العدد 441-442 -

السنة الثامنة و الثلاثون، شوال – ذو القعدة 1444هـ الموافق أيار – حزيران 2023م

العقيدة في نشأة الكون ونظرية الانفجار الكبير (1)

 أيمن صلاح – الأرض المباركة فلسطين

وُجِدت مسألةُ نشأة الكون وما فيه، هل للكون بداية أم هو أزلي؟ منذ أن وجدت الفلسفة ووجد الفلاسفة. ووجد فريق يؤمنون بوجود خالق للكون، وفريق يقولون بأزلية الكون والحياة. وكان المسلمون يؤمنون بالخالق الواجب الوجود بالتفكير العقلي بالكون والإنسان والحياة كما وجههم القرآن. أما في الغرب فكانت الكنيسة تفرض على الناس الإيمان بالخالق بدون التفكير العقلي. ولما حصل فصل الدين عن الحياة ظهرت المسألة على الساحة العلمية، وأراد العلماء حلها بالطريقة العلمية، فوجدت نظرية الانفجار الكبير والتطور كتفسير لنشأة الكون ونشأة الحياة على الأرض. وبقي فريق العلماء الملحدين يقولون إن كل ما هو موجود مادي، وإن أي شيء غير مادي لا يدركه العلم لا وجود له، فتمسكوا بأن العلم لا يثبت وجود الخالق وتمسكوا بأن الكون أزلي. وحديثًا، أراد فريق من المفكرين المسلمين أن يستخدموا الطريقة العلمية والنظريات العلمية التي وضعها علماء الفيزياء والفلك عن نشأة الكون ليثبتوا وجود الله وصحة العقيدة الإسلامية، فساروا على طريقة العلماء الخَلقويين وأوَّلوا كثيرًا من الآيات لتوافق النظريات العلمية. فأنتجوا أفكارًا تخالف العقيدة الإسلامية؛ لأن هذه الطريقة في البحث مخالفة لطريقة التفكير العقلي ومخالفة لواقع القرآن وطريقة الاستدلال. 

مقدمة:

من المسائل التي كثر الجدل بشأنها منذ أن وجدت الفلسفة ووجد الفلاسفة هي مسألة نشأة الكون، كيف نشأ الكون وما فيه؟ هل للكون بداية أم هو أزلي؟ ولماذا وجد الكون والحياة والإنسان؟ هذه الأسئلة هي الأسئلة الوجودية التي تشكل العقدة الكبرى عند الإنسان، بالإضافة إلى الأسئلة عن الحياة، ما هذه الحياة وماذا بعدها، وما علاقة هذه الحياة بما قبلها وما بعدها؟! وهي أسئلة طبيعية عند كل فرد وصل مرحلة النضج العقلي. والوصول إلى الإجابات المقنعة للعقل والموافقة للفطرة سهلة ميسورة لكل من لم تتلوث فطرته بخزعبلات الفلاسفة؛ ولكن الفلسفة والفلاسفة وضعوا افتراضات كثيرة وأوجدوا جدلًا كبيرًا في المسألة. وكان الجدل يدور بين فريق يقول بأن الكون مخلوق لخالق، وفريق يقول إن الكون أزلي والحياة أزلية. وعند التفكير العقلي بالكون والإنسان والحياة يحصل الإيمان بالخالق الواجب الوجود، الذي يتصف بصفات الجلال والكمال الواجبة له كالوحدانية والألوهية والعلم والقدرة، وبالتفكير العقلي نعلم أن الخالق لا يجوز أن يتصف بأي صفة نقص كالحاجة لغيره أو مماثلته لخلقه. والإيمان بهذه الطريقة يحل العقدة الكبرى ويقنع العقل ويوافق فطرة الإنسان ويملأ القلب طمأنينة فلا يحتاج بعد ذلك إلى أدلة أخرى ولا يتسرب إليه الشك؛ ولذلك لم يكن هذا الجدل هو الشائع في الساحة الإسلامية، فالتفكير العقلي الذي يأمر به الإسلام كان كافيًا ليسكت كل الأفكار الإلحادية. أما في الغرب فكان رجال الدين يقولون بوجود الخالق بالتسليم وبدون التفكير العقلي، ولا ينزِّهون الخالق عن صفات النقص كالحاجة إلى الولد والتجزؤ (أب وابن وروح القدس)، وكانوا يمنعون التفكير العقلي الصحيح في أمور الدين كلها ومنها الإيمان بالخالق. وكل من يتفكر في أمور الدين كان يضطهد؛ ولذلك بقي الصراع على أشده حول هذه المسألة في الغرب، حتى إن كثيرًا من المفكرين والعلماء الغربيين كانوا يهتدون إلى وجوب وجود الخالق؛ ولكنهم يعتقدون أنه غير إله الكنيسة الذي يتصف بصفات النقص، ويقال إن نيوتن عالم الفيزياء الشهير كان من هذا الاتجاه.

وقد زاد الجدل في هذه المسألة في العقود الماضية ومنذ قرن تقريبًا في الدول الغربية مع ظهور المادية العلمية، وذلك بعد أن حصلت ثورة علمية في كافة المجالات، وأصبح العلم يحل كثيرًا من المشكلات، وارتضت المجتمعات الغربية فصل الدين عن الحياة، وتحييد رجال الدين عن أي معرفة أو فكر خارج الكنيسة، وكذلك عندما تمكن الملحدون الماديون وعلى رأسهم الحزب الشيوعي من إقامة دولة على أساس الفكر الإلحادي المادي. وأصبحت النظرة السائدة في الأوساط الفكرية والعلمية أن كل ما هو موجود مادي وأن أي شيء غير مادي لا وجود له. فظهرت في الغرب عدة تيارات على أساس فكرة كيفية نشأة الكون، فريق المؤمنين بالخالق بدون بحث فكري وهم أتباع الكنيسة، وفريق المؤمنين بأزلية المادة وأزلية الكون وعدم الحاجة لوجود خالق، وهم الملحدون الماديون، وفريق ثالث يجعلون العلم بمنزلة الإله، فلا يؤمنون إلا بما يستطيع العلم إثباته؛ ليصبح العلم بحد ذاته عقيدة فلسفية لها نظرة خاصة عن الكون والإنسان والحياة، رغم أنهم كثيرًا ما يعتمدون على تفسيرات فلسفية غيبية (غير علمية) لبعض المشاهدات. ومنشأ هذه الآراء هو عدم وجود الإجابات المقنعة من رجال الكنيسة، والنظرة القاصرة للحياة المادية التي أوصلت البعض إلى عدم التصديق إلا بالأشياء المحسوسة، فأراد العلماء أن يجدوا بالطريقة العلمية جوابًا للمسألة، يتم صياغته على شكل نظريات علمية تفسر وجود الكون والحياة.

نظرية الانفجار الكبير

كانت النظرية العلمية السائدة حول الكون ونشأته هي نظرية الكون المستقر وهي تقول إن له شكلًا كرويًا، وأن الكون ثابت منذ أن وجد، ولا يزال كذلك وسيبقى على ما هو عليه. وهذه النظرية تقرُّ بأن الكون محدود ويحتاج إلى خالق. وهناك نظرية الكون النواسي أو الكون المتذبذب (Oscillating universe) وهي تقول إن الكون ينفجر ويتوسع ثم يستنفذ طاقته في التوسع وتغلب عليه قوى الجاذبية فيعاود الانكماش، ثم ينفجر من جديد وهكذا، وعليه يعتبر الكون أزليًا بحسب هذه النظرية. وهناك نظرية الخلق المتجدد. ثم ظهرت نظرية توسع الكون والانفجار العظيم؛ حيث وجدت مشاهدات فُسرت على أن الكون يتوسع، وأن المجرات تتباعد عن بعضها، وقد بدأ الحديث في هذه النظرية في 1929م([1]).

تقول نظرية توسع الكون إن تباعد المجرَّات ليس بسبب حركتها باتجاهات مختلفة، ولكن المكان الذي هي فيه يتوسع وبالتالي تزيد المسافة بين المجرات. لم يشاهد العلماء المكان (الكون) يتوسع، ولم يشاهدوا المجرَّات تبتعد عن بعضها، ولم يلاحظوا زيادة المسافة بين النجوم؛ ولكنهم قالوا ذلك من تحليل طيف الضوء القادم من النجوم والمجرَّات البعيدة؛ حيث لاحظوا انزياح الطيف المرئي للضوء من البنفسجي الأزرق إلى الطيف الأحمر، واستنتجوا من ذلك أن مصدر الضوء يبتعد عنا، أي أن النجوم والمجرات تبتعد عنا. ثم قالوا بما أن الكون يتوسع اليوم فلابد أنه كان في السابق أصغر مما هو عليه اليوم، وأن النجوم والكواكب كانت متقاربة أكثر مما هي عليه اليوم، ورسموا تصورًا زمنيًا عكسيًا للتوسع تكون فيه المجرات متقاربة ثم متقاربة أكثر إلى أن تجعلها الجاذبية كتلة واحدة، ثم إن شدة الجاذبية تضغطها لتجعل مادة الكون صغيرة جدًا وكثيفة جدًا وسُميت بالمنفردة، وقد قَدَّروها في البداية بحجم البيضة، أو بحجم رأس الدبوس، ثم قدرها بعضهم بحجم الذرَّة أو لا شيء، وآخر التقديرات أنها جزء من مليون مليار مليار مليار من السنتيمتر، أي أقل من 10-33 سم، وهو ما يسمى في الفيزياء طول بلانك. واختلف هؤلاء العلماء في تقدير عمر الكون، أي الوقت الذي كان فيه الكون على هذه الحالة، فقدَّروها أولًا بـِ 25 مليار سنة، ثم ظهرت عدة تقديرات إلى أن وصلت إلى 13.7 مليار سنة. ويقول هؤلاء العلماء إنه في لحظة ليس لها أمس (أي لحظة الصفر لأنه لم يكن الزمان والمكان موجودًا) انفلقت أو انفجرت المنفردة ذات الكتلة متناهية الصغر عالية الكثافة لتتباعد أجزاؤها، ثم تتكون منها الذرات والنجوم، ثم تتكون العناصر والمركبات. وأطلق على نظرية نشأة الكون بهذه الطريقة مصطلح الانفجار العظيم أو (BigBang) في 1948م، علمًا أن الذين أطلقوا هذا الاسم لم يكونوا من المقتنعين بهذه النظرية وإنما أطلقوا الاسم من باب السخرية والتهكم؛ ولكنه أصبح هو الاسم الشائع للنظرية[2]. واستمر العلماء بالبحث عن دلائل علمية تدعم هذه النظرية، فظهرت لهم مشاهدات متعلقة بالأمواج الدقيقة الصادرة عن الإشعاعات الخلفية الكونية في 1965م، وبقايا الفوتونات والهيليوم التي اعتبروها دلائل على صحة نظرية الانفجار الكبير. يذكر أن هناك نظرية أخرى وضعت كبديل لنظرية الانفجار الكبير وهي نظرية الكون الثابت والخلق المستمر وهي تقول بأزلية الكون، وقد شاعت هذه النظرية في منتصف القرن العشرين، وانتهت هذه النظرية بموت القائلين بها وعدم تجدُّد أنصارها مع نهاية القرن العشرين.

ثم افترض القائلون بالانفجار الكبير أن هناك أشياء وجدت في اللحظات الأولى للانفجار الكبير ولا وجود لها في الكون اليوم لكن وجودها كان مرحليًا مثل جسيمات النيوترينو والكواركات والمادة ومضاد المادة، وكذلك قام القائلون بالانفجار الكبير بحساب سرعة تمدُّد الكون في كل مرحلة، ودرجات الحرارة والضغط وغيرها من المتغيرات الفيزيائية. واقترحوا آليات لتكون الذرات والعناصر في قلب النجوم، فعلى المستوى تحت الذري قالوا إنه كان هناك جسيمًا يسمى نيوترينو نتج من أول انفلاق للكتلة متناهية الصغر ثم كان يتفكك ليعطي بروتون وأليكترون. وكذلك قالوا إنه كان هناك المادة ومضاد المادة ويحصل بينهما. ونتيجة ذلك حصلت سلسلة تفاعلات واندماجات نووية أنتجت الذرات والعناصر. ووضعوا تفاصيل كثيرة ودقيقة فيها كثير من التكلُّف لعملية تكوُّن كل ما في الكون، وعندما كان يبرز أمر يصعب تفسيره أو عقبة في سير العملية تجدهم يضعون افتراضات لملء الفراغ في تسلسل الأحداث على نحو يتوافق مع تلك القوانين قدر المستطاع، ويتجاوز تلك العقبات قدر الإمكان.

ومن الواضح أن نظرية الانفجار الكبير التي وُضعت لتفسر نشأة الكون وتطوُّره وفق قوانين الطبيعة، تدل بشكل واضح أن للكون بداية، وكل ما له بداية فلابد أن يكون له نهاية؛ لذلك قام العلماء بتوقع السيناريوهات للتغيرات التي ستحدث في الكون في المستقبل إلى حين انتهائه، فإنهم قالوا إن قوانين الطبيعة والفيزياء تعمل اليوم على توسيع الكون، وستستمر هذه القوانين بالعمل، وستكون هناك عدة احتمالات في المستقبل، فإما أن يستمر الكون بالتوسع إلى ما لا نهاية، أو أن الجاذبية سيكون لها دور في وقف التمدُّد وأن الكون سينتهي بانسحاق عظيم معاكس للانفجار العظيم أو سيأفل وينكمش ويتلاشى تدريجيًا.   

ويعتبر علماء الفلك والحياة الذين يقتنعون بنظرية الانفجار العظيم إن هذه العملية جزء من نظرية متكاملة لنشوء الكون والحياة وتطوُّرها، ولا يجزئونها، فيعتبرون إن للتطور معنى واسعًا شاملًا حصل في عدة أحداث كبرى متتابعة زمنيًا ويمكن تقسيمها إلى ما يلي: 1- التطوُّر الفيزيائي الفلكي، وفيه نشأ الكون من عدم وتكوَّنت الأرض وتهيأت لتصبح صالحة للحياة، 2- التطوُّر الفيزيائي الكيميائي، وفيه تكونت ذرات العناصر المختلفة وبدأت تتفاعل لتكون بعض المركبات الكيماوية، وهذان القسمان هما المتعلقان بنشأة مادة الكون وتطوُّرها، 3- التطُّور البيولوجي، وفيه نشأت الحياة من مواد غير حية ثم تطوَّرت ونتج التنوع الهائل في الكائنات الحية من البكتيريا إلى الثدييات، ومنها ظهور الإنسان، وهذا القسم هو المشهور بالداروِنية. ويقولون إن الباحث في إحدى هذه القضايا لا يستطيع ولا ينبغي له أن يتجاهل الأحداث الأخرى، فهي متداخلة مترابطة وإن بدت كأحداث مختلفة ومنفصلة عند النظرة الأولى.

إن مسألة دلالة نظرية الانفجار الكبير على أن للكون بداية أعطت الشعور بالنشوة للاهوتيين؛ لذلك قال روبرت جاسترو عالم الفيزياء الفلكية في كتابه « الإله وعلوم الفلك»: بالنسبة للعالم الذي تعوَّد على الخطوات المنطقية يبدو وكأن قصة الانفجار الكبير تنتهي كحلم مزعج، لقد تسلَّق جبالًا من الجهل، وعندما وصل إلى الصخرة الأخيرة باتجاه القمة تم الترحيب به من قبل اللاهوتيين الذين يجلسون هنا منذ قرون([3]). ومن هنا وجد صراع بين اللاهوتيين والعلماء والفلاسفة حول تفسير نشأة الكون وتفسير نظرية الانفجار الكبير. وقد أدى ذلك إلى تميز عدة عقائد أو عدة آراء ومواقف في الغرب حول نشأة وهذه النظرية، وأهمها ثلاثة:

مدرسة الالحاد المادي العلمي واللاأدرية: وهم يقولون إن الكون نشأ من العدم تلقائيًّا أو أنه قديم أزلي لا أول له، ثم تطوَّر وأصبح صالحًا للحياة بفعل الصدفة والعشوائية، فكل الأحداث المذكورة كانت صدفة، والانفجار العظيم بكلياته وتفصيلاته ونتائجه كان صدفة، وأن تشكُّل البيئة الملائمة للحياة على كوكب الأرض كان صدفة، وأن نشوء الحياة كان صدفة، وليس ثمة حاجة للقول بوجود خالق مريد، وليس ثمة غاية من هذا الوجود. فإن خصائص المواد الموجودة في كل مرحلة من مراحل تطور الكون والقوانين الفيزيائية هي التي أثَّرت في تطور الكون وتشكُّل النجوم والمجرات، ولو تغيَّرت تلك الخصائص ولو شيئًا يسيرًا فسيتبعه تغير في معدل اتساع الكون وفي شكل الموجودات في الكون.

مدرسة الخَلقَويين الدينيين (من كلمة الخَلْق): وهم الذين يعتقدون إن الالٰه خلق جميع الموجودات خلقًا مباشرًا، فأنكروا نظرية الانفجار الكبير وأنكروا التطور البيولوجي. وهذه المدرسة هي امتداد لرأي الكنيسة وعلماء اللاهوت.

مدرسة أو حركة «التصميم الذكي»”IntelligentDesign Movement([4]):وهم يقولون بعجز الصدفة والعشوائية عن تفسير نشأة الكون والحياة. وإن الحياة على الأرض ونشوء الكون لم يكن بالإمكان أن يحصل إلا بعد ضبط دقيق وتعيير بالغ الدقة من مصمم ذكي لمجموعة كبيرة من الثوابت الفيزيائية الأساسية؛ بحيث لو اختلَّت هذه المعايير أو بعضها ولو اختلالًا يسيرًا فإنه لم يكن لينتج هذه النسيج الكوني، ولم يكن بالإمكان أن تنشأ هذه الأصناف العديدة من العناصر الكيميائية في قلب النجوم. فهم يقولون لابد من وجود مصمم ذكي (خالق) استخدم قوانين الطبيعة في خلق الكون والمادة الحية، والكائنات الحية الأولية، ثم جعل آلية التطور تعمل بتوجيه منه في تنويع الكائنات الحية حتى ظهر الإنسان. ويتفرَّع عن هذه المدرسة مدرستان: مدرسة التصميم الذكي والخلق الخاص ومدرسة التصميم الذكي والتطور الموجه.

وقد رد أنصار مدرسة الإلحاد المادي العلمي على فكرة التصميم الذكي بأنه لو تم الخروج عن ذلك الضبط لما امتنعت إمكانية وجود حياة ونظام كوني على شكل آخر غير الذي نعرفه. وقد أصبح رأي مدرسة الإلحاد المادي العلمي والعشوائية عن نشأة الكون بالانفجار الكبير والتطوُّر البيولوجي للمخلوقات الحية هي العقيدة العلمية في الجامعات الغربية، تملك السلطة وتحكُم على العلماء المخالفين بالهرطقة والحرمان. ويلاحق العلماء الذين يُدَرسون مفهوم الخلق ونظرية التصميم الذكي في المحاكم، وقد حصلت عدة محاكمات في أمريكا بهذا الخصوص في الفترة (1967-2005)م. وقد ذكر عشرًا من هذه المحاكمات الكاتبان مولين ماتسومورا ولويز ميد في مقال منشور على صفحة المركز الوطني لتعليم العلوم (National Center for Science Education) في أمريكا بتاريخ 6/6/2016م. والمقال بعنوان عشر قضايا محكمة كبرى حول التطوُّر والخلق « Ten Major Court Cases about Evolution andCreationism». وفي بداية هذه القضايا في 1968م أبطلت المحكمة العليا للولايات المتحدة قانونًا أساسيًّا في أركنساس يحظر تدريس التطور من المنظور الداروِني. ثم أصبحت المحاكم تقضي بمنع تدريس نظرية الخلق والتصميم الذكي واعتبرت أن الخلق والتصميم الذكي مفهوم ديني وليس علمًا ومن ثم منعت تعليمه في المدارس. وقد تمَّ طرد غير واحد من العلماء من وظائفهم لرفضهم عقيدة النشوء العشوائي للكون والكائنات الحية وتبنيهم نظرية الخلق والتصميم الذكي، واتهموا بالإرهاب الثقافي، وقد وردت قصص بعضهم في 2008م، في الفيلم الوثائقي «المطرودون: لا يُسمَح بالذكاء» (Expelled; No Intelligence Allowed). وأصبح أنصار المادية والعشوائية يتحكَّمون في منح الشهادات والجوائز([5] ) والتوظف والترقية وإقامة المؤتمرات ودعم الأبحاث ماديًا ونشر نتائجها في المجلات المحكمة. بالإضافة لامتلاكهم القدرة على التأثير على الرأي العام وعوام الناس من خلال وسائل الإعلام، وذلك بتصميم برامج ثقافية تعليمية وإنتاج الأفلام الوثائقية التي تروِّج لهذه النظرية كحقيقة مسلم بها مثل البرامج والأفلام التي تصدرها مجلة ناشيونال جيوغرافيك ‏الأمريكية. وكذلك من خلال برامج الترفيه مثل مسلسلات وأفلام الخيال العلمي التي تروج للنظرية.

وقد أدى الإرهاب العلمي من الماديين الإلحاديين إلى اندماج مدرسة الخَلقَويين مع مدرسة «التصميم الذكي والتطوُّر الموجه» وذلك عندما أعلن بابا الفاتيكان يوحنا بولس الثاني عام 1996م أن التطور لا يتعارض مع الكتاب المقدس إذا آمنا بأن الله هو الذي ينفخ الروح.

هذا ما كان في الغرب من نقاشات ونظريات، فما هو موقف المفكرين المسلمين من هذه الآراء والنظريات؟ هذا ما سنعرضه في البحث القادم.[يتبع]

[1]: أول من قال بهذه النظرية هو عالم الفلك الأمريكي إدوين هابل (Edwin Hubble).

[2]: الذي أطلق هذه التسمية هو السير فريد هويل وأطلق التسمية من خلال برنامج إذاعي لراديو بي بي سي الذي تم بثه في 28 مارس 1949.

[3]: هذا الاقتباس منقول من كتاب «لغة الله: العلم يقدم دليل الإيمان» لفرانسيزكو لينز.

[4]: يتزعم هذه المدرسة في الغرب فرانسيزكو لينز عالم البيولوجيا الجزيئية في أمريكا ورئيس مشروع الجينوم البشري الذي أعلنت نتائجه في 2003. ومؤلف كتاب «لغة الله: العلم يقدم دليل الإيمان». وستيفن ماير له عدة مؤلفات في الموضوع منها «شك داروين” و”توقيع في الخلية”
و”التصميم الذكي: فلسفة وتاريخ النظرية”.


[5] فمثلًا حُرِم السير فريد هويل من جائزة نوبل لعدم قبوله لنظرية الانفجار الكبير بالإضافة لرفضه نظرية النشوء التلقائي لأصل الحياة على الأرض

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *