العدد 371 -

السنة الثانية والثلاثون، ذو الحجة 1438هـ،، الموافق آب/أيلول 2017م

اللغة العربية وأثرها في فهم العقيدة الإسلامية

اللغة العربية وأثرها في فهم العقيدة الإسلامية

 

عبد الرحمن محمد الدهيبي

الإهداء

إلى من نذر نفسه لخدمة هذا الدين، وسعى

 إلى لمَّ شمل أمّة الإسلام تحت راية واحدة، هي راية:

“لا إله إلا الله محمد رسول الله”

اللغة العربيّة وأثرها في فهم العقيدة الإسلامية:

حفظ القرآن اللغة التي نزل بها، وهي لغة العرب، فهل يجوز العدول عنها إلى لغة غيرها؟ وماذا سيحدث لو عدلنا عنها إلى غيرها؟ وهل اللغة العربيّة هي أداة تفاهم بين الناس وحسب، أم أنها لغة عقيدة وما تحمله هذه العقيدة من فقه وتفسير وحديث وتوحيد وعلم فرائض – المواريث – وما تفرّع عنها بعد ذلك من علم الكلام والمنطق والفلسفة؟ حتى غدت شخصية المسلم ركيكة هزيلة وضائعة من غير لغة القرآن الكريم وعلومه – وأهمها علم قراءات القرآن المعتمدة والشاذة منها.

فهل ذلك يا ترى من باب تفضيل لغة العرب لذاتها ورفعها على غيرها، أم من باب الحقيقة والواقع والفرض العيني علينا؟

هذه العناوين وهذه التساؤلات إن صحت التسمية سوف أجيب عليها وعنها خلال هذا البحث المتواضع والذي أتشرف بوضعه بين أيديكم، وتحت نقدكم وتعليقكم عليه بما يخدم القضية الأم، وهي قضية اللغة العربيّة ودورها في فهم هذه العقيدة تأثيرًا وتأثرًا، ومردودًا عليها في حال استغنينا عنها أم لم نستغنِ عنها ونعدل إلى غيرها، وإنني لأتقدم بهذا البحث راجيًا أن يكون خالصًا للغة القرآن. فإن وفقت إلى ذلك فهذا هدفي، وإن لم أوفق أو كان البحث مجانبًا للصواب؛ فأرجو المغفرة من ربي أولاً، ثم طلب السماح منكم، متمثلاً القاعدة الشرعية: فمن أخطأ فله أجر، ومن أصاب فله أجران.

العنوان الأول:

1- حفظ القرآن الكريم اللغة التي نزل بها:

قد يقول قائل: ما دام أن القرآن الكريم قد حفظ هذه اللغة ولم تحفظه هي، فلماذا يتكلَّف الخلق مشقة تعلُّم اللغة العربيّة؟ فلو نزل في أية لغة أخرى لحفظها لقداسته. إذًا، فلا فضل للغة العربيّة كلغة في حفظ القرآن ما دام هو الحافظ لها.

والإجابة عن هذا العنوان من أبسط ما يكون، وهو:

ما دام أن القرآن الكريم قد شرَّف هذه اللغة، ونزل بها وبحروفها وبلاغتها وفصاحتها: استعارةً ومجازًا وحقيقةً، وتشبيهًا على اختلاف أنواع التشبيه: من مرسل إلى بليغ إلى ضمني إلى تمثيلي، وما صاحب هذه البلاغة من كنايات وأمثال وتشخيص وجناس وتورية وطباق ومقابلة، وكذلك الإيجاز والإطناب وبلاغتهما في التعبير والأداء وبعد الهدف في كليهما من استحباب أو نفور، وكذلك القصر والحصر والاستثناء بجميع أنواعه متصلًا ومنقطعًا وتامًا وناقصًا ومفرَّغًا. كل ذلك يؤكد أن نزول القرآن بهذه اللغة لم يكن محض صدفة، وإنما كان لبلاغتها وفصاحتها في الأداء، وقدرتها على النهوض بالمضامين القرآنية وتفصيل التشريع، والدقة في القدرة على الإبانة عن هذه المعاني والمضامين، والتي لو نزل القرآن الكريم بغيرها لكانت عاجزة عن بلوغ الهدف السماوي المنشود، وضعيفةً أمام الغاية المنشودة من تشريع وأحكام وتفصيلات تلك التشريعات والأحكام، قال تعالى:

( قُل لَّئِنِ ٱجۡتَمَعَتِ ٱلۡإِنسُ وَٱلۡجِنُّ عَلَىٰٓ أَن يَأۡتُواْ بِمِثۡلِ هَٰذَا ٱلۡقُرۡءَانِ لَا يَأۡتُونَ بِمِثۡلِهِۦ وَلَوۡ كَانَ بَعۡضُهُمۡ لِبَعۡضٖ ظَهِيرٗا) [الإسراء: 88] فقد جاء في تفسير هذه الآية عند ابن كثير: (… ولو اتفقوا على أن يأتوا بمثل ما أنزل على رسوله لما أطاقوا ذلك ولما استطاعوه، ولو تعاونوا وتضافروا فإن هذا أمر لا يستطاع)

أما في تفسير الجلالين فحدّد وقال: (… في الفصاحة والبلاغة) ردًّا على من قال: (ولو نشاء لقلنا مثل هذا من اليهود).

إذًا، ما دامت اللغة العربية هذه حالها، وأنها لغة اختارها الله ليجعلها لغة قرآنه، ولغة خاتم الأنبياء والمرسلين؛ فهي لا شك لغة تستحق أن يناط بها وببلاغتها وفصاحتها أن تكون لغة هذا القرآن الكريم، ولغة الحكمة التي وردت في القرآن الكريم في كثير من الآيات مقرونة بكتاب الله حتى عدّها المفسرون (أي الحكمة) أنّها لغة الرسول فيما حدَّث وشرح ووضّح مقرونة بالكتاب، وما عرف بعد ذلك بالكتاب والسنة قال تعالى: ( هُوَ ٱلَّذِي بَعَثَ فِي ٱلۡأُمِّيِّ‍ۧنَ رَسُولٗا مِّنۡهُمۡ يَتۡلُواْ عَلَيۡهِمۡ ءَايَٰتِهِۦ وَيُزَكِّيهِمۡ وَيُعَلِّمُهُمُ ٱلۡكِتَٰبَ وَٱلۡحِكۡمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبۡلُ لَفِي ضَلَٰلٖ مُّبِينٖ ) [الجمعة: 2] يقول الإمام الشافعي رحمه الله: لأن القرآن ذُكِرَ وأُتبعَتْه الحكمة، وذَكر اللهُ مَنَّهُ على خلقه بتعليمهم الكتاب والحكمة، فلم يجز – والله أعلم – أن يقال الحكمة ها هنا إلا سنة رسول الله. والآيات الّتي قرنت الحكمة بالكتاب كثيرة فهي: [البقرة: 129 و151 و231] [آل عمران: 164] [الجمعة: 2] [النساء: 113] [الأحزاب: 34].

كما ذكر الإمام الشافعي بعد أن أورد هذه الآيات الّتي أشرنا إليها بأرقامها قال: “وسنة رسول الله مبيِّنة عن الله ما أراد: دليلاً على خاصه وعامه، ثم قرن الحكمة بها بكتابه فأتبعها إيّاه، ولم يجعل هذا لأحد من خلقه غير رسوله.

ثم عقَّب رحمه الله بوجوب طاعة الله وطاعة رسوله بالآية التالية: ( وَمَا كَانَ لِمُؤۡمِنٖ وَلَا مُؤۡمِنَةٍ إِذَا قَضَى ٱللَّهُ وَرَسُولُهُۥٓ أَمۡرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ ٱلۡخِيَرَةُ مِنۡ أَمۡرِهِمۡۗ وَمَن يَعۡصِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ فَقَدۡ ضَلَّ ضَلَٰلٗا مُّبِينٗا ) [الأحزاب: 36]

فكل لغات الأرض كانت أعجز عن الإيفاء المنشود من وفي مضامين القرآن الكريم من لغة العرب التي وفَّت وأجزت وتشرَّفت بنزول هذا القرآن بها وبحروفها وبلاغتها. فقداستها من وفي قدرتها على الإيفاء بذلك أولًا، ثم قداستها تلك المباركة الرائعة من نزول القرآن بها. قال تعالى: ( وَمَآ أَرۡسَلۡنَا مِن رَّسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوۡمِهِۦ لِيُبَيِّنَ لَهُمۡۖ فَيُضِلُّ ٱللَّهُ مَن يَشَآءُ وَيَهۡدِي مَن يَشَآءُۚ وَهُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡحَكِيمُ ) [إبراهيم: 4] وقال تعالى: ( وَإِنَّهُۥ لَتَنزِيلُ رَبِّ ٱلۡعَٰلَمِينَ ١٩٢ نَزَلَ بِهِ ٱلرُّوحُ ٱلۡأَمِينُ ١٩٣ عَلَىٰ قَلۡبِكَ لِتَكُونَ مِنَ ٱلۡمُنذِرِينَ ١٩٤ بِلِسَانٍ عَرَبِيّٖ مُّبِينٖ ) [الشعراء]

2- نحن نعلم أن كل نبي كان يبعث بلسان قومه خاصة، ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم بعث بلسان قومه قريش، حاضنة قبائل العرب، ووعاء لغات القبائل جميعها، حتى لنجد لفظة تنسب لبني أسد، وأخرى لتميم، وآخرة لأهل اليمن في الجنوب، ورابعة لأهل نجد في الوسط، وخامسة لحائل، وسادسة لتبوك في الشمال، وسابعة لأهل الأحساء في الشرق… وجميعها كانت تستعمل في قريش؛ مما يؤكد مرونة هذه اللغة بحروفها وتركيباتها الحرفية لتكوّن منها الكلمات بعد ذلك، وتكون وعاء لغات العرب. وكذلك كما احتوت الألفاظ التي أشرنا إليها من القبائل، أيضًا احتوت ألفاظًا فارسية وألفاظًا رومية وعبرية، ووردت تلك الألفاظ في سرد الآيات مثل: سندس، وإستبرق، وإبراهيم، وإسماعيل، كما ورد على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم ألفاظٌ فارسية منها قوله صلى الله عليه وسلم لأبي هريرة: “أشكم درد” وهي فارسية وتعني بالعربية كيف حال بطنك؟

وبما أن الرسل جميعًا بعثوا إلى أقوامهم خاصة، ورسولنا بعث إلى الناس كافة، فعلى كافة الناس الذين دخلوا الإسلام ودخل الإيمان إلى قلوبهم أن يتعلموا لغة نبيهم؛ لأنه صلى الله عليه وسلم بعث إلى الناس كافة، فكافة الناس قومه، وبما أن لسانه عربي فعليهم تعلم لغته، أي لغة القرآن الكريم، فهي لغة قومه؛ إذ قومه أصبحوا كافة الناس بعد دخولهم الإسلام وليس العرب فقط.

والدليل على ذلك أن الصلاة لا تصح بغير اللغة العربيّة.

ولأن الصلاة وهي عمود الدين، والركن الوحيد بعد الشهادتين، الذي لا ترخيص بتركه تحت جميع الظروف والأحوال، وهذا الركن من أدق شروطه التي يغفلها الفقهاء أن تكون بالعربيّة وجوبًا؛ لأن القرآن عربي، وهي لا تكون صلاة إلا بقراءة الفاتحة وشيء من القرآن الكريم، ولأن القرآن لا تجوز ترجمته بإجماع علماء وأئمة المسلمين إلى لغة أخرى غير العربيّة؛ فمن البَدَهي على المسلم أن يصلي باللغة العربيّة، أي بلغة القرآن الكريم. ولعل إغفال الفقهاء لذكره فلإنه من المعلوم بالضرورة في الإسلام.

ونحن نعلم  أنّه لا يجوز ولا يسمح بتصويب بعض الكلمات في كتاب الله التي تخالف الرسم التوقيفي، وتخالف ما تعارف عليه أهل الرسم الإملائي من وجوب رسم الهمزة مفردة أو متوسطة أو متطرفة، أو ما يخالف رسم التاء المربوطة والمبسوطة إملاءً، ناهيك عن مثل: (صۡحَٰبُ لۡ‍َٔيۡكَةِ) [الشعراء: 176] وطريقة رسمها، و( يسٓ) ( وَرَحۡمَتُ ) بالتاء المبسوطة وقوله: (أَفَإِينْ) وغيرها الكثير الكثير مما يخالف الرسم التوقيفي، فكيف بترجمته؟! فهذا مرفوض بالإجماع والكلية؛ لذلك لا أداء لصلاة بغير قرآن. وبالمنطق البدهي لا صلاة بغير لغة العرب. إذن لا بد للمسلم، أيًّا كان، من تعلم لغة العرب فيما لا يصح إسلامه إلا بتعلمها؛ إذ لا إسلام بدون صلاة ولا صلاة بغير حرف عربي، قال تعالى: ( وَإِنَّهُۥ لَذِكۡرٞ لَّكَ وَلِقَوۡمِكَۖ وَسَوۡفَ تُسۡ‍َٔلُونَ ). [الزخرف: 44] علمًا أنّهم قد جوزوا ترجمة معانيه دون كلماته وحروفه.

3- فإذا ما عدلنا عن لغة العرب إلى لغة أخرى، فذلك يعني رفع القرآن من الصدور أي من صدور أهل الأرض جميعًا، وذلك بسبب الفذلكات والمماحكات الّتي تفغر فاها لمجرد السماع بالسماح بترجمة القرآن الكريم؛ وذلك لكثرتها في لغات العالم.

وإذا ما ترجمنا القرآن الكريم إلى لغة أو لغات أخرى غير قادرة على الإيفاء بما وفت به لغة العرب؛ لأصبح عندنا إسلام إنجليزي، وآخر فرنسي، وثالث روسي… ولضاعت بعد ذلك العقيدة الإسلامية الصحيحة والناصعة بضياع الحرف العربي القرآني، ولتشتَّتت المفاهيم، وتلاشت المضامين القرآنية ومقاصدها.

كذلك، فإنه قد وجدت، بالنسبة للغة العربية، عدة مذاهب في التفسير والفقه والحديث، وكذلك الإعراب النحوي، وكل ذلك ناتج عن معانٍ متعددة للكلمة الواحدة من لغة واحدة، فما بالكم والحال هذه عندما يترجم القرآن الكريم بلفظه وحروفه إلى لغة غير لغة العرب؟!… أترك الإجابة للقارئ. ثم أزيد فلا يجوز أن نعدل عن لغة العرب للقرآن؛ لأننا بعدولنا عنها نعدل عن التمسك بالدين الصحيح والعقيدة الصحيحة للإسلام الصحيح؛ انظر إلى الاختلاف في قوله تعالى: ( إِنَّ ٱللَّهَ لَا يَسۡتَحۡيِۦٓ أَن يَضۡرِبَ مَثَلٗا مَّا بَعُوضَةٗ فَمَا فَوۡقَهَاۚ) [البقرة: 26] فمنهم من قال فوقها يعني أكبر منها اعتمادًا على معنى فوق في الدلالة كالذبابة والجرادة والعصفور وغير ذلك. ومنهم من قال: أدنى منها في الصغَر اعتمادًا على السّياق المتمخّض عن الإعجاز كالنّمل والذّر أو النّاموس أو ما يدعى عند العامة من النّاس (النمنوم) أو الحشرات التي لا ترى بالعين المجردة؛ فلذلك لا يقبل مطلقًا العدول عن لغة العرب للقرآن الكريم خشيةَ الوقوع في مثل هذه المفارقات التي لا تنتهي إلى حلّ.

4- أما قول القائل: إن اللغة العربيّة هي لغة تفاهم بين الناس وحسب، فذلك مردود شكلًا ومضمونًا. والدليل على ذلك لغة أو لغات الصم والبكم؛ فهي لغات تفاهم بالحد الأدنى لمجريات الحياة، فلا بلاغة ولا فصاحة ولا بيان بالشكل المعجز الذي تحدَّى به القرآن الكريم أهل لغة القرآن.

وبالرغم من أن تلك اللغات قد بلغت شأوًا جيدًا ورائعًا، واستطاعت أن تلغي عن الصم والبكم صممهم وبكمهم، إلا أنّها تبقى لغة الأدوات والإشارات والدلالات العامة الإجمالية، وإلا فكيف سيفهم هؤلاء الفارق في قوله تعالى: ( رُّبَمَا يَوَدُّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَوۡ كَانُواْ مُسۡلِمِينَ) [الحجر: 2]كيف سيفهمون الفرق بين (رُبَما) و(رُبَّما) وهما كلمتان متوافقتان في الحروف ما عدا الشدة، متناقضتان في الدلالة: فالأولى استحالة حصول حكم ما بعدها، والثّانية احتمال حصوله. وكيف سنوضح لهم الفرق بين الجمع وجمع القلة وجمع الكثرة وصيغ منتهى الجموع؟ وكذلك الفرق بين الجمع المذكر السّالم والجمع المؤنث السالم وجمع التكسير وجمع العاقل وغير العاقل، والمثنى مذكرًا ومؤنثًا، وجمع الجمع؟ كما في حجّاج وحجيج، وكما في مثل قوله تعالى: (فِي جَنَّٰتٖ وَنَهَر) [القمر: 54] والفرق بينها وبين أنْهُر ونُهُور وأنهار؟. وفي مثل (مَلِيكٍ) [القمر: 55] وهي صيغة المبالغة أو الصفة المشبهة من كلمة (ملك)؟، ناهيك عن جمع كلمة شيخ على (شيوخ وأشياخ ومشايخ في اللفظ العربي والكلمة العربية)، وكيف ستتضح الكنايات، وما أكثرها في اللغة العربية!، في مثل ما جاء في الحديث المتفق عليه: “رفقاً بالقوارير” كناية عن النساء. وفي مثل: “حتى تذوق عسيلته ويذوق عسيلتها” في المطلقة ثلاثاً إذا أرادت الرجوع، أو أراد زوجها إرجاعها؟! وكيف سيفهم أهل غير العربية مثل هذه الكنايات الرائعة والقرآن الكريم والحديث النبوي الشريف يذخران بمثل هذا؟!.

فهذه اللغة التي تشرفت بنزول القرآن الكريم فيها، هي لغة عقيدة كاملة متكاملة غير مجتزأة أو متناثرة. فهي لغة كل مسلم على وجه الأرض دون تعصب أو تحيّز أو عنصرية، وإنما بالواقع والممارسة والأداء لشعائر هذه العقيدة، وعمودها “الصلاة”.

5- وإن قال قائل: إن كانت كل رسالة سماوية تنزل بلسان قوم كل نبي؛ وذلك تفضيلًا للغتهم أو تفضيلًا لهم، فنحن آخر أقوام أهل الأرض في الفاضلية والكمالية. فكيف نقدم لغة المفضول على لغة الفاضل؟!

والرّد على ذلك بالتالي: إنّ كلّ نبي بعث إلى قومه خاصة، وبلغة خاصّته من القوم، ومحمد صلى الله عليه وسلم بعث بلسان قومه خاصة إلى الناس كافة، فكل الناس قومه، ولغته لغتهم، فهذا التأخير في الأفضلية أو الفاضلية هو تأخير تميّز وتمايز في هذه الفاضلية، وليس تأخر تدنٍّ وتخلفًا في المنزلة والمكانة، إذ استوفت جميع أمم الأرض أنبياءها ورسلها حتى وصلت المسألة إلى أن تصبح رسالة السماء لعموم الخلق بدل أن تكون لقلّة منهم، وهذا أعلى درجات الفاضلية. وهكذا كانت رسالة الإسلام لكافة الناس.

6- وهناك من يقول: هذا تعصّب للغة العرب، وهي ذاتها قد أصبحت مرذولة ومنبوذة عند أهلها وقومها. فنرد عليه بالتالي:

العيب ليس في اللغة العربية وإمكاناتها التي تحدّثنا عنها وعن منزلتها وبلاغتها وفصاحتها، وإنما العيب في أهلها وحملتها، ألا يفهم هؤلاء القوم النافرون من لغتهم أنهم قد باؤوا بخزيين اثنين.

أ- خزي في الدنيا؛ إذ تخلوا عن لغتهم (هويتهم). فاللغة هوية كل قوم وكل شعب يلهج بها، ولو كان من أقل الأقليات في المجتمعات الإنسانية الصغرى والكبرى كروسيا أو في المجتمعات المثالية كسويسرا أو في الدول الصغرى كما في المغرب العربي بين العرب والأمازيغ التي وصلت عدواها إلى عقر ديارنا، وكما هو الحال في العراق بين العرب والكرد ومَن أصولهم إيرانية، وما شاكل ذلك من بقية الأقليات.

ب- خزي في الآخرة؛ إذ لم يعد أهل العربية يفقهون لغتهم ولغة قرآنهم وحديث نبيهم إلا لدى قلّة من المتخصصين في ذلك. وهم قلّة قليلة جدًا قياسًا بعدد الناطقين بها، الذين يجهل أغلبهم هذه اللغة فيجهلون بذلك تعاليم دينهم وعقيدتهم قرآنًا وسنةً. وإذا ما استثنينا المتخصصين فبقية النّاس تبلغ بينهم نسبة من يجهلون لغتهم جهلًا مطبقًا فوق الثمانين بالمئة. وهذه النسبة يدخل فيها عامل التّسامح أيضًا من طرفي. وهذا يشكل عامل هدم وتدمير في جسم وكيان وغرض وعقيدة المسلمين جميعهم، عرباً وغير عرب؛ إذ الكل في النهاية خاسرٌ إذا ما ضاعت لغة القرآن والعقيدة والدين.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *