العدد 424 -

السنة السادسة والثلاثون، جمادى الأولى 1443هـ الموافق كانون الأول 2021م

استعادة سلطان الأمة بإسقاط الأنظمة وإقامة دولة الخلافة(1)     

المهندس :ناصر وحان اللهبي – اليمن

سُلبت الأمة سلطانها منذ سقوط آخر خليفة للمسلمين في دولة الخلافة العثمانية سنة 1924م، والتي حكمت عدة قرون. والسلطان في دولة الخلافة جعله الشرع بيد الأمة الإسلامية كحق شرعي من حقوقها، ولم يكن نتيجة صراع سياسي على السلطة، أو حق انتخابي كفله لها الدستور ليحافظ على توازن الحكم ما بين الحاكم والمحكوم، أو استحقاق دستوري من وضع البشر كما تقول الديمقراطية؛ بل هو حكم شرعي مبني على أحكام شرعية، كالحقوق العامة، وحق البيعة، وحق الشورى والمحاسبة والطاعة للحاكم الشرعي، وعدم الطاعة لمغتصب السلطة، والذي يجب قتاله إذا رفض التنحَّي عن الحكم أو رفض تصحيح الغصب بأن يطلب البيعة من الأمة؛ فإن بايعته فقد تم إعادة السلطان للأمة، وإن رفضته فقد تمَّ أيضًا إعادة السلطان للأمة… فالأمة هي التي عليها شرعًا أن تعيِّن سلطانها.

إن أدلة البيعة والشورى والطاعة وأحكام الخروج على الحاكم الذي أظهر الكفر البواح وغيرها من الأحكام الشرعية… هي أدلة يحفل بها القرآن، وهي كانت واضحة جلية في سنَّة النبي صلى الله عليه وسلم وسيرته، وهي كانت مطبَّقة بشكل ظاهر في عهد الخلفاء الراشدين المهديِّين من بعد الرسول صلى الله عليه وسلم، ويجب تطبيقها في كل عهود المسلمين، ويحسن تطبيقها إرضاء لله سبحانه وتعالى وضمانًا لحق الأمة في ممارسة سلطانها. فالسلطان للأمة يحاسبها الله عليه إن مارسته، وإن قصرت به؛ لذلك على الأمة أن تحافظ على حقها في البيعة والمحاسبة… وعن واجبها في الطاعة والنصرة والولاء…

وقد حصل انحراف في قضية السلطان للأمة في مختلف عهود الحكم، وأولها قضية ولاية الحكم، وعلى الأمة اليوم أن تستعيد الحكم بما أنزل الله، وتستعيد فيه السلطان بوضع قواعد ونهج مبنيٍّ على الأدلة الشرعية تكون فيه «السيادة للشرع والسلطان للأمة» كأحد قواعد نظام الحكم في الإسلام… وعلى الأمة كذلك الرفض القاطع لسلبها سلطانها أو إكراهها وإجبارها على بيعة حاكمها أو تزييف إرادتها بالترغيب أو الترهيب أو التزوير، أو أخذ السلطة بالانقلاب والغصب، أو بالغلبة والقوة…

ولقد أدرك أعداء الأمة من الغرب الرأسمالي الكافر الذي يتحكَّم بمقاليد الحكم في بلاد المسلمين قوة القاعدة الشرعية «السيادة للشرع والسلطان للأمة» وقوة صيانة الحكم الإسلامي وضوابطه بأن يكون السلطان بيد الأمة، فاتخذوا خططًا وأساليب لمنع الأمة من ممارسة حقها الشرعي هذا، وأوجدوا (السلطان المصطنع) وهو سلطان غير حقيقي (مزيف) من صنع الكافر المستعمر لغاية إبعاد الأمة عن تحكيم دينها، وخدمة مصالح هؤلاء الأعداء من قبل حكام متسلِّطين على رقاب الأمة؛ ليتحكموا من ورائهم في شؤون البلاد والعباد، ويغيروا الأفكار والثقافات، وينهبوا الثروات، ويؤخروا الأمة في جميع مجالات الحياة، ويمنعوها من اكتساب القوة… وأعدُّوا من أجل حماية هذا التغيير المصطنع الجيوش والقوى المؤثرة في المجتمع لحماية هذا السلطان المزيف، وصنعوا الرموز (الدمى) من حكام ووسطهم السياسي لإيهام الأمة الإسلامية أن الحكم بيدها، أو أنها تمارس حقَّها في اختيار الحاكم وفي إعطائها السلطان له!!

ومع هذا المفهوم الشرعي الصحيح الذي يعطي للأمة السلطان ويجعل الحاكم يحكم باسمها نيابة عنها، ومع هذا الواقع الخاطئ الذي فرضه الغرب الكافر الذي يقوم فكره على فصل الدين عن الحياة… قيَّض الله سبحانه وتعالى، بفضل منه ومنَّة، لهذه الأمة من أهل الايمان والفكر المستنير والعلم الشرعي القويم، من تبنَّى منهاجًا لكيفية إقامة سلطان الإسلام بناء على الأدلة الشرعية، وهو «حزب التحرير» لاستئناف الحياة الإسلامية بقواعدها وطريقتها المستقيمة التي لا عوج فيها، والعمل على إيجاد الحكم بما أنزل الله تعالى عن طريق إقامة دولة الخلافة الراشدة الثانية التي سوف يكون السلطان فيها للأمة، والتي تضع حدًّا لكل مؤامرات أعداء الله تعالى من صليبيين وصهاينة وعملائهم ومنافقيهم وأذنابهم ومن لفَّ لفَّهم، والقضاء على كل مخططاتهم لإقصاء الإسلام عن الحكم.

السلطان في اللغة العربية :

السلطان من السلاطة التي هي الانبساط بالقوة، وهو مشتق من اللفظة (سلط) التي تفيد معنى القوة والقهر، ومن (السلط) الذي هو القهر والسلطان، وهو الحجة. فالسلطان: قوة ونفوذ وسيطرة وتمكين. ووردت لفظة السلطان بمعنى الحاكم والوالي والخليفة والرئيس، فسلط الرجل: أي أطلق له السلطان والقوة والقدرة، وسلطه عليه: مكَّنه وحكَّمه وجعل له سلطة عليه. والسلطان: صاحب الأمر والكلمة النافذة، وهو: قدرة من جعل ذلك له وإن لم يكن ملكًا كقولك: قد جعلت لك سلطانًا على أخذ حقي من فلان. ويسمى السلطان ذو البصائر لتنويره الأرض وكثرة الانتفاع به، أو لأنه بمعنى الحجة، وإنما قيل للخليفة ذو سلطان أي ذو الحجة، وقيل لأنه به تقام الحجج والحقوق.

قال أبو بكر: في السلطان قولان: أحدهما أن يكون يسمى لتسليطه، والآخر أن يكون سمي لأنه حجة من حجج الله، ويؤيده الحديث: «السلطان ظل الله في الأرض، يأوي إليه كل مظلوم من عباده، فان عدل كان له الأجر»… وقال الفراء : إن السلطان يذكر ويؤنث: والسلطان عند العرب: الحجة، فمن ذكَّره ذهب به إلى معنى الرجل، ومن أنَّثه ذهب به إلى معنى الحجة… وقيل السلطان: القوة على تنفيذ الأمر. وقيل: القدرة على تنفيذ الأمر.

 

السلطان في القرآن الكريم:

ورد لفظ (السلطان) في القرآن الكريم في تسعة وثلاثين موضعًا، جاء في موضعين بصيغة الفعل، أحدهما: قوله تعالى: (وَلَوۡ شَآءَ ٱللَّهُ لَسَلَّطَهُمۡ عَلَيۡكُمۡ) [النساء: 90]، ثانيهما: قوله عز وجل: (وَلَٰكِنَّ ٱللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُۥ عَلَىٰ مَن يَشَآءُۚ ) [الحشر: 6] وجاء في سبعة وثلاثين موضعًا بصيغة الاسم، من ذلك قوله تعالى: (أَتُجَٰدِلُونَنِي فِيٓ أَسۡمَآءٖ سَمَّيۡتُمُوهَآ أَنتُمۡ وَءَابَآؤُكُم مَّا نَزَّلَ ٱللَّهُ بِهَا مِن سُلۡطَٰنٖۚ) [الأعراف: 71]. هذا وقد وردت لفظة السلطان بمعنيين في القرآن الكريم:

الأول: الحجة والبرهان:

قال تعالى: (قَالُواْ ٱتَّخَذَ ٱللَّهُ وَلَدٗاۗ سُبۡحَٰنَهُۥۖ هُوَ ٱلۡغَنِيُّۖ لَهُۥ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلۡأَرۡضِۚ إِنۡ عِندَكُم مِّن سُلۡطَٰنِۢ بِهَٰذَآۚ أَتَقُولُونَ عَلَى ٱللَّهِ مَا لَا تَعۡلَمُونَ ٦٨) [يونس: 68] أي: ما عندكم من حجة بهذا. وقال تعالى: (قُلۡ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ ٱلۡفَوَٰحِشَ مَا ظَهَرَ مِنۡهَا وَمَا بَطَنَ وَٱلۡإِثۡمَ وَٱلۡبَغۡيَ بِغَيۡرِ ٱلۡحَقِّ وَأَن تُشۡرِكُواْ بِٱللَّهِ مَا لَمۡ يُنَزِّلۡ بِهِۦ سُلۡطَٰنٗا وَأَن تَقُولُواْ عَلَى ٱللَّهِ مَا لَا تَعۡلَمُونَ ٣٣) [الأعراف: 33]. وقال تعالى: (قَالَ قَدۡ وَقَعَ عَلَيۡكُم مِّن رَّبِّكُمۡ رِجۡسٞ وَغَضَبٌۖ أَتُجَٰدِلُونَنِي فِيٓ أَسۡمَآءٖ سَمَّيۡتُمُوهَآ أَنتُمۡ وَءَابَآؤُكُم مَّا نَزَّلَ ٱللَّهُ بِهَا مِن سُلۡطَٰنٖۚ فَٱنتَظِرُوٓاْ إِنِّي مَعَكُم مِّنَ ٱلۡمُنتَظِرِينَ ٧١) [الأعراف: 71] أي: ما جعل الله لكم في عبادتكم آلهتكم من حجَّة تحتجُّون بها، ولا معذرة تعتذرون بها؛ لأن العبادة إنما هي لمن ضرَّ ونفع، وأثاب على الطاعة، وعاقب على المعصية، ورزق ومنع. ومن هذا الباب قوله عز وجل:(هَلَكَ عَنِّي سُلۡطَٰنِيَهۡ٢٩). [الحاقة: 29] قال ابن عباس رضي الله عنه: هلكت عني حجتي. وهو قول كثير من التابعين، وقال تعالى: (وَلَقَدۡ أَرۡسَلۡنَا مُوسَىٰ بِ‍َٔايَٰتِنَا وَسُلۡطَٰنٖ مُّبِينٍ ٩٦) [هود: 96] أي بحجة بيِّنة وهي العصا، وقيل: أي المعجزات من العصا وغيرها.

الثاني: السلطان: التسلُّط والقهر:

قال تعالى: (وَمَا كَانَ لَهُۥ عَلَيۡهِم مِّن سُلۡطَٰنٍ) [سبأ: 21] أي: ما كان لإبليس من تسلط وقهر وقسر على ما يريده منهم. وقال تعالى: (وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيۡكُم مِّن سُلۡطَٰنٍ إِلَّآ أَن دَعَوۡتُكُمۡ فَٱسۡتَجَبۡتُمۡ لِيۖ فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوٓاْ أَنفُسَكُمۖ ) [إبراهيم: 22] أي: وما كان لي من قوة أقهركم بها في الدنيا على الكفر والضلال؛ لكن دعوتكم إلى الكفر وزينت لكم المعاصي، فسارعتم إلى اتباعي فلا تلوموني على ما حصل لكم من الضلال ولوموا أنفسكم فهي أولى باللوم. ومنه أيضًا قوله سبحانه: (لَا تَنفُذُونَ إِلَّا بِسُلۡطَٰنٖ) [الرحمن: 33] قال ابن عباس رضي الله عنه: «لا تخرجون من سلطاني وقدرتي عليكم». وقال الزمخشري: (إِلَّا بِسُلۡطَٰنٖ) يعنى: بقوة وقهر وغلبة» قال البغوي: «السلطان: القوة التي يُتسلط بها على الأمر»، وقال تعالى: (وَمَن قُتِلَ مَظۡلُومٗا فَقَدۡ جَعَلۡنَا لِوَلِيِّهِۦ سُلۡطَٰنٗا فَلَا يُسۡرِف فِّي ٱلۡقَتۡلِۖ ). [الاسراء: 33] أي: جعلنا له قدرة على الأمر: إن شاء قتل، وإن شاء عفا، وإن شاء أخذ الدية، قال ابن عباس رضي الله عنه: ولا يجوز لأحد إجباره أو إكراهه أو أخذ سلطانه من حقه في الدم. وقال تعالى: (إِنَّهُۥ لَيۡسَ لَهُۥ سُلۡطَٰنٌ عَلَى ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَلَىٰ رَبِّهِمۡ يَتَوَكَّلُونَ ٩٩ إِنَّمَا سُلۡطَٰنُهُۥ عَلَى ٱلَّذِينَ يَتَوَلَّوۡنَهُۥ وَٱلَّذِينَ هُم بِهِۦ مُشۡرِكُونَ ١٠٠) [النحل: 100] أي قدرة وسبيل.

وحاصل القول: إن لفظ (السُلْطَان) أكثر ما جاء في القرآن بمعنى الحجة والبيِّنة والبرهان، وجاء على نحو أقل بمعنى القهر والتسلط والقوة، ولم يأتِ لفظ (السُلْطَان) في القرآن بمعنى الحاكم والقائم على أمر الناس.

السلطان في السنة النبوية:

وردت لفظة السلطان في السنة النبوية بمعنى الحاكم والوالي والرئيس في عدة أحاديث نبوية، بل أكدت ربط السلطان بظل الله في الأرض، وكذا سلطان الله، وحجة الله، ونهى الله عز وجل العلماء عن إتيان أبواب السلاطين، وحرَّم ذلك لما لهؤلاء السلاطين من نفوذ وقوة ومال وأساليب استقطاب لمدحهم والوقوف معهم وتزيين أعمالهم والفتوى المفصلة على مقاسهم!!.

فقد أخرج أو داود، والبيهقي، عن أبي هريرة، رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «من بدا فقد جفا، ومن اتَّبع الصيد غفل، ومن أتى أبواب السلاطين افتُتن، وما ازداد عبد من السلطان دنوًّا إلا ازداد من الله بعدًا». وأخرج ابن عدي عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن في جهنم واديًا تستعيذ منه كل يوم سبعين مرة، أعدَّه الله للقراء المرائين في أعمالهم وإن أبغض الخلق إلى الله عالم السلطان». وأخرج الديلمي في «مسند الفردوس» عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا رأيت العالم يخالط السلطان مخالطة كثيرة فاعلم أنه لص». وأخرج الترمذي وصححه، والنسائي، والحاكم وصححه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «سيكون بعدي أمراء، فمن دخل عليهم فصدقهم بكذبهم وأعانهم على ظلمهم، فليس مني ولست منه، وليس بواردٍ عليَّ الحوض. ومن لم يدخل عليهم، ولم يُعِنْهم على ظلمهم ولم يصدقهم بكذبهم، فهو مني وأنا منه، وهو واردٌ عليَّ الحوض». وأخرج الحسن بن سفيان في مسنده، والحاكم في تاريخه، وأبو نعيم، والعقيلي، والديلمي، والرافعي في تاريخه، عن أنس بن مالك، رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «العلماء أمناء الرسل على عباد الله ما لم يخالطوا السلطان، فإذا خالطوا السلطان، فقد خانوا الرسل فاحذروهم، واعتزلوهم». وأخرج الحاكم، عن عبد الله بن الحارث رضي الله عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «سيكون بعدي سلاطين، الفتن على أبوابهم كمبارك الإبل، لا يعطون أحدًا شيئًا، إلا أخذوا من دينه مثله». وأخرج البيهقي، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، قال: «اتقوا أبواب السلطان». وما روي عن زياد بن كسيب العدوي قال: «كنت مع أبي بكرة رضي الله عنه تحت منبر ابن عامر وهو يخطب وعليه ثياب رقاق، فقال أبو بلال: انظروا إلى أميرنا يلبس ثياب الفساق، فقال أبو بكرة: اسكت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من أهان سلطان الله في الأرض، أهانه الله»  [يراجع نظام الحكم في الإسلام، للشيخ تقي الدين النبهاني، مؤسس حزب التحرير، وعبد القديم زلوم، الطبعة السادسة، (معتمدة) 2002م]. وعن أبي موسى الأشعري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن من إجلال الله تعالى إكرام ذي الشيبة المسلم، وحامل القرآن غير الغالي فيه والجافي عنه، وإكرام ذي السلطان المقسط». [يراجع كتاب الدولة الإسلامية، لتقي الدين النبهاني، دار الأمة بيروت، الطبعة الأولى سنة 1953- الطبعة السابعة (معتمدة) 2002م]. وقال حذيفة بن اليمان رضي الله عنه: «ما مشى قوم إلى سلطان الله في الأرض ليذلوه إلا أذلهم الله قبل أن يموتوا». وقال الفضيل بن عياض: «لو أن لي دعوة مستجابة لجعلتها للإمام؛ لأن به صلاح الرعية، فإذا صلح أمنت العباد والبلاد»، وقال سهل بن عبد الله رحمه الله: «لا يزال الناس بخير ما عظموا السلطان والعلماء، فإن عظموا هذين أصلح الله دنياهم وأخراهم، وإن استخفوا بهذين أفسدوا دنياهم وأخراهم». 

قاعدة «السيادة للشرع، والسلطان للأمة»

إن العقيدة الإسلامية تفرض على المسلمين الاعتقاد، وهو التصديق الجازم الذي لا شك ولا ريب فيه، أن الله وحده هو الحاكم، وله حق الأمر والنهي، وله أمر التحليل والتحريم، وله الحاكمية وحده، فالحاكمية لله، والسيادة لشرعه، والسلطان للأمة،  قال تعالى: (إِنِ ٱلۡحُكۡمُ إِلَّا لِلَّهِۖ يَقُصُّ ٱلۡحَقَّۖ وَهُوَ خَيۡرُ ٱلۡفَٰصِلِينَ) [الأنعام: 57]. وأن لله الأمر والخلق، قال تعالى: (َلَا لَهُ ٱلۡخَلۡقُ وَٱلۡأَمۡرُۗ ) [الأعراف: 54]. وقال تعالى: ﴿يُدَبِّرُ ٱلۡأَمۡرَ يُفَصِّلُ ٱلۡأٓيَٰتِ لَعَلَّكُم بِلِقَآءِ رَبِّكُمۡ تُوقِنُونَ ٢ [الرعد: 2] فالأمر والنهي  له وحده، ولا يجوز للبشر أن يحكموا إلا بما شرع الله سبحانه وتعالى، وشرع الله هو الوحي المنزَّل على محمد صلى الله عليه وسلم: (أَمۡ لَهُمۡ شُرَكَٰٓؤُاْ شَرَعُواْ لَهُم مِّنَ ٱلدِّينِ مَا لَمۡ يَأۡذَنۢ بِهِ ٱللَّهُۚ) [الشورى: 21] ولا يجوز إلا الحكم بما أذن الله تعالى به، قال تعالى: (فَإِنَّهُۥ نَزَّلَهُۥ عَلَىٰ قَلۡبِكَ بِإِذۡنِ ٱللَّهِ مُصَدِّقٗا لِّمَا بَيۡنَ يَدَيۡهِ وَهُدٗى وَبُشۡرَىٰ لِلۡمُؤۡمِنِينَ ٩٧ ) [البقرة: 97]، وجميع الأعمال لا تكون إلا بإذن الله تعالى، أي ليس جبرًا عنه، بل بعلمه وأمره ، ولا يجوز مخالفة أمره، قال تعالى: (الٓرۚ كِتَٰبٌ أَنزَلۡنَٰهُ إِلَيۡكَ لِتُخۡرِجَ ٱلنَّاسَ مِنَ ٱلظُّلُمَٰتِ إِلَى ٱلنُّورِ بِإِذۡنِ رَبِّهِمۡ إِلَىٰ صِرَٰطِ ٱلۡعَزِيزِ ٱلۡحَمِيدِ ١) [ابراهيم: 1] .

وبناءً على أمر الله وحكمه كانت الطاعة المطلقة لله عزَّ وجلَّ، والله وحده هو الذي يحدد من نطيعه ومن لا نطيعه. ومن تجب طاعته ومن تحرم، وجعل طاعة من حدَّدهم الله عزَّ وجلَّ من طاعته. فالطاعة لغير الله مشروطة ومقيدة وليست مطلقة، فأمر بطاعة رسله، فقال تعالى: (وَمَآ أَرۡسَلۡنَا مِن رَّسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذۡنِ ٱللَّهِۚ) [النساء: 64] وقال تعالى في طاعة محمد صلى الله عليه وسلم: (وَأَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ وَٱحۡذَرُواْۚ فَإِن تَوَلَّيۡتُمۡ فَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّمَا عَلَىٰ رَسُولِنَا ٱلۡبَلَٰغُ ٱلۡمُبِينُ ٩٢). [المائدة: 92] وأكد ذلك بقوله تعالى: (مَّن يُطِعِ ٱلرَّسُولَ فَقَدۡ أَطَاعَ ٱللَّهَۖ وَمَن تَوَلَّىٰ فَمَآ أَرۡسَلۡنَٰكَ عَلَيۡهِمۡ حَفِيظٗا٨٠) [النساء: 80].

وأمر الرسول صلى الله عليه وسلم بطاعة السلطان، وهو وليُّ الأمر الشرعي، وهو السلطان المبايَع بيعة شرعية على الحكم بكتاب الله تعالى وسنة نبيه، وعلى أن يطبِّق الإسلام في الداخل ويحمله رسالة إلى العالم بالدعوة والجهاد، أي لا بد من ثلاثة أمور لطاعة السلطان وهي: (البيعة، والحكم بالإسلام، وشروط الانعقاد) وجعل طاعته من طاعة الله، قال تعالى: (يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ وَأُوْلِي
ٱلۡأَمۡرِ مِنكُمۡ) [النساء: 59] وطاعة السلطان الكافر أو الظالم اعتبره من الاستخفاف بعقول الناس، قال تعالى: (فَٱسۡتَخَفَّ قَوۡمَهُۥ فَأَطَاعُوهُۚ إِنَّهُمۡ كَانُواْ قَوۡمٗا فَٰسِقِينَ ٥٤) [الزخرف: 54].

وجعل الله تعالى طاعة الوالدين من طاعته، قال تعالى: (وَٱعۡبُدُواْ ٱللَّهَ وَلَا تُشۡرِكُواْ بِهِۦ شَيۡ‍ٔٗاۖ وَبِٱلۡوَٰلِدَيۡنِ إِحۡسَٰنٗا) [النساء: 36]. وأمر الله المرأة بطاعة زوجها، وجعل ذلك من طاعته، روى ابن حبان عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال صلى الله عليه وسلم: «إذا صلَّت المرأة خمسها، وصامت شهرها، وحصنت فرجها، وأطاعت زوجها، قيل لها: ادخلي من أي أبواب الجنة شئت».

ثم نهى الله عزَّ وجلَّ بل حرم طاعة الكفار والمنافقين، قال تعالى: (يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ ٱتَّقِ ٱللَّهَ وَلَا تُطِعِ ٱلۡكَٰفِرِينَ وَٱلۡمُنَٰفِقِينَۚ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمٗا ١) [الأحزاب: 1]، وقال تعالى: (فَلَا تُطِعِ ٱلۡكَٰفِرِينَ وَجَٰهِدۡهُم بِهِۦ جِهَادٗا كَبِيرٗا ٥٢) [الفرقان: 52]. وقال تعالى: (وَلَا تُطِعِ ٱلۡكَٰفِرِينَ وَٱلۡمُنَٰفِقِينَ وَدَعۡ أَذَىٰهُمۡ وَتَوَكَّلۡ عَلَى ٱللَّهِۚ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ وَكِيلٗا ٤٨) الأحزاب: 48].

وحرَّم طاعة أصحاب الإثم والفواحش، قال تعالى: (فَٱصۡبِرۡ لِحُكۡمِ رَبِّكَ وَلَا تُطِعۡ مِنۡهُمۡ ءَاثِمًا أَوۡ كَفُورٗا ٢٤) [الإنسان: 24].

وحرَّم طاعة السلطان الكافر والظالم والفاسق والعاصي ومغتصب السلطة، قال تعالى: (وَلَا تُطِعۡ مَنۡ أَغۡفَلۡنَا قَلۡبَهُۥ عَن ذِكۡرِنَا وَٱتَّبَعَ هَوَىٰهُ وَكَانَ أَمۡرُهُۥ فُرُطٗا ٢٨) [الكهف: 28].

وحرَّم طاعة المكذِّبين والآمرين بالمعاصي كطاعة السلطان أو الوالد أو القائد العسكري، قال تعالى: (فَلَا تُطِعِ ٱلۡمُكَذِّبِينَ ٨ وَدُّواْ لَوۡ تُدۡهِنُ فَيُدۡهِنُونَ ٩ وَلَا تُطِعۡ كُلَّ حَلَّافٖ مَّهِينٍ ١٠ هَمَّازٖ مَّشَّآءِۢ بِنَمِيمٖ ١١ مَّنَّاعٖ لِّلۡخَيۡرِ مُعۡتَدٍ أَثِيمٍ ١٢). سورة القلم. وقال تعالى: (وَوَصَّيۡنَا ٱلۡإِنسَٰنَ بِوَٰلِدَيۡهِ حُسۡنٗاۖ وَإِن جَٰهَدَاكَ لِتُشۡرِكَ بِي مَا لَيۡسَ لَكَ بِهِۦ عِلۡمٞ فَلَا تُطِعۡهُمَآۚ إِلَيَّ مَرۡجِعُكُمۡ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ ٨) [العنكبوت: 8]. وقال تعالى: (وَإِن جَٰهَدَاكَ عَلَىٰٓ أَن تُشۡرِكَ بِي مَا لَيۡسَ لَكَ بِهِۦ عِلۡمٞ فَلَا تُطِعۡهُمَاۖ وَصَاحِبۡهُمَا فِي ٱلدُّنۡيَا مَعۡرُوفٗاۖ ) [لقمان:15].

وحرَّم الله طاعة من منع فروض الله تعالى أو منع حقوق العباد، قال تعالى: (كَلَّا لَا تُطِعۡهُ وَٱسۡجُدۡۤ وَٱقۡتَرِب۩ ١٩) [ العلق: 19].

وحرَّم الله طاعة أصحاب الأهواء، قال تعالى: (وَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّ فِيكُمۡ رَسُولَ ٱللَّهِۚ لَوۡ يُطِيعُكُمۡ فِي كَثِيرٖ مِّنَ ٱلۡأَمۡرِ لَعَنِتُّمۡ وَلَٰكِنَّ ٱللَّهَ حَبَّبَ إِلَيۡكُمُ ٱلۡإِيمَٰنَ وَزَيَّنَهُۥ فِي قُلُوبِكُمۡ وَكَرَّهَ إِلَيۡكُمُ ٱلۡكُفۡرَ وَٱلۡفُسُوقَ وَٱلۡعِصۡيَانَۚ أُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلرَّٰشِدُونَ ٧) [الحجرات: 7].

والله عزَّ وجلَّ هو مالك الملك، وكل شيء في الكون ملكه وحده، وله خزائن السموات والأرض، وهو يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر، والملك لله ملكًا مطلقًا، وهو الذي يعطي الملك بإذنه لمن يشاء من عباده، وإذن الله للتملك هو الذي يحدد الملكية الخاصة والملكية العامة وملكية الدولة، وكيفية التملك، وما هي الأعيان التي يحل ملكيتها، والأعيان التي لا يحرم ملكيتها، وما هي أسباب التملك الشرعية، وما هي الأسباب غير الشرعية، وحدَّد بعد التملك التوزيع والتصرف وأحكامهما، وما هي أحكام الأموال الحرام؟

من هنا نصل إلى أن كل ما في الكون هو لله مطلقًا، سواء الملك أم الحكم أم السلطان، وحتى الإنسان وعقله هو ملك لله، فالأصل أن لا يخرج هذا الإنسان عن حكم الله وأمره ونهيه، ولا عن طاعته، ولا عن ملكه، ومن ذلك تولية من يحكم الناس بشرع الله تعالى. وهذا الحاكم بإذن الله هو السلطان بانقياده وشروطه، فلا يحق له التسلُّط أو الحكم أو الأمر أو النهي أو تنفيذ الأحكام وإقامة العقوبات أو تقسيم المال إلا بأن تكون له صفة شرعية. وشرعية الحكم هذه من أين تأتي للسلطان؟ هل تأتي من الحاكم ذاته؟ أم من أسرته؟ أم من قبيلته وحزبه وطائفته؟ أم من الفئة الأقوى في المجتمع؟ أم من أعدائه؟ أم من رجال الدين؟ أم من الشعب؟ أم من الأمة؟ ومن الذي يحدد كيفية تنصيبه؟ وكيفية محاسبته؟ وكيفية عزله؟ وما هي الأسباب الموجبة للعزل؟ ومن هي الجهة التي لها حق عزله؟…

فكما أسلفنا أن الطاعة مطلقة لله، وهو الذي يعيِّن من نطيعه ومن لا نطيعه. وكذا الملك لله وحده، وهو الذي يأذن بالملكية. والحكم له وحده، والسلطان أيضًا له وحده في الكون، وهو الذي يعين ويبين لمن السلطان، ومن الذي يعطيه؟ ومن الذي يمنعه؟ وما شروط السلطان وأحكامه؟…

فالسلطان في الإسلام مقيد بأحكام الشرع، وليس مطلق التنصيب أو الحكم أو الولاية، وهذا حق السلطان أعطاه الله عزَّ وجلَّ في الإسلام للأمة التي تؤمن به، وأمر الأمة المؤمنة بإقامة هذا السلطان بأوامر جمعية في الإسلام ، بصيغة واو الجماعة: «بايعوا» ، «جاهدوا» ، «واقطعوا» ، «واجلدوا…. وإعطاؤه حق السلطان عن طريق الوحي المنزَّل على محمد صلى الله عليه وسلم، فكانت الأدلة المتظافرة الدالة على نصب الحاكم (الخليفة) من قبل الأمة، ومن جعل الخليفة يأخذ السلطان بالبيعة، والبيعة هي عقد مراضاة واختيار بين الأمة ومن يحكمها، وتعطي الأمة حقَّها هذا لمن يحكمها بكتاب الله وسنة رسوله، ويطبق الإسلام في الداخل ويحمله رسالة إلى العالم بالدعوة والجهاد، والبيعة تعني تسليم السلطان الذي هو حق الأمة لشخص نائب عنها، ولا يجوز لهذا الشخص أخذ السلطان إلا بهذه البيعة، فمن اغتصب السلطة أو أخذها بالإجبار والإكراه والتزوير، أو أخذها بالاستقواء بالأعداء، أو تم توليته وجعل سلطانه من قبل الكافر المستعمر فلا يصحُّ حكمه، وسلطانه كأن لم يكن، وبالتالي لا تجب طاعته أو نصرته أو الوقوف معه بموقف، أو تكثير سواده، أو تنفيذ أوامره، أو دعمه بمال أو سلاح أو رجال، أو مدحه بالشعر أو الإعلام، أو تزيين صورته وتحسينها أمام الرعية، بل يجب الوقوف في وجهه وتغيير سلطانه…

والأدلة أن السلطان للأمة هي أدلة البيعة، فهي مبنية على قاعدة السلطان للأمة، والمأخوذة من جعل الشرع نصب الخليفة من قبل الأمة ومن جعل الخليفة يأخذ السلطان بهذه البيعة. أما جعل الشرع نصب الخليفة من قبل الأمة فواضح في أحاديث البيعة، عن عبادة بن الصامت قال: «بَايَعْنَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ فِي الْمَنْشَطِ وَالْمَكْرَهِ» متفق عليه. وعن جرير بن عبد الله قال: «بَايَعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ» متفق عليه. وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله r: «ثَلاثَةٌ لا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ: رَجُلٌ عَلَى فَضْلِ مَاءٍ بِالطَّرِيقِ يَمْنَعُ مِنْهُ ابْنَ السَّبِيلِ، وَرَجُلٌ بَايَعَ إِمَامًا لا يُبَايِعُهُ إِلاَّ لِدُنْيَاهُ إِنْ أَعْطَاهُ مَا يُرِيدُ وَفَى لَهُ وَإِلاَّ لَمْ يَفِ لَهُ، وَرَجُلٌ يُبَايِعُ رَجُلًا بِسِلْعَةٍ بَعْدَ الْعَصْرِ فَحَلَفَ بِاللَّهِ لَقَدْ أُعْطِيَ بِهَا كَذَا وَكَذَا فَصَدَّقَهُ فَأَخَذَهَا وَلَمْ يُعْطَ بِهَا» متفق عليه. فالبيعة من قبل المسلمين للخليفة وليست من قبل الخليفة للمسلمين، فهم الذين يبايعونه، أي يقيمونه حاكمًا عليهم، وما حصل مع الخلفاء الراشدين أنهم إنما أخذوا البيعة من الأمة، وما صاروا خلفاء إلا بواسطة بيعة الأمة لهم. وأما جعل الخليفة يأخذ السلطان بهذه البيعة فواضح في أحاديث الطاعة، وفي أحاديث وحدة الخلافة. عن عبد الله بن عمرو بن العاص يقول إنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «وَمَنْ بَايَعَ إِمَامًا فَأَعْطَاهُ صَفْقَةَ يَدِهِ وَثَمَرَةَ قَلْبِهِ فَلْيُطِعْهُ إِنِ اسْتَطَاعَ، فَإِنْ جَاءَ آخَرُ يُنَازِعُهُ، فَاضْرِبُوا عُنُقَ الآخَرِ» أخرجه مسلم. وعن نافع قال: قال لي عبد الله بن عمر سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «مَنْ خَلَعَ يَدًا مِنْ طَاعَةٍ لَقِيَ اللَّهَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لا حُجَّةَ لَهُ، وَمَنْ مَاتَ وَلَيْسَ فِي عُنُقِهِ بَيْعَةٌ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً» أخرجه مسلم. وعن ابن عباس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ كَرِهَ مِنْ أَمِيرِهِ شَيْئًا فَلْيَصْبِرْ عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ لَيْسَ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ خَرَجَ مِنْ السُّلْطَانِ شِبْرًا فَمَاتَ عَلَيْهِ إِلاَّ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً» متفق عليه. وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «كَانَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ تَسُوسُهُمُ الأَنْبِيَاءُ، كُلَّمَا هَلَكَ نَبِيٌّ خَلَفَهُ نَبِيٌّ، وَإِنَّهُ لا نَبِيَّ بَعْدِي، وَسَيَكُونُ خُلَفَاءُ فَيَكْثُرُونَ، قَالُوا: فَمَا تَأْمُرُنَا؟ قَالَ: فُوا بِبَيْعَةِ الأَوَّلِ فَالأَوَّلِ، أَعْطُوهُمْ حَقَّهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ سَائِلُهُمْ عَمَّا اسْتَرْعَاهُمْ» متفق عليه. فهذه الأحاديث تدل على أن الخليفة إنما أخذ السلطان بهذه البيعة؛ إذ قد أوجب الله طاعته بالبيعة، من بايع إمامًا … فليطعه. فهو قد أخذ الخلافة بالبيعة، ووجبت طاعته لأنه خليفة قد بويع، فيكون قد أخذ السلطان من الأمة ببيعتها له ووجوب طاعتها لمن بايعته، أي لمن له في عنقها بيعة، وهذا يدل على أن السلطان للأمة. بيد أن الرسول صلى الله عليه وسلم مع كونه رسولًا فإنه أخذ البيعة على الناس، وهي بيعة على الحكم والسلطان وليست بيعة على النبوَّة، وأخذها على النساء والرجال ولم يأخـذهـا على الصغار الذين لم يبلغوا الحلم، فكون المسلمين هم الذين يقيمون الخليفة ويبـايعـونه على العمل بكتاب الله وسنة رسوله، وكون الخليفة إنما يأخذ السلطان بهذه البيعة، دليل واضح على أن السلطان للأمة تعطيه من تشاء بناء على الأحكام الشرعية المنظمة لذلك. [يتبع]

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *