العدد 469 -

السنة التاسعة والثلاثون، صفر 1447هـ الموافق آب 2025م

مشكلة سوريا… المأزق والحل

محمد سعيد العبود

بعد أن أكرمنا الله عز وجل بإسقاط بشار بعد صمود الثوار الصادقين ورفضهم كل محاولات التطبيع معه استجد وضع جديد من الفراغ السياسي والأمني فُرض على أمريكا والنظام الدولي، وهو محاولة الإتيان بنظام جديد يجعلونه قادرا على ملء هذا الفراغ ويستطيعون من خلاله أن يخدعوا الأمة ردحا آخر من الزمن.

فكان أن تعاملت أمريكا مع الواقع الجديد بمرونة خبيثة، فأعلنت مساندتها لقائد هيئة تحرير الشام بديلا عن بشار الأسد لكونه القوة الأقوى في الثورة والأكثر تنظيما والأقدر على الإمساك بالوضع السوري الجديد، وقد سبق له تجربة حكم مصغرة عبر حكومة الإنقاذ في إدلب، أقيم بعد تصفية الفصائل والاقتتالات المتكررة التي راح ضحيتها الآلاف.

وهذا ما يروق لأمريكا ويعطيها الثقة بمن يشكل نموذجا للأنظمة الواقعية أيضا، وخاصة بعد إعلانه التخلي عن الجهاد العالمي وأممية الإسلام إلى القطرية، وبعدما أبدى استعدادا لتطبيق نظام حكم واقعي براغماتي يساير النظام الدولي ويلبي متطلبات الواقع المحيط به من دول عربية متناكفة وكيان يهودالطامع، كما أنه مستعد لاستيعاب التناقضات الداخلية من طائفية وعرقية وجماعات علمانية ودينية بمذاهب ومشارب مختلفة ومطالب الثوار وتطلعاتهم إلى تحكيم الشريعة الإسلامية، كل هذا المشهد المتناقض حول سوريا وبداخلها، والذي لا يمكن بحال من الأحوال التوفيق بين هذه المتناقضات التي ظن أحمد الشرع أنه قادر على اللعب على أوتارها ومسايرة أتباعها على غرار الحكم في تركيا رغم اختلاف الواقع بين تركيا وسوريا جذريا، ما أدخل سوريا في مأزق شديد التعقيد.

إن الذي دفع الرئيس السوري للمرحلة الانتقالية إلى هذا الخيار الخاطئ والمأزوم هو اختياره البحث عن رضا الدول التي تآمرت على ثورة الشام، والتي كانت تدعم المجرم بشار قبل سقوطه وعلى رأسها أمريكا، والخضوع لإملاءاتها وتوجيهاتها في الوقت الذي أدار ظهره لحاضنة الثورة السند الطبيعي القوي، وكذلك انقلب على ثوابت الثورة وعلى رأسها إقامة حكم الإسلام بعد إسقاط النظام المجرم.

إن غياب المبدئية لدى أحمد الشرع واعتماد سياسة تقوم على المصلحة العقلية التي هي عين البراغماتية وافتقار إدارتهإلى تصور الحل الإسلامي وضعف اليقين بموعود الله سبحانه بالنصر والتمكين تُعدّ أيضا سببا من أسباب سياسته المتبعة في سوريا.

إن عدم امتلاك المشروع الإسلامي الكامل والواضح الذي يحمل الحل فكرة وطريقة، والجهل بالواقع السياسي للعالم بشكل عام والأمة الإسلامية بشكل خاص، وعدم إدراك قوة الأمة الإسلامية وقدرتها على مواجهة التحديات واستخدام هذه القدرة في مواجهة أعداء الإسلام يوقع السياسي فريسة للشعور بالضعف والعجز ويجعله يفرّط بمكامن القوة التي تمتلكها الأمة، ما يجعله يتردى في مستنقع التبعية المطلقة للدول التي يظن أنها قادرة على دعمه وحمايته، ولكنه بذلك يتردى في مستنقع العمالة ويفقد سنده الطبيعي الذي يدعمه وقت الشدائد.

إن حصر التفكير في النطاق الوطني أهدر طاقات الأمة الإسلامية في حل مشكلاتها وعطّل دور سوريا في أن تكون نقطة ارتكاز لإقامة الخلافة على منهاج النبوة.

إن الحل الجذري في سوريا وغيرها يكمن في تطبيق شرع الله سبحانه وتعالى وإقامة حكمه، وهذا أمر ميسور ومقوماته متوفرة؛ من مشروع سياسي يحمله حزب سياسي هو حزب التحرير قادر وأهل لقيادة الأمة وتحمل المسؤولية واتخاذ القرارات الشجاعة والصائبة التي تخرج سوريا والأمة جمعاء من هذا المأزق والتبعية للغرب.

ومن المقومات لذلك أيضاً أمة الإسلام وما فيها من حشود كبيرة تطلب مرضاة ربها وتتوق إلى العز وتشتعل في داخلها جذوة الجهاد، إلى إمكانات كبيرة وعتاد كافٍ لمواجهة العدو، وفيها البلد الواسع ذو الخيرات والإمكانيات المادية من الطاقة والغذاء والماء والثروات.

إن هبّة أهل ثورة الشام يوم غدر الفلول في الساحل بالمجاهدين، وهبّة القبائل العربية في سوريا بل وفي العراق والأردن والخليج فزعةً لإخوانهم المسلمين من البدو في السويداء عندما غدر بهم بعض الدروز، لتدل دلالة واضحة على إمكانية تحريك قوى الأمة الإسلامية والاستنصار بها وفتح الحدود بل إلغائها مع الدول المجاورة واستقدام ملايين المجاهدين لمواجهة أمريكا وربيبتها كيان يهود وأدواتها في المنطقة، بالمبادرة في القضاء على الأدوات الداخلية، والدخول في حرب شاملة مع كيان يهود الذي بادر بالعدوان عندما دمر أسلحة الجيش السوري، وتحريك أهل فلسطين من الداخل ومسلمي مصر والأردن ولبنان كل من جهته ما سيسقط في أيدي الأنظمة العميلة ويؤدي إلى إسقاطها فعلا.

قد يرى بعض ضعاف الإيمان والثقة بوعد الله ونصره أن هذا الطرح ضرب من ضروب الخيال لكن حصل في تاريخ الأمة الإسلامية أمثاله الكثير من المعارك والمواجهات التي انتصر فيها المسلمون على أعدائهم من الروم والفرس.

على أننا إذا لم نقم بالاعتماد على قدراتنا وإمكاناتنا متوكلين على الله وحده فإن أمريكا وكيان يهود لن يتركونا ولن تنتهي طلباتهم العدوانية حتى يجعلونا في حالة شلل، فاقدي الإرادة والقرار، فمواجهتهم حتمية، وهي الحل الأمثل، مسترشدين بنهج النبي صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين، مطبقين شرع ربنا ومقيمين للدين بإقامة دولة الإسلام العظيم الذي فيه فلاحنا ونجاحنا في الدنيا والآخرة، وخلاصنا من ربقة التبعية للكفار.

قال تعالى: ( يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱسۡتَجِيبُواْ لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمۡ لِمَا يُحۡيِيكُمۡۖ وَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّ ٱللَّهَ يَحُولُ بَيۡنَ ٱلۡمَرۡءِ وَقَلۡبِهِۦوَأَنَّهُۥٓ إِلَيۡهِ تُحۡشَرُونَ ٢٤).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *