المنابر، فإما أن أبلغ الغرض، وإما أن أمضي شهيدًا إلى الجنة، فمن أحب أن يتبعني منكم فليتبعني، ومن أحب أن ينصرف فليمضِ مصاحَبًا، فما ها هنا سلطان يأمر ولا عسكر يؤمر، فإنما أنا اليوم واحد منكم، وغازٍ معكم، فمن تبعني، ووهب نفسه لله تعالى فله الجنة أو الغنيمة. ومن مضى؛ حقَّت عليه النار والفضيحة”. فقالوا: “مهما فعلت تبعناك فيه وأعنَّاك عليه”، فبادر ولبس البياض وتحنَّط استعدادًا للموت”. وقال: “إن قِتلتُ فهذا كفني”، ثم وقع الزحف بين الطرفين، ونزل السلطان ألب أرسلان عن فرسه، ومرغ وجهه بالتراب، وأظهر الخضوع والبكاء لله تعالى وأكثر من الدعاء، ثم ركب وحمل على الأعداء، وصدق المسلمون القتال وصبروا وصابروا حتى زلزل الله الأعداء وقذف الرعب في قلوبهم، ونصر الله المسلمين عليهم، فقتلوا منهم مقتلة عظيمة، وأسروا منهم جموعًا كبيرة، كان على رأسهم ملك الروم نفسه”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *