العدد 370 -

السنة الثانية والثلاثون، ذو القعدة 1438هـ، الموافق آب 2017م

ترمب يتوعَّد ويتعهَّد بمحاربة الإسلام، وحكام المسلمين يشاركونه…

ترمب يتوعَّد ويتعهَّد بمحاربة الإسلام، وحكام المسلمين يشاركونه…

 

توعَّد ترمب في أول خطاب له بمحاربة الإرهاب واصفًا إياه بـــ “الإرهاب الإسلامي”، وهو تجرَّأ بوصفه بـ “الإسلامي” بعد أن كان يكتفى بذكره من غير وصف، فيقال “محاربة الإرهاب” فقط. وتعهد بمحو تنظيم الدولة الإسلامية بمساعدة حلفاء الولايات المتحدة في العالم الإسلامي وإننا تجاه هذا التوعُّد والتعهُّد، نجد أنفسنا أمام الحقائق التالية:

1- أما بالنسبة إلى توعُّده بمحاربة الإرهاب واصفًا إياه بـــ “الإرهاب الإسلامي”؛ فإن أميركا تحارب الإسلام تحت ذريعة محاربة الإرهاب. وما الادعاء بمحاربة تنظيم الدولة إلا للتلبيس على المسلمين أنها لا تحاربهم في دينهم، بل تحارب حالة شاذة في دينهم؛ بينما هي في الحقيقة تحارب توجه المسلمين عامة نحو تحكيم دينهم وإقامة شرع الله في حياتهم بإقامة دولة الخلافة التي يسعون إلى إقامتها للتخلص من حياة الذل والفقر والتبعية والبعد عن الدين… ثم إن أميركا لا تنظر إلى الثورات التي هبت في بلاد المسلمين إلا على أنها محاولات جادة في هذا الاتجاه، وحتى عند من يقول إن الغرب هو وراء هذه الثورات، وأنه هو الذي أشعل فتيلها، فإن النتيجة واحدة لأنه من وراء ذلك هو يريد أيضاً أن يفوت على المسلمين هذا التوجه… فإن النظرة لدى الغرب عن الأمة تبقى واحدة، وهي أنها تريد التغيير على أساس دينها، وغايته واحدة وهي سعيه لتغيير هذه النظرة لدى الأمة، وقد كان نشوء تنظيم الدولة المشبوه، وقيامه بهذه السلسة الطويلة من الأعمال التي تعطي أسوأ صورة عن الإسلام السياسي، إسلام الحكم، متماشياً تماماً مع خطة الغرب الماكرة والمجرمة. وأميركا التي تقود العالم في الحرب على الإسلام، تظن نفسها أنها بخطتها هذه سيمكنها من تغيير نظرة المسلمين نحو الخلافة وستؤدي إلى إجهاض هذا التحول؛ ولكن أنَّى لها هذا؟! ففكرة الخلافة متعشِّقة في نفوس المسلمين، وهي جزء من الدين، وتاريخ مضيء في حياة المسلمين، وفي الحقيقة في حياة البشرية جمعاء، ولن تستطيع قوة أن تشوِّهها مهما بلغت في مكرها، ولا أن تجهضها مهما بلغت في إجرامها. إن فكرة الخلافة ارتبطت في دخيلة المسلمين بآيات وأحاديث تخرج منكرها بالعموم عن الدين. أما الآيات فكثيرة، ومنها قوله تعالى: ( وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ). … أما أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم فكذلك هي كثيرة، ومنها ما جاء عن أبي هُريرة رضي الله عنهُ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “كانت بنو إسرائيل تَسُوسُهُمُ الأنبياء، كُلما هلك نبي خلفهُ نبيٌّ، وإنهُ لا نبيَّ بعدي، وسيكون بعدي خُلفاء فيكثُرون. قالوا: يا رسول الله فما تأمرنا ؟ قال: “أوفوا ببيعة الأول فالأول، ثم أعطوهم حقهم، واسألوا الله الذي لكم، فإن الله سائلهم عما استرعاهُم” متفق عليه. وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم: “من خلع يدًا من طاعة، لقي الله يوم القيامة لا حجة له، ومن مات وليس في عنقه بيعة، مات ميتة جاهلية”. وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم: “تَكُونُ النُّبُوَّةُ فِيكُمْ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ خِلَافَةٌ عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ ، فَتَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ مُلْكًا عَاضًّا، فَيَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ الله ُأَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ مُلْكًا جَبْرِيّاً، فَتَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَكُونَ ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ خِلَافَةٌ عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ ، ثُمَّ سَكَتَ”

ثم إن إسلام الحكم هو معلوم من الدين بالضرورة، ولا يمكن تطبيق الإسلام من غير إقامة دولة إسلامية هي دولة الخلافة، فقد قضى الرسول شطر دعوته في مكة وهو يعمل على إقامتها، وسار على طريقة شرعية وبحسب أحكام شرعية كان مأموراً بها، ومن ثم، وبعد إقامتها، قضى الشطر الآخر في إقامة الدولة على ركائزها الشرعية، حتى إذا كمل الدين وتمت النعمة بنزول الإسلام كاملاً؛ واستقرت واستوت على سوقها، وأصبح يعجب الزراعَ نباتُها، انتقل الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الرفيق الأعلى، وانتقل الحكم بعده من غير خلو في الزمن يذكر، إلى الصحابة واستلم أبوبكر رضي الله عنه الحكم، وتبعه عمر وعثمان وعلي، رضي الله عنهم أجمعين، وكلهم من المهاجرين، وأقيمت الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، وكان لها أثر طيب على المسلمين ما بعده من أثر، وتحقق لهم إقامة ما أخبر عنه الرسول صلى الله عليه وسلم بعد النبوة، وهي الخلافة الراشدة. وقام الخلفاء الراشدون بتطبيق الإسلام على أفضل ما يكون، وقام المسلمون بما أمرهم الله به من الحديث الذي رواه  الْعِرْبَاضُ بن سارية رضي الله عنه؛ حيث قال: صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْنَا فَوَعَظَنَا مَوْعِظَةً بَلِيغَةً ذَرَفَتْ مِنْهَا الْعُيُونُ وَوَجِلَتْ مِنْهَا الْقُلُوبُ. فَقَالَ قَائِلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَأَنَّ هَذِهِ مَوْعِظَةُ مُوَدِّعٍ، فَمَاذَا تَعْهَدُ إِلَيْنَا؟ فَقَالَ: “أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ وَالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ وَإِنْ عَبْدًا حَبَشِيًّا، فَإِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ بَعْدِي فَسَيَرَى اخْتِلَافًا كَثِيرًا. فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الْمَهْدِيِّينَ الرَّاشِدِينَ، تَمَسَّكُوا بِهَا وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ. وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ، فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ” فالخلافة الراشدة لها منزلة عظيمة في نفوس المسلمين، وهي تأتي في المرتبة الثانية مباشرة بعد النبوة، وحيث إنه لا نبوة بعد النبي محمد ، صلى الله عليه وسلم فتصبح في المرتبة الأولى لدى المسلمين، وهذه الخلافة الراشدة، والتي تكون على منهاج النبوة، بشَّر بها الرسول صلى الله عليه وسلم أنها تكون في أول الزمان، وبعد النبوة مباشرة، وبشَّر في الحديث نفسه أنها تكون في آخر الزمان، بعد الحكم الجبري الذي يعيشه المسلمون اليوم، وبشَّر أنها تكون على منهاج النبوة. وهذا ما يجعل المسلمين متأهبين لإقامتها، لا يثنيهم عن العمل لإقامتها لا أميركا ولا الغرب، ولا روسيا، ولا الصين، ولا من في الأرض أجمعين، وهي عندهم وعد وبشرى، وإنها لكائنة بعون الله وهدايته وتوفيقه، قال تعالى: ]وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَىٰ أَمْرِهِ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ[.

 2- أما بالنسبة إلى تعهده بمحو تنظيم الدولة الإسلامية بمساعدة حلفاء الولايات المتحدة في العالم الإسلامي، ففي إطار هذا التوجه دعت أميركا إلى عقد قمة إسلامية أميركية لمحاربة الإرهاب، وتم عقد هذه القمة في الرياض بحضور قادة وممثلي أكثر من 55 دولة عربية و(إسلامية) مع الولايات المتحدة الأميركية. هكذا بكل سفور وتبجح يتم الإعلان عن محاربة الإسلام، ليس من أميركا وأعداء الله الظاهرين من الكفار فحسب، بل من حكام المسلمين، أعداء الإسلام المتسترين، الذين يقال عن أحدهم إنه حامي الحرمين، وعن الآخر إنه أمير المؤمنين، وعن الآخر إنه سليل الدوحة الهاشمية… (ألقاب مملكة في غير موضعها)، وقد بلغت الجرأة بهؤلاء أن يعلنوا انعقادها في عاصمة السعودية الرياض، فقد اختار كبيرهم ترامب أن تعقد في الرياض على اعتبار أنه يريد التغطية على جرائمه بحق الإسلام، وهو يظن أن السعودية عند المسلمين هي راعية الإسلام الأولى (ولقد فعل سلفه أوباما مثلها عندما أراد أن يلعب اللعبة نفسها في أول عهد إدارته فاختار القاهرة مدينة الأزهر الشريف لتنطلق حملته منها، ولكنه لم يستطع أن يحقق من حملته التشويهية بحق الإسلام شيئاً بل فشل ورحل ولم يخلف وراءه إلا الإجرام والقتل والمكر…) ومن عجيب الأمر أن أمثال هؤلاء الحكام يتبارون في كسب الود الأميركي، ويتباهون به، ويعلنون بكل صفاقة أنهم سباقون في هذا المضمار.

نعم، إن أميركا لا تستطيع أن تحارب الإسلام إلا بمساعدة أمثال هؤلاء الحكام الغارقين في العمالة حتى شوشة رؤوسهم كما يقال، فلولا السعودية ودول الخليج لما استطاعت أميركا أن تغزو العراق من قبل ولا أن تحتله، ولولا إيران لما استطاعت أن تمسك الحكم فيه. ولولا إيران لما استطاعت أن تحتل أفغانستان، ولولا العراق وإيران ولبنان وتركيا، فضلاً عن النظام السوري نفسه، وفضلاً عن معارضة سياسية خارجية أوجدتها لتلعب الدور القذر نفسه الذي تلعبه تلك الأنظمة القذرة، ما استطاعت أن تتحكم في مسارات الثورة في سوريا قتلاً وتدميراً وتآمراً على الشعب السوري الذي ما نقموا منه إلا أنه يؤمن بالله العزيز الحميد، ومع هذا فهي تلقى كل الرفض من هذا الشعب المسلم الذي كشف بصبره في الله كل مستور من ألاعيب الغرب، وفضح عمالة الحكام قاطبة، وفضح كل دعاواهم بأنهم يمثلون المسلمين وينطقون باسم الإسلام، وما هذه القمة الإسلامية الأميركية إلا آخر حلقاتها.

كم هي مخطئة أميركا ودول الغرب ومعهم روسيا، عندما يظنون أنهم يستطيعون أن يحققوا خططهم بمثل هذه الألاعيب. فالأمة الإسلامية لم تعد كما كانت من قبل تخدع بمثل هذه الدعاوى الفارغة، وحكام السعودية لا يختلفون عندها بشيء عن سائر الحكام المجرمين، بل يزيدون عنهم اتهاماً وارتماء في أحضان أعداء الله من دول الغرب الكافرة، وقد بدأ الناس يتناقلون بينهم اتهامهم من غير توثق وكرها بهم، أن أصلهم من يهود عنيزة، ويقولون عنهم إنهم من شرار الحكام، ولهم في قضايا المسلمين كل يد قذرة، من فلسطين منذ بداية مأساتها حيث قال المؤسس للمملكة عبد العزيز إنه “لا مانع من إعطاء فلسطين للمساكين اليهود”، إلى مبادرات حكامهم لحلها عن طريق التنازل عن معظم فلسطين لليهود والاعتراف بأن لهم الحق في الحكم عليها (مبادرة الملك فهد ومبادرة الملك عبد الله)، إلى أفغانستان حيث ساعدوا أميركا ضد الروس، بمالهم القذر، ومن ثم انقلبوا على الثوار فيها، إلى البوسنة والهرسك، حيث وقفوا ضد المسلمين هناك ولعبوا الدور نفسه لمصلحة أسيادهم في الغرب، إلى العراق حيث يتدخلون في نزاعاته لمصلحة أسيادهم، إلى اليمن حيث أعلنوا عن إقامة تحالف إسلامي ضد إيران والحوثيين، إلى سوريا الذين يلعبون أقذر دور في القضاء على الثورة فيها بمالهم القذر، وشراء ذمم المعارضة، والضغط على عملائهم من الفصائل للسير في مخطط الحل الأميركي القائم على مقررات مؤتمر جنيف.

لقد ترسخ لدى المسلمين أن أكبر بلاء يصيبهم هو هؤلاء الحكام؛ لذلك كان أول شعاراتهم في الثورات التي قامت، والتي انتشرت كانتشار النار في الهشيم، هو “الشعب يريد إسقاط النظام” صحيح أن الغرب استطاع أن يفشل هذه الثورات، ولكنه لم يستطع أن يزيل هذه النظرة عن الحكام، بل هي ترسخت أكثر وأكثر. ومن هذا المنطلق، منطلق أنه قد ترسخ لدى المسلمين أن الحكام هم عملاء للغرب، وأن الغرب هو عدوُّهم في دينهم، وأن الحكم بالإسلام هو الخلاص، يُعتبر أن الغرب، وعلى رأسه أميركا، قد فشل في مسعاه في تغيير هذه النظرة عنه لدى الأمة. ومعلوم أنه مهما أجرمت أميركا، ومهما مكرت…فطالما أن الأمة تمتلك هذه النظرة عن الحكام، وعن عمالتهم للغرب، وأنهما هم أساس كل بلاء وشقاء لهم، فإن كيد هؤلاء جميعاً في تباب.

إن أميركا والغرب، ومعهم روسيا والصين وكل الدول الفاعلة على المسرح الدولي، باتوا يعرفون هذه الحقيقة؛ لذلك أسفروا عن حقيقة عدائهم، واجتمعوا على رمي المسلمين من قوس واحدة، وهي ضرب توجه الأمة  نحو إسلام الحكم ومنعها منه، وخالفوا كل الأعراف والقوانين الدولية في محاربتهم للإسلام، وأصبحت جرائمهم خارج المساءلة حتى بحسب قوانينهم… وقد كان لهم سقوط حضاري مدوٍّ في هذا الصراع، وانتصار للإسلام لا يحتاج إعلانه إلا إلى نصرة الله له بتقييض أنصار لهذا الدين يحبون الله ورسوله، على غرار الأنصار الذين مدحهم الله في كتابه وأعلى شأنهم عنده.

صحيح أن المعركة دامية وفصولها مأساوية ولكن الذي يحدد النصر ليست هي القوة وإنما التوجه الفكري الذي يسعى الغرب ومعه الحكام لتحويره وتحويله وهم كانوا في كل مرة يفشلون وتزداد الشقة بينهم وبين المسلمين.

إن الانتصار في هذه المعركة ذكر الله أنه بيده وحده، وهو الذي يهيئ له أسبابه، ويظهر فيه تدخله، ودائرة عمل المسلمين محددة، بحسن الالتزام بأحكام الطريقة الشرعية دون أدنى حيد عنها، مهما واجههم من ضغوطات ومهما حوصروا وأوذا وكُذِّبوا ولوحقوا وأشيع عليهم، فإن عليهم الالتزام لا غير، وكل خطوة من خطوات الطريق وكل مرحلة من مراحلها يتعلق النجاح فيها بحسن التزام المسلمين وبتوفيق الله لهم باجتيازها، وقد سارت الدعوة حتى الآن بنجاح حتى وصلت إلى باب النصر، ومن هنا كان من الطبيعي أن يهب الغرب هذه الهبة اللئيمة ويهجم هذه الهجمة الشرسة ليمنع المسلمين من تحقيق هدفهم، وكان من الطبيعي أن يلقى المسلمون ما يلقونه من هذا التآمر، فالمعركة جادة وحقيقية ،

وبالرغم من أنه يظهر أن الذي يسير هذه الحرب على الإسلام هو الغرب، وأنه هو الذي يملك السلاح والمال والإعلام والعملاء والمقدرات والاستخبارات، ويظهر أنه يتحكم بمفاصل هذه الحرب؛ إلا أن النظرة الهادئة المتأنية التي لا تؤخذ بالجلبة الإعلامية، والتي تنظر إلى حقائق الأمور والمجريات، ترى أن هناك تغييراً كونياً يقترب أكثر وأكثر من فرض وجوده، وهذا نحن نراه بعين الشرع، وهناك في الغرب من الاستراتيجيين من يراه أنه واقع بهم، وأنه يكاد أن يكون قد سقط بأيدي دولهم تجاهه، وأنه سيبغتهم فلا يستطيعون رده ولا هم سيُنظرون.

وأخيراً، في هذه النقطة نقول: نعم، إنه بدون مساعدة من حلفائها من حكام المسلمين، لن تفلح أميركا ولا الغرب في النجاح في خطتهم لمحاربة الإسلام.

 3- إن الحرب على الإرهاب قد تم إعلانها من قبل الغرب وعلى رأسه أميركا، من زاوية المصالح الغربية القاضية بمنع عودة الإسلام إلى الحكم، ومن هذه الزاوية فقط تتم محاربة الإسلام، والحكام يسيرون في محاربة الإرهاب على طريقة الغرب، وبحسب مخططاته، وبحسب رؤيته، وإن ما يدعيه هؤلاء الحكام من أنهم يحاربون الإرهاب الذي يحاربه الإسلام نفسه، هو محض افتراء ودجل، فهم يصورون أنهم يحاربون قتلة ومجرمين يقتلون باسم الدين، وأن الإسلام يأمرهم أن يقضوا عليهم بحجة أنهم يسعون في الأرض فساداً…وهذا ليس صحيحاً تماماً كما يقولون، فالحكام يعلمون حقيقة أن هؤلاء الذين يقاتلونهم إنما يقاتلونهم من أجل حماية عروشهم الهشة، وهم يستغلون قيامهم بالأعمال المنافية للشرع، ويركزون عليها، ويعملون على إبعاد التهمة عنهم بأنهم حكام فَسَقَة وظَلَمَة لا يحكمون بما أنزل الله وعملاء وخونة بحق الناس ودينهم، ويصورون لهم أنهم يحسنون صنعاً.

إنه لا غرابة في موقف الحكام مع أميركا والغرب في محاربة الإسلام؛ لأنها تعني الحكام العملاء كما تعني الغرب لجهة ما تحمله من خطر داهم على وجودهم في الحكم، فالدعوة إلى تحكيم الإسلام في حياة المسلمين تقتضي تغيير هؤلاء الحكام، وتغيير أنظمة حكمهم، باعتبار أنها أنظمة طاغوتية، أي لا تحكم بما أنزل الله، فضلاً عن كونها أنظمة عميلة للغرب تأتمر بأمره. وهؤلاء الحكام يحاربون عودة الإسلام في البلاد التي يحكمونها منذ بداية إبعاد الإسلام عن الحكم، وليس الآن فقط، وتحديداً منذ هدم الدولة الإسلامية عام 1924م، عندما أقصي الإسلام عن الحكم، ونصب الغرب عملاءه في الحكم آخذاً منهم المواثيق على محاربة عودة الإسلام إلى الحكم، بالإضافة إلى ارتباطهم به سياسياً، وهذان الأمران نراهما متحققين في كل حاكم من حكام المسلمين اليوم؛ لذلك كان الحكام جزء لا يتجزأ من هذه الحرب الظالمة على عودة الإسلام إلى الحكم.

وهنا لا بد من لفت النظر إلى أن هؤلاء الحكام في حربهم على الإسلام يستخدمون العلماء الرسميين التابعين لهم، وهؤلاء يهيئون لهم الفتاوى التي تغطي إجرامهم، وتضع الفتاوى التي تبرر لهم الحرب على الإرهاب، وتعطيها الصبغة الشرعية، فهؤلاء العلماء هم أدوات للحكام في هذه الحرب، وإثمهم مضاعف، وتنطبق عليهم أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم:

أخرج أحمد، والبزار، وابن حبان، في صحيحه عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “سيكون أمراء، من دخل عليهم وأعانهم على ظلمهم، وصدقهم بكذبهم، فليس مني ولست منه، ولن يرد علي الحوض. ومن لم يدخل عليهم، ولم يعنهم على ظلمهم، ولم يصدقهم بكذبهم فهو مني وأنا منه وسيرد علي الحوض”. وأخرج العسكري، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “الفقهاء أمناء الرسل، ما لم يدخلوا في الدنيا ويتبعوا السطان، فإذا فعلوا ذلك فاحذروهم”. وأخرج أو داود، والبيهقي، عن أبي هريرة، رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “من بدا فقد جفا، ومن اتبع الصيد غفل، ومن أتى أبواب السلاطين افتتن، وما ازداد عبد من السلطان دنوًا إلا ازداد من الله بعدًا”.

ثم إن هؤلاء الحكام اشتركوا مع أميركا في تحالفها الدولي لمحاربة الإرهاب، فهم يشتركون معها في غاراتها الدموية على أهل سوريا من غير إعلان، وكذلك أنشأت السعودية “التحالف الإسلامي العسكري لمحاربة الإرهاب” هو حلف عسكري أُعلن عنه في15 ديسمبر 2015 بقيادتها، يهدف إلى “محاربة الإرهاب على الطريقة الأميركية” وهو يضم 41 دولة مسلمة، ويملك التحالف غرفة عمليات مشتركة مقرها الرياض.

وبالخلاصة، فإن أميركا تتولى كبر محاربة عودة الإسلام إلى الحكم، وهي تقود دول العالم في هذه الحرب، وحكام المسلمين هم عملاؤها وأدواتها وشركاؤها في هذه الجريمة، والمسلمون في هذه الحرب محاطون بالظلم والظالمين من كل مكان، ويأتيهم الموت من كل جانب، ولكن هذه الحرب لم يستطع الغرب رغم كل إجرامه ومكره أن يحسمها لمصلحته، والتغيير المراد من هذه الحرب هو تغيير كوني تختلف حسابات الربح والخسارة فيه عن الحروب العادية، وعندما نقول ذلك فإن معناه أن موقف الغرب في هذه الحرب هو موقف الدفاع، والعمل على منع سقوط حضارتهم أمام حضارة الإسلام. وكلنا يذكر أنه في حمأة حرب أميركا العدوانية في العراق وقعت الأزمة المالية في أميركا وكادت تطيح بالنظام الاقتصادي الرأسمالي برمته. وهنا نذكر بكل ثقة بالله بأن التغيير الكوني قادم إن شاء الله، وسيتوَّج بإعلان الخلافة الراشدة بعون الله، وهذه البشرى تكاد تتحقق وبدأ يظهر شراعها ويقترب من بر الخلاص للمسلمين. وعلى الله قصد السبيل.

قال تعالى:( وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ)

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *