العدد 136 -

السنة الثانية عشرة – جمادى الأولى 1419هـ – أيلول 1998م

كلمة الوعي: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا)

تركيا تستعد للهجوم على سوريا، وإيران تستعد للهجوم على أفغانستان، وأهل أفغانستان يقاتل بعضهم بعضاً وجيش تركيا يتقاتل مع فريق من أهل تركيا، وبالأمس كان قتال في الكويت، وقبلها كان قتال بين العراق وإيران، وبين جنوب اليمن وشماله،… ومثل هذا الاقتتال بين المسلمين كثير!

فلماذا هذه الآفة بين المسلمين؟

قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «… وإني سألت ربي لأمّتي أن لا يهلكها بِسَنَةٍ (أي مجاعة) عامّة، وأن لا يسلّط عليهم عدواً من سوى أنفسهم فيستبيح بيضتهم (أي مجتمعهم)، وإنّ ربي قال: يا محمد إني إذا قضيت قضاءً فإنه لا يُرَدّ، وإني أعطيتك لأمتك أن لا أهلكهم بسنة عامة، وأن لا أسلط عليهم عدواً من سوى أنفسهم فيستبيح بيضتهم ولو اجتمع عليهم مَنْ بأقطارها، حتى يكون بعضهم يهلك بعضاً، ويَسْبي بعضهم بعضاً».

إذاً فهل هذه سُنَّةٌ مقضية على هذه الأمة أن تبقى في شقاق وتقاتل فيما بينها ؟ كلاّ، وإنما هذا مرض إذا حل بالأمة وقع فيها الشقاق والتقاتل، وهو يحل بالأمة بسبب سلوكها وما تكسب أيديها. هذا المرض هو الابتعاد عن الإسلام، فكلما زاد بُعْدُ الأمة عن الإسلام كلما زادت عليها الويلات والمصائب.

الأمة الإسلامية لا تهلك هلاكاً عاماً بسبب القحط والمجاعة، وكذلك لو اجتمعت أمم الأرض ضد الأمة الإسلامية فإنها لا تستطيع أن تقضي على الأمة الإسلامية إلا إذا حرضوا فريقاً من أبناء هذه الأمة ضد فريق آخر. فالأمة الإسلامية مُحَصَّنَةٌ من هاتين الناحيتين بفضل دعاء الرسول صلى الله عليه وآله وسلم الذي استجابة الله تعالى.

وأما دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم الثالثة أن لا يجعل الله بأس المسلمين بينهم فإن الله لم يستجبها بل ربطها بسلوك المسلمين ومدى التزامهم بالإسلام، فإن التزموا بالإسلام حبب الله بعضهم إلى بعض وألّف بين قلوبهم، وظلوا ظاهرين على عدوهم، وهانئين في عيشهم. وإن أعرضوا عن الله حل بهم الشقاء بتسلط بعضهم على بعض، وبتسلط الكفار على بعضهم، فقد قال تعالى: (فَمَنْ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا)، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه أوشك أن يعُمَّهم الله بعقاب منه». وقال صلى الله عليه وسلم: «والذي نفسي بيده لتأمُرنَّ بالمعروف ولتنهوُنَّ عن المنكر أو ليوشكنّ الله أن يبعث عليكم عقاباً منه ثم تدعونه فلا يُستجاب لكم».

التفرق والتقاتل حين يحصل بين المسلمين يكون، في الأعم الأغلب، أعداؤهم الكفار هم السبب في ذلك. فالكفار يتبعون سياسة «فرِّق تَسُـدْ». المسلمون أمة واحدة لها كتاب واحد، وشريعة واحدة، وقِبلة واحدة، ومقاييس واحدة، ومفاهيم واحدة، وشعور واحد. لم يجعل الإسلام أُخوّتهم في عنصريتهم أو عصبيتهم بل في إيمانهم بدينهم: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ)، قال صلى الله عليه وسلم: «أنظرْ فإنك لست بخير من أحمر ولا أسود إلا أن تفضله بتقوى الله»، وقال صلى الله عليه وسلم: «المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره». وعن ابن عمر قال: طاف رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة على ناقته القصواء … ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطبهم على راحلته فحمد الله تعالى وأثنى عليه بما هو أهل له ثم قال: «أيها الناس إن الله تعالى قد أذهب عنكم عيبة الجاهلية وتعظمها بآبائها، فالناس رجلان رجل بر تقي كريم على الله تعالى. ورجل فاجر شقي هيّن على الله تعالى، إن الله عز وجل يقول: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) ثم قال صلى الله عليه وسلم: وأقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم». وحين نجد المسلمين الآن ممزقين إلى بضع وخمسين دويلة نعرف أن هذا ليس من طبيعتهم ولا يرضاه دينهم، بل هو من وساوس الكفار وتحريشهم. وقد حصل هذا التحريش أيام الرسول صلى الله عليه وسلم من المنافقين بين المهاجرين والأنصار. وحصل من اليهود بين الأوس والخزرج، فقد ساء اليهودَ ما رأوه من الاتفاق والألفة بينهما في الإسلام بعدما كانا يتحاربان أيام الجاهلية، وكادت تقع الواقعة بين الأوس والخزرج لولا أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل يسكنهم ويقول: «أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم» وتلا عليهم قوله تعالى: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنْ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) فندموا على ما كان منهم واصطلحوا وتعانقوا وألقوا السلاح، رضي الله عنهم.

واليوم ها هم اليهود إياهم يحرّضون تركيا على سوريا. وهاهم الأميركان يحرّضون مختلف الفصائل المسلحة في أفغانستان للاقتتال فيما بينهم حتى دمّر بعضهم بعضاً ودمّروا بلدهم. وأميركا هي التي حرّضت حزب العمال الكردستاني ليعمل على تمزيق تركيا وإقامة دولة على أساس عنصري. وهي التي سعت لإقامة حكم ذاتي لأكراد العراق. وبقية الدول الغربية الاستعمارية الكافرة لا تقل خبثاً وكيداً للمسلمين عن أميركا واليهود.

ما هو المطلوب الآن لتلافي هذه الخصومات وهذا التقاتل بين المسلمين؟ المطلوب هو عمل آني سريع، وعمل جذري شامل. أما العمل السريع فهو تطبيق الآيتين الكريمتين: (وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ* إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ). فالخطوة الأولى هي الحجز بين المتقاتلين ومنع حصول القتال والإصلاح بين المتقاتلين. فإن كان أحد الطرفين هو الباغي فواجب المسلمين أن يردعوا الباغي عن بغيه ولو اشتركوا في القتال ضد هذا الباغي. وردع الباغي يكون بالنصيحة، ويكون بالإعلام، ويكون بالقتال لمن استطاع. وأما الذي لا يعرف الباغي من المبغي عليه فإنه يكتفي بمحاولة الإصلاح، إن كان مستطيعاً، ولا يقف إلى جانب طرف منهما.

إذا دققنا في الأمور نجد أن غالبية المتنازعين، هذه الأيام، باغون، ونجد أن الحكام عملاء إما لهذه الدولة الكافرة أو لتلك. ولذلك فإن الموقف الصحيح لا يكتمل إلا بتنبيه الأمة الإسلامية إلى خيانة حكامها وعمالتهم لأعدائها، وتفهيمهم أن هؤلاء الحكام هم أكبر سبب في هذا البلاء.

وبدل أن يركز المسلمون جهودهم على اقتلاع هذا السبب، نراهم يميلون مع هذا الفريق أو ذاك حسب عواطفهم أو أهوائهم أو مذاهبهم. فنسمع أن هناك من يتحمس لطالبان ضد إيران، وهناك من يتحمس لإيران ضد طالبان. طالبان تزعم أنها دولة إسلامية، وإيران تزعم أنها دولة إسلامية. والحقيقة ليست كذلك. والآن ليس الموضوع هو هذه النقطة، بل الموضوع أن اقتتالهم حرام، ولا يجوز لمسلم أن يشجع طرفاً على طرف، لا بقول ولا بفعل ولا حتى بسكوت. بل يجب على كل مسلم أن يستنكر اقتتال المسلمين. واندفاع الشيعة مع إيران والسنة مع أفغانستان هو اندفاع مع الهوى وليس مع الشرع.

تركيا لا يحل لحكامها أن يتحالفوا مع دولة اليهود الأعداء الغاصبين المحاربين، وهذه جريمة من أكبر الجرائم في حق المسلمين سواء في تركيا أو بقية العالم الإسلامي. ويجب على الشعب في تركيا وغير تركيا أن يسقط هؤلاء الحكام الخونة. وفي الوقت نفسه لا يجوز لحزب العمال الكردستاني أو غيره أن يعمل على تجزئة تركيا، لا من أجل الاستقلال ولا من أجل حكم ذاتي. فالعمل المطلوب هو توحيد المسلمين وليس تمزيقهم.

المسلم، وإن كان في القوات المسلحة، فإنه لا يجوز له أن يقاتل إخوانه المسلمين فالرسول صلى الله عليه وسلم يقول: «إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار» قالوا: يا رسول الله هذا القاتل فما بال المقتول ؟ قال: «كان حريصاً على قتل صاحبه». ويجب على الجندي أن يتمرد على أوامر قيادته، إذا كان يرى أن قيادته هي الطرف الباغي، لأنه: «لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق» ولو أدى تمرده إلى عقوبته. وإذا كان المسلم من أهل الرأي أو الحل والعقد فإن عليه أن يعمل بذلك، وإن كان من الحكام القادرين على ردع الباغي بالقوة فإن عليه القيام بذلك.

وأما العمل الجذري الشامل فهو الذي يرجى منه الحل الشافي بالفعل. العمل الجذري هذا يقوم على ثلاثة أسس:

أولها: العودة إلى مفاهيم الإسلام التي تنبذ العنصرية والقومية، وتعتبر أن المسلم أخو المسلم، وأن ميزان التفاضل ليس العِرْق وإنما هو التقوى والمفهوم الصحيح والعمل الصالح.

وثانيها: طرد وساوس شياطين الإنس الكفار من أميركان وإنجليز وفرنسيين وأمثالهم من الدول الاستعمارية، لأن هذه الدول هي التي هدمت الخلافة الإسلامية، وهي التي مزقت البلاد الإسلامية إلى مُزَقٍ صغيرة، ومزقت الأمة الإسلامية إلى قوميات وإقليميات متناحرة كي يسهل عليها إذلال المسلمين وأخذ خيراتهم. ويجب طرد حضارة هذه الدول الغربية لأن حضارتها تتصادم مع الحضارة الإسلامية. فهي دول عدوّة للأمة الإسلامية،  ويجب على المسلمين أن يعاملوها معاملة العدو: (إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا).

وثالثها: توحيد البلاد الإسلامية في دولة واحدة، أي إقامة الخلافة التي توحد البلاد الإسلامية والشعوب الإسلامية تحت ظل خليفة واحد. فإذا توحدت البلاد الإسلامية فلا تبقى هنالك مشاكل حدود، ولا اختلاف على مياه الأنهار، ولا يبقى حكام عملاء يوالون الأعداء ضد أمتهم، ولا تبقى الجيوش الإسلامية يحارب بعضها بعضاً، ولا تبقى خيرات المسلمين نهباً للدول الاستعمارية الكافرة، ولا نبقى أذلاء ضعفاء أمام اليهود وأمام الدول الغربية.

إن اعتصامنا بحبل الله هو تمسكنا بالإسلام كاملاً، وإن نصرنا لله هو الحكم بما أنزل الله. فلا تتخذوا أيها المسلمون قرآنكم ظِهْرِيّـاً: ( إِنْ تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ) .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *