العدد 441-442 -

السنة الثامنة و الثلاثون، شوال – ذو القعدة 1444هـ الموافق أيار – حزيران 2023م

أحداث السودان الدامية: البرهان – حميدتي… خيانة ما بعدها خيانة

إن الصراع على الحكم في السودان ليس حديثًا، وما يجري اليوم من صراع دموي لا يرحم إنما هو بترتيب أمريكي لكل من قائد الجيش عبدالفتاح البرهان ومحمد حمدان دقلو “حميدتي” قائد قوات الدعم السريع لكي لا ينتقل الحكم إلى (المكون المدني) المرتبط بالإنجليز والأوروبيين. فأمريكا بدت أنها تديره أكثر مما هي تستنكره، وهي اختارت لهذه المهمة القذرة قرنين أسوئين لا غَيرةَ لهما على أهلهما متعطشين للسلطة، ذوَيْ سجل دموي صادم، وهما بحكم موقعهما يمسكان بقوى البلد العسكرية، ومعنى هذا أن صراعهما سيدمر البلد… والمعهود على أمريكا تخطيطها الفائق الأجرام بحق المسلمين في كل بلادهم، والذي لا يبقي بشرًا على بشر ولا حجرًا على حجر… والآن جاء دور السودان الطيب بأهله، الغنيِّ بموارده، الفقيرِ في معيشته، المبليِّ بحكامه، مثله مثل سائر بلاد المسملين…

عم، اندلعت الأحداث الدامية هذه في شهر رمضان الذي يعرف المسلمون أنه شهر الفتوحات والانتصارات، وليس شهر القتال الحرام،… اندلعت من غير احترام لحرمته، وبدأ مسلسل تدمير السودان بيديهما القذرتين، وقد توقَّع مسؤولون أمريكيون أن هذه الأحداث الدامية ستطول، وهذا يعني أن مخططهم قد رسم لتطول، وما تصريح بلينكن من أنه صراع داخلي إلا من قبيل التدخل السرطاني الذي عملوا ويعملون في الكواليس على استفحاله، وما التركيز على عملية الإجلاء الواسعة لرعايا الدول الأجنبية والعربية إلا إشارة واضحة إلى أن هناك مسلسلًا مأساويًّا طويلًا بدأت فصوله للتوِّ مع هذين الرجلين اللذين يبدوان أنهما لا يحملان فضيلة واحدة… وإننا إذا نظرنا إلى أن لدى كلٍّ من هذين الرجلين شهوة جامحة للوصول إلى الحكم، فإن هذا يفتح باب التحليل على فكرة تقسيم السودان كأمر واقع بعد هذا الصراع الدموي الذي لن يستطيع أحد منهما أن يحسمه، بحسب الخطة الأمريكية؛ وبهذا تقسم أمريكا السودان إلى منطقتي صراع، وتحعل على كل واحدة منها أحد أميري الحرب هذين، وبهذه الخطة يبدو أنه لن يبقى هناك (مكون مدني) سابق تابع للإنجليز ولأوروبا منافس لها على الحكم.

لقد بات مألوفًا على المشهد السياسي والعسكري في مثل هذه الصراعات الداخلية أن أمريكا تعمل في الخفاء على التآمر على الشعوب عبر وضعاء وضعهم في مراكز القوى في هذا البلد، ثم يهيئ ساحة البلد للكباش والصراع بينهم، وهؤلاء الوضعاء يهيئ لهم عملاؤه الإقليميون من حكام المسلمين الآخرين لكي يمدُّوهم في الغيِّ ولا يُقصرون؛ وعليه فإن ما يحدث من مآسٍ إن هو إلا بتدبير وتخطيط خارجي، ومساعدة إقليمية وتنفيذ محلي داخلي… فقد بدأت المعارك وبدأ معها تركيب المشهد المأساوي الذي تقوم معه وسائل الإعلام المحلية والفضائيات الإقليمية والدولية بإظهاره: إحصاء الضحايا والخسائر وتصوير مشاهد القتل والخراب والدمار والتعليق عليه، والتركيز على الحالات الإنسانية من نزوح وإيصال المواد الإغاثية والخطورة التي تكتنفها ومحاصرة المدنيين، ونقل أخبار الاشتباكات العسكرية واحتلال المراكز الرسمية والعسكرية المتبادلة، ونقل التصريحات والاتهامات المتبادلة بين هذين القرنين، وتقديم التحليلات التي تجيِّش صدور المقاتلين وتجعل الناس منفعلين غير فاعلين، يميلون إلى هذا الطرف أو ذاك للوصول في النهاية إلى تفكيك وتدمير البلد سياسيًا وعسكريًّا…

أما ما هو مرفوض أن يكون مألوفًا فهو أن نرى الناس يأخذون موقع الضحية ولا ينشغلون إلا بكيف سيؤمنون أنفسهم وحياتهم وعائلاتهم وبيوتهم وأرزاقهم… بينما عليهم أن تكون لهم كلمتهم فيما يحدث، عليهم أن يقفوا في وجه هذه المؤامرة بقوة، وأن يعلنوا أن المتخاصمين هم عملاء وأصحاب مصالح خاصة وأنهم يلفظونهم، وأن هؤلاء لا يمثلونهم… وهنا يأتي الكلام على أن يكون لدى الناس أحزاب سياسية إسلامية مخلصة وواعية تعبر عن تطلعات أهل السودان المسلمين الطيبين، لا أحزاب علمانية تابعة عميلة منقطعة الصلة مع الناس… إن الغرب الكافر يكره أن يكون للناس توجه نحو تحكيم دينهم في حياتهم؛ لهذا أوجد لهم أحزابًا سياسية علمانية لا ظلَّ لها، منتفشة ليس لها وزن ولا تمثيل، أخذت دورها من السفارات التي أنشأتها ومن وسائل الإعلام التي روجت لها… نعم على الناس أن يشكلوا ضغطًا فاعلًا يضع حدًّا لهذا الصراع، هذا على الأقل… أما المطلوب شرعًا فهو أن تكون للناس كلمتهم في التغيير، بإسقاط هذه الأنظمة الحاكمة وإقامة حكم الله بدلها، وهذا وحده من سينقذ المسلمين في الدنيا والآخرة.

كذلك، فإن ما هو مرفوض أن يكون مألوفًا أن يكون أفراد الجيش السوداني، ضباطًا وأفرادًا، مشاركين في هذا الصراع من غير أن يكون لهم فيه ناقة ولا جمل… فلا يجوز لمن كان من قبل مع قوات الرد السريع أن ينخرط معهم في القتال على أهداف حميدتي، ولا لمن كان من قبل مع قوات الجيش أن يقاتل على أهداف البرهان… فهذا لا يجوز، وحرام على المسلمين أن تلتقي سيوفهم على بعضهم فالقاتل والمقتول في النار، ولا يعذر أحدهما أمام الله بشيء، فعن أبي بكرة قالَ سَمِعْتُ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يقولُ: «إذَا التَقَى المُسْلِمَانِ بسَيْفَيْهِما فَالقَاتِلُ والمَقْتُولُ في النَّارِ، فَقُلتُ: يا رَسولَ اللَّهِ، هذا القَاتِلُ فَما بَالُ المَقْتُولِ؟ قالَ: إنَّه كانَ حَرِيصًا علَى قَتْلِ صَاحِبِهِ»… فعلى كل واحد من هؤلاء أن يكون من أنصار دينهم لا من أنصار البرهان ولا حميدتي، وإلا كانوا معهم في النار، قال تعالى: (إِنَّ فِرۡعَوۡنَ وَهَٰمَٰنَ وَجُنُودَهُمَا كَانُواْ خَٰطِ‍ِٔينَ).

إن هذا الصراع الدموي يبدو أنه مخطط له أن ينتهي بانقسام البلد، وأن يخلع كل من البرهان وحميدتي لباس العسكر ويلبس اللباس المدني، ويمسك بزمام الحكم… وهكذا تصل أمريكا ودول الغرب، عبر العملاء والأذناب والخونة والعلمانيين إلى الحكم.

أيها المسلمون في السودان، إن لله عليكم، وعلى سائر الشعوب الإسلامية، حقًّا، وهو أن تقوم حياتكم على أمر الله، وأن تتحاكموا لما أنزل الله، وأن تنصبوا حاكمًا عليكم يحكمكم بما أنزل الله، وأن تعيشوا بهذا وأن تموتوا عليه وفي سبيله. وما يحدث لكم، ولسائر المسلمين في بلادهم، والتي يجب أن تكون بلدًا واحدًا، من سلب إرادتكم وجعلكم فريسة أطماع الغرب، وضحايا مخططاتهم… عليكم أن تعلنوا رفضكم له ولما فرض عليكم من قيادات عسكرية خائنة مجرمة باعت دينها لأسيادها مقابل لعاعة من دنيا لا تساوي شيئًا… وكذلك عليكم أن تعلنوا رفضكم لما فرض عليكم من جماعات سياسية علمانية وإعلان أنها لا تمثلكم في شيء، وأن الذي يمثلكم هو من يحمل مشروع الخلاص الوحيد لكم، مشروع الأمة الواحدة، في ظل دولة الخلافة التي تحفظ عليكم دينكم، وتؤمن لكم معيشتكم وأمنكم، وتفتح أمامكم باب نشر الإسلام إلى العالم كله، هذا ما يرضي الله وهذا ما خلقكم لأجله… فقوموا وعبروا عن هذا الأمر رافضين كل  ما يحدث، وتوقفوا عن مجرد قبولكم أن تكونوا ضحايا… وأعلنوا براءتكم من هذين القرنين الأسوئين، بل وحمِّلوهما مسؤولية كل قتل وترويع وتدمير وخراب يصيبكم ويصيب دياركم… 

أما أنتم أيها الضباط والجنود في الجيش السوداني، فأنتم الآن مربط الفرس التي يجب أن تكون بيد فارسها من أجل نصرة دين الله… فأنتم أيها الضباط والجنود، سواء أكانت خدمتكم في الجيش أم في قوات الرد السريع، مسلمون قبل كل شيء، والمطلوب منكم ابتداء تجاه هذه الأحداث الدامية أن لا تكونوا أدوات قتل بيد المجرمين من المتصارعين ولا بيد الكافرين من دول الغرب، وأن لا تقوموا بتخريب دياركم على أيديكم، أن لا تقتلوا أهاليكم ولا تدمروا بلادكم بأنفسكم… عليكم أن تقفوا من أول لحظة في وجه القتال وتهدِّدوا القائمين عليه وتنزعوا الشرعية منهم ولا تنصاعوا لأوامرهم… عليكم من قبل هذه الأحداث وخلالها، وبعدها أن يجرَّكم إيمانكم إلى نصرة دين الله وحده، فهذا واجب شرعي عليكم… عليكم أن تكونوا القوة التي توصل الإسلام إلى الحكم؛ لتنتهوا نهائيًّا من مثل هذه الأوضاع الأكثر من مأساوية.

أيها الضباط والجنود المسلمون، كونوا أنصارًا لله لا لغيره، واعلموا أن الله سائلكم يوم القيامة عما تقومون به، فهل تقبلون أن تحشروا مع البرهان أو حميدتي كما يحشر جنود فرعون وهامان مع فرعون يوم القيامة؟هل يجوز أن تنفذوا أوامر رؤسائكم في قتل أهاليكم وتدمير أرزاقكم، وتمكين أمريكا من الوصول إلى استلام الحكم في السودان عبر أحد هذين القرنين؟ هل يجوز أن تكون (إسرائيل) هي المستعان بها للوساطة في هذه الأحداث المؤلمة؟ ألا يفكر الواحد منكم بمدى دناوة كل من هذين القرنين المتصارعين حين تكون لهما علاقة بـ(إسرائيل) أو حين يبدؤون قتالهم المصلحي في شهر رمضان… إن مئات القتلى وآلاف الجرحى وعشرات آلاف النازجين والمشردين، والأعداد قابلة للمضاعفة، هم في رقبة البرهان وحميدتي يوم القيامة، فهل تقبلون أن تكونوا مسؤولين عنها أمام الله كذلك؟!.

أيها الضباط والجنود المسلمون، هلموا إلى نصرة دينكم، واستجيبوا لنداء ربكم لكم بقوله تبارك وتعالى: (يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ كُونُوٓاْ أَنصَارَ ٱللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ٱبۡنُ مَرۡيَمَ لِلۡحَوَارِيِّ‍ۧنَ مَنۡ أَنصَارِيٓ إِلَى ٱللَّهِۖ قَالَ ٱلۡحَوَارِيُّونَ نَحۡنُ أَنصَارُ ٱللَّهِۖ فَ‍َٔامَنَت طَّآئِفَةٞ مِّنۢ بَنِيٓإِسۡرَٰٓءِيلَ وَكَفَرَت طَّآئِفَةٞۖ فَأَيَّدۡنَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ عَلَىٰ عَدُوِّهِمۡ فَأَصۡبَحُواْ ظَٰهِرِينَ ١٤)

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *