العدد 372 -

السنة الثانية والثلاثون، محرم 1439هـ، الموافق تشرين الأول 2017م

مع القرآن الكريم

مع القرآن الكريم

 

[ وَلَا تَنكِحُواْ ٱلۡمُشۡرِكَٰتِ حَتَّىٰ يُؤۡمِنَّۚ وَلَأَمَةٞ مُّؤۡمِنَةٌ خَيۡرٞ مِّن مُّشۡرِكَةٖ وَلَوۡ أَعۡجَبَتۡكُمۡۗ وَلَا تُنكِحُواْ ٱلۡمُشۡرِكِينَ حَتَّىٰ يُؤۡمِنُواْۚ وَلَعَبۡدٞ مُّؤۡمِنٌ خَيۡرٞ مِّن مُّشۡرِكٖ وَلَوۡ أَعۡجَبَكُمۡۗ أُوْلَٰٓئِكَ يَدۡعُونَ إِلَى ٱلنَّارِۖ وَٱللَّهُ يَدۡعُوٓاْ إِلَى ٱلۡجَنَّةِ وَٱلۡمَغۡفِرَةِ بِإِذۡنِهِۦۖ وَيُبَيِّنُ ءَايَٰتِهِۦ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمۡ يَتَذَكَّرُونَ ٢٢١ ].

يذكر الله في هذه الآية الكريمة الأمور التالية:

  1. تحريم تزويج المؤمنة من مشرك وتحريم زواج المؤمن من مشركة مهما كان نوع الإعجاب بالمشركين والمشركات، أكان مالًا أم جاهًا أم غير ذلك.

والقول بالتحريم ناتج من أن هناك نهيًا [وَلَا تَنكِحُواْ ٱلۡمُشۡرِكَٰتِ] [وَلَا تُنكِحُواْ ٱلۡمُشۡرِكِينَ ] وهناك قرينة تفيد النهي الجازم وهي: [ أُوْلَٰٓئِكَ يَدۡعُونَ إِلَى ٱلنَّارِۖ ] فيكون النهي جازمًا أي حرامًا.

  1. المشرك والمشركة هنا يشمل كلّ كافر بدلالة [أُوْلَٰٓئِكَ يَدۡعُونَ إِلَى ٱلنَّارِۖ [أي يدعون إلى الكفر المؤدي إلى النار، وذلك لأن النار ذكرت هنا في مقابلة الجنة، وأصحاب النار الذين لن يدخلوا الجنة هم الكفار، ولذلك فإن ]أُوْلَٰٓئِكَ يَدۡعُونَ إِلَى ٱلنَّارِۖ ] علة للتحريم، ولخيرية الأمة المؤمنة على الحرة المشركة، وخيرية العبد المؤمن على الحرّ المشرك؛ وذلك في موضع النكاح – الزواج -.

أي أنَّ [ أُوْلَٰٓئِكَ يَدۡعُونَ إِلَى ٱلنَّارِۖ ] علة لخيرية المؤمنين وتحريم زواج المؤمنين من مشركات أو المؤمنات من مشركين.

وهذا التعليل بهذا المعنى يشمل (الذين يدعون إلى الكفر المؤدي إلى النار) وهو لكلّ كافر مهما كانت نوعيته.

ولا يقال إن (لفظ مشرك) لا يشمل (أهل الكتاب) فتحريم الزواج من المشركين والمشركات لا يشمل أهل الكتاب، حيث وردت آيات تفصل المشركين عن أهل الكتاب [ مَّا يَوَدُّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنۡ أَهۡلِ ٱلۡكِتَٰبِ وَلَا ٱلۡمُشۡرِكِينَ أَن يُنَزَّلَ عَلَيۡكُم مِّنۡ خَيۡرٖ مِّن رَّبِّكُمۡۚ ] البقرة/آية105 لا يقال ذلك من وجهين:

أ. أن اليهود والنصارى مشركون بنصّ الكتاب، فقد قال الله سبحانه: [ ٢٩ وَقَالَتِ ٱلۡيَهُودُ عُزَيۡرٌ ٱبۡنُ ٱللَّهِ وَقَالَتِ ٱلنَّصَٰرَى ٱلۡمَسِيحُ ٱبۡنُ ٱللَّهِۖ ذَٰلِكَ قَوۡلُهُم بِأَفۡوَٰهِهِمۡۖ يُضَٰهِ‍ُٔونَ قَوۡلَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَبۡلُۚ قَٰتَلَهُمُ ٱللَّهُۖ أَنَّىٰ يُؤۡفَكُونَ ٣٠ ٱتَّخَذُوٓاْ أَحۡبَارَهُمۡ وَرُهۡبَٰنَهُمۡ أَرۡبَابٗا مِّن دُونِ ٱللَّهِ وَٱلۡمَسِيحَ ٱبۡنَ مَرۡيَمَ وَمَآ أُمِرُوٓاْ إِلَّا لِيَعۡبُدُوٓاْ إِلَٰهٗا وَٰحِدٗاۖ لَّآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَۚ سُبۡحَٰنَهُۥ عَمَّا يُشۡرِكُونَ ٣١ ] التوبة/آية30-31 فاليهود والنصارى مشركون.

ب. إنَّ {المشركين} إذا أطلقت عرية من القرائن فهي تدلّ على من جعل مع الله أندادًا شركاء، أي للدلالة على نوع من أنواع الكفر فإذا وردت مع قرينة فهي بحسب القرينة، وهي هنا وردت معللة (بأنهم يدعون إلى النار ولا يدخلون الجنة) وهذه العلة تشمل كلّ كافر من أهل النار وليس من أهل الجنة.

أما الآية [ مَّا يَوَدُّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنۡ أَهۡلِ ٱلۡكِتَٰبِ وَلَا ٱلۡمُشۡرِكِينَ ] البقرة/آية105 فهي أسمـاء لأنـواع مـن الكفر: أهل الكتاب والمشركين، وكلّ منهما تدل على مسماها، ولذلك فإن [ ٱلۡمُشۡرِكَٰتِ [ و]ٱلۡمُشۡرِكِينَ] في الآية تشمل كلّ كافر من أهل الكتاب أو من غيرهم كما بينّا.

أي أن هذه الآية تفيد:

تحريم زواج المؤمن من كافرة.

وتحريم زواج المؤمنة من كافر.

  1. لقد ورد تخصيص هذه الآية العامة في كل كافر بآية المائدة [ٱلۡيَوۡمَ أُحِلَّ لَكُمُ ٱلطَّيِّبَٰتُۖ وَطَعَامُ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ حِلّٞ لَّكُمۡ وَطَعَامُكُمۡ حِلّٞ لَّهُمۡۖ وَٱلۡمُحۡصَنَٰتُ مِنَ ٱلۡمُؤۡمِنَٰتِ وَٱلۡمُحۡصَنَٰتُ مِنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ مِن قَبۡلِكُمۡ ]المائدة/آية5.

فهنا تخصيص لنوع من أنواع الكفر، وهنَّ المحصنات الكتابيات، أي اليهوديات والنصرانيات فهنَّ اللاتي يطلق عليهن هذا اللفظ شرعًا، ولذلك فالزواج من نساء أهل الكتاب المحصنات (العفيفات) يجوز للمسلمين.

أما زواج المسلمة من الكفار فقد بقي على عمومه، ولم يرد له تخصيص في أي نوع من الكفار، سواء أكانوا من أهل الكتاب أم من غيرهم.

  1. أما لماذا قلنا إن [ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ ]، أي (أهل الكتاب)، تطلق على اليهود والنصارى فالنصوص في ذلك كثيرة في الكتاب والسنة منها: [يَٰٓأَهۡلَ ٱلۡكِتَٰبِ لِمَ تُحَآجُّونَ فِيٓ إِبۡرَٰهِيمَ وَمَآ أُنزِلَتِ ٱلتَّوۡرَىٰةُ وَٱلۡإِنجِيلُ إِلَّا مِنۢ بَعۡدِهِۦٓۚ أَفَلَا تَعۡقِلُونَ ٦٥ ] آل عمران/آية65. أي أن أهل الكتاب هم اليهود (التوراة) والنصارى (الإنجيل). ولما سئل رسول الله ﷺ عن التعامل مع المجوس قال صلوات الله وسلامه عليه: «سنوا بهم سنة أهل الكتاب، غير آكلي ذبائحهم، ولا ناكحي نسائهم»( الموطأ، المعجم الكبير للطبراني، البيقهي، ابن أبي شبية، عبدالرزاق) أي كاليهود والنصارى إلا في الذبائح والنساء. وغير ذلك من النصوص.

  2. 5. إلا أن المستثنى من التحريم من نساء أهل الكتاب أي العفيفات، أما ما يفعله بعض المسلمين الذين ينتقلون في بلاد الكفار من الشرق والغرب، فيتزوجون من نسائهم دون أن يهتموا بالعفاف، فهذا مخالف للحكم الشرعي؛ لأن واقع تلك البلاد يهيمن عليه ما يسمونه بالحرية الشخصية، والتي تجعل الزنا عندهم أمرًا معتادًا؛ ولذلك فمن الأهمية بمكان أن يهتم الشباب المسلم بهذا الأمر، فإن وجدوا العفيفة من أهل الكتاب فيحلّ لهم ذلك، وإن لم تكن فلا تحلّ لهم حفاظًا على أحكام الشرع، وعدم اختلاط الأنساب، وعدم الوقوع في مآسٍ كثيرة نتيجة تلك الحالات.

روى ابن عطية أن حذيفة بن اليمان تزوج بكتابية، فأراد عمر أن يفرق بينهما، فقال له حذيفة: أتزعم أنها حرام، فأخلي سبيلها يا أمير المؤمنين؟ فقال: لا أزعم أنها حرام، ولكني أخاف أن تعاطوا المومسات منهن.

وروي عن ابن عباس نحو هذا، أي أن عمر كره له ذلك لاحتمال عدم العفاف، فكيف إذا تحقق كما في بلاد الكفار هذه الأيام؟

وفي رواية أخرى أخرجها ابن جرير تزوج يهودية فكتب إليه عمر: خلِّ سبيلها. فكتب إليه: أتزعم أنها حرام فأخلي سبيلها؟ فقال: لا أزعم أنها حرام، ولكني أخاف أن تعافوا المؤمنات.

فقد كره عمر ذلك لئلا يزهد الناس بالمسلمات. ومن ذلك يتبين أن الشاب المسلم إن أراد الزواج من كتابية عليه أن يطمئن أنها عفيفة لا تتعاطى الزنا، فإن عثر على هذه يجوز له الزواج منها، ولكن الأولى أن يتزوج من المسلمات.

يقول r: «تنكح المرأة لأربع: لمالها ولحسبها ولجمالها ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك»(البخاري، ومسلم، والترمذي).

  1. وبناء على ما سبق، فإنه لم يستثن من تحريم الزواج من الكافرات إلا نساء أهل الكتاب المحصنات – أي العفيفات – وغير ذلك فالآية تحرمه على نحو ما بيناه.

ويكون معنى الآية:

يحرم عليكم أيها المؤمنون أن تنكحوا الكافرات باستثناء نساء أهل الكتاب العفيفات، فإن أمة مؤمنة خير من مشركة مهما كان حسنها، وكذلك يحرم عليكم أن تزوجوا المؤمنات من الكفار بأنواعهم كلها – المشركين وأهل الكتاب والمجوس وغيرهم من الكفار – فإن عبدًا مؤمنًا خير من مشرك مهما كان سبب إعجابكم به؛ وذلك لأن دعوة الكفار وطريقهم هي إلى النار، وأما دعوة المؤمنين وطريقهم فهي الجنة والمغفرة من الله سبحانه.

ثم يبين الله سبحانه في خاتمة الآية أن آيات الله هذه التي أنزلها مبينة ملازمة دعوة الكفار للنار، ودعوة المؤمنين للجنة والمغفرة من الله، هذه الآيات مدعاة لأن تكون موضع تذكر من قبل المؤمنين ليوم الحساب، الجنة أو النار فيحرصوا بذلك على ما يقربهم من الجنة ويبعدهم عن النار.

[وَلَا تَنكِحُواْ ] أي لا تتزوجوا.

[وَلَأَمَةٞ مُّؤۡمِنَةٌ خَيۡرٞ مِّن مُّشۡرِكَةٖ] الأمة هنا مقابل الحرة؛ لأن الموضوع هو في بيان الخيرية والتفاضل بين الإيمان والشرك، فناسبه أن الإيمان يرفع حتى الإماء الواقعات في الرقّ، ويخفض حتى الحرائر المشركات، أي أن الإيمان يجعل الأمة أعلى درجة وأفضل مكانة من الحرة المشركة؛ ففي الآية تفضيل الأمة المؤمنة على المشركة مطلقًا، أما تفضيل الحرة المؤمنة على الحرة المشركة فهو من باب أولى (مفهوم الموافقة).

[وَلَوۡ أَعۡجَبَتۡكُمۡۗ] جواب الشرط محذوف دلت عليه الجملة السابقة، أي لا تتزوجوها ولو أعجبتكم فأمة مؤمنة خير منها.

والإعجاب يدخل فيه كلّ ما يزينها في عين المريد زواجها كجمالها ومالها وسائر ما يوجب الرغبة فيها.

يقول رسول الله ﷺ: «لا تَزَوَّجوا النساء لحسنهن؛ فعسى حسنُهن أن يُرْدِيَهُن. ولا تَزَوَّجوهن لأموالهن؛ فعسى أموالُهن أن تُطْغِيَهن؛ ولكن تَزَوَّجوهن على الدين، ولأمة خرماء سوداء ذات دين أفضل» (ابن ماجه، الدر المنثور).

[وَلَأَمَةٞ مُّؤۡمِنَةٌ] البدء بلام الابتداء الشبيهة بلام القسم في إفادة التأكيد، هي للمبالغة في الحرص على المؤمنات وتحريم زواج المشركات، وكذلك ]وَلَعَبۡدٞ مُّؤۡمِنٌ خَيۡرٞ مِّن مُّشۡرِكٖ وَلَوۡ أَعۡجَبَكُمۡۗ [ لإفادة المعنى نفسه: الحرص على المؤمنين وتحريم زواج المؤمنة من مشرك.

«إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إن لا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد عريض» (الترمذي، ابن ماجه، وابن حبان في الثقات).

[ وَيُبَيِّنُ ءَايَٰتِهِۦ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمۡ يَتَذَكَّرُونَ ٢٢١] ذكر هنا [ يَتَذَكَّرُونَ ٢٢١] وذكر في الآية السابقة [تَتَفَكَّرُونَ ] لأن الآية السابقة كانت تعقيبًا على أمور محسوسة: الخمر والميسر واليتامى والإصلاح لهم، فقال الله سبحانه بعدها ] كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمُ ٱلۡأٓيَٰتِ لَعَلَّكُمۡ تَتَفَكَّرُونَ ٢١٩ فِي ٱلدُّنۡيَا وَٱلۡأٓخِرَةِۗ [ أي تفكروا في هذه الأمور المحسوسة لديكم لتلتزموا بناء على هذا التفكر بما يصلح دنياكم وآخرتكم.

وأما هنا فيقول سبحانه: [أُوْلَٰٓئِكَ يَدۡعُونَ إِلَى ٱلنَّارِۖ وَٱللَّهُ يَدۡعُوٓاْ إِلَى ٱلۡجَنَّةِ وَٱلۡمَغۡفِرَةِ بِإِذۡنِهِۦۖ وَيُبَيِّنُ ءَايَٰتِهِۦ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمۡ يَتَذَكَّرُونَ ٢٢١].

فموضوع النار والجنة أمور ليست واقعة تحت حسّ الإنسان ليتفكر فيها، بل هي تعتمد على النقل والتذكير فقال الله سبحانه: [ لَعَلَّهُمۡ يَتَذَكَّرُونَ ٢٢١].

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *