العدد 417 -

السنة السادسة والثلاثون، شوال 1442هـ،الموافق أيار 2021م

من فضائل الخليفة الراشد الأول أبي بكر الصديق رضي الله عنه

قال سبحانه وتعالى: (ثَانِيَ ٱثۡنَيۡنِ إِذۡ هُمَا فِي ٱلۡغَارِ إِذۡ يَقُولُ لِصَٰحِبِهِۦ لَا تَحۡزَنۡ إِنَّ ٱللَّهَ مَعَنَاۖ) قال السهيلي: ألا ترى كيف قال: لا تحزن، ولم يقل لا تخف؟ لأن حزنه على رسول الله صلى الله عليه وسلم شغله عن خوفه على نفسه… ولما أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يدخل الغار دخل قبله لينظر في الغار لئلا يُصيب النبي صلى الله عليه وسلم شيء… ولما سارا في طريق الهجرة، جعل أبو بكر يمشي ساعة بين يديه وساعة خلفه، حتى فطن له رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «يا أبا بكر مالك تمشي ساعة بين يدي وساعة خلفي؟» فقال: يا رسول الله، أذكر الطلب فأمشي خلفك، ثم أذكر الرصد فأمشي بين يديك. فقال صلى الله عليه وسلم: «يا أبا بكر، لو كان شيء أحببت أن يكون بك دوني؟» قال: نعم والذي بعثك بالحق، ما كانت لتكون من مُلمّة إلا أن تكون بي دونك، فلما انتهيا إلى الغار قال أبو بكر: مكانك يا رسول الله حتى استبرئ الجحرة، فدخل واستبرأ، ثم قال: انزل يا رسول الله، فنزل. فقال عمر: والذي نفسي بيده، لتلك الليلة خير من آل عمر. رواه الحاكم والبيهقي في دلائل النبوة.

روى البخاري عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال : كنت جالسًا عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ أقبل أبو بكر آخذًا بطرف ثوبه حتى أبدى عن ركبته، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «أمَّا صاحبكم فقد غامر»، وقال: إني كان بيني وبين ابن الخطاب شيء، فأسرعت إليه ثم ندمت فسألته أن يغفر لي فأبى عليّ، فأقبلت إليك فقال: يغفر الله لك يا أبا بكر – ثلاثًا – ثم إن عمر ندم فأتى منزل أبي بكر فسأل: أثَـمّ أبو بكر؟ فقالوا: لا، فأتى إلى النبي فجعل وجه النبي صلى الله عليه وسلم يتمعّر، حتى أشفق أبو بكر فجثا على ركبتيه فقال: يا رسول الله، والله أنا كنت أظلم – مرتين – فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الله بعثني إليكم فقلتم: كذبت، وقال أبو بكر: صَدَق، وواساني بنفسه وماله، فهل أنتم تاركو لي صاحبي – مرتين –» فما أوذي بعدها.

قال صلى الله عليه وسلم: «اقتدوا باللذَين من بعدي: أبي بكر وعمر» رواه الإمام أحمد والترمذي وابن ماجة، وهو حديث صحيح .

روى البخاري: قال ابن عمر رضي الله عنهما: كنا نخيّر بين الناس في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، فنخيّر أبا بكر، ثم عمر بن الخطاب، ثم عثمان بن عفان رضي الله عنهم.

في الصحيحين عن عائشةَ رضي اللّهُ عنها قالت: «لما مَرِضَ النبيّ صلى الله عليه وسلم مرَضَهُ الذي ماتَ فيه أَتاهُ بلالٌ يُؤْذِنهُ بالصلاةِ فقال: «مُروا أَبا بكرٍ فلْيُصلِّ». قلتُ: إنّ أبا بكرٍ رجلٌ أَسِيفٌ [وفي رواية: رجل رقيق] إن يَقُمْ مَقامَكَ يبكي فلا يقدِرُ عَلَى القِراءَةِ. قال: «مُروا أَبا بكرٍ فلْيُصلِّ». فقلتُ مثلَهُ. فقال في الثالثةِ – أَوِ الرابعةِ: «إِنّكنّ صَواحبُ يوسفَ! مُروا أَبا بكرٍ فلْيُصلِّ»، فصلّى» ولذا قال عمر رضي الله عنه: أفلا نرضى لدنيانا من رضيه رسول الله صلى الله عليه وسلم لديننا؟!

وجاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فكلمته في شيء فأمرها بأمر، فقالت: أرأيت يا رسول الله إن لم أجدك؟ قال: «إن لم تجديني فأتي أبا بكر». رواه البخاري ومسلم.

– وروي عن علي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أبو بكر وعمر سيِّدا كهول أهل الجنة من الأولين والآخرين، إلَّا النبيين والمرسلين». أخرجه أحمد والترمذي وابن ماجة.

وروي أن عمر رضي الله عنه قال في إحدى خطبه: «وليس فيكم من تقطع إليه الأعناق مثل أبي بكر». رواه البخاري ومسلم.

وروي أن عليًا رضي الله عنه قال بحضرة من أصحابه لما ذُكر أبو بكر وما لاقاه من الأذى قال: «أنشدكم الله؛ أمؤمن آل فرعون خير أم هو؟» فسكت القوم، فقال علي رضي الله عنه: «فوالله لساعة من أبي بكر خير من ملء الأرض من مؤمن آل فرعون، ذاك رجل يكتم إيمانه، وهذا رجل أعلن إيمانه».

وروى البزار في مسنده عن محمد بن عقيل، عن علي رضي الله عنه أنه قال في خطبته ذات يوم: «أيها الناس! من أشجع الناس؟». قالوا: أنت يا أمير المؤمنين. قال: «أما أنا فما بارزني أحد إلا انتصفتُ منه، ولكن هو أبو بكر».

وروي أن هارون الرشيد سأل الإمام مالك بن أنس، إمام دار الهجرة، فقال: يا أبا عبد الله! أخبرني عن منزلة أبي بكر وعمر من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: «يا أمير المؤمنين! منزلتهما منه في حياته كمنزلتهما منه بعد وفاته». فقال الرشيد: شفيتني يا مالك.

قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نتصدق، فوافق ذلك مالًا، فقلت: اليوم أسبق أبا بكر إن سبقته يومًا. قال: فجئت بنصف مالي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما أبقيت لأهلك؟» قلت: مثله. وأتى أبو بكر بكل ما عنده فقال: «يا أبا بكر، ما أبقيتَ لأهلك؟» فقال: أبقيتُ لهم الله ورسوله! قال عمر: قلت: واللهِ لا أسبقه إلى شيء أبدًا . رواه الترمذي. ولما هاجر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ ماله كله في سبيل الله.

قال عمرو بن العاص لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أي الناس أحب إليك؟ قال: «عائشة» قال: قلت: من الرجال؟ قال: «أبوها» رواه مسلم.

روى البخاري ومسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس وقال: «إن الله خيَّر عبدًا بين الدنيا وبين ما عنده، فاختار ذلك العبد ما عند الله» قال: فبكى أبو بكر، فعجبنا لبكائه أن يخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن عبد خير، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم هو المخيَّر، وكان أبو بكر أعلمنا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن مِن أمَنِّ الناس عليّ في صحبته وماله أبا بكر، ولو كنت متخذًا خليلًا غير ربي لاتخذت أبا بكر؛ ولكن أخوة الإسلام ومودته، لا يبقينَّ في المسجد باب إلا سُـدّ إلا باب أبي بكر».

قال صلى الله عليه وسلم: «من أنفق زوجين من شيء من الأشياء في سبيل الله دُعي من أبواب الجنة: يا عبد الله هذا خير. فمن كان من أهل الصلاة دعي من باب الصلاة، ومن كان من أهل الجهاد دُعي من باب الجهاد، ومن كان من أهل الصدقة دُعي من باب الصدقة، ومن كان من أهل الصيام دُعي من باب الصيام وباب الريان». فقال أبو بكر: ما على هذا الذي يدعى من تلك الأبواب من ضرورة، فهل يُدعى منها كلها أحد يا رسول الله؟ قال: «نعم، وأرجو أن تكون منهم يا أبا بكر». رواه البخاري ومسلم .

قال محمد بن الحنفية: قلت لأبي، علي بن أبي طالب رضي الله عنه: أي الناس خير بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: أبو بكر. قلت: ثم من؟ قال: ثم عمر، وخشيت أن يقول عثمان قلت: ثم أنت؟ قال: ما أنا إلا رجل من المسلمين. رواه البخاري.

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من أصبح منكم اليوم صائمًا؟» قال أبو بكر رضي الله عنه: أنا. قال: «فمن تبع منكم اليوم جنازة؟» قال أبو بكر رضي الله عنه: أنا. قال: «فمن أطعم منكم اليوم مسكينًا؟» قال أبو بكر رضي الله عنه: أنا. قال: «فمن عاد منكم اليوم مريضًا؟» قال أبو بكر رضي الله عنه: أنا .فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما اجتمعن في امرىء إلا دخل الجنة» رواه مسلم.

ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ما دعوت أحدًا إلى الإسلام إلا كانت له كبوة وتردد ونظر إلا أبو بكر». ومن أعظم أعماله سبقه إلى الإسلام، وهجرته مع النبي صلى الله عليه وسلم، وثباته يوم موت النبي صلى الله عليه وسلم. ومن أعماله قبل الهجرة أنه أعتق سبعة كلهم يُعذَّب في الله، وهم: بلال بن أبي رباح، وعامر بن فهيرة، وزنيرة والنهدية وابنتها، وجارية بني المؤمل، وأم عُبيس. ومن أعظم أعماله التي قام بها بعد تولّيه الخلافة حرب المرتدين. وفي عهده جُمع القرآن، حيث أمر رضي الله عنه زيد بن ثابت أن يجمع القرآن. وكان عارفًا بالرجال، ولذا لم يرضَ بعزل خالد بن الوليد، وقال: واللهِ لا أشيم سيفًا سلَّه الله على عدوِّه حتى يكون الله هو يشيمه. رواه الإمام أحمد وغيره.

كان رجلًا رحيمًا رقيقًا؛ ولكنه في موقف حرب المرتدين كان أصلب وأشدّ من عمر رضي الله عنه الذي عُرِف بالصلابة في الرأي والشدّة في ذات الله. روى البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: لما توفى النبي صلى الله عليه وسلم واستُخلف أبو بكر وكفر من كفر من العرب، قال عمر: يا أبا بكر، كيف تقاتل الناس وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أمِرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، فمن قال لا إله إلا الله عصم مني ماله ونفسه إلا بحقه وحسابه على الله»؟ قال أبو بكر: والله لأقاتلن من فرَّق بين الصلاة والزكاة، فإن الزكاة حق المال، واللهِ لو منعوني عناقًا كانوا يؤدونها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم على منعها. قال عمر: فواللهِ ما هو إلا أن رأيتُ أن قد شرح الله صدر أبي بكر للقتال فعرفت أنه الحق.

وفي عهده وقعت وقعة ذي القَصّة، وعزم على المسير بنفسه حتى أخذ عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه بزمام راحلته وقال له: إلى أين يا خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ أقول لك ما قال لك رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أُحد: شِـمْ سيفك، ولا تفجعنا بنفسك. وارجع إلى المدينة، فوالله لئن فُجعنا بك لا يكون للإسلام نظام أبدًا، فرجع أبو بكر رضي الله عنه وأمضى الجيش.

مات أبو بكر رضي الله عنه وما ترك درهمًا ولا دينارًا، عن الحسن بن علي رضي الله عنهما قال: لما احتضر أبو بكر رضي الله عنه قال: يا عائشة أنظري اللقحة التي كنا نشرب من لبنها، والجفنة التي كنا نصطبح فيها، والقطيفة التي كنا نلبسها فإنا كنا ننتفع بذلك حين كنا في أمر المسلمين، فإذا متُّ فاردديه إلى عمر، فلما مات أبو بكر رضي الله عنه أرسلت به إلى عمر رضي الله عنه فقال عمررضي الله عنه: رضي الله عنك يا أبا بكر، لقد أتعبتَ من جاء بعدك.

قالت عائشة رضي الله عنها:  كان لأبي بكر غلام يخرج له الخراج، وكان أبو بكر يأكل من خراجه، فجاء يومًا بشيء، فأكل منه أبو بكر، فقال له الغلام: تدري ما هذا؟ فقال أبو بكر: وما هو؟ قال: كنت تكهّنت لإنسان في الجاهلية، وما أحسن الكهانة، إلا أني خدعته، فلقيني فأعطاني بذلك، فهذا الذي أكلت منه، فأدخل أبو بكر يده فقاء كل شيء في بطنه. رواه البخاري.

وفي الترمذي من حديث أبي هريرة بلفظ: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ما لأحد عندنا يدٌ إلا كافأناه عليها ما خلا أبا بكر؛ فإن له عندنا يدًا يكافئه الله بها يوم القيامة – وفي لفظ آخر: ما أحد أعظم عندي يدًا من أبي بكر- واساني بنفسه وماله، وأنكحني ابنته». أخرجه الطبراني.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *