العدد 337 -

السنة التاسعة والعشرون صفر 1436هـ – كانون الأول 2014 م

رداً على ثورات المسلمين في بعض البلدان العربية والمطالبة بالخلافة: تحالف صليبي جديد لمنع إقامتها وهدم الدعوة إليها

بسم الله الرحمن الرحيم

رداً على ثورات المسلمين في بعض البلدان العربية والمطالبة بالخلافة:

تحالف صليبي جديد لمنع إقامتها وهدم الدعوة إليها

(وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ )

لقد شهد شهر  أيلول/2014م تسارع كبير في التصريحات والمؤتمرات الدولية والإقليمية، والقيام بأعمال وأحلاف دولية ضد ما يسمى بـ(الدولة الإسلامية في العراق والشام)، وضد جميع أنواع الإرهاب الفكري والسياسي والعسكري – حسب زعمهم- التي تسير في الطريق نفسه، وكان من أبرز هذه المؤتمرات والأعمال والأقوال:

1- مؤتمر حلف الناتو في مقاطعة (ويلز في بريطانيا) عقد يوم الجمعة ( 7-9-2014م)؛ حيث صدرت فيه عدة تصريحات تنبعث منها دخان الحرب على أمة الإسلام. ومن هذه التصريحات السامة الماكرة؛ ما صرح فيه  وزير الخارجية الأميركي جون كيري قائلاً: «نحن نمتلك القدرة على تدمير داعش، قد يستغرق الأمر عاماً أو عامين، أو قد يستغرق ثلاثة أعوام، ولكننا عازمون على هذا الأمر». وقال أوباما رئيس أميركا على هامش هذا المؤتمر: «إن زعماء حلف شمال الأطلسي أجمعوا في لقاء قمة عقد في ويلز على أن مقاتلي السنَّة المتشددين يشكلون خطراً بالغاً على الغرب، وأنه لقي مساندة للتحركات الأميركية في العراق» وأضاف أوباما: «بعد أن اجتمع وزراء عشر دول على هامش اجتماع لحلف شمال الأطلسي، لتشكيل ما سمته واشنطن «ائتلافاً أساسياً» إن حلفاء رئيسيين في حلف شمال الأطلسي يقفون على أهبة الاستعداد، لمواجهة هذا الخطر الإرهابي من خلال العمل العسكري والاستخباراتي وإنفاذ القانون وكذلك الجهود الدبلوماسية».

وقال رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون في مؤتمر ويلز: «إن تنظيم ما يعرف بالدولة الإسلامية بالعراق والشام «داعش» برزت بسرعة، وبدأت تشكل تهديداً واضحاً للعالم، مشدداً على ضرورة القضاء على التنظيم في أسرع وقت ممكن وبقوة، مشيراً إلى أن صراع الأمم المتحدة سيمتد لأجيال متعاقبة ضد التطرف الإسلامي، واصفاً الأوضاع الحالية بأنها الأسوأ في انتشار التطرف.

2- مؤتمر جدة الذي عقد في السعودية (11-9-2014م) حيث ركز المجتمعون من دول مجلس التعاون الخليجي والسعودية والولايات المتحدة… على محاربة الإرهاب حسب زعمهم؛ فقد صرح وزير خارجية أميركا كيري في هذا المؤتمر فقال: «إن الاجتماع حقق تقدماً، وإن التحالف ضد الإرهاب سيتَّسع». ورداً على سؤال بشأن الأدوار المطلوبة من الدول العربية في هذا المجال قال كيري: «على كل دولة مشاركة في هذا الاجتماع دور في مواجهة الإرهاب..، مشيراً إلى الدعم المادي والعسكري، ومنع وصول الأموال والإرهابيين إلى داعش»  كما أكد كيري على عدم الاستعانة بقوات برية من أي دولة في محاربة تنظيم داعش بالعراق وسوريا قائلاً: «إن الجيش العراقي والمعارضة السورية سيقومان بهذا الأمر… وأوضح أن بلاده ستركز على الضربات الجوية، بحسب الاستراتيجية التي أعلنها الرئيس الأميركي باراك أوباما». أما سعود الفيصل وزير خارجية السعودية فقال: «إن الدول المجتمعة تتشارك الالتزام بالوقوف متحدة ضد الخطر الذي يمثله الإرهاب على المنطقة والعالم بما في ذلك ما يعرف بتنظيم الدولة في العراق والشام»  وأضاف: «إن الاجتماع حرص على الخروج برؤية موحدة لمحاربة الإرهاب عسكرياً وأمنياً وسياسياً واقتصادياً وفكرياً».

3- مؤتمر القاهرة الذي عقد في مصر تكميلاً لمؤتمر جدة، وحضره بعض مشيخة الأزهر. وقد صرح كيري في مؤتمر صحافي مشترك مع نظيره المصري سامح شكري فقال: «إن مصر تقف على الخطوط الأمامية في القتال ضد الإرهاب، خاصة فيما يتعلق بالقتال ضد الجماعات المتطرفة في سيناء» وأضاف قائلاً: «وبعد أن حصلنا على دعم عشر حكومات عربية هذا الأسبوع، تسعى واشنطن إلى الحصول على تعاون مصر ومؤسساتها في هذه الحملة»، وقال: «إن مصر بوصفها العاصمة الفكرية والثقافية للعالم الإسلامي، فإن عليها دوراً مهماً تلعبه في الإعلان عن نبذها للأيديولوجيا التي ينشرها تنظيم “الدولة الإسلامية”».

 وصرح سامح شكري وزير الخارجية المصرية  كذلك خلال مؤتمر صحفي مع نظيره اﻷميركي جون كيري بالقاهرة في 13/9: «إنه بحث مع كيري كل قضايا المنطقة وخاصة قضية الإرهاب»، وأوضح وزير الخارجية إن مصر طالما كانت داعية لتكاتف المجتمع الدولي لمكافحة التطرف واﻹرهاب، مؤكداً أن القاهرة تدعم كل الجهود الدولية لمكافحة الإرهاب. وأضاف شكري: «إن مصر ضد الجماعات الإرهابية التي تتخذ من الإسلام غطاء لها».

4- مؤتمر الأمن والسلم في العراق الذي عقد في باريس- فرنسا 15/9/2014م، وحضره ممثلون عن أكثر من عشرين دولة، وأُعلن فيه عن تشكيل حلف دولي لمحاربة الإرهاب والتطرف؛ فقد دعت الأمم المتحدة في هذا المؤتمر على لسان (نيكولاي ملادينوف) الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في العراق «إلى ضرورة تعاون المجتمع الدولي في تنفيذ العقوبات التي تضمّنها قرار مجلس الأمن المُلزم المُرقم (2170) في شأن دعم وتمويل التنظيمات المتطرفة في العراق وسوريا ومحاسبة مرتكبي ومنظّمي ورعاة الأعمال الإرهابية»

  أما وزير خارجية فرنسا، (لوران فابيوس) فقال في اختتام هذا المؤتمر المؤامرة: «إن مؤتمر باريس اعتمد القرار (2170) أساساً للعمل الدولي ضد داعش»، وأضاف: «إن تهديد الجماعات الإرهابية لا يقف عند حد».

فما هي حقيقة هذه التصريحات؟ وهل المقصود بذلك ما يسمى بدولة العراق والشام؟ وهل كل هذه الحشود السياسية والعسكرية والمؤتمرات الإقليمية والدولية، الهدف منها القضاء على تنظيم عسكري محدود القدرات والتكوين، أم أن الأمور أبعد من ذلك بكثير؟!.

إن هذه الأعمال والتصريحات والأقوال والمؤتمرات لتذكرنا بأحداث تاريخية مشابهة مرت في تاريخ أمة الإسلام، وتذكرنا كيف جمع الكفر كيده ومكره للقضاء على هذه الأمة الكريمة، وعلى فكرها ومشروعها الحضاري العظيم، واتخذ من قضايا وأحداث معينة ذريعة وغطاء لإجرامه ومخططاته. من هذه الأحداث التاريخية:

1- في مراحل الدعوة الأولى -في عهد الرسول صلى الله عليم وسلم- والحرب الشرسة التي قادها زعماء الكفر، (والإجماع المكي)، الذي حصل  عندما أرادوا قتله صلى الله عليه وسلم، قبل خروجه إلى المدينة بلحظات لإقامة الدولة الإسلامية. وتعيدنا كذلك إلى الإجماع القبلي من عدة قبائل في جوار مكة؛ الذي حصل للمرة الثانية عندما أجمعوا كيدهم وشرهم وقواهم العسكرية للقضاء على الدولة الإسلامية، بعدما استقرت في المدينة المنورة؛ حيث إن سادة قريش قد حرضوا القبائل في هذه الأحلاف الإقليمية على قتل الرسول عليه الصلاة والسلام، حتى لا يظهر ويصبح له شأن في المدينة المنورة، فيقضي على آلهتهم، وعلى سيادتهم وكيانهم الحضاري، واتخذت من مسألة تهديد سيادتهم ونفوذهم ذريعة وغطاء لهذا الحلف!!.

2- الحملة الصليبية الأولى في العصور الوسطى الأوروبية، حين جمعت فيها أوروبا قواها العسكرية، وجاءت إلى بلاد المسلمين للقضاء على دولة الإسلام، وحرضت فيها الكنائس الأوروبية الممالك والأباطرة والملوك، بذريعة تخليص الأماكن الدينية من (تدنيس) المسلمين لها.

 3- الإجماع الدولي الذي حصل عندما جمعت دول أوروبا وروسيا مكرها للقضاء على الدولة الإسلامية؛ في الحروب العسكرية في البلقان وحروب القرم وأطراف أوروبا، وفي الحرب التبشيرية على ديار الإسلام، واتخذت من مظلة عصبة الأمم الأوروبية غطاء دولياً لهذه الحرب..وبرّروا ذلك بأن الدولة الإسلامية لا ترضى بقوانين هذه المنظومة، وفي الوقت نفسه تهدد الدول الأوروبية وروسيا.

3- الحملة المسعورة التي قادتها أوروبا بعد القضاء على الدولة الإسلامية (العثمانية) للحيلولة دون عودتها مرة أخرى، واستعمار بلاد المسلمين وتمزيقها بعد الحرب العالمية الأولى والثانية، وكيف سخرت هذه الدول الإجماع الدولي تحت مظلة الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدوليين لتغطية إجرامها وحربها على بلاد المسلمين.

4- الخديعة الكبرى والفرية الباهتة التي افتعلتها أميركا للسيطرة على العراق وبتروله وأرضه، وتجزئته وترسيخ أقدامها السياسية فيه، حيث اختلقت (مسألة أسلحة الدمار الشامل) في العراق، وقادت حلفاً دولياً لخدمة أهدافها وسياساتها وغزت العراق ودمرته سنة 1990م.

5- الحرب التي قادتها أميركا واستصدرت إجماعاً دولياً لتغطيتها تحت اسم الحرب على الإرهاب، واتخذت من قضية أحداث 11/ أيلول ذريعة لها، وكان الهدف أبعد من ذلك بكثير؛ حيث كان الهدف هو ترسيخ أقدام الكفر وتمكينه في بلاد المسلمين، وترسيخ التجزئة، ورسم خرائط جديدة للعالم الإسلامي تحول دون عودته مرة أخرى إلى مشروعه الحضاري الإسلامي!!.

فالناظر في طبيعة الحدث الحالي- من خلال استعراض أحداث التاريخ ومؤامرات الكفر ضد الإسلام-  يرى أن الحملة الجديدة على بلاد المسلمين أبعد وأوسع وأكبر من دولة العراق والشام… فدولة العراق والشام ليست دولة كبرى تملك الأساطيل وحاملات الطائرات والصواريخ والأسلحة النووية، وهي ليست حقيقة إرهابية- كألمانيا النازية مثلاً- تقدر على تهديد الدول الكبرى كما يضخمون الأمر ويكبرونه.

إنما دولة العراق والشام هي عبارة عن تنظيم عسكري، قدراته القتالية محدودة، ويمكن لأي دولة من الدول الإقليمية أن تسيطر عليه عسكرياً. وأكبر دليل على ذلك هو أن أكثر من ثلاثين تنظيماً عسكرياً، بما فيها دولة العراق والشام ،لم تستطع أن تقضي على  نظام بشار منذ أكثر من ثلاث سنين متواصلة- (وهي أقوى -مجتمعة- بكثير من تنظيم دولة العراق والشام)، وذلك بسبب دعم الدول الكافرة الغربية والدول الإقليمية وروسيا لهذا النظام مادياً ومعنوياً، بل إن هذا النظام عندما يركز قوته في منطقة فإنه يجعلها دماراً بطائراته وأسلحته الكيماوية.

إذاً، فإن الأمر أبعد من موضوع دولة العراق والشام، وهو عبارة عن حرب صليبية جديدة تستهدف مشروع الأمة الحضاري (قيام دولة الخلافة الحقيقية)، وتتخذ الدول الغربية من قصة دولة العراق والشام، ومن تهديداتها وأعمالها ضد الصحفيين والأسرى وطريقة الإعدام العلنية، ومن أعمالها ضد ما يسمى بالأقليات، داخل المنطقة التي تسيطر عليها، ومن تصريحاتها وغير ذلك، تتخذ هذه الدول الكافرة من كل ذلك مسوغاً وذريعة لاستصدار قانون وقرار دولي يغطي حملتها (الصليبية) الدولية والإقليمية ضد موضوع (الدولة الإسلامية المرتقبة) بشكل عام ومفتوح، وليس فقط دولة العراق والشام. وهذا هو المراد والمطلوب دولياً من وراء هذا العمل الماكر الخبيث، وهذا الموضوع يضع علامات استفهام كبيرة على طبيعة أعمال هذا التنظيم، التي تجعل من هذه الأعمال ذريعة لدى الدول الكافرة للقيام بمثل هذه الأعمال الدولية الواسعة على مستوى العالم!!..

فقد صرح «أنتوني بلنكن»، نائب مستشار الرئيس أوباما لشؤون الأمن القومي، لشبكة (سي إن إن) الأميركية في 5-9-2014م: «إن الولايات المتحدة تنوي الاضطلاع بمهمّة طويلة الأمد»، وأضاف: «هذه مسألة تتطلّب وقتاً، ومن المحتمل أن تمتد إلى ما بعد عهد هذه الإدارة قبل بلوغها نقطة إلحاق الهزيمة بالتنظيم».

وهذه -الحرب الشاملة- أكدها الأمين العام لجامعة الدول العربية (نبيل العربي) في اجتماع وزراء الخارجية العرب الذي أنهى أعمال دورته الـ142 الأحد 9-9-2014م في القاهرة، حيث صرح عقب ختام الاجتماع «إن مجلس الجامعة أكد عزم الدول العربية على صياغة الأمن القومي العربي، والتصدي للمنظمات المتطرفة التي تهدده، بما فيها تنظيم «داعش» (الدولة الإسلامية في العراق والشام)».وقال العربي: «إن البيان الختامي للاجتماع يتضمن التحرك لمحاربة الإرهاب على كل المستويات، وذلك للعمل على تجفيف منابع الإرهاب الفكرية، وقال: «إن مسألة التصدي للإرهاب ليست شأناً سياسياً أو أمنياً فقط، ولكن لا بد من بحثه من الجوانب كافة».

والأمر نفسه أكده (سعود الفيصل) وزير الخارجية السعودي في حديث صحفي بعد اجتماع جدة، حيث قال: «إننا خرجنا باجتماعنا برؤية موحدة لمحاربة الإرهاب عسكرياً وفكرياً»، لافتاً إلى «أننا استمعنا إلى شرح من وزير الخارجية الأميركية جون كيري عن الاستراتيجية الأميركية بشأن الإرهاب»، معبراً عن «خيبة أمله تجاه صمت المجتمع الدولي». وأضاف: «إنه علينا الحرص على التعامل مع ظاهرة الإرهاب من منظور استراتيجي شامل»، مشدداً على أن «أي تحرك أمني ضد الإرهاب لا بد أن يصاحبه تحرك جاد نحو محاربة الفكر التكفيري وقطع التمويل والسلاح عن الإرهاب، وأنه لابد من تجفيف منابع الإرهاب بعد أن ألغت «داعش» حدودها بين سوريا والعراق».

 وذكرت وكالة رويترز للأنباء تصريحاً مشابهاً السبت  15-9-2014م عن الرئيس عبد الفتاح السيسي فقالت: «أبلغ وزير الخارجية الأميركي الزائر (جون كيري) إن أي تحالف عالمي ضد الإرهاب يجب ألا يحارب تنظيم الدولة الإسلامية فقط وإنما الجماعات الأخرى أيضاً».

وقالت الرئاسة المصرية في بيانها الرسمي: إن السيسي أوضح أن أي ائتلاف دولي لمكافحة الإرهاب «لابد وأن يكون شاملاً، ولا يستهدف فقط تنظيم معين أو القضاء على بؤرة إرهابية معينة، ولابد من توسيع الائتلاف ليشمل مكافحة الإرهاب حيثما وجد في منطقتي الشرق الأوسط وأفريقيا».

والموضوع المهم في هذه القضية -الحملة الدولية- هو لماذا هذا القرارات والأحلاف والتصريحات في هذا الوقت بالذات، وبهذا الحجم الكبير؟!.

إن الحقيقة هي أن هذا القرار مؤشر وبشارة كبيرة على قرب وصول الأمة لمشروعها الحضاري، وخاصة بعد الثورات التي حصلت في العالم العربي. فالمرحلة القادمة في هذه الدول هي (البحث عن الحل الحقيقي للأمة)، وخاصة أن الحلول التي حصلت وتحايل الغرب عليها لم تحقق أي نتائج ملموسة على الأرض من حيث تطبيق الإسلام ( مطلب الشعوب في الثورات)، أو رفع المستوى الاقتصادي أو ارتفاع الظلم عن الناس، فهل تستطيع هذه الدول أن توقف هذا المشروع الحضاري العظيم (للأمة الإسلامية) بمكرها هذا، ومكرها الذي سبق هذا المكر- عندما تحايلت على الثورات وحرفت مسارها عن وجهتها الصحيحة؟!.

إن إخفاء الحقائق قد ينطلي على الأمة فترة من الزمن، نتيجة هذا المكر والدهاء السياسي والألاعيب التي تقوم بها الدولة الكبرى، لكن هذا الأمر لن يطول كثيراً، وستكتشف الأمة الحقائق والمكر الذي يحيكه الغرب وعملاؤه السياسيون والفكريون في العالم الإسلامي.

وهذا ما يخيف الغرب بالفعل، وهذا ما يعدّ له مسبقاً قبل وقوعه، وما هذا العمل الكبير على هذا المستوى الدولي إلا عملية إعداد مسبقة لما هو آتٍ من أحداث عظام تواجه الغرب قريباً بعودة الأمة لمشروعها الحضاري العظيم (دولة الإسلام الحقيقية المخلصة الراسخة)، للخلاص من شرور الاستعمار ومكره ومؤامراته وشروره ومبادئه، ومن شرور حكامه المجرمين الظالمين… فهل يستطيع الاستعمار بكل هذه الأعمال الإجرامية أن يوقف مشروع الأمة الحضاري؟!

قبل الإجابة عن هذا السؤال يجب أن ندرك الحقائق التالية:

1- إن مسألة الحروب المادية قد جربها الغرب، وعلى رأسه أميركا سيدة الكفر والشر والإرهاب، قد حصدت ثمارها أشواكاً دامية أدمت أيديها وأرجلها، وأثقلتها بالجراح الثخينة، مما أدى إلى اشتداد الأزمات الداخلية في الغرب؛ النفسية منها والاقتصادية والسياسية؛ لذلك صارت تفكر في الحرب عن بعد؛ أي من طريق إشراك دول المنطقة وجيوشها وأموالها في هذا الأمر نيابة عنها، فعقدت مؤتمر جدة ومؤتمر القاهرة، وستعقد غيرها من مؤتمرات من أجل إقامة التحالفات الإقليمية…

2- إن واقع الأنظمة في العالم العربي لا يقل عن الأنظمة الغربية من حيث رفض الشعوب لتدخلاتها العسكرية الخارجية، سواء أكان ذلك عن طريق التدخل المباشر عسكرياً، أم عن طريق الناحية المالية والنفقات… والسبب هو أن الشعوب تعيش حالة غليان ضد أميركا وأحلافها السابقة في بلاد المسلمين، بسبب ما اقترفته أيديهم في حرب أفغانستان والعراق، وسجون غوانتانامو وأبي غريب وغيرها.. وبسبب الحالة المزرية من الفقر التي أوصلت الأنظمة شعوبها إليها، فكيف ستقدم هذه الأنظمة المهترئة المنهارة على حروب جديدة ضد مشاعر شعوبها، وفي نفس الوقت تنفق عليها مئات المليارات لصالح أميركا؟!

3- انهيار الفكر الغربي وظهور سوءاته حتى صارت الشعوب في العالم الإسلامي تكره وتنبذ كل الدول -وعلى رأسها أميركا- التي تدين بالفكر الرأسمالي.. فأي عمل تقوم به أميركا وأحلافها مهما غطته (بالمؤسسات الدولية)، واتخذت له مبررات فإن الشعوب ترفضه ولا تقبل به أبداً.

4- الأحلاف الدولية هي أحلاف مصالح لا تقوم على فكر ولا على مبدأ؛ فالدول الرأسمالية تدرك أن قصة الإرهاب، وقصة دولة العراق والشام هي قصة مفبركة ومضخمة لتكون مبرراً لاستعمار المنطقة اقتصادياً، وفرض هيمنتها عليها… وهناك من الدول من يتهرب من هذه الأحلاف بسبب تبعاتها، وبسبب أن أميركا هي التي ستجني ثمرتها، وهذا الأمر قد حصل سابقاً عندما تهربت بريطانيا من الحلف في الحرب الثانية ضد العراق وأفغانستان، فصارت تسحب قواتها شيئاً فشيئاً قبل أميركا.

5- الفكر الإسلامي فكر متغلغل في الأمة، وتستعد الأمة للدفاع عنه بكل ما أوتيت من قوة، وقد كشَّر الغرب عن أنيابه عندما تحدَّى الأمة وقال: «إنه يجب محاربة الإرهاب فكرياً حرباً طويلة الأمد، وتجفيف منابعه المالية، وإنه يجب محاربة فكرة الدولة الإسلامية فكرياً ومادياً لجميع التنظيمات السياسية، وليس لجماعة دولة العراق والشام)، وهذا الأمر فيه تحدٍّ للأمة ودينها، وسيجعل الأمة جميعاً تقف في صف واحد ضد الكفر وأعماله وأحلافه.

6- إن الحرب هي مع الله عز وجل، قبل أن تكون مع أمة الإسلام، وأن الله عز وجل يدافع عن الذين آمنوا، فعندما أرادت قريش أن تقتل الرسول عليه الصلاة والسلام في آخر مرحلة قبل الدولة جاء نصر الله عز وجل:  (وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ ) فالله عز وجل ينصر المؤمنين حتى وإن كانوا ضعفاء أمام هذه الأحلاف العملاقة، قال تعالى: (وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ (5) وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ ).

7- إن وعد الله عز وجل في إظهار دينه سيتحقق حتى ولو جمعت أميركا كل أحلافها لمنعه ومنع ظهوره، وأن أوانه قد آن بإذن الله تعالى… فالدماء الغزيرة تنزف في آخر اللحظات قبل خروج المولود من رحم أمه، وشعاع الفجر يبزغ في آخر الليل عندما يشتد ظلامه، وأن الإسلام سيبزغ بإذنه تعالى في هذا الوقت العصيب على أمة الإسلام، وفي ظل هذه التداعيات والانهيارات المبدئية والفكرية، وفي ظل عجز هؤلاء الحكام. قال تعالى: (يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (32) هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ    )

  فنسأله تعالى أن يعجل في زوال هذه الغمة عن أمة الإسلام، وأن يعجل بقيام دولة الإسلام…آمين يا رب العالمين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *