العدد 471 -

السنة التاسعة والثلاثون، جمادى الأولى 1447هـ الموافق تشرين الأول 2025م

طبيعة الدعوة الإسلامية

 منذر عبدالله

الإسلامُ لا ينتظرُ اعترافَ النِّظامِ الجاهليِّ به، ولا يَطلبُ منه مساحةً يتنفَّسُ فيها. فهو دينُ القيادةِ والسِّيادةِ، لا يقبلُ الشَّراكةَ، بل يريدُ أن يعلوَ وحدَهُ، «الإسلامُ يَعلو ولا يُعلى»، كما قال صلى الله عليه وسلم.

فإن كنتَ تُؤثِرُ السَّلامةَ وتَخشى على مصالحِكَ، فلا تجعلْ خوفَكَ ذريعةً لتصغيرِ الإسلامِ أو تحويلِهِ إلى دعوةٍ وديعةٍ غايتُها العيشُ بسلامٍ تحتَ مظلَّةِ العَلمانيَّةِ.

إمّا أن تكونَ على مستوى الإسلامِ في كفاحِهِ وعنفوانِهِ في مواجهةِ الباطلِ، أو دَعْهُ وشأنَهُ، وابحثْ عن حياةٍ آمنةٍ لا صراعَ فيها ولا تضحياتٍ ولا ألمٍ.

مواجهةُ الباطلِ، وكشفُ زيفِهِ، وتحذيرُ الناسِ إيّاه، والدعوةُ إلى تركِهِ، ليست خيارًا بل فَرضٌ عظيمٌ.
كلُّ الأنبياءِ عليهمُ السَّلامُ سلكوا هذا الطريقَ، كانوا قادةً رَبّانيينَ لا يَخشَونَ إلّا اللهَ، فذاقوا الأذى والاضطهادَ في سبيلِ الحقِّ.

الإسلامُ لا يريدُ ترقيعَ العَلمانيَّةِ بالدعوةِ إلى الأخلاقِ كما يفعلُ البعضُ، ولا يريدُ تخفيفَ قسوةِ الرأسماليَّةِ بالدعوةِ إلى الصَّدقاتِ والعملِ الخيريِّ.

إنَّه لا يريدُ للمسلمِ أن يكونَ دجاجةً وادعةً في مجتمعٍ يطغى عليه الفسقُ والظُّلمُ، بل يريدُ منه أن يكونَ صداعًا بالحقِّ، مُكافحًا للباطلِ، يأبَى الخضوعَ للنِّظامِ الجاهليِّ، ويعمل على هدمِهِ وإقامةِ حكمِ الإسلامِ مكانَهُ.

(وَجَٰهِدۡهُم بِهِۦ جِهَادٗا كَبِيرٗا)، من قرأَ قصصَ الأنبياءِ ثمَّ عاشَ مُستسلمًا دونَ كفاحٍ للباطلِ أو صدعٍ بالحقِّ، مُفضِّلًا السَّلامةَ على المواجهةِ، ومُداهنًا النُّخبَ الفاسدةَ، فقد تنكَّرَ لطريقِهِم.

المواجهةُ اليومَ ليست خيارًا، بل فريضةٌ على كلِّ داعيةٍ ومسلمٍ غيورٍ. أمامَ الهجمةِ الشَّرسةِ على الإسلامِ. أنتَ – يا عبدَ اللهِ – بين طريقينِ: إمّا أن تُواجهَ وتُدافعَ عن دينِكَ وأمَّتِكَ، وإمّا أن تتخاذلَ، فتكونَ فريسة في معركةٍ لا ترحمُ. أنت على ثَغرةٍ من ثُغَرِ الإسلامِ، فلا يُؤتينّ من قِبلكَ، أمّا أولئكَ الذينَ يسعونَ لتحويلِ المسلمينَ في بلادِهم إلى أهلِ ذمَّةٍ، فإنَّهم يريدونَ أن يتنازلَ المسلمونَ عن دعوتِهم ورسالتِهم، وأن يقطعوا صلتَهم بقضايا أمّتِهم.

امتحنَ اللهُ بلالًا رضيَ اللهُ عنهُ في كلمةٍ واحدةٍ، فقالها بثباتٍ، فرفعَ اللهُ ذِكرَهُ وجعلَ اسمَه مقرونًا بالإجلالِ. وامتحنَ علماءَ اليومِ وهم يحفظونَ المجلداتِ، فسقطَ أكثرُهم عندَ أوّلِ اختبارٍ، لأنَّهم افتقدوا العلمَ الذي ينفعُ.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *