العدد 384 -

السنة الثالثة والثلاثون – محرم 1440هـ – أيلول / سبتمبر 2018م

موقف السلف الصالح من العلاقة بين العلماء والحكام (1)

موقف السلف الصالح

من العلاقة بين العلماء والحكام (1)

 

هذه طائفة من مواقف من فهم إرث النبوة حق الفهم، وقام بالميثاق الذي أخذه الله على العلماء حق القيام، فحفظوا العلم ولم يزروا به، فحفظهم الله وجعلهم أئمة بحق، تنير مواقفهم الدرب إلا من أعشت عيناه، فلم ينفعه نور… هذه المواقف الصادقة مع الله صار علماء اليوم من أبعد الناس عنها، وصرنا نحن المسلمين بأمس الحاجة إليها، صاروا معوانًا للحكام يزينون الباطل، ويزيفون الدين، وكانوا واسطة عقد فارط بين المسلمين وحكامهم… وهذه الطائفة من المواقف هي موجهة إلى علماء اليوم لتذكِّر صالحهم، وتزجر طالحهم، وموجهة إلى المسلمين ليلتفوا حول الصالحين من العلماء، ولينفضوا عن طالحيهم.

– أخرج البيهقي، عن علي بن أبي طالب، رضي الله عنه، قال: «اتقوا أبواب السلطان».

– وأخرج ابن سعد في «الطبقات» عن سلمة بن نبيط قال: «قلت لأبي، وكان قد شهد النبي صلى الله عليه وسلم، ورآه وسمع منه: يا أبتِ، لو أتيتَ هذا السلطان فأصبتَ منهم، وأصاب قومك في جناحك؟ قال: «أي بني، إني أخاف أن أجلس منهم مجلسًا يدخلني النار». 

– وأخرج الدارمي، عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: «من طلب العلم لأربع دخل النار: ليباهي به العلماء، ويماري به السفهاء، أو ليصرف به وجوه الناس إليه، أو يأخذ به من الأمراء».

– وأخرج ابن ماجه، والبيهقي، عن ابن مسعود، قال: «لو أن أهل العلم صانَعوا العلم، ووضعوه عند أهله، لسادوا به أهل زمانهم؛ ولكنهم بذلوه لأهل الدنيا لينالوا به من دنياهم، فهانوا عليهم».

– وأخرج ابن أبي شيبة، عن حذيفة بن اليمان، رضي الله تعالى عنه، قال: «ألا لا يمشين رجل منكم شبرًا إلى ذي سلطان». 

 -وأخرج ابن أبي شيبة، وأبو نعيم في «الحلية»، عن حذيفة، رضي الله تعالى عنه، قال: «إياكم ومواقف الفتن! قيل: وما مواقف الفتن؟ قال أبواب الأمير؛ يدخل الرجل على الأمير، فيصدقه بالكذب، ويقول ما ليس فيه».

– وأخرج ابن أبي شيبة، والبيهقي، عن سلمة بن قيس، قال: لقيت أبا ذر، فقال: «يا سلمة بن قيس! ثلاث فاحفظها: لا تجمع بين الضرائر، فإنك لن تعدل ولو حرصت، ولا تعمل على الصدقة، فإن صاحب الصدقة زائد وناقص، ولا تغشَ ذات سلطان، فإنك لا تصيب من دنياهم شيئًا، إلا أصابوا من دينك أفضل منه».

– روى أبو نعيم في الحلية، عن ميمون بن مهران، أن عبد الله بن عبد الملك بن مروان قدم المدينة، فبعث حاجبه إلى سعيد بن المسيب، فقال له: أجب أمير المؤمنين! قال: وما حاجته؟ قال: لتتحدث معه. فقال: لست من حدَّاثه. فرجع الحاجب إليه فأخبره، قال: دعه.

– وروى الخطيب، عن حماد بن سلمة: أن بعض الخلفاء أرسل إليه رسولًا يقول له: إنه قد عرضت مسألة، فأتنا نسألك. فقال للرسول: قل له: «إنا أدركنا أقوامًا لا يأتون أحدًا؛ لما بلغهم من الحديث. فإن كانت لك مسألة فاكتبها في رقعة، نكتب لك جوابها».

– وأخرج أبو الحسن بن فهر في كتاب «فضائل مالك»، عن عبد الله بن رافع وغيره قال: «قدم هارون الرشيد المدينة، فوجَّه البرمكي إلى مالك، وقال له: احمل إليّ الكتاب الذي صنفته حتى أسمعه منك». فقال للبرمكي: «أقرئه السلام وقل له: إن العلم يزار ولا يزور». فرجع البرمكي إلى هارون الرشيد، فقال له: يا أمير المؤمنين! يبلغ أهل العراق أنك وجهت إلى مالك في أمر فخالفك! أعزم عليه حتى يأتيك. فأرسل إليه فقال: «قل له يا أمير المؤمنين، لا تكن أول من وضع العلم فيضيعك الله».

– وروى غنجار في تاريخه عن ابن منير: أن سلطان بخارى، بعث إلى محمد بن إسماعيل البخاري يقول: احمل إليّ كتاب «الجامع» و «التاريخ» لأسمع منك. فقال البخاري لرسوله: «قل له أنا لا أذل العلم، ولا آتي أبواب السلاطين، فإن كانت لك حاجة إلى شيء منه، فلتحضرني في مسجدي أو في داري».

– وقال نعيم بن الهيصم في جزئه المشهور: «أخبرنا خلف بن تميم عن أبي همام الكلاعي، عن الحسن، أنه مر ببعض القراء على بعض أبواب السلاطين، فقال: «أقرحتم جباهكم، وفرطحتم نعالكم، وجئتم بالعلم تحملونه على رقابكم إلى أبوابهم؟! أما إنكم، لو جلستم في بيوتكم لكان خيرًا لكم، تفرقوا فرَّق الله بين أعضائكم»  

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *