العدد 395 -

السنة الرابعة والثلاثون، ذو الحجة 1440هـ – آب 2019م

صفقة القرن اسم جديد لمحاولة جديدة لحل دولي لقضية فلسطين

 «صفقة القرن»

«صفقة القرن» اسم جديد لمحاولة جديدة لحل دولي لقضية فلسطين، ما حقيقتُها؟، وبمَ تختلف عن غيرها من محاولات السلام بين المسلمين و(إسرائيل)؟ وما السيناريوهات المحتملة لها في ظل عدم وضوح بنودها حتى الآن؟

   إن محاولة ترامب لإحلال السلام بين المسلمين و(إسرائيل) ليست جديدة، فمنذ عهد كارتر في أواخر السبعينات، بدأت الحلول السياسية لقضايا المنطقة تأخذ مسارًا جديًا برعاية أميركا التي أنتجت أول اتفاقية هي اتفاقية كامب ديفيد المشؤومة سنة 1978م، ويطمع ترامب من وراء صفقة القرن أن يدخل التاريخ، وهذا حال جميع رؤساء أميركا السابقين. وهو كان قد أعلن عن نيته زيارة السعودية بعد بضعة أشهر من تنصيبه رسميًا رئيسًا للولايات المتحدة، وأعلن أنه يسعى لإنشاء تحالف جديد مع القوى الإسلامية، وأعلن عن نيته زيارة (إسرائيل).

وفي هذا السياق، قام ترامب بزيارة السعودية وأسماها زيارة تاريخية، أتبعها بزيارة إلى (إسرائيل) صرح فيها أنه لمس قربًا كبيرًا بين الملك سلمان وقادة الخليج عمومًا وبين (إسرائيل)، ونقل رسالة مفادها أن الملك سلمان مستعد لتقديم الكثير من أجل إرساء السلام في المنطقة، فقاطعه نتنياهو قائلًا: نحن نعلم هذا، ونحن كذلك مستعدون، ولكن ليس كل شيء يمكننا مناقشته أمام الإعلام. طبعًا مقاطعة نتنياهو لأن ترامب خرج عن بروتوكولات السياسة في التعبير عن حقيقة الصراع مع (إسرائيل)، ولكن ترامب من طبيعته أنه لا يهتم، وطريقته في التعاطي هي طريقة الكاوبوي الفجة.

إن محاولات إحلال السلام لم تكن في يوم من الأيام تواجه عقبات من قبل حكام الأنظمة التي تحكم بلاد المسلمين بل كان العائق الوحيد هو رفض اليهود أنفسهم لأي محاولات سلام، لأنهم يدركون أنهم أقلية في منطقة مسلمين يبغضون اليهود بكليتهم ويتمنون زوال دولتهم؛ ولهذا فإن اليهود لا يريدون تغيير الواقع الذي هم فيه، لأنهم لا يريدون تقديم أية تنازلات غير مأمونة لجهة المسلمين، ولأن هؤلاء الحكام لا يشكلون عليهم أية ضغوط حقيقية حتى يقدموا لهم أية تنازلات، ولهذا نراهم دائمًا يشترطون شروطًا من شأنها عرقلة مسيرة المفاوضات مثل ما قاله نتنياهو، في مقابلة مع صحيفة «إسرائيل اليوم» العبرية، في الخامس من نيسان 2019م، إن هناك ثلاثة شروط يتمنى أن تتحقق في «صفقة القرن» التي يستعد الرئيس الأميركي للإعلان عنها. وتابع: «الشرط الأول هو ألا يتم ترحيل أي مستوطن. والثاني أن تستمر سيطرتنا على منطقة غرب الأردن. والثالث أن تبقى القدس موحدة وكاملة لكيان يهود، وألا يتم تقسيمها إلى غربية وشرقية»، مؤكدًا أنه أبلغ ترامب بأنه لن يتراجع عن هذه الشروط الثلاثة أبدًا. وفي مقابلة أخرى مع القناة 13 العبرية، قال نتنياهو إنه لا يريد إخلاء مستوطن يهودي واحد من الضفة الغربية، مشددًا: «جميع المستوطنات في الضفة الغربية، الصغيرة والكبيرة، كلها يجب أن تبقى تحت السيادة الإسرائيلية».

ولأن ترامب لا يبالي طبعًا بالمسلمين، ولا يجعل لهم حسبانًا في خططه، فإنه يعطي التطمينات لليهود بشكل متكرر، بأنه قد ضمن لهم حكام الدول العربية الذين يتكالبون تحت أقدامه، وضمن الشعوب التي تعاني ضغوطًا اقتصادية شديدة فيعدهم ويمنيهم، وهذا مؤتمر البحرين شكل انطلاقًا لخطته، من هذه التطمينات ما أفادته صحيفة «واشنطن بوست» نقلًا عن مصادر اطّلعت على أهم مركّبات خطة السلام الأميركية المسماة بـ«صفقة القرن»، بأن هذه الخطة تتضمن تحسين ظروف حياة الفلسطينيين ولكنها لا تتضمن، كما يبدو، إقامة دولة فلسطينية مستقلة. ووفقًا للصحيفة، فإن ما سمتها خطة السلام لا تستند إلى حل الدولتين، على عكس جولات المفاوضات التي حدثت على مدار العشرين عامًا الماضية.

وفي السياق نفسه، نقلت وكالة «وام» الرسمية، إن «الإمارات تقف مع كافة الجهود الدولية الرامية إلى ازدهار المنطقة، وتعزيز فرص النمو الاقتصادي، والتخفيف من الظروف الصعبة التي يعيشها الكثير من أبناء المنطقة خاصة أبناء الشعب الفلسطيني الشقيق». وادعت الخارجية أن «الأهداف التي تنطلق منها الورشة، والمتمثلة في السعي نحو إطار عمل يضمن مستقبلًا مزدهرًا للمنطقة، تشكل هدفًا ساميًا لرفع المعاناة عن كاهل الشعب الفلسطيني، وتمكينه من العيش والاستقرار والعمل لمستقبل مزدهر». وقالت الوزارة إن الإمارات «ترحب» بورشة «السلام من أجل الازدهار»، و«تؤكد موقفها السياسي بشأن قيام دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس الشرقية». وهناك العشرات من التصريحات لمسؤولين خليجيين يشيدون بخطوة ترامب نحو تحقيق ازدهار اقتصادي بين أبناء فلسطين…

أما أدوات أميركا حاليًا فهم حكام البلاد الإسلامية والعربية، لا سيما السعودية التي تعتمد عليها أميركا في دفع تكاليف مشاريعها الشيطانية في المنطقة، وهذا قرار اتخذته أميركا منذ تولي ترامب الرئاسة الأميركية، فهي خفضت كل نفقاتها الخارجية بما فيها ميزانية الأمم المتحدة، وكما طلبت من السعودية أن تغطي تكاليف الحرب في سوريا، ستطلب من دول الخليج أن يغطوا تكاليف السلام مع يهود، والذين كما ذكرنا هم لا يريدون دولة قوية لفلسطين بل يريدون دويلة تابعة لـ (إسرائيل) حتى أمنها يكون مدفوع الثمن، فقد ذكرت ذكرت صحيفة «يسرائيل هايوم» العبرية، صباح يوم الثلاثاء 07/05/2019/م، أن وثيقة داخلية تم تسريبها في وزارة الخارجية في كيان يهود، ولم تعلن أي جهة مسؤوليتها عن تسريب البنود، وتقضي بنشر التفاصيل الكاملة للخطة الأميركية للسلام في الشرق الأوسط، المعروفة باسم «صفقة القرن». وطرحت الصحيفة سؤالًا مهمًا يتعلق بمدى صحة ما تم تسريبه من وثيقة. ومن أهم ما جاء في هذه الوثيقة المسربة هو البند السابع المتعلق بالجيش ونصه: «7- الجيش: يمنع على فلسطين الجديدة أن يكون لها جيش وسلاح قوي، والسلاح الوحيد المسموح به هو سلاح الشرطة. سيتم توقيع اتفاق بين إسرائيل وفلسطين الجديدة على أن تتولى إسرائيل الدفاع عن فلسطين الجديدة من أي عدوان خارجي، بشرط أن تدفع فلسطين الجديدة لـ إسرائيل ثمن دفاع هذه الحماية، ويتم التفاوض بين إسرائيل والدول العربية المعتدلة على قيمة ما سيدفع للجيش الإسرائيلي ثمنًا للحماية.» أي بحسب خطة ترامب سيدفع المسلمون الجزية لليهود… خاب وخسر وخيَّب الله مسعاه، ومسعى حكام الضِّرار والخزي والعار.

إن خطة أميركا تسير بصفقة قرنها بخطوات تشبه خطوات الأحجية الخبيثة، وتستعمل كل أوراقها في المنطقة بشكل مباشر أو غير مباشر، فهي قربت إليها دول الخليج ونهبت أموالهم عبر فزاعة إيران، وهي تستخدم نفس الفزاعة في صفقة قرنها الفاشلة وتعمل على تحويل طبيعة الصراع في المنطقة من صراع وجودي بين المسلمين وكيان يهود إلى صراع مذهبي بين المسلمين (العرب وإيران). جاء في جواب سؤال حول حقيقة التوتر بين إيران وأميركا ما يلي:

«السبب الثالث (من أسباب التوتر مع إيران: وهو الأهم، عملية إخراج لتحالف أميركي عربي يدخل فيه كيان يهود ضد إيران إلى حيز التنفيذ. (هذا التحالف ذكرنا في البداية أن ترامب أعلن عنه قبل سنتين، أي عندما أعلن نيته لزيارة السعودية و(إسرائيل)… إن النظر في جملة من مرامي السياسة الأميركية في المنطقة والمواقف الإقليمية تبين بأن أهم سبب يدفع أميركا اليوم لتوتير الأجواء مع إيران هو بناء هذا التحالف وإخراجه بشكل رسمي، أي نقل قضية الصراع في المنطقة من عدوان (إسرائيلي) باحتلال الأرض المباركة فلسطين، ومن ثم وجوب قتاله لإزالته وإعادة فلسطين إلى ديار الإسلام، نقل ذلك إلى صراع طائفي في المنطقة مع إيران! وبعبارة أخرى دمج كيان يهود في المنطقة… وهذا الهدف الذي عجزت عنه أميركا وبريطانيا عبر عقود، فإنها تأمل اليوم بتحقيقه عبر حكام الخيانة، خاصة في الخليج، الذين يسارعون للتطبيع مع كيان يهود تحت الذرائع الأميركية نفسها «الخوف من إيران».

 وقد ظهر هذا بوضوح في موقف كيان يهود: فعلى وقع التوتر في الخليج، قال رئيس وزراء الكيان بحضور السفير الأميركي فريدمان: «هناك ازدهار جديد ونهضة جديدة للعلاقات بيننا وبين الكثير من جيراننا العرب ودول إسلامية غير عربية كثيرة». وقال نتنياهو: «نحن موحدون في الرغبة لصد العدوان الإيراني». وأضاف نتنياهو أنه «يجب على دولة (إسرائيل) وجميع دول المنطقة وجميع الدول التي تريد إحلال السلام في العالم أن تقف معًا إلى جانب الولايات المتحدة ضد العدوان الإيراني». وشدد رئيس الوزراء (الإسرائيلي) على ضرورة الاستمرار في تعزيز قوة «إسرائيل وتحالفها المهم مع أميركا». آر تي 14/05/2019م. فوقوف كيان يهود مع دول عربية وربما (إسلامية) أخرى بجانب الولايات المتحدة لصد «العدوان الإيراني» يوضح أن الكلام في خطة التوتير الأميركية يجري على بناء تحالف إقليمي ضد إيران بقيادة الولايات المتحدة يشارك فيه كيان يهود، وأن التوتير والتصريحات النارية وبعض الأعمال العسكرية، كما جرى في الفجيرة ومنشآت أرامكو، هو عملية إخراج لهذا الناتو الإقليمي، وعملية الإخراج تلك لا تزال قائمة. ومن مقدماتها استضافة الرياض الاثنين 06/04/2019م اجتماعًا عربيًا-أميركيًا شاركت فيه قطر، في إطار التحضير لإطلاق «تحالف الشرق الأوسط الاستراتيجي»، المعروف إعلاميًا باسم «الناتو العربي». وذكرت وكالة «واس» أن (الاجتماع عقد «بمشاركة رفيعة المستوى من المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأميركية والإمارات العربية المتحدة ومملكة البحرين ودولة الكويت وسلطنة عمان ودولة قطر والمملكة الأردنية الهاشمية». وأوضحت أن الاجتماع «يعد خطوة مهمة ضمن خطوات إطلاق هذا التحالف الذي يهدف إلى تعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة والعالم». آر تي  10/04/2019م). إذن عملية بناء هذا التحالف العسكري قائمة على قدم وساق، وفرح كيان يهود بالتنسيق الأمني مع دول عربية و(إسلامية) ضد إيران معناه أن كيان يهود مشترك في تلك المداولات الأميركية مع هؤلاء الحكام، ولكن دون إعلان، وربما يتأجل الإعلان إلى ما بعد إعلان أميركا خطتها للسلام، والتي يعتبر أهم بند فيها تطبيع حكام الخيانة الخليجيين مع كيان يهود». انتهى جواب السؤال.

الإدارة الأميركية الحالية تتعاطى مع الموضوع وكأنه اقتصادي، وهذا ما يغلب على تصرفات ترامب. فهو رجل أعمال وتجارة وصفقات تجارية… ومع أن الصفقة محكوم عليها بالفشل حكمًا؛ إلا أن إعلانها وأخذها حيز التنفيذ قد يتم فعلًا. وأميركا حتى الآن لم تعلن عن أيٍّ من بنود هذه الخطة، حتى إن ملك الأردن زار واشنطن في محاولة لمعرفة بعض تفاصيل الصفقة ولكن لم يتمكن من أخذ أي معلومات مفيدة… ولكن هناك لفتة جميلة ذكرها رئيس المكتب الإعلامي لحزب التحرير في الأردن سابقًا الأستاذ ممدوح أبو سوا قطيشات، وهي أن ما ذكر عن صفقة القرن، وأنها سيتم الإعلان عنها بعد رمضان، مع أن الغرب لا يتعاطى بالتقويم الهجري، إنما يدل على أن شهر رمضان كان مطروحًا على طاولة التآمر، وأن لا يتم المساس بمقدسات المسلمين في هذا الشهر لما فيه من خصوصية للمسلمين، ومشاعر إسلامية عالية.

أما عن مصر اللاجئين، فقد كان فيما مضى عندما يتم طرح مسألة السلام مع يهود ومصير اللاجئين في لبنان يتم الحديث عن إمكانية استقبال دول غربية لعدد كبير من اللاجئين… هذا الطرح لم يعد متداولًا في صفقة القرن، فالغرب لم يعد يحتمل المزيد من المسلمين على أراضيه، بل نشهد صعودًا لليمين المتطرف في معظم الدول الغربية الذين يعارضون وجود المسلمين في بلادهم… إذًا الحل الوحيد هو توطين الفلسطينيين حيث هم، كما هو الحال في ما تم تسريبه من صفقة القرن، وأنها مبنية على المبادرات الاقتصادية.

إن الناظر إلى حجم التعاطي الإعلامي مع قضية السلام مع يهود، والاسم الذي أطلق عليها [صفقة القرن أو Deal of the century] يظن أنه سيقف أمام تفاصيل وخطوات وخطة محكمة تتناول جميع زوايا الصراع، ولكن في الحقيقة، فإن المتوقع أن كل هذا مجرد فقاعة إعلامية لا قيمة لها، ويتوقع أن يتم تأجيل عرض الخطة والاكتفاء بعرض مرحلي للخطة، وهو بعض النواحي الاقتصادية، وهذا ليس لشيء إلا لأن الخطة الحقيقية تنص على بيع فلسطين لليهود، وهذا ما كشفت عنه صحيفة «واشنطن بوست» أن خطة الإدارة الأميركية للسلام بين (إسرائيل) والفلسطينيين، والتي باتت تُعرف بـ«صفقة القرن»، لا تنص نهائيًا على إقامة دولة فلسطينية. وبحسب المصدر، فإن «صفقة القرن» لا تضم سوى بعض «المقترحات العملية» لأجل تحسين حياة الفلسطينيين على المستوى الاقتصادي، لكنها لا تضمن إقامة دولة فلسطينية صغيرة بجانب (إسرائيل). واعتمدت «واشنطن بوست» على شهادات أشخاص تحدثوا إلى الفريق الذي يديره كوشنر، وأوردت الصحيفة أن الصفقة تعرض حوافز اقتصادية مقابل الاعتراف العربي بـ (إسرائيل)، لكن مع الإبقاء على فلسطين في وضعها الراهن، دون أي سيادة ودولة.

وفي وقت سابق، قال كوشنر، في مقابلة مع قناة «سكاي نيوز عربية»، إن الإدارة الأميركية سعت إلى طرح مقترحات واقعية وحل عادل في خطة السلام حتى تساعد على تحسين حياة الناس. وعلق وزير الأمن الداخلي، جيلاد إردان، على هذا الخبر مرحبًا بعدم إشارة صفقة القرن إلى الدولة الفلسطينية، وقال «إذا فهمت الإدارة الأميركية أن الدولة الفلسطينية لم يعد لها مبرر ولا جدوى ولا حظوظ، فتلك أخبار مهمة».

كذلك نقلت صحيفة «القدس» الفلسطينية عن مصادر وصفتها بالمطلعة في العاصمة الأميركية واشنطن، قولها إن معالم الخطة المعروفة بـ«صفقة القرن» اكتملت. وتضمن التقرير الذي نشرته الصحيفة على موقعها الإلكتروني، مفاجأة صادمة للشعوب العربية المترقبة (كما وصفتها الصحيفة)، إذ إن الصفقة «لا تتضمن الاعتراف بدولة فلسطينية وعاصمتها القدس، بل تقوم على أساس إعطاء قطاع غزة حكمًا ذاتيًا يرتبط بعلاقات سياسية مع مناطق حكم ذاتي في مناطق الضفة الغربية التي تسيطر عليها السلطة الفلسطينية. وفيما يتعلق بالشق الأمني «ستتم إزالة معظم الحواجز العسكرية الإسرائيلية بما يضمن حرية حركة الفلسطينيين لأعمالهم ومدارسهم ومستشفياتهم، والحرية التجارية في المناطق الفلسطينية، ولكن المسؤولية الأمنية ستبقى بيد إسرائيل بشكل كامل، حتى منطقة الأغوار». وتشمل الخطة أيضًا تعزيز الشراكة بين الأردن والفلسطينيين و(إسرائيل)، في إدارة المسجد الأقصى وضمان وصول المصلين إليه، وفقًا للتقرير. أما بالنسبة للمستوطنات فستقسم إلى ما يسمى بالكتل الكبرى التي ستُضَم رسميًا لـ (إسرائيل)، والمستوطنات الأخرى المقامة خارج الكتل الكبرى، وستبقى هي الأخرى أيضًا تحت السيطرة (الإسرائيلية) ولكن دون توسيعها، أما النقاط الاستيطانية العشوائية فسيتم تفكيكها. وأكد المصدر الذي طلب عدم كشف هويته بأن الخطة (صفقة القرن) لا تشمل تبادل أراضي، كون مسألة الدولة الفلسطينية المستقلة على أراضي عام 1967م وعاصمتها القدس لم تعد واردة «بل ستكون هناك تعويضات سخية للفلسطينيين الذين باستطاعتهم إثبات ملكيتهم لهذه الأراضي بشكل مباشر».

وحول قضية اللاجئين الفلسطينيين، فإن «صفقة القرن» تعتبر أن عدد اللاجئين الفلسطينيين يتراوح بين 30 ألف إلى 60 ألف شخص فقط، (في حين أن الرقم الحقيقي يقارب الـ 900 ألف) وسيتم إعادة توطينهم في مناطق الحكم الذاتي الفلسطينية في الضفة أو في قطاع غزة إن أرادوا ذلك، فيما سيتم تشكيل صندوق لتعويض أحفاد الذين «اضطروا» لمغادرة قراهم وبلداتهم ومدنهم خلال حرب 1948م دون تصنيفهم كلاجئين.

وتركز الخطة على «المحفزات الاقتصادية» التي تشمل بناء ميناء كبير في غزة، وتواصل بري بين غزة والضفة الغربية «ووسائل خلاَّقة للنقل الجوي من وإلى غزة للبشر وللبضائع» بحسب المصدر، وتعزيز قطاع الإنتاج التكنولوجي.

وبهذا يبدو أنه ليس هناك خطة كما هو التعريف العام للخطط، إنما هي مثل اسمها صفقة تجارية. فما تم الإعلان عنه حتى الآن، ما هو إلا عرض السعر المطروح لبيع فلسطين… هذا ويلاحظ أن هناك تصرفات قد يراها البعض قلة خبرة من الفريق الموكل بملف «صفقة القرن»، وهذا ما عبر عنه عدد من السياسيين الأميركيين لا سيما من الذين شاركوا في عمليات المفاوضات خلال العقود المنصرمة. منها مثلًا عدم دعوة الجانب الفلسطيني إلى مؤتمر البحرين حيث كتبت صحيفة «هآرتس»  مقالًا  عنونته بـ «ترامب ينظم زفافًا في البحرين، لكنه نسي دعوة العريس» وجاء فيه: «من المقرر أن تستضيف البحرين في نهاية يونيو (حزيران) مؤتمر «من السلام إلى الازدهار» الذي يبدو عرسًا ينقصه تفصيل صغير ولكنه مهم، وهو حضور شريك في الزواج.» ولكن بالرغم من عدم وجود الجانب الفلسطيني ممثلًا بالسلطة الفلسطينية، فإن عددًا من كبار رجال الأعمال الفلسطينيين تمت دعوتهم إلى المؤتمر. هذا الأمر الذي يصنفه البعض على أنه قلة خبرة قد يكون في الحقيقة عنجهية أميركية، وهذا ما ذكره موقع تي آر تي عربي بالقول: «تتهيأ المنطقة العربية لواقع أمني جديد يحمل عنوان «السلام بالقوة»، يقوده جاريد كوشنر صهر الرئيس الأميركي دونالد ترمب، والذي قد يغير كل معادلات السلام في الشرق الأوسط بناءً على ما تحمله وعود رجل الأعمال الشهير ترمب بما يُعرف إعلاميًا «بصفقة القرن».

الأمر الآخر الجديد هو قرار الكنيست حل نفسه، الذي جاء على أثر فشل نتنياهو تشكيل حكومة (إسرائيلية)، الأمر الذي دفع الكنيست للمرة الأولى في التاريخ (بحسب ما جاء في صحيفة الأخبار) بسن قانون يحل نفسه فيه، وتم التصويت عليه مرتين، فحظي بقبول أكثر من نصف أعضاء الكنيست (الإسرائيلي). وبهذا لا يكون هناك جانب رسمي يمثل الكيان الصهيوني في مؤتمر المنامة، وبالتالي في حفل الإعلان عن صفقة القرن، والمرجح أن اليهود يريدون أن يحصلوا على التطبيع مع الدول العربية دون أن يقدموا أي شيء، وبهذه الخطوة يكون حصل لليهود ما يريدون…

إذًا، ما الجديد في «صفقة القرن»؟ الجديد ببساطة هو تخاذل جميع الأطراف وخيانة كبرى وعملية بيع رخيصة، بدأت المفاوضات قبل عقود على مبدأ الأرض مقابل السلام، ثم الأرض مقابل الاعتراف، ثم بعض من الأرض مقابل الاعتراف، والآن قبول بدل مالي مقابل التخلي عن بلاد المسلمين… وقد يصبح لاحقًا تقديم فلسطين لليهود بالمجان… هذا هو الجديد في هذه الصفقة.

إن كل مسلم يدرك أن قضية فلسطين أكبر من مجرد ناحية اقتصادية، أو قرار سياسي.. وإنما هي قضية عقائدية لا يمكن أن يتنازل عنها المسلمون… قد يتنازل عنها الحكام أو أهل الإعلام.. ولكن لا يمكن لمن يقرأ ﴿سُبۡحَٰنَ ٱلَّذِيٓ أَسۡرَىٰ بِعَبۡدِهِۦ لَيۡلٗا مِّنَ ٱلۡمَسۡجِدِ ٱلۡحَرَامِ إِلَى ٱلۡمَسۡجِدِ ٱلۡأَقۡصَا ٱلَّذِي بَٰرَكۡنَا حَوۡلَهُ لا يمكن لمن يؤمن بهذه الآية أن يتنازل عن شبر من بلاد المسلمين، فكيف إن كان الأقصى هو المطلوب التخلي عنه والبلاد المباركة حوله؛ لهذا فإن «صفقة القرن» محكوم عليها بالفشل قولًا واحدًا. وفعلًا صدق من قال إن «صفقة القرن» إن لم تولد ميتة فهي فاشلة. إن اليهود يدركون هذا الأمر، وهم يدركون أن التطبيع مع الحكام لا يعني بحال من الأحوال التطبيع مع الشعوب، جل ما يريدونه تسهيل مصالحهم في المنطقة، دون أن يحصل أي نوع من الاندماج أو التساهل مع المحيط الكاره لدولة (إسرائيل) والذي يتطلع إلى اليوم الذي يحرر فيه القدس من دنس الكيان الغاصب.

نسأل الله تعالى أن يمنَّ علينا بنصر من عنده إنه قريب مجيب الدعاء. سبحانك اللهم وبحمدك، نستغفرك ونتوب إليك، ونؤمن بك، ونتوكل عليك، ونثني عليك الخير كله.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *