العدد 352 -

السنة الثلاثون جمادى الأولى 1437هـ – شباط / آذار 2016م

التنمية شعار برّاق وواقع مظلم قبيح

بسم اله ارحمن الرحيم

التنمية شعار برّاق وواقع مظلم قبيح

إبراهيم عثمان أبو خليل- السودان

إن شعار التنمية من الشعارات البراقة، والوعود الكاذبة المضللة، وهي الكلمة السحرية التي يستخدمها الغرب لتفتح له الأبواب المغلقة؛ فعبرها يدخل المستعمر الغربي إلى بلادنا، ويتحكم في مواردنا الطبيعية، ويحدد لنا كيفية استخراجها وكيفية استخدامها بما يحقق مصلحته. وقبل أن نبين مدى التضليل الذي يسوقه الغرب  في ما يسمى بالتنمية في عالمنا الإسلامي وغيره، كان لا بد لنا أن نعرف ما هي التنمية، وماذا يراد بها، وكيف تمارس على أرض الواقع؟

فالتنمية لغة هي من نما، ينمو، إذا زاد الشيء وكثر، واصطلاحاً تحقيق زيادة سريعة تراكمية ودائمة، عبر فترة من الزمن، في الإنتاج والخدمات نتيجة استخدام الجهود العلمية لتنظيم الأنشطة المشتركة، الحكومية والشعبية. أما تعريفها عند هيئة الأمم (وهو التعريف الذي اعتمد في العام 1956م)؛ هي العمليات التي بمقتضاها توجه الجهود لكل من الأهالي والحكومة لتحسين الأحوال الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في المجتمعات المحلية لمساعدتها على الاندماج في حياة الأمم والإسهام في تقدمها بأفضل ما يمكن.

وواضح من هذه التعريفات أنها شعارات جميلة تأخذ بالألباب، ولكننا عندما نرى التطبيق على أرض الواقع لا نجد إلا عكس ما قيل وما قرر، فتحسين الأحوال الاقتصادية هو خرابها عبر مشاريع استهلاكية فاشلة، تقام بمليارات الدولارات، ثم تكون ديوناً مركبة (ربا) على هذه البلاد، لا يستطيع أي بلد الفكاك منها، فيضحى أسير الدائنين، أما تحسين الأحوال الاجتماعية عبر حقوق المرأة والجندرة، فلن تؤدي إلا إلى التفسخ الأخلاقي، والتفكك الأسري، وإخراج المرأة من طهرها وعفافها، وجعلها سلعة تباع وتشترى عبر شركات الترويج الإعلاني العاهر. وأما تحسين الأحوال الثقافية فالمقصود منه إخراج المسلمين من نور إسلامهم وأحكام ربهم، والدخول في ظلمات الكفر والضلال والإلحاد.

إنهم عندما يتحدثون عن التنمية في وثائق التنمية الأممية، فهم يروِّجون للنمط الغربي المادي في التجارة والاستثمار بما يخدم بالأساس الدول الرأسمالية الكبرى، وبخاصة أصحاب الشركات العابرة للقارات، وتكون المحصلة: أقلية تزداد غنىً، وأكثرية تزداد فقراً. وقد شهد على ذلك أحد الاقتصاديين الأميركيين، وألّف كتاباً بيَّنَ فيه كيف تغتال الأمم والشعوب عن طريق هذه التنمية الكاذبة، فقد ذكر جون بيركنز في كتابه (الاغتيال الاقتصادي للأمم) أن مديونية العالم الثالث 2.5 ترليون دولاراً، وخدمة هذه الديون (الربا) بلغت (375) مليار دولار سنوياً في العام 2004م، وهو رقم يفوق ما تنفقه كل دول العالم الثالث على الصحة والتعليم، ويمثل عشرين ضعفاً لما تقدمه سنوياً الدول المتقدمة من مساعدات خارجية، ويدعي (بيركنز) أنه والخبراء الاقتصاديون قاموا بتطويع اللغة لتغليف استراتيجيتهم في النهب الاقتصادي، وذلك باستخدام مفاهيم مثل (الحكم الرشيد، وتحرير التجارة، وحقوق المستهلك)، والدول التي تقتنع بهذه المفاهيم فهي مطالبة بخصخصة الصحة والتعليم وخدمات المياه والكهرباء، وهي مضطرة بعد ذلك إلى إلغاء الدعم، وجميع القيود التجارية التي تحمي الأعمال في البلاد، بينما عليها القبول باستمرار أميركا وشركائها من الدول الصناعية الكبرى في تقديم الدعم لقطاعات أعمالها، وفرض القيود لحماية صناعتها.

وقد قدم جون بيركنز لكتابه (الاغتيال الاقتصادي للأمم)، وهو كتاب جدير بالقراءة، قدّم له بقوله: «قراصنة الاقتصاد» وهم خبراء محترفون، ذوو أجور مرتفعة، مهمتهم هي أن يسلبوا ملايين الدولارات بالغش والخداع من دول عديدة في سائر أنحاء العالم، يحوِّلون المال من البنك الدولي، وهيئة المعونة الأميركية (USAID) وغيرها من مؤسسات المساعدة المالية الدولية ليصبُّوه في خزائن الشركات الكبرى، وجيوب حفنة من العائلات الثرية التي تسيطر على الموارد الطبيعية للكرة الأرضية، ووسائلهم في تحقيق ذلك تشمل اصطناع التقارير المالية، وتزوير الانتخابات والرشوة والابتزاز والجنس والقتل، يلعبون لعبة قديمة قدم عهد الإمبراطوريات، لكنها تأخذ أبعاداً جديدة ومخيفة في هذا الزمن، زمن العولمة.

ويرى بيركنز في النهاية أن هذه الإمبراطورية العالمية تعتمد على كون الدولار العملة القياسية، فلأميركا الحق في طباعة الدولار، وبالتالي يمكنها تقديم القروض بهذه العملة، مع إدراكها الكامل أن ما يسمى بالدول النامية (والعالم الإسلامي جزء من هذه البلاد)، لن تتمكن من سداد الديون، وأميركا لا تريد لهذه الديون أن تسدَّد؛ لأن ذلك هو السبيل الأميركي لتحقيق الأهداف السياسية والاقتصادية والعسكرية على هذه البلدان، ويفترض بيركنز أن حرية طبع النقد الأميركي دون غطاء هي التي تعطي لاستراتيجية النهب الاقتصادي قوتها، لأنها تعني الاستمرار في تقديم قروض بالدولار لن يتم سدادها. هذه الشهادة من قرصان اقتصادي، أقوى شهادة وأظهر برهان على أكذوبة التنمية في بلادنا، وتبين مدى الاستنزاف الرهيب لمواردنا وطاقات بلادنا، في ظل خنوع وخضوع حكام هذه البلاد للغرب الكافر المستعمر، يمرِّرون له أجندته الخبيثة، ومخططاته الجهنمية، ويساعدونه على سرقة ثرواتنا، وتخريب بيئاتنا، وجعلنا من أفقر البلاد رغم غناها الظاهر والباطن.

لن تكون هناك تنمية حقيقية في العالم الإسلامي، وبقية أجزاء العالم المقهور، إلا على يد دولة مبدئية عادلة وراشدة، همها رعاية شؤون الناس، وإيجاد الحياة الهانئة الرغيدة، عبر أحكام المبدأ، وليس ذلك إلا دولة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة، التي أظلَّ زمانها، وآن أوانها، لتخلص البشرية من ظلم الرأسمالية وجشعها، إلى عدل الإسلام ورحمته.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *