العدد 390-391-392 -

السنة الثالثة والثلاثون -رجب – شعبان – رمضان – 1440هـ – آذار – نيسان- أيار 2019م

الأمة تشهد لحظة موت الحضارة الرأسمالية وإحياء الحضارة الإسلامية، في ظل دولة الخلافة المرتقبة

الأمة تشهد لحظة موت الحضارة الرأسمالية

وإحياء الحضارة الإسلامية، في ظل دولة الخلافة المرتقبة

عادل الزروقي

يقول تعالى: (فَهَزَمُوهُم بِإِذۡنِ ٱللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُۥدُ جَالُوتَ وَءَاتَىٰهُ ٱللَّهُ ٱلۡمُلۡكَ وَٱلۡحِكۡمَةَ وَعَلَّمَهُۥ مِمَّا يَشَآءُۗ وَلَوۡلَا دَفۡعُ ٱللَّهِ ٱلنَّاسَ بَعۡضَهُم بِبَعۡضٖ لَّفَسَدَتِ ٱلۡأَرۡضُ وَلَٰكِنَّ ٱللَّهَ ذُو فَضۡلٍ عَلَى ٱلۡعَٰلَمِينَ)

إن سنة التدافع ماضية إلى أن يرث الله الأرض وما عليها، فيهيئ سبحانه وتعالى دوافع لواقع التغيير. وبما أن العالم اليوم يرزح تحت نير النظام الرأسمالي الذي سيطر عليه منذ القرن التاسع عشر الميلادي؛ حيث عرف العالم حينئذ بروز المبدأ الرأسمالي ونظامه فصل الدين عن الحياة، واستطاعت الحضارة الرأسمالية أن تغزو جميع الأمم والشعوب بما فيها الأمة الإسلامية، التي تعرضت إلى غزو فكري مكَّن للغرب فرض طريقته في الحياة على بلادنا، وتركَّزت مفاهيمه في مجتمعاتنا، على إثر الاحتلال المباشر بعد تقسيم الدولة العثمانية إلى كيانات هزيلة تتبنى الأنظمة الرأسمالية. وبما أن النهضة الغربية أساسها عقيدة غير صحيحة، فعقيدة فصل الدين عن الحياة بنيت على الحل الوسط، وعلى ردات فعل عن المفاهيم التي سادت أوروبا في عصور انحطاطها. فمن الطبيعي أن تعرف هذه الحضارة ضعفًا يؤدي إلى سقوط محتم.

يقول ج. ديوارنت: «تسقط الحضارات من الداخل قبل بروز عدو خارجي يقضي عليها نهائيًا». وكان حديثه في سياق سقوط الإمبراطورية الرومانية وظهور الإسلام كقيادة للبشرية في القرن السابع الميلادي. إن بداية انهيار الحضارة الغربية، ماثل للعيان، ولا سيما لدى مفكري الغرب، فكتاباتهم ونشراتهم ودراساتهم تشير بوضوح إلى سقوط المبدأ الرأسمالي وتطلق صرخة فزع تنذر بما هو قادم… فالغرب يدرك أن النظام الرأسمالي هو نظام كوني لا يمكن تغييره إلا بنظام كوني جديد يحمل مفاهيم جديدة في الحياة تعتنقها البشرية وتتفوق على المفاهيم الغربية وتبطلها وتبين زيفها وعسفها.

إن الإسلام العظيم هو البديل الحضاري الجديد الذي تحتاجه الشعوب والأمم ولا سيما الأمة الإسلامية، خير أمة أخرجت للناس. فالإسلام مبدأ، عقيدته تجيب عن الأسئلة الأساسية والمصيرية التي تتخبط فيها البشرية الآن، فتبين بالأدلة والبراهين أن الكون والإنسان والحياة، وراءها خالق واحد أحد صمد، وأن ما بعد الحياة الدنيا، لقاء في الآخرة مع الله ليجزي كل بما عمله في الحياة الدنيا.

إن المبدأ الرأسمالي أسقط من مفاهيمه علاقة الخالق بتنظيم شؤون الناس في حياتهم، وعليه جاءت نظمه وتشريعاته ومفاهيمه ومقاييسه وقناعاته من وضع عقولهم القاصرة والمحدودة والمتناقضة والمتأثرة بالبيئة… ومن الطبيعي أن تحدث أزمات على مستوى قيم ومفاهيم الغرب المنبثقة عن قاعدة فكرية باطلة وغير صحيحة. إنها أزمة عميقة بالأساس؛ لذلك شعر بعض علماء الغرب بالخطر، فعبروا عن خوفهم من انهيار مبدئهم. فعلى سبيل المثال يقول «جان زيغلر»، وهو عالم اجتماع وسياسي أوروبي، يصف الرأسمالية المالية المعولمة «بالمجتمع القاتل»، وهذا ما تكشفه حروب الغرب الماضية والنفقات المتصاعدة على التسلح. هذه هي النزعة الحربية المتأصلة في الرأسمالية. ألم تثبت أحداث العالم أن هذه القدرة المفترضة على السلام لا أساس لها، كما هو حال الاعتقاد بأن تحرير السوق وخصخصة الممتلكات العامة سيؤدي إلى ظروف عمل عادلة، ورواتب تقاعدية مجزية، ونظام اجتماعي آمن… كلها سراب في سراب؟!

الخبير ميخائيل عوض، أجاب باختصار مؤكدًا سقوط الرأسمالية وحقبها وأدوارها، وأنها لم تعد قادرة على توليد الحلول، فقال: «هي بكل تأكيد أزمة كيانية وأزمة نمط إنتاج، والآن تبزغ شمس الشرق». والحل يكمن، كما رأى الخبير عوض، في تطبيق الآية الكريمة (وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى ٱلَّذِينَ ٱسۡتُضۡعِفُواْ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَنَجۡعَلَهُمۡ أَئِمَّةٗ وَنَجۡعَلَهُمُ ٱلۡوَٰرِثِين)

كارل شواب، فاجأ الحضور، في نهاية منتدى دافوس، بإعلانه المفاجئ «أن النظام الرأسمالي انتهى» ولخص ميخائيل عوض كلام شواب بقوله: «بفشل النظام الرأسمالي برمته وليس فقط الليبرالية، فقد اختبرت الأشكال الأخرى وانتهت إلى الليبرالية، وبنهاية الليبرالية تنتهي قدرة النظام على الاستمرار، المطلوب توليد بديل، وهذا ما تبحث عنه الإنسانية بعد سقوط نموذج روسيا، رأسمالية الدولة الاحتكارية ونموذجها، وسقوط النظام الرأسمالي، على الشرق أن يولد هذا الجديد». فالدَين العام الأميركي مثلًا يبلغ الآن حوالى ستة عشر تريليون دولار، ومجمل المديونية الأميركية للقطاعين العام والخاص تتجاوز الخمسين تريليون دولار، وكل الفوائض المالية العربية لا تتجاوز تريليون دولار».

أما «وزني» فقد قدم توصيفًا للأزمة فيقول: «إن صندوق النقد الدولي يواجه مشاكل مالية بسبب تأخر بعض الدول الأعضاء من سداد استحقاقاتها (الولايات المتحدة الأميركية) وبفعل تزايد مشكلات دول أخرى أوروبية ونامية… تراهن مديرة الصندوق على مساهمات بعض الدول مثل الصين والدول النفطية (السعودية) لتحسين أوضاعها المالية، ولكن هذه الدول تطالب بالمقابل بإصلاحات في الصندوق وتعديل نظامه الداخلي على صعيد الحصص وحقوق التصويت…».

. والمفكر الفرنسي ديباسكييه (DEEBCKEEH) فهو الآخر يرشح الإسلام كمخلّص ومنقذ وحيد للبشرية، فيقول: «إن الغرب لم يعرف الإسلام أبدًا، فمنذ ظهور الإسلام اتخذ الغرب موقفًا عدائيًا منه، ولم يكفّ عن الافتراء والتنديد به لكي يجد مبررات لقتاله، وقد ترتب على هذا التشويه أن رسخت في العقلية الغربية مقولات فظة عن الإسلام، ولا شك أن الإسلام هو الوحدانية التي يحتاج إليها العالم المعاصر ليتخلص من متاهات الحضارة المادية المعاصرة التي لا بد إن استمرت أن تنتهي بتدمير الإنسان».

. ويقول الأديب العالمي ليف تولستوي: «يكفي محمدًا فخرًا أنه خلّص أمةً ذليلة دموية من مخالب شياطين العادات الذميمة، وفتح على وجوههم طريق الرقي والتقدم، وأن شريعة محمد ستسود العالم لانسجامها مع العقل والحكمة).

وهذا الفيلسوف الدنماركي سورن كيركغارد يصرخ مُعْلنًا: «أن الجانب المادّي والنّفعي تغلّب على الجانب الروحاني في الحضارة الغربية؛ لذا سيكون السقوط مآل هذه الحضارة».

. وهذا الألماني أوزوالد شبينغلر صاحب كتاب «تدهور الحضارة الغربية» الذي بشر باقتراب موت الحضارة الغربية بعد خوضها للحروب الكونية، ولاقى كتابه شهرة واسعة…، ولم ينقطع البعض من المفكرين والشعراء والكتاب عن التلويح بالسقوط الوشيك للحضارة الغربية. من أشهر هؤلاء يمكن أن نذكر الألماني هرمان هسه، والبريطاني هايش، جي، ويلز، والنمساوي كارل كراوس الذي كتب في نصه الشهير «الأيام الأخيرة للإنسانية» الصادر عام 1922م يقول: «لقد قرّرنا استئصال كوكبكم، وأيضًا كلّ الجبهات، وكلّ هذا الدّود الأرضيّ المغرور الذي يتباهى بالتأهّب للإغارة على الكواكب».

. أما الفيلسوف الفرنسي ميشال أونفري الذي بعد صدور كتابه الذي «فضح فيه أكاذيب فرويد»، يصدر كتابًا، يعلن فيه عن اقتراب انقراض الحضارة الغربيّة. وقد صدر هذا الكتاب الذي حمل عنوان «تدهور» (750 صفحة) عن دار «فلاماريون» مطلع العام الحالي ويذكر فيه: «الحضارة الغربية فهي تترنح بانتظار سقوطها المدوي». ويرى ميشال أونفري أنه «ليس بالإمكان فعل أيّ شي لهذه الحضارة التي تموت». وهو يضيف قائلًا: «بأن رؤية أزوالد شبينغلر للتدهور، كانت «جامدة»، و«منهجيّة». أما رؤيته هو «فـمتحركة»، «وحيّة». كما أنها ليست لا رؤية يمينية، ولا يسارية. فأصحاب الرؤية اليمينية يظهرون تشاؤمًا من الحاضر؛ لذا هم يعتقدون أن الخلاص لا يتمّ إلاّ بالعودة إلى الماضي المجيد. ولا ينشغل أصحاب الرؤية اليسارية إلاّ بالمستقبل؛ لذا هم متفائلون أبدًا. وأما هو فلا هو متفائل ولا متشائم، وإنما «تراجيديّ».

. ويقول ميشال أونفري أيضًا: «لقد هيمنت الحضارة الغربية على الشعوب، والحضارة التي ستقوم مقامها ستعوضها. إنها مسألة وقت فقط. الباخرة تغرق. ولم يتبقَّ لنا سوى أن نغرق بأناقة ورشاقة». ويخلص المؤلف إلى قوله: «بأن موت الغرب ليس تنبؤًا بما سيحدث، إنه تصوير لما يحدث الآن، إن أمم العالم تموت، وهي تواجه أزمة مميتة، لا بسبب شيء ما يحدث في العالم الثالث، بل بسبب ما لا يحدث في الوطن وفي بيوت العالم الأول».

. أما باتريك جيه بوكانن في كتابه «موت الغرب»: وهو مفكر أميركي، وكان مستشارًا كبيرًا لثلاثة رؤساء أميركيين، فيؤكد: «انهيار أوروبا وأميركا و(إسرائيل) وصعود الإسلام».

وكذلك فقد عبر الكثير من أصحاب الرأي عن رعبهم وهلعهم من استلام الحضارة الإسلامية لقيادة العالم.

يقول الباحث الألماني باول شمتز: «إن انتفاضة العالم الإسلامي صوت نذير لأوروبا، وهتاف يجوب آفاقها، يدعو إلى التجمع والتساند الأوروبي لمواجهة هذا العملاق الإسلامي الذي بدأ يصحو وينفض النوم عن عينيه، هل يسمعه أحد؟ ألا من مجيب».

 هذا ما يجول في بالهم، فهم يعتقدون جازمين بأن الإسلام له عودة وظهور جديدان على الساحة؛ لهذا يعدون العدة والوسائل والمناهج لعدم عودته، فلن يستطيعوا أبدًا.

وهذه بعض أقوال الساسة الغربيين:

يقول ميتران: «إذا نجح الأصوليون في حكم الجزائر، فسوف أتدخل عسكريًا كما تدخل بوش في بنما».

ويقول نيكسون: «يجب على روسيا وأميركا أن تعقدا تعاونًا حاسمًا لضرب الأصولية الإسلامية».

ويقول كارتر: «والتهديد الوحيد الآن في أعقاب التراجع السوفياتي في الشرق الأوسط على المصالح الأميركية هو الإسلام المتطرف، ولا يقتصر التهديد الإسلامي على المصالح الأميركية فقط، بل يتجاوزها إلى تهديد الأنظمة العربية أيضًا، والولايات المتحدة لن تسمح بنشر ثورة إسلامية جديدة في زي دولة عربية من الدول ذات الأهمية الكبيرة».

يقول أستاذ القانون في جامعة هارفارد  نوح فيلدمان في كتابه «سقوط الدولة الإسلامية وصعودها» البدايات النبيلة للدستور الإسلامي، ثم سقوطه، ثم الوعد الجديد الذي يمكن أن تقدمه عودة الشريعة للمسلمين وللغربيين على حد سواء.

ويرصد المؤلف ظاهرة قوية ومتنامية من المغرب إلى إندونيسيا، وهي أن الشعوب الإسلامية تطالب بعودة الشريعة، وخصوصًا في دول ذات تعداد سكاني كبير مثل مصر وباكستان، متسائلًا: «لماذا يطالب الناس الآن بعودة الشريعة وينجذبون إليها رغم أن أجدادهم في العصر الحديث نبذوها ووصفوها بأنها أثر من الماضي السحيق؟». ويقول: «إن من ضمن الأسباب: أن الحكام الحاليين فشلوا أمام الشعوب بما فيهم الغرب، وأن الشعوب الإسلامية «تفتقر إلى العدالة اليوم» مضيفًا أنه لا توجد طبقة علماء حقيقية، أو طبقة قضاة حقيقيين، كما كان في السابق في الدول الإسلامية حتى الآن».

وتتعدد الدراسات حول الإسلام وأخطاره على الغرب، فتقرير معهد «بيو» الأميركيPew Research Center حول انتشار الإسلام، وجد اهتمامًا كبيرًا من وسائل الإعلام الغربية، ويُذكر فيه أن الإسلام هو الدين الأسرع انتشارًا في العالم، بحسب الأرقام التي تم إعدادها والبيانات الإحصائية في الغرب خاصة.

وأعدت مؤسسة راند تقريرًا حول ضرورة دعم الصوفية؛ لأنها حركة أقرب إلى القيم الغربية… ففي التقرير الشهير لمؤسسة راند، دعت بينارد لدعم التيارات الفكرية «الأقرب لمنظومة القيم الغربية». فقسّمت التيارات الفكرية العربية إلى الأصوليين، التقليديين، الحداثيين، العلمانيين. وبعد تعريفات مبهمة لهذه التصنيفات دعت لدعم الحداثيين والعلمانيين والتقليديين والصوفيين ومكافحة الأصوليين. وفصّل التقرير في طريقة دعم «الشركاء» من خلال «نشر كتبهم وإدراج أفكارهم في التعليم» و»منحهم المنابر». وأوصت بفضح «الأصوليين» وتدريب الحداثيين لمناظرتهم» و«إثبات صلاتهم بالجماعات والأنشطة غير القانونية» و«تشجيع الصحافيين على التحري عن حالات الفساد والأعمال اللاأخلاقية في أوساط الأصوليين» و«تشجيع الانقسام بين الأصوليين»، كما دعت لدعم المذهب الحنفي على حساب الحنبلي، والصوفية على حساب السلفية.

صدر كتاب في ٢٠١٥م، بعنوان Sponsoring Sufism: How Governments Promote «Mystical Islam» in Their Domestic and Foreign Policies كشف فيه المؤلف Fait Muedini عن دعم الأنظمة الحاكمة للتصوف في القوقاز والمغرب والجزائر، والسودان ودور أميركا وبريطانيا.

يمكننا تلمس الدعم للصوفية من خلال إبراز دور علي الجفري وعبد الله بن بيه، وللحداثيين عدنان إبراهيم ومحمد شحرور وتركي الحمد. وتصريح ريكس تيلرسون – وزير الخارجية الأميركي المقال – عن نجاحه في إقناع دول عربية لتعديل المناهج الدينية وسحب القديمة، وتدريب الأئمة والخطباء على مناهج «معتدلة» جديدة… كل هذا يصب في إثبات هذا التوجه تحت مسمى مكافحة التطرف.

هذا ما يجول في بالهم، فهم يعتقدون جازمين بأن الإسلام له عودة وظهور جديدان على الساحة، لهذا يعدون العدة والوسائل والمناهج دون عودته ولن يفلحوا أبدًا.

إن المتتبع للأحداث التي جاءت إثر تلك الدراسات والمؤلفات لمفكري الغرب ولمراكز الدراسات والتفكير، يتبين أن خيار الغرب هو الإسلام المعدل بحسب النمط الغربي والذي لا يخرج عن جبة الديمقراطية… فـ«نوح فيلدمان» كاتب دستور العراق ودستور تونس إبان الثورة سنة 2011م، والذي أعلن سنة 2014م دستورًا لتونس، يقصي أحكام الإسلام من الحياة والدولة، فالغرب يدرك أن حضارته ساقطة لا محالة، فيعمل جاهدًا على صناعة بدائل مشوهة يصفها زورًا بـ«الإسلام السياسي» كنموذج حكم الإخوان في مصر وتونس إبان الثورات العربية… وقد أراد لتلك التجارب المخبرية، أن تفشل، تضليلًا عن الحل الحقيقي، ولتيئيس الأمة من مشروع «الإسلام السياسي الحقيقي». والحال أن دعاة «الديمقراطية المعممة»، هم من فشلوا؛ فالإسلام غُيّب من التشريعات والقوانين التي زادت تكريسًا لحدود سايكس بيكو، وأفسدت معيشة الناس وازداد الأمر بها سوءًا…

ومن بين محاولات الغرب اليائسة للبقاء، محاولات إعادة صياغة النظام البائد نفسه في إخراج جديد، يستند إلى أحلام قديمة للسيطرة على العالم بالقضاء على جميع الأفكار والبدائل في محاولة استباقية خبيثة، لقيام «حكومة كونية عالمية» و«مواطنة عالمية» تذوب فيها جميع الأيديولوجيات، لا سيما مبدأ الإسلام الذي يهدد النظام الرأسمالي، فالغرب يخشى قيام دولة «الخلافة الراشدة على منهاج النبوة» وهي دولة تطبق نظامًا عالميًا جديدًا؛ وعليه يفكر شياطين الغرب في إيجاد استراتيجيات كفكرة «الحكومة العالمية» حيث تحدَّث عنها بعض المفكرين، وتبناها أمين عام الأمم المتحدة هذه السنة أنطونيو غوتيريش، وكان بعض الساسة الغربيين قد شرحوا بعض تفاصيل تلك الخطة على غرار «كيسنجر».

قال كيسنجر في حوار أجرته معه جريدة «ديلي سكيب» الأميركية «إن الحرب العالمية الثالثة باتت على الأبواب، وإيران ستكون هي ضربة البداية في تلك الحرب، التي سيكون على (إسرائيل) خلالها أن تقتل أكبر عدد ممكن من العرب وتحتل نصف الشرق الأوسط»، وذلك بحسب ما أوردته يومية المساء في عددها لنهاية الأسبوع الماضي.

وأضاف قائلًا: «لقد أبلغنا الجيش الأميركي أننا مضطرون لاحتلال سبع دول في الشرق الأوسط نظرًا لأهميتها الاستراتيجية لنا، خصوصًا أنها تحتوي على البترول وموارد اقتصادية أخرى، ولم يبقَ إلا خطوة واحدة، وهي ضرب إيران».

وزاد قائلًا: «عندما تتحرك الصين وروسيا من غفوتهما سيكون (الانفجار الكبير) والحرب الكبرى قد قامت، ولن تنتصر فيها سوى قوة واحدة هي (إسرائيل) وأميركا… وسيكون على (إسرائيل) خلالها القتال بكل ما أوتيت من قوة وسلاح، لقتل أكبر عدد ممكن من العرب واحتلال نصف الشرق الأوسط».

وأضاف كيسينجر منذرًا بأن: «طبول الحرب تدق بالفعل في الشرق الأوسط، والأصم فقط هو من لا يسمعها»، مبرزًا أنه إذا سارت الأمور كما ينبغي – من وجهة نظره – فسوف تسيطر (إسرائيل) على نصف منطقة الشرق الأوسط».

وأشار كيسنجر إلى أن الشباب، الأميركي والأوروبي، قد تلقوا تدريبات جيدة خلال القتال في السنوات العشر الماضية، وعندما ستصدر لهم الأوامر بالخروج إلى الشوارع لمحاربة تلك (الذقون المجنونة) – حسب تعبيره – فسوف يطيعون الأوامر ويحولونهم (يقصد المسلمين) إلى رماد. كما صرح كيسنجر أيضًا بأن «أميركا و(إسرائيل) قد جهزتا نعشًا لروسيا وإيران، وستكون إيران هي المسمار الأخير في هذا النعش، بعدما منحتهم أميركا فرصة للتعافي والإحساس الزائف بالقوة. بعدها ستسقطان للأبد، لتتمكن أميركا (الماسونية) من بناء مجتمع عالمي جديد، لن يكون فيه مكان سوى لحكومة واحدة تتمتع بالقوة الخارقة». وأكد كيسنجر أنه حلم كثيرًا بتلك اللحظة التي تتحقق فيها رؤيته هذه للأحداث.

وقد أعلن الأمين العام للأمم المتحدة تبني مقترح «إنشاء حكومة عالمية…» وقد تم الإعلان عن هذه النية وهذا التوجه نحو حكومة عالمية تدير الشأن العالمي، خلال خطاب ألقاه الأمين العام على هامش أعمال مؤتمر حوكمة الإنترنت، وقد قال السيد غوتيريش مخاطبًا قادة العالم: «عندما يتعلق الأمر بالحوكمة، يجب أن نكون مبدعين وجريئين مثل أولئك الذين قاموا أولًا ببناء الإنترنت. يمكنكم الاعتماد على دعمي في هذه الرحلة نحو مستقبل رقمي مزدهر وآمن وعادل».

وفكرة إنشاء حكومة عالمية ظهرت في بنود تأسيس ميثاق الأمم المتحدة منذ الخمسينات، وبدأ البروفيسور تشارلز برايز رئيس قسم الكيمياء في جامعة بنسلفانيا، يشتغل على الفكرة تحت منظمة الفيدراليين الأميركيين، وهي من مراكز التفكير الأميركية. وفي عام 2015م، أصدرت الأمم المتحدة أول إعلان مبشرةً بقيام الحكومة العالمية سنة 2030م، وتشمل وثيقة الإعلان 91 بندًا تحت عنوان: «حكومة عالمية تنمية مستدامة 2030».

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *